وصايا الشهداء

وصية الشهيد أحمد الملالي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

قال تعالى في محكم كتابه الكريم “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ”.

إن الموت ليس انتهاء للحياة، وإن الموت ليس فناء وعدما، فالقرآن المجيد يرى أن الإنسان بعد موته ينتقل إلى عالم أوسع ولذلك يصرح القرآن الكريم بأن الشهداء أحياء يتمتعون برحمه الله ونعمه.

نعم لقد مات الجيد ولكن الروح ما زالت حية ترزق عند ربها، فهم عند ربهم يستبشرون فرحين بما آتاهم الله من فضله، فرحين بهذه العناية الإلهية ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من إخوانهم وأحبائهم الذين لا يزالون محبوسين في قفص الدنيا.

فالموت انتقال للعالم الأعلى، وانتقال للعالم الأرفع حيث إجتماع الأبرار والأخيار.

لذلك نرى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يأنس به ويقول ” وَاَللَّهِ ؟لاَبْنُ أَبِي طَالِبٍ  آنَسُ بِالْمَوْتِ مِنَ اَلطِّفْلِ بِثَدْيِ أُمِّهِ”.

فإذا اجتهد الإنسان في أن يتعامل مع ربه، وسعى في أن تكون أعماله خالصة لوجه الله، فإن عمله هذا سيكون سببا لحياته السعيدة الخالدة بقرب الله عزوجل. إنما هذا القرب يكون على مراتب عديدة، وأعلاه مرتبة هي التي تكون سبباً في اتصال مبدئ الحياة منذ ساعة الموت، وهي ان يقتل الإنسان في سبيل ربه ويقدم روحه العزيزة لله، فعندما يقدم الإنسان روحه لله فباللحظة نفسها تتصل روحه بمبدأ الحياة، وتنال السعادة التي ليس فوقها سعادة، لأنه قدم براً ليس فوقه بر، كما جاء في الحديث “فوق كلّ ذي بِرٍّ بَرٌّ حتّى يُقتل الرجل في سبيل الله، فإذا قُتل في سبيل الله فليس فوقه برّ”.

فلا يوجد أي إنسان مؤمن عاقل إلا تمنى أن يحظى بهذا الفضل من الله، والذي لا يتحقق إلا بالشهادة، فهنيا للشهداء الأبرار، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا من المستشهدين في سبيله وابتغاء رضوانه.

ولمعرفة هذا السبيل علينا الإقتداء بمدرسة أهل البيت عليهم السلام وبالخصوص مدرسة سيد الشهداء عليه السلام.

لم تكن عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام مناسبة للندب والتعزية فحسب، بل كانت وما زالت وقفة للتأسي بدروسها والإقتداء بأبطالها، وعليه يجب علينا أن نقتدي بسيد الشهداء عليه السلام.

وأن نتأسى به في جميع شؤوننا، فإن الذي يحظى بمنزلة أرفع وحرمة أكبر عند سيد الشهداء عليه السلام، هو الأقدر على أخذ العبرة منه وذرف الدمعة والعبرة عليه، وعلى قدر السعي في هاتين المسألتين يكون الثواب الجائزة.

فقبل كل شيء يجب أن نعلم لماذا اختار الإمام الحسين عليه السلام وأبناءه وأصحابه طريق الشهادة وبهذه الطريقة المفجعة؟

في الحقيقة، أن الإمام الحسين عليه السلام بإستشهاده قد فتح مدرسة العبرة للجميع ليقارعوا الظلم، ويتحملوا الشدائد والمصائب حتى يذوقوا طعم السعادة. فإذا أردنا أن نتقرب منه أكثر علينا أن نبذل ما نملك في خدمة هذه القضية والسعي لتحقيق أهدافها، وأن نضعها على رأس أولوياتنا، لتقر عين الإمام الحسين عليه السلام، والإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.

ولنعلم أنه على قدر همتنا في المضي في هذا الدرب تكون عنايتهما ولطفهما تجاهنا.

وهذه المسؤولية في تعلم الإسلام الصحيح، والعمل به وبتعاليمه تقع على عاتق كل فرد منا، وفي كل الظروف والأحوال على كل فرد منا أن ينظر ما هي وظيفته اتجاه نفسه واتجاه الآخرين، وما هي واجباته وحقوقه في جميع المعاملات.

فإذا جمعنا بين العقيدة الصحيحة والأعمال الصالحة، والأخلاق الفاضلة، فبذلك تحصل على كمال العناية، والمدد الإلهي الذي هو طريق النصر. “إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ” فنصرة الله سبحانه وتعالى تعني الحفاظ على أحكامه لإصلاح شأن الناس، ودفع المظالم عنهم واعانتهم على التقوى.

وهذا يؤدي إلى انتشار العدل والسعادة في الأرض، ودحر الظلم والأحزان منها. فبذلك نكون قد حققنا الهدف من خلقه الإنسان وهي العبودية لله، وإعمار الأرض.

وصية الشهيد أحمد الملالي

سجن جو المركزي

شاء الله أن ينقطع القلم وتوضع النقطة قبل انتهاء الوصية، فلم يتمكن الشهيد أحمد أن ينهي كلماته لموافاة الشهادة له أمراً من الله تعالى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى