ثقافة

الثورة الحسينية على ضوء كلمات الإمامين الخميني والخامنئي

أصبحت ثورة الإمام الحسين(ع) منذ تفجُّرها مشعلا يضيء صفحات التاريخ على امتداد الزمن، واحتلت موقعا هاما في العالم بشكل عام وفي العالم الإسلامي بشكل خاص، وشكلت رؤية بعيدة ومثال أعلى لكل الأحرار والمستضعفين فكانت مدرسة لكل الأجيال، تعلّم دروس العزّة والصمود، وتخرّج الثوّار، وتحفظ الإسلام ومكانته، وما صَوْنُ الإسلامِ وبقائه حيا حتى وصل إلينا إلا بفضل تلك التضحيات بالغالي والنفيس فإنّ (كل ما لدينا من عاشوراء).

عين لا تنضب

لو ألقينا نظرة على المؤلفات والخطابات التي تمحورت حول الثورة الحسينية وكربلاء وعاشوراء لرأينا أنّ المكتبة الإسلامية زاخرة وغامرة، وأنّ هذه المؤلفات يُفرد لها باب خاص، بل إنها داخلة في كل باب، في التاريخ والعقيدة والأدب والحكمة وغيرها، ولو تصورنا أنّنا مكتفين ولسنا بحاجة إلى مزيدِ بحثٍ وتحقيقٍ وتحليلٍ وتأليفٍ لكان هذا التصور وهما وخيالا، فإنّ الكثير بعدُ لم يقال كما أكدّ على ذلك القائد الخامنئي(دام ظله)حيث قال: كلما اتسع مجال التفكير والبحث والتحقيق والمطالعة فقد بقي الكثير مما لم يقال عن هذه الحادثة العظيمة والعجيبة التي لا نظير لها.

وأكّد بأنّ كل حركةٍ وسكونٍ تمثّل درسا: لو نظرنا الحادثة منذ أن خرج أبو عبدالله(ع) من المدينة وتوجه نحو مكة إلى أن استشهد في كربلاء لأمكننا أن نقول إنّ الإنسان يستطيع عدّ مائة درس مهم في هذا التحرك الذي استمر أشهر معدودة فقط ولا أود القول آلاف الدروس وإن أمكن قول ذلك حيث تعتبر كل إشارة من ذلك الإمام العظيم درسا.

أسباب الثورة

بعد الجهود المضنية التي بذلها النبي(ص) والمسلمون في صدر الإسلام لتقوية قواعد الإسلام وانتشاره قد أوشك أن ينمحي بوصول بني أمية إلى سدة حكم الدولة الإسلامية وخصوصا بعد تسلُّم يزيد الماجن الفاسق الحكمَ أو ما عُرف بولاية العهد من أبيه، وصارت المخاطر تحدق بالإسلام والمسلمين، فالحاكم المدعي لخلافة رسول الله(ص) يشرب الخمر ويلعب القمار وتقام في مجالسه كل أنواع اللهو والطرب ثم يؤم المصلين ويقيم الجمعة ويصعد المنبر يخطب في الناس، ولقد رأى الإمام الحسين(ع) أنّ يزيد(لعنه الله) يعمل على هدم الإسلام ومحو آثاره وإن كان يلقلق الشهادتين بلسانه، فنهض(ع) وفجّر الثورة وأعلن بأن حكم يزيد لا يمكن أن يبقى أبدا.

وصوّر الإمام الخميني(قده) المشهد التاريخي بقوله: لقد كاد الدين الإسلامي يندثر ويتلاشى نتيجة انحرافات حثالات الجاهلية وخططهم الهادفة لإحياء الشعور الوطني والقومي برفعهم شعار(لا خبر جاء ولا وحي نزل) فقد عملوا على تحويل حكومة العدل الإسلامي إلى حكم ملكي امبراطوري وعزل الإسلام والوحي وإزوائهما حتى نهض فجأة رجلٌ عظيم تغذّى من عصارة الوحي الإلهي وتربّى في أحضان سيد الرسل محمد المصطفى(ص) وسيد الأولياء علي المرتضى(ع) وترعرع في أحضان الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء(ع) فانتفض ثائرا ليصنع ــ ومن خلال تضحيته الفذة ونهضته الإلهية ــ أكبرَ ملحمة جهادية في التاريخ.

الخيارات المطروحة

يذكر السيد القائد أن لا خيار غير الثورة في عهد الإمام الحسين(ع) بخلاف عهد الإمام الحسن(ع) فإنه كان بين خيارين: الحياة والشهادة، والأول كان أنفع وأجدى فاختاره الإمام(ع) مع كونه وَعِرا وشاقا، أما الإمام الحسين(ع) فلم يكن ذلك متاح له، فإنّ يزيد المستهتر الأرعن وضع للحسين خيارين لا ثالث لهما، البيعة أو القتل ولو في حرم الله الآمن، ويستحيل أن يقبل الإمام(ع) بالخيار الأول(البيعة) فهو القائل: ألا وإنّ الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة.

ثم إنّ الإمام الحسين(ع) اذا لم يثُر فإنه سيموت أو يُقتل بأي طريقة وربما تضيع الأهداف المرجوة من وراء الثورة، ولعلّ -والله العالم- هذا ما رمى إليه الإمام(ع) في حديثه مع أم سلمى حينما سألته الرجوع عمّا أراد من الذهاب إلى كربلاء فقال لها: يا أماه إن لم أذهب اليوم ذهبت غدا، وإن لم أذهب في غد ذهبت بعد غد، وما من الموت يا أماه والله بد.

الأصحاب والإختيار الواعي

عندما أشعل الإمام الحسين(ع) فتيل الثورة برفض البيعة توجه مباشرة نحو مكة قاصدا حجَ بيت الله وتبليغَ الثورة للحجيج، ومن هناك يبدأ بتجميع أنصاره وتشكيل الجيش، فاجتمع معه ثلة قليلة آمنوا بالثورة وانطلقوا نحو الكوفة، وفي الطريق وكلما مرّ الإمام(ع) بمناطق وقبائل عرفه أهلُها والتحق به جمع منها حتى اجتمع معه جماعة كثيرة، لكنّ الإمام(ع) يعلم بما انطوت عليه أسارير الكثير من هؤلاء وإنهم ليسوا أهل نخوة وثبات وقتَ الشدة، فمنهم من التحق لظنه أنّ الحسين منتصر لا محالة والغنائم والمناصب كثيرة وكبيرة، والبعض الآخر منهم حسب أنّ نتائج الحرب معلومة أو ما هي إلا مناوشات بسيطة فإن الحسين(ع) قادم على بلاد أهلها تحت طاعته، فلذلك كره الإمام الحسين(ع) أن يكون في ركبه هؤلاء.

وعندما يرى(ع) مسافرا قادما من ناحية الكوفة يستعلم منه أخبار الكوفة فيجيبه بأنّ مسلما وهانئا قُتلا وانقلب أهل الكوفة إلى ابن زياد والظروف سيئة وليست في صالحكم، هذا وأصحاب الأهداف والمطامع يسمعون فتضطرب نفوسهم كاضطراب الموج ويتحينون الفرصة للفرار، وما إن خطب الحسين(ع) وأعفى القوم من البيعة وجدوا الفرصة مناسبة ولاذوا بالفرار وتفرقوا، أما أصحاب الحسين الخلَّص فعلى عكسهم تماما لا يساورهم أدنى شك ولا تهزّهم العواصف، بل يقوى يقينهم ويزداد اطمئنانهم بما وعدهم الإمام(ع) من بلوغ الفتح وهذا ما أشار إليه الإمام الخميني(قده) بقوله: كان الجميع يعلمون أنهم مستشهدون بأجمعهم عما قريب، بل بعد سويعات ليس غير، فكانوا يتسابقون إلى الشهادة لأنهم كانوا يعون إلى ما هم منقلبون، ويدركون إلى ماذا يستهدفون من المجيء، ويعلمون أنهم أتوا لأداء واجب الهي، ولصيانة الإسلام.

الشهادة والنتائج والأهداف

قيل بأنّ الإمام الحسين(ع) ثار لإسقاط حكومة يزيد(لعنه الله) وقيل بأنه ثار ليستشهد، وهذان القولان وإن كانا صحيحين في الجملة إلا أنّهما في الحقيقة طريقان لا هدفان، أي أنّ الإمام الحسين(ع) أراد تحقيق الهدف الأكبر من خلال أحد هذين الطريقين فإنه أعدّ وتجهّز للحرب وتجهّز أيضا لاسقاط الحكم، وإنّ هدفه الأكبر هو أداء تكليفه الشرعي والقيام بواجبه كما قال السيد القائد(دام ظله): إذن كان الهدف أداء هذا الواجب، فعندها تكون نتيجة أداء الواجب أحد الأمرين: إما الوصول إلى الحكم والسلطة، وكان الإمام الحسين(ع) مستعدا لها ليعود المجتمع كما كان عليه في عصر رسول الله(ص) وأمير المؤمنين(ع) أو يصل إلى الشهادة وكان الإمام الحسين(ع) مستعدا لها أيضا.

كان بعض العلماء في زمن الإمام الحسين(ع) يحثونه على عدم الذهاب إلى الكوفة فإنّ الحركة خطيرة، فالنتيجة إذًا تكليفك سقط لوجود الخطر، إلا أنهم لم يدركوا أن هذا التكليف لا يسقط بوجود الخطر، وهل يمكن أن تكون ثورة بلا أخطار؟!! يقول السيد القائد(دام ظله) في ذلك: لقد كانوا يقولون للإمام الخميني(قده) إن الخطر في مواجهتهم للشاه، فهل أنّ الإمام(قده) لم يكن يعلم بالخطر؟!! ألم يكن الإمام يعلم أنّ جهاز الأمن البهلوي يعتقل ويقتل ويعذب؟!! بلى فالذي حدث في عصر الإمام الحسين(ع) حدث في عصر الإمام الخميني(قده) فقد كان هدف الإمام الحسين(ع) وهدف إمامنا العظيم مشتركا وهو إرجاع الإسلام والمجتمع الإسلامي إلى الصراط المستقيم، والخط الصحيح.

وهل أنّ الثورة اذا كانت نتيجتها الشهادة لا تصبح واجبة ؟ يجيب(دام ظله): إنّ الثورة واجبة وإن انتهت بالشهادة ولا فرق في ذلك سواء انتهت بالشهادة أو الحكم لكن لكل منهما نوع من الفائدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى