كتب السياسة والتاريخ

كتاب ما هي العولمة

ملخص الكتاب

نحن نعيش في عالم ، نميزه الاضطرابات والأخطار والأزمات الخطيرة المتزايدة ، ومن المؤكد أننا نستطيع أن نقول هذا عن ازمنة أخرى أيضاً ، من ذلك مثلاً ما حدث إبان عملية التصنيع في أوروبا وفي أجزاء أخرى من العالم . وأهم ميزة في مجتمع الخطر العالمي ، الذي انشغل أنفسنا به اليوم ، تكمن في أن أزماته وأخطاره هي بالذات النتائج غير المقصودة المترتبة عن كل محاولاتنا من أجل كبح جماحها . ومن الممكن توضيح هذا من خلال مناقشات متنوعة ، مثل مناقشة الكارثة البيئية المتوقعة ، أو مسائل الجينات البشرية ، أو الفجوة القائمة بين العلم والعمل ، التي تجلت في ميدان التلاعب بالمواد الغذائية المستعملة في تقنية الجينات على أن من الممكن إظهارها أيضاً من خلال حركات الناس ، والبيانات والرموز الثقافية عبر حدود الدولة الوطنية ، التي كانت حتى الآن تبدو متماسكة . وغالباً ما دخلت على هذه التحولات الكبيرة ، التي نوقشت تحت شعار « العولمة » ايضا ، مجازات مثل النهر ولا المنظر الريفي ، اللذين يراد منهما الدلالة على لا محدودية الحركات والفعاليات . وحتى إذا ما عرضنا أولاً لحركات البشر عبر الحدود ، فإن السؤال الآتي ببقى مشروعاً ، وهو ما مدى ما تصل إليه قناتنا وهي هنا الهجرة في واقع الأمر والمقصود من ذلك هو حركة الناس ، الذين يعيشون هنا أو هناك ويتم تحديد مركز النقل في حياتهم في كل مرة عن طريق المجتمعات المنظمة حسب الإقليم الوطني للدولة . والشكوك المثارة حول ذلك تجد تبريرها في أن الدول ، والأكثر من ذلك أن فصيلة الدولة الوطنية المنظمة إقليمياً نتغبر في غمرة هذه العمليات . وهناك كثير من الناس يعتقدون لأسباب منطقية أن العولمة الاجتماعية ، وكذلك الثقافية والسياسية ، تسعى في نهاية المطاف إلى تحويل الدولة ، غير أن من المؤكد أنها تسعى أيضاً إلى نزع الملكية منها . وكانت نتيجة إضعاف الدولة الوطنية أن المهاجرين مثلاً يمكن أن يخضعوا لفئات عرقية تزداد غموضاً ويحولوا إلى مواطنين وطنيين . والمهاجرون لهم مصاعب كبيرة ، وهم قليلو الرغبة في الانتماء إلى الأمكنة ، التي هاجروا إليها ، ويتعاور إما وإما الرضا والمقاومة بشكل أوضح وأكثر إلحاحاً على الدوام ، بمعنى أن المرء يعيش على نحو ما وفي الوقت نفسه هنا وهناك . فثمة شبكات قوية من الشركات والهويات تنشأ عبر الحدود في الأسر ، في أنظمة القرابة وفي الحياة الجماعية والسياسية على حد سواء . ويتعلق الأمر في هذه التغييرات بأكثر من قيمة إحصائية . ولعل الهجرة بين الدول لم تتغير بشكل جوهري عما كانت عليه قبل قرن من الزمان أو في عصر هجرة الشعوب . وقد يكون علماء الاقتصاد على حق حين أكدوا أن دلائل العولمة الاقتصادية ( التزامات العمل الدولية مثلاً ) ليت اليوم أكبر منها في مرحلة ما بين ۱۸۷۰ و ۱۹۱۹ . ولكن الالتزامات الاقتصادية العالمية تتم اليوم ، مقارنة بنهاية القرن التاسع عشر ، على مستوى أرفع من إنتاجية العمل ، والدخل ، وتراكم رأس المال ، وخاصة تدمير الطبيعة ، وقد تخطت الفعالية الاقتصادية العالمية حدودها واتخذت مساراً سريعاً . وتدو عولمة العصر هذه على أوضح ما تكون في الأسواق المالية ، التي تضمن لها تقنية البيانات والاتصالات اختفاء الفروق الزمنية بين الأسواق المالية المختلفة ، بحيث تقل النقود ورؤوس الأموال في الوقت الحقيقي تقريباً . والعولمة ليست ازدواجية لها رابحون وخاسرون ) ومجهولة العواقب فقط ( إذ يمكن أن تؤدي إلى المعجزة الاقتصادية أو إلى الانهيار الاقتصادي ) . ومن الممكن أيضاً تشكيلها وترويضها من الوجهة السياسية . وهذه على أية حال هي النتيجة ، التي يمكن استخلاصها من الأزمة الآسيوية ابتداء من عام ۱۹۹۷ : نحن في حاجة إلى تنظيم جديد للنظام المالي الشامل ، يمكن مقارنته باتفاقية بريتون وودس Bretton – Woods ، وذلك لخنق المضاربات ، التي تدور حول الأرض بسرعة ناقل البيانات ( Moden حوالي مليار دولار في اليوم ) . | نزع الملكية عن الدولة تعني أيضاً أن قدرة الدول ( لا سيما في الغرب ) على إدماج المهاجرين وتجنبهم قد انخفضت إلى حد كبير . ويبدو أن الدولة المنزوعة الملكية أقل قدرة على امتصاص المجموعات السكانية ، والتيارات المالية لا تفوتي وحدها نزع الملكية عن الدولة وإنما يقويها كذلك رواج المنتجات والرموز الثقافية والأخبار والبيانات التقنية والتحول التقني نفسه ، الذي يسرع بالتيارات المالية ، يسرع أيضاً بنهر الأفلام والمعبودات ، والرموز و ( تصورات الحياة الممكنة أيادوري ) لا ريب أن الديموقراطيات غير العدائية بعد نهاية النزاع الغربي – الشرقي ، وهي المسؤولة في الوقت نفسه عن التنظيمات الداخلية والدولية في إطار المؤسسات الوطنية وفوق الوطنية ( مثل أوروبا ، ا والأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية ، إلخ ) في حاجة إلى منابع جديدة للشرعية تتجدد على أساسها . وينبغي لهذه المنايع أن تجعلها في وضع يسمح لها أن تبتكر في عصر العولمة تبريرات للنجاح في فعالياتها وبياناتها الذاتية . ولكي نعبر عن ذلك بحدر نقول : إن التهذيب الأخلاني للسياسة الدولية ، التي بدافع الغرب بواسطتها عن حقوق الإنسان ، تملأ هذا الفراغ بمضمون يشبه رسوم الكتاب وتحمله رسالة عن المواطنة العالمية موجهة إلى المؤسسات السياسية ، وليس من المبالغة الحديث عن الحملات الصليبية الديموقراطية ، التي سيحارب فيها الغرب في المستقبل بسبوف ذات حدين شديدة المضاء دفاعاً عن حرية التجارة العالمية وحقوق الإنسان ، وكذلك عن تجديد الشرعية الذاتية الخاصة لقد أصبح ذلك ، الذي كان الناس يبتسمون سخرية منه ، يلعب اليوم دوراً رئيسياً في مفكرة السياسة الدولية ، وهو ما تحقق بشكل واسع من حقوق الحرية السياسية وقيمها ، والجدير بالملاحظة في ذلك أن هناك معالم فترة جديدة لما بعد السياسة الدولية ترنسم خلف واجهات أخلاق المواطنة العالمية من ناحيتين على أقل تقدير : لقد أزيلت من ناحية القواعد القديمة والرسوم الحدودية بين السياسنين الداخلية والخارجية منذ مدة طويلة . والغرب والمنظمات فوق الوطنية نتحكم تحت راية ضمان حقوق الإنسان وحرية التجارة العالمية علناً وباستقلالية كبيرة في الشؤون الداخلية السابقة للدول الأخرى . وفي مسيرة اللغة الجديدة للعولمة الاقتصادية والأخلاقية تنتزع انواة حقوق سيادة الحداثة للدولة الوطنية وتفتح لتقع في نبضة المسؤولية الشاملة وخلف رسالة المواطنة العالمية يعاد من ناحية أخرى إخراج مشاهد ألعاب السيطرة الاستعمارية القديمة بين علاقات المرشدين الدوليين والزبائن ، والمصالح النفطية ، والتنافس الاقتصادي ، والمناورات السياسية الجغرافية ، وبما أن المطالبية العالمية بالحقوق الأساسية والتدخلات العسكرية المناسبة لذلك ( في يوغوسلافيا السابقة مثلا ) تعتبر شرعية للغاية و البرية ، فكثيراً ما يغيب عن الأذهان أنها لهذا السبب ترتبط بالأهداف القديمة للامة الاستعمارية العالمية.

  • المؤلف: أولريش بيك

تحميل الكتاب PDF

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى