بيرق

عِبرة من سلاطين الجور

يدور محور الحديث في هذه العبرة عن العاقبة التي نزلت بواحدٍ من أولئك الجبابرة والسلاطين الذين ظلموا وأفسدوا في الأرض وهو الحجاج بن يوسف الثقفي، الذي جرت معه الحادثة التالية والتي نذكرها باختصار.

يُحكى أن هند بنت أبيها كانت أحسن زمانها، فوصف للحجّاج حسنها، فأرسل إليها لخطبتها، وبذل لها مالاً كثيراً وتزوّج بها، وأمهرها مائتي ألف درهم، واختلفت معه بعد رؤيتها لكثرة ظلمه، ووقع خصام بينها وبينه، فطلقها الحجاج.

ثم بلغ الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان خبرها فطلب منها الزواج، فقالت له: والله لا أملّ العقد إلا بشرط، فإن قلت ما هو الشرط؟ فقلت: أن يقود الحجّاج محملي إلى بلدك التي أنت فيها، ويكون ماشياً حافياً. بحليته التي كان فيها أولاً.

فلما قرأ عبد الملك ما كتبته إليه ضحك ضحكاً شديداً، ووافق على طلبها، وأمر الحجاج بامتثال ما طلبته ولم يخالف. فركبت عند محمل الزفاف، وركب حولها جواريها وخدمها، وأخذ الحجاج بزمام البعير يقوده ويسير به. ولما وصلت إلى بلد الخليفة رمت بدينار على الأرض ونادت: يا جمّال: إنّه قد سقط منّا درهم فارفعه لنا، فنظر الحجاج إلى الأرض فلم يجد درهماً، فقال: إنّما هو دينا، فقالت: بل هو درهم، فقال: بل دينار، فقالت: الحمد لله، سقط منّا درهم (إشارة إلى الحجاج) فعوّضنا الله عنه بدينار (إشارة إلى الخليفة الأموي). فخجل الحجاج وسكت.

فكان كما قالت له رغم جبروته وعظمة سلطانه يساوي درهماً في أخر أيامه.

فلينظر كل سلطان جبار جائر لطاغيةٍ مثل الحجاج كيف أذلّه الله على يدهِ امرأة ضعيفة لا تملك من أمرها شيئاً، بعد أن كان جبّاراً متجبراً ظالماً، لا تأخذه في سبيل شهواته وتزواته رأفةً بأحد من عباد الله.

وهذه هي حال كل ظالم في هذه الحياة الدنيا، وفي مقابل ذلك فإن الله يعطي المؤمن من عباده المظلومين في هذه العاجلة قبل الآجلة ما يعوّضه فيها عن بعض الظلم الذي وقع عليه صابراً محتسباً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى