تفسير آية

تفسير آية: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة

قال الله تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾. سورة الأنفال، الآية 60

الإرشادات والمضامين:

1-وجوب الاستعداد الدفاعي الشامل بالقدر الممكن:

“الإعداد” تهيئة الشيء للظفر بشيء آخر، والمراد من “القوة” في الحرب، كل ما يمكن به الحرب والدفاع من أنواع الأسلحة، والرجال المدرّبين ومراكز التدريب، وقوله تعالى ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم…﴾، أمر عام لجميع الناس بتهيئة القوى الحربية قدر استطاعتهم وما يحتاجون إليه لمواجهة الأعداء الموجودة بالفعل أو المفترض، وفُسِّرت “القوة” في الروايات بالسلاح، والسيف، والترس، والخضاب بالسواد،- (ليظهر بمظهر الشاب الفتي)-، والرمي وذلك من باب بيان أفراد الإعداد .

وعليه: فالقوّة لفظ كلي عام شامل لكافة مظاهر القوة التي تظهرها الأدوات القتالية أو التي يتمتع بها المقاتل واقعاً أو ظاهراً كما يستوحى من الروايات، وهذا يقتضي تعلّم الفنون العسكرية كما أصبح متعارفاً عليه حديثاً في المؤسسات العسكرية ، وامتلاك الأسلحة الحديثة، والخطط الحربية التي تتوافق مع أرض المعركة وجغرافيا الطبيعة… إلخ، وبمعنى آخر: امتلاك كلّ أنواع القوى والقدرات المادية والمعنوية ، وهذا يشمل عملية صنع المدافع بأنواعها، والبنادق، والدبابات، والطائرات، والمفخخات، وإنشاء المركبات الحربية بأنواعها ومنها الغوَّاصات. ويجب تعلّم الفنون والصناعات ذات الصلة .

2- أهمية استعداد عامة الناس في الدفاع:

السرّ في توجيه الخطاب للناس في هذه الآية، – بعدما كان الخطاب في الآيات السابقة موجَّهاً إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم -، أنّ الحكومة الإسلامية هي حكومة إنسانية تراعي حقوق الأفراد وتحترم إرادتهم، ومن ضمن الأهداف التي يسعى العدو إلى استهدافها وتحطيمها هي حقوق الأفراد ومنافعهم. ولهذا فعلى الأفراد أن تدافع عن مصالحها، وحقوقها. نعم، هناك جزء من الاستعدادات لا تقوى عليه إلا الحكومات، لكونها تحتاج إلى استطاعة مالية كبيرة، وتجهيزات عظيمة، ولكن بعض الأمور يمكن أن تكون على عاتق الأفراد، مثل تعلّم العلوم الحربية، فالتكليف في التعلم موجه إلى الجميع .

3- وجوب الدفاع عن الحدود:

في هذه الآية أمر أيضاً بوجوب مرابطة الفرسان في ثغور البلاد وحدودها، – وهي مداخل الأعداء ومنافذ مهاجمتهم-، والمراد هنا أن يكون للأمّة الإسلامية جيش دائم مستعدّ للدفاع عنها إذا فاجأها العدو على حين غرّة، ففي السابق كانت الخيل أساس هذا الجيش لسرعتها وقدرتها على المناورة والتحرّك، وإيصالها الأخبار من ثغور البلاد إلى عاصمتها وسائر أرجائها، ولذلك عظّم الشارع أمر الخيل وأمر بإكرامها .

4- إرهاب العدو وثنيه عن الهجوم من نتائج الاستعداد الشامل:

جملة ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ هي في مقام التعليل لقوله تعالى ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم﴾ ، بعبارة أخرى الهدف من وجوب الدفاع ورفع مستوى القدرة على القتال ليس تزويد الناس بأنواع الأسلحة المدمّرة التي تهدم المدن وتحرق البلاد، وتقتل العباد، وليس الهدف منه استغلال أراضي الآخرين وممتلكاتهم، وتوسعة الاستعباد والاستعمار في العالم، بل الهدف من ذلك ترهيب عدوّ الله وعدوّ المسلمين .

5- أصالة الصلح في الإسلام:

إن تقييد الإعداد بقصد ترهيب الأعداء، دليل على أفضلية جعله سبباً لمنع الحرب على جعله سبباً لإيقاد نارها، فالله عزّ وجلّ يقول: استعدوا لمواجهة الأعداء عسى أن يمتنعوا عن الإقدام على قتالكم .

6- وجوب إظهار القدرة القتالية أمام العدو (الاستعراض):

خوف العدو من القدرة العسكرية يستلزم معرفته بالقدرة القتالية لأهل الإيمان. وعليه: يجب على المسلمين استعراض قواهم بنحو ما في مقابل العدو .

7- هدف الاستعداد الدفاعي الشامل حفظ الإسلام والمسلمين:

اقتران عبارة ﴿عَدُوَّ اللهِ﴾ بكلمة ﴿عَدُوَّكُمْ﴾، إشارة إلى عدم وجود منافع وأغراض شخصية في الجهاد والدفاع الإسلامي، بل الهدف هو حفظ رسالة الإسلام الإنسانية والمسلمين .

8- وجوب الاستعداد العسكري لمواجهة العدو غير المعروف:

يستفاد من هذه الآية وجوب عدم الاكتفاء بلحظ الأعداء المعروفين، وإنّما الالتفات في الخطط والبرامج إلى العدو المجهول أيضاً . وأمّا المقصود من ﴿وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ﴾ ففيه خلاف، حيث ذكر المفسِّرون أقوالاً أشاروا فيها إلى يهود بني قريظة ، وكلّ من لم يعرف المسلمون أنّه عدوّهم .

9- ترغيب المؤمنين على الجهاد بالمال لتحصيل الاستعداد الدفاعي الشامل:

لمّا كان إعداد العدّة يقتضي تمويل، وكان النظام الإسلامي كلّه يقوم على أساس التكافل، فقد اقترنت الدعوة إلى الجهاد بالدعوة إلى إنفاق المال في سبيل اللّه ، فحضّ الله تعالى في هذا المقام على إنفاق المال وغيره مما يعين على القتال فقال: ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ﴾، أي ومهما تنفقوا من شيء نقداً كان أو غيره، قليلاً كان أو كثيراً في إعداد القوة للمجاهدين والمرابطين في سبيل الله، يعطكم الله جزاءه وافياً تاماً ولا ينقص من جزائه شيء .

10- توسيع نشاط المؤمنين لتحصيل الاستعداد الدفاعي الشامل:

كلمة “شيء” لها مدلول واسع يشمل الروح، المال، الفكر… ، وهي أعمّ من كلمة “خير” في الآية ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ﴾ ، لأنّ الخير هنا منصرف إلى المال.

11- الجهوزية الدفاعية تصدّ الأعداء:

احتمل بعض المفسرين أن جملة ﴿وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾ أنها معطوفة على جملة ﴿تُرْهِبُونَ﴾، وبناءً على هذا التقدير يكون معنى الآية: أنّكم إذا ما أعددتم القوّة اللازمة لمواجهة الأعداء، فسيخافون أن يهجموا عليكم، ولن يقدروا على ظلمكم وإيذائكم، وبناءً على ذلك فلن يصيبكم ظلم أبداً .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى