تقارير عسكرية

الأزمة البنيوية في جيش الاحتلال الإسرائيلي والتأثيرات الإضافية للنزاع السياسي

مدخل نظري

كشفت الاحتجاجات الواسعة التي جرت في الأشهر الثلاثة الماضية في الكيان المؤقت اعتراضًا على قانون “التعديلات القضائية” الحجم الكبير لأزمة العدو البنيوية، والتشقّقات الهائلة في مجتمع الاحتلال الذي بُني على شكل فقاعات “عرقيّة أو طبقيّة أو أيديولوجيّة”، دُمجت في فقاعة كبرى أُسميت “إسرائيل”.

إن أزمة الكيان المؤقت البنيويّة والوجوديّة العميقة تعود بشكلٍ رئيسٍ إلى الشّتات الذي جرى تجميعه من أقاصي الأرض، خدمةً لفكرة واحدة وهي “أرض موعودة لشعب مختار”. هذا الكيان بات اليوم في مرحلة بداية النهاية، خاصّة أنه ينحدر بسرعة نحو الارتطام الكبير لأسباب تأسيسيّة خاطئة ومضلّلة أفضت إلى هذا الانفجار الكبير في مجتمع العدو بأكملهِ.

خرجت الأزمة من تراكم عقود من التمييز في مجتمع نظّر له هرتزل وبن غوريون، وأُعدّت له دعاية على أنه سيكون مجتمعًا مثاليًّا ليهود العالم، فإذا به يتمظهر عبر الزمن في شكل تجمّعات طبقيّة متنافرة تجتاحها حمى التمييز العنصري الذي يجمع الخبراء على أنه السبب الرئيس للانفجار.

الاعتراض على قانون “التعديلات القضائية”

لا يختلف اثنان على أن الصاعق الذي فجّر كل الخلافات الدّفينة منذ العام 1948 هو نتائج الانتخابات الأخيرة، والتركيبة الحكوميّة التي خرجت منها، والتي ذهبت بعيدًا في التطرّف وجمعت كل نقائض وآفات الكيان المؤقّت في مجموعة “حاكمة”.

عاد نتنياهو المُدان والمُتّهم بقضايا فساد متأبّطًا بأحزاب اليمين المتطرّف الثلاث، وركنيه الأكثر تطرّفًا بن غفير وسموتريتش وطرحوا برنامجًا حكوميًّا، وضع معظم مصالح أركان هذه الحكومة في أولويّة عملها ووظيفتها وفي رأس هذه الأولويات:

  • إنقاذ نتنياهو من المحاكمة والسجن.
  • إنقاذ الحريديم من أي قرارات تلزمهم بالخدمة العسكريّة.
  • كسر قرار منع توزير زعيم حركة شاس آرييه درعي.

تسبّب طرح الحكومة السّريع لمشروع قانون “التعديلات القضائيّة”، والذي يؤمن معظم أولويات أركانها من اليمين المتطرّف بما أسماه بعض الباحثين في الكيان المؤقت بـ “فتح صندوق باندورا” أي إخراج كل المشاكل والشّرور التي بقيت لعقود تحت السطح دفعة واحدة. فقد تصاعدت حدّة الأزمة السياسية التي يعيشها الاحتلال على خلفيّة التجاذب بين الأحزاب “الإسرائيلية” بسبب قانون “التعديل القضائي”، ورفض القوى المحسوبة على المعارضة لهذا القانون، في حين يسعى الائتلاف الحكومي للانتهاء من تمريره سريعًا.

رُسمت الخطّة بهدف تحقيق تقويض سريع لما تسمى بـ”المحكمة العليا” والالتفاف على قراراتها والحدّ من صلاحيّات السّلطة القضائيّة، مقابل تعزيز مكانة وصلاحيّات السّلطتين التنفيذيّة والتشريعيّة (الحكومة والكنيست)، من خلال إجراء تغييرات جذريّة في السلطة القضائيّة من شأنها المس بنظام الحكم في الكيان المؤقت.

وتُمكّن الخطّة، الحكومة وأحزابها السياسيّة من التحكّم في لجنة اختيار القضاة في المحاكم “الإسرائيليّة” عبر تعيين أعضاء في اللجنة من الأحزاب والسياسيين، ومنع إشراك القضاة في عضويتها، إلى جانب الحدّ من صلاحيات المستشار القضائي للحكومة، والمستشارين القضائيين لمختلف الوزارات، إذ تمنح الصلاحية للوزير لتعيين أو إقالة أي مستشار قضائي في مكتبه. كما وستُسهم في تشريع ما يسمى “قانون فقرة التغلّب” الذي سيؤدي إلى تقويض صلاحيات المحكمة العليا وتقييدها في كل ما يتعلق بإلغاء قوانين للكنيست أو قرارات للحكومة أو قرارات وأوامر صادرة عن المؤسسة الأمنية والعسكرية، من خلال تصويت أغلبية عادية في الكنيست (61 عضوًا) على قرارات المحكمة.

التظاهرات الأخيرة التي شهدتها مدن مختلفة مثل “تل أبيب” و”غوش دان” بالإضافة إلى حيفا والقدس المحتلّة والتعامل الأمني مع المتظاهرين عكست حجم الشرخ السياسي الذي وصلت إليه المنظومة السياسية للعدو في الفترة الأخيرة إذ تصاعدت وتيرة التحذيرات الأمنية من إمكانية ولوج الصهاينة في حرب أهلية داخلية.

كما طالب ضبّاط كبار متقاعدين في شرطة العدو، رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو بإقالة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير من منصبه، وتعيينه في أي منصب آخر يراه مناسبًا، وفقًا لصحيفة معاريف العبرية. وقال الضبّاط في الرسالة، إن “الوزير يتدخل في عملية صنع القرار في الأحداث العملياتية التي تعرّض الشّرطة للخطر، وتؤدي إلى استخدام الأحداث والشرطة لأغراضه السياسية”.

وأضاف الضبّاط، “بن غفير لم يكن لديه منذ البداية الخبرة المطلوبة لمثل هذا المنصب المعقّد، يتصرف بشكل يتعارض مع الصلاحيات الممنوحة له بموجب القانون، ويتدخل في عملية صنع القرار”.

ونقل عن الضباط قولهم: “إن الوزير بن غفير يتبع سياسة “الاستيلاء العدائي” على الشرطة ويتدخل في إصدار أوامر ميدانية للضباط وذلك خارج صلاحياته”.

وعقّب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير على هذا المطلب بقوله: إن جزءًا من هؤلاء الضباط المتقاعدين دمّروا جهاز الشرطة، وأنا الآن أحاول إصلاح الأمور وإعادتها إلى الوضع الصحيح”.

في غضون ذلك، انضمّ الرئيس السابق لجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) يوفال ديسكين، إلى المحتجّين على التعديلات في جهاز القضاء، وهاجم الحكومة بلهجة حادّة خلال كلمة ألقاها في تل أبيب قبل نحو عشرة أيام. وذكرت هيئة البث الرسمية العبرية أنّ ديسكين حذّر في كلمته من حرب أهلية وشيكة، وقال: “نحن على مسافة أسابيع قليلة، وقد نصل بعد ذلك إلى حرب أهلية”. وفي الإطار ذاته، حذّر النائب العام الإسرائيلي السابق أفيخاي ماندلبليت للمرة الثانية من خطط الحكومة بالإصلاح القضائي، قائلاً: إنّ المشروع إذا تحول إلى قانون، فإنّ “إسرائيل لن تكون ديمقراطية”.

ونقلت قناة (13) العبرية عن ماندلبليت قوله: إنّ “الاصطدام أفضل من التسوية السيئة”، مضيفاً: “سنرى ثماراً متعفنة لتسوية سيئة بعد بضعة أشهر أو أعوام”، موضحاً أنّه “بمجرّد وجود قضاة سياسيين، لا يمكن معالجة المشكلة”.

وأضاف النائب العام السابق، الذي كان محسوباً على حلفاء بنيامين نتنياهو قبل الانقلاب عليه بعد طرحه مشروع “التعديلات القضائية”: “سيكون ذلك تعييناً سياسياً. يجب الحفاظ على استقلال القضاء تحت أيّ ظرف، وهذا أمر بالغ الأهمية”.

ظاهرة تمرد الاحتياط

في خضم الأزمة السياسيّة المحتدمة في الكيان المؤقت، أعلن المئات من جنود الاحتلال في قوات الاحتياط بتشكيلاته المختلفة، كجهاز العمليات الخاصة التابع لشعبة الاستخبارات العسكرية “أمان”، ووحدتي “8200”و “9900”، والمئات من كبار الضباط في سلاح الجو وغيرها؛ عدم الاستمرار بالخدمة لو أُقرّت “التعديلات “القضائية.

ورأى مراقبون في ذلك، أنّ تسرب الخلاف السياسي إلى قوّات الاحتياط، والتي تضطلع بنسبة 70 % من الجهد الحربي الذي يقوم به جيش العدو؛ يؤشر إلى احتمالية قوية لتفكك الجيش، الذي يشكل “عصب بقاء الدولة”، ما سيفضي نهايةً – حال استمرت الخلافات – إلى انهيارها.

والمتابع للنقاشات في كيان العدو يجد أنّ مخاوف تفكّك الجيش باتت تسيطر على الجدل العام داخل الكيان، لاسيما في ظل توافر العديد من المظاهر التي تبرّر طرح تلك المخاوف. إذ إنّ قطاعات كبيرة من المنخرطين في قوات الاحتياط، شرعوا في الإعلان بشكل واضح وصريح عدم مواصلتهم للخدمة في الجيش إذا استمرت الحكومة في عنادها وأقرت قانون “التعديلات القضائيّة”.

وبيّنت الوقائع أنّ “المئات من المنخرطين في جهاز العمليّات الخاصة التابع لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) – الذي يحتكر القيام بالعمليات العسكرية خلف خطوط العدو وفي الخارج – والمئات في وحدة (8200)، ووحدة التجسّس الالكترونية التابعة للجيش ومثلهم من وحدة التجسّس الالكتروني المرئي الـ 9900 أعلنوا بأنهم لن يواصلوا الخدمة في قوات الاحتياط في حال تم إقرار “التعديلات القضائية”. وذكرت التقارير أن رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات، عميت ساعر، تحاور مع عدد من ضباط القسم، الذي أعلن أكثر من 100 جندي احتياط فيها، أنهم سيرفضون الخدمة في حالة تنفيذ الانقلاب كما وصفوه.

كما أُجريت مثل هذه المحادثات في سلاح الجو، وفي الوحدة 8200 (وحدة جمع المعلومات الاستخبارية المركزية لجهاز المخابرات العسكرية – أمان)، وفي منظومة العمليات الخاص.

الأمر ذاته – أي ارتفاع نسبة الاعتراض – ينطبق على العشرات من كبار ضباط الاحتياط في سلاح الجو (الذي يعد العصب الرئيس لجيش العدو) الذين وقّعوا على عرائض تؤكد أنهم لن يواصلوا الخدمة في سلاح الجو إذا تم إقرار الإصلاحات”، حتى أنّ بعضهم (37 ضابطاً) أعلنوا بالفعل توقّفهم عن الخدمة في سلاح الجو ومعظمهم من السرب 69 المعني بتطبيق خطة “المعركة بين الحروب”.

ويخشى الجيش من أن تؤدي احتجاجات الطيارين من قوات الاحتياط في سلاح الجو العدو إلى أزمة ثقة مع القوات البرية، وقد تزداد الأزمة بين القوات سوءًا وتصبح صدعًا حقيقيًا، ويؤثّر ذلك على الأنشطة العملياتيّة بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية لسلاح الجو الصهيوني.

ونقل الإعلام العبري عن مقرّبين من وزير الدفاع “يؤاف غالانت” أن “الجيش اعتقد في البداية، أن العرائض التي يتم تقديمها يوميًا كانت محاولة للتعبير عن قلق الموقّعين، لكن في الأسبوعين الماضيين، أدرك كبار المسؤولين العسكريين، أن العرائض أصبحت تهديدًا لتشكيلات الاحتياط، بما في ذلك تشكيلات حساسة للغاية من شعبة المخابرات والقوات الجوية والدوريات ووحدات النخبة”.

وقال مصدر أمني رفيع: “ما يجري في تشكيل الاحتياط مقلق للغاية بالنسبة لنا، مضيفًا الوضع في أسراب الطيران والتشكيلات الأكثر أهمية للجيش الإسرائيلي فظيع ورهيب”.

إن توقّف آلاف الضبّاط والجنود من كل هذه التشكيلات العسكرية الإسرائيليّة، سيؤدي في النهاية إلى شلّ جيش الاحتلال، ليصبح ما يشهده الكيان المؤقت من شرخ مجتمعي غير مسبوق؛ إذ سيُضاعف من عدم الدافعية للخدمة العسكرية في جيش العدو، ويزيدها سوءًا، علمًا بأنها متدنية منذ أشهر بعيدة. وتطرق مقال للمعلق العسكري في صحيفة يديعوت أحرنوت، رون بن يشاي، إلى الأمر نفسه، وتحدّث عن رفض الخدمة العسكرية “الرمادي”، وهو أنّ المنضوين في قوات الاحتياط لا يتوجهون لحضور الدورات والتدريب، ولا يمتثلون لأوامر قادتهم باستدعائهم للخدمة العسكرية. وذكر بن يشاي أنّ بعض الوحدات العسكرية تتغيب بنسبة 50 إلى 70 % عن الدورات العسكرية، مبينًا أن ذلك يدل على ما أحدثه الصدع الداخلي في الجيش.

كما لفت بن يشاي إلى أنّ “الصدع الداخلي بدأ يتسرّب إلى الأجهزة الاستخبارية المهمة في الكيان، إذ أنه لأول مرة في تاريخ الكيان المؤقت، نرى أن جهاز (الموساد) سمح لضباطه من رتبة مقدم فدون ذلك، بالمشاركة في التظاهرات ضد حكومة نتنياهو”.

بالإضافة إلى ذلك، هناك 450 من كبار الضباط السابقين في جهاز المخابرات الداخلية “الشاباك”، وقّعوا على عرائض وشرعوا في حركة احتجاجية ضد الإصلاحات القضائية، وذلك إذا استفحل فمن الممكن أن يفضي إلى تفكك الجيش.

مشكلة الاحتياط قديمة وتعود بأسبابها إلى نتائج حرب تموز 2006 وحروب غزة

تراكمت أزمة التجنيد وتشغيل الاحتياط منذ العام 2006 بشكل كبير نتيجة للأخطاء المتراكمة في استدعاء وتشغيل الاحتياط في الحرب، ومنذ ذلك الوقت ورغم شن العدو أربع حروب على غزة، إلا أن أعلى نسبة استدعاء صهيوني للاحتياط في القرن الـ 21 كانت في حرب تموز 2006.

وقد كشف تقرير فينوغراد بالتفصيل مشاكل الاحتياط في عز الحرب وبيّن عيوباً تشغيلية فادحة لا زالت حتى اليوم دون معالجة، بل أن الوضع يزداد سوءًا منذ ذلك الوقت فاستجابة (15-18) % من الاحتياط التي كان من الممكن تطبق بين عامي 2007 و2010 انخفضت اليوم إلى نسبة (4-6) %.

بناءً على تعديل قيادة العدو لقانون الاحتياط عام 2008 تقلّصت خدمة الاحتياط إلى شهر واحد سنويًا وشهرين في حال الاستدعاء الطارئ وثلاثة أشهر في الحروب، ولاحقاً وبناء على توصيات دراسة كبيرة قام بها عدد كبير من الجنرالات باتت خدمة الاحتياط تُنظّم سنويّاً بناءً على الاحتياجات التشغيليّة.

في هذا الإطار، ارتفع عدد الجنود في الخدمة النظاميّة والاحتياطيّة الذين أُجريت لهم جلسات مع المعالجين النفسيين في الجيش بنسبة 40 بالمئة خلال السنوات 2007 و2018.

 سجّل تقرير رسمي أن جندي من بين 6 جنود، وواحدة من بين 15 جندية، لم يُكملوا فترة خدمتهم العسكريّة، بسبب طلبهم التسريح المبكر من الجيش أو إعفائهم من الاحتياط لأسباب تتعلّق بمشاكل نفسية.

وبحسب تقرير نشرت صحيفة “هآرتس” أجزاء منه في 20-8-2018، فقد أجري عام 2017، 47 ألف لقاء بين الجنود وضباط الخدمة النفسية في الجيش، بزيادة قدرها 2500 لقاء عن التي أجريت خلال عام 2013.

فيما حذّرت رئيسة قسم العلاج النفسي في سلاح الجو الصهيوني من أن زيادة أعداد الجنود المعالَجين، قد يؤدي إلى تراجع أداء المعالِجين النفسيين. وقالت المسؤولة الصهيونية إنّ أسباب هذا الارتفاع ترتبط بالوضع الاقتصادي الصعب، وتراجع الدافعية للخدمة العسكرية، وتعاظم الرغبة في كسب المال واستغلال الوقت للاحتياجات الشخصية للجنود. فيما يضيف مسؤولون عسكريون على هذه الأسباب سببًا آخر، وهو تكليف الجنود بمهام في ألوية ووحدات قتالية.

يسعى جيش العدو لتقليص وقت انتظار الجنود للحصول على معالجة نفسية، لتصير بشكل عاجل بدل الانتظار ساعات أو أيام، خشية من تدهور حاد في وضع الجنود، لمنع عمليات انتحار محتملة.

بعد ذلك التقرير بعامين أظهر تقرير أمنيّ داخليّ تراجعًا كبيرًة في كفاءة قوات الاحتياط في جيش العدو، الأمر الذي ألحق ضررًا بالغًا في جهوزية أجزاء منها في ظل احتمالية اندلاع حرب. وربط التقرير الكفاءة وجهوزية قوات الخدمة الاحتياطية في ذراع اليابسة في الجيش مثلاً بتقليص نطاق التدريبات حسب رأي مراقب جهاز الأمن، إيتان دهان.

وأكّد التقرير أن انخفاض الجهوزية يتراكم منذ سنوات. ولفت إلى أن تقارير مراقب جهاز الأمن، تنسجم مع نتائج استطلاعات للرأي أجريت في أوساط الجنود والضباط بين عامي 2013 و 2015 والتي أظهرت أن نصف قوات الاحتياط يشعرون بأنهم غير ضروريين للخدمة العسكرية الاحتياطية، فقد رأى 64% من الضباط و45% من جنود الاحتياط أنهم يشعرون بوجود تكدّس للوحدات في الأماكن التي خدموا فيها، فيما أعرب 67% من الضباط عن اعتقادهم بتراجع قدرات وحداتهم على تنفيذ مهمات، وأكد 70% من الضباط و50% من الجنود في وحدات الاحتياط أن التدريبات في وحداتهم لا تتسم بالفعالية، بينما يعتقد 45% من ضباط وجنود الاحتياط أنهم لا يحظون بتقدير ملائم من الجيش.

تقرير مراقب جهاز الأمن أرجع انخفاض جهوزية قوات الاحتياط إلى التغييرات المتكررة التي جرت في الخطط العسكرية لهيكلة قوات الاحتياط التي أدت لانعدام الاستقرار في هيكلتها، ما وضع مصاعب أمام إجراء تدريبات متواصلة وفعّالة. ورأى التقرير الرقابي أن جيش العدو تجاهل قوات الاحتياط لفترة طويلة على نحو تسبب بغياب الثقة بين جنود الخدمة الاحتياطية والجيش.

ووجّه التقرير انتقادات لعدم إخضاع قوات الاحتياط لتدريبات كافية تؤهلها للانتقال من الفترات الروتينية إلى حالات الطوارئ، وهذه المشكلة في غاية الأهمية فهي ضرورية للاستنفار لحظة اندلاع الحرب أو التصعيد الأمني على حد وصفها.

نتائج تقرير مراقب جهاز الأمن، إيتان دهان، بيّنت تقاربًا كبيرًا في النتائج مع تقرير أعدّه سلفه في المنصب حغاي إيرز، والذي حذّر فيه من خلل بجهوزية وحدات سلاح المدرعات، وعلى رأسها وحدات الاحتياط.

تراجع فكرة “جيش الشعب”

قبل 120 عاماً بالتمام والكمال أي في آذار 1903 وضع الصهيوني “ميخال هالبرين” خطة لإقامة فرقة عسكرية يهودية ضمن الجيش البريطاني تشترك في احتلال فلسطين اقترح تسميتها بفرقة “جيش الشعب” وقدّمها إلى ثيودور هرتزل وارتبطت هذه الخطّة لاحقاً بمشروع العريش الذي اقترحه هرتزل على الوكالة اليهودية كحل للقضية اليهودية. وكان بموجب هذه الخطّة أن تتمركز الفرقة العسكريّة في منطقة العريش بقيادة وتوجيه بريطانيين. وقيام أفراد هذه الفرقة بأعمال زراعية ورعاية مواشي كجزء من عملية تأقلم وتعرف على طبيعة المنطقة. إلا أن البريطانيين الذين كانوا يفتشون لليهود عن وطن قومي في عدة بلدان أفريقية ولاتينية وآسيوية، لم يكن قد استقر رأيهم بعد على فلسطين. حينها كان نفوذ بريطانيا الاستعماري قوياً ولم تكن تفكر بخلق أي اضطرابات على بوابة قناة السويس الشمالية. وبالرغم من عدم تطبيق هذه الخطة إلا أن واضعها هالبرين بدعم من هرتزل كرّرها مرّات عدّة في مؤتمرات ولقاءات صهيونيّة قبل الحرب العالمية الأولى.

ارتبط اسم “جيش الشعب” بجيش العدو منذ ما قبل تأسيسه وقيام الكيان المؤقت وتحت هذه التسمية قدم الباحثون تامير هايمان، وعيدن كدوري، وعوفر شيلح في “معهد أبحاث الأمن القومي” (INSS) تقييماً شاملًا وتقديرًا حول التحديات التي تنتظر رئيس الأركان الجديد الذي كان سيستلم المنصب مطلع العام 2023. وقد تجاوزت هذه التحدّيات تراجع إقبال اليهود على التجنيد والأزمات في الميزانية إلى تراجع الكفاءة والتجهيزات اللوجستية للجيش التي تعدّ من أخطر المشكلات. ووثّق الباحثون التحديات بالشواهد والأسباب.

تحت عنوان “تراجع فكرة جيش الشعب” أشارت الدراسة إلى أنه: “في رؤيته المستقبلية خطط ورسم دافيد بن غوريون للجيش الإسرائيلي على أنه “جيش الشعب”، والذي بموجبه يسري التجنيد في الجيش على الجميع وأنه يجسد سياسة “بوتقة الانصهار” التي تصهر داخلها المجتمع الإسرائيلي بكافة تنوعاته، ولكن على مر السنين تراجع نموذج جيش الشعب بطريقة جعلت من دور الجيش في المجتمع الإسرائيلي موضع تساؤل. والشاهد على ذلك هو معطيات التجنيد التي تشير إلى انخفاض حاد في معدل التجنيد الذي وصل إلى الحضيض في عام 2020 الى 64% فقط من الملزمين بالتجنيد. عمليًا تتزايد أكثر وأكثر نسبة الذين لا يتجندون من بين طبقات السكان وعلى رأسهم الحريديم. هذا، مقابل قدرات كامنة لا تطبق في الخدمة الوطنية والمدنية، والتي شملت 18 ألف متطوع فقط في عام 2022، 30% منهم من السكان العرب والدروز”.

الدراسة أشارت إلى أنه: “حتى من بين الطبقات التي تخدم، وأكثر في الطبقات السكانيّة الأساسيّة، هناك تراجع في الدافعيّة للخدمة بشكل عام، والخدمة القتاليّة والتّوقيع على الخدمة الدائمة بشكل خاص. في عام 2007 أوصل هذا الاتجاه الجيش الإسرائيلي بعد سنوات من التراجع المستمر المسجل في استطلاع الدافعيّة الذي أجراه ويخفيه بالإضافة إلى رقم منخفض بلغ 64% في الدافعيّة للخدمة القتالية، إلىالتوقف عن إجراء هذا الاستطلاع كمؤشر رئيسي، ولكن التهرب من المعطيات لا يغيرها ولا يحل المشكلة.

بالإضافة إلى ذلك، هناك انتقادات متزايدة للجيش كمنظمة (على عكس الهيئة التي تؤدي دورها الأمني) وقد ساهمت قضايا من بينها قضية رواتب الضباط المتقاعدين وشروط الخدمة في تراجع الثقة في الجيش الإسرائيلي بشكل عام (انخفاض بنسبة 12% في استطلاع “معهد الديمقراطية الإسرائيلي”في كانون الثاني (يناير) 2022). وخاصة في كل ما يتعلق بالسلوك الاقتصادي (قال 51٪ ردًا على سؤال تم تضمينه في استطلاع أجراه معهد دراسات الأمن القومي في 2020 إن الجيش لا يتصرف بشكل صحيح اقتصادياً). ووفق هذه الخلفية، سجّلت لأول مرة غالبية مؤيدة للانتقال إلى نموذج “جيش محترف”؛ وتشير هذه المعطيات إلى عدم الرضا عن الوضع القائم.

لخّصت دراسة بعنوان “الخدمة الدائمة وخدمة الاحتياط” مشاكل العدو بالتالي، “يتأثر الجيش كونه واجهة المجتمع الإسرائيلي بالتغيرات الدراماتيكية في سوق العمل والاتجاهات في المجتمع. وإلى جانب تآكل “روح المقاتل”، من الملاحظ أن المنظومة العسكريّة تجد صعوبة متزايدة في الحفاظ على المتميزين والمطلوبين للخدمة في صفوفه. عدد جنود الاحتياط النشطين والذي يبلغ حوالي 4 % فقط، ووفقًا لمجلة The Marker وصل منذ فترة طويلة إلى المعدل الذي يحول عملياً القلائل الذين يقومون بخدمة مهمة إلى متطوعين يكون العبء النسبي عليهم كبيرًا”.

أشارت دراسة نُشرت بعنوان “الكفاءة اللوجستية لدى الجيش الإسرائيلي” إلى أنه: “على مدى السنوات القليلة الماضية أثيرت مسألة استعداد الجيش للحرب القادمة عدة مرات. التقدير هو أن المزاعم بأن الجيش غير جاهز للحرب القادمة مزاعم مبالغ فيها، ولكن من الواضح أنه يجب تعزيز الكفاءة اللوجستية، مع دراسة احتياجاته على المدى الطويل. أحد الأمثلة من بين الكثير حدث خلال عملية “حارس الأسوار”– بعد الخصخصة، عندما اعتمدت الخطط العملياتية على مركبات يقودها في الغالب عرب، والذين يصعب الاعتماد على تجنيدهم في يوم صدور التعليمات لتنفيذ الخطة”.

وتحت عنوان “تراجع كفاءة سلاح البر (المشاة والمدرعات) “أشارت دراسة إلى أن سلاح البر الذي يشكل القوة القتالية الرئيسية في جيش العدو في تراجع منذ فترة طويلة لأسباب مختلفة من بينها:

  1. الامتناع عن تشغيل القوات البرية في المعارك الأخيرة، مما يثير الشعور بعدم الأهمية بين الجنود في الخدمة النظامية والاحتياط ويقوض ثقة القوات في نفسها وفي الاستعداد لتشغيلها.
  2. فجوات الكفاءة بين الجنود في الخدمة النظامية والجنود في خدمة الاحتياط، مما يثير تساؤلات حول قدرة نظام الاحتياط على أداء مهامه.
  3. التركيز عملياً على أسلحة الجو والاستخبارات والقوات الخاصة، مما يزيد بشكل كبير من تراجع أهمية الجيش البري الرئيسي والأهم.

في 10 نوفمبر 2022 صرّح رئيس الحكومة السابق يائير لبيد أنه في السنوات المقبلة، سيواجه الجيش تحديين داخليين: التحدي الأول هو اتساع الفجوة في نموذج “جيش الشعب”، الذي يواجه ظواهر خطيرة من التسرب والرفض، مع تزايد عدد الشباب الذين يرفضون أداء الخدمة العسكرية في الجيش. والتحدي الثاني هو الدعوات لاستخدام القوة بدون قوانين، بدون قواعد، دون التقيد بنموذج الجيش الذي يحترم اللوائح الخاصة به، وهذه الدعوات تضعف المجتمع الإسرائيلي وتضعف الجيش الإسرائيلي.

هذا التصريح الذي صدر عن أعلى سلطة في الكيان المؤقت، أثار أسئلة حول المقصود بنموذج “جيش الشعب” الذي أشار إليه لابيد، وعن أهداف الاستمرار بالعمل ضمن هذا النموذج، وأبرز العوامل التي هددت وجوده واستمراريته.

يُعد نموذج الخدمة الإلزاميّة حجر الزاوية في نموذج “جيش الشعب” الذي اعتمد عليه جيش العدو منذ إنشائه. قبل إنشاء الكيان، جرى اعتماد نموذج الميليشيات التي ينضم إليها الشباب من مختلف الطبقات والفئات تحت تأثير الشعور بتهديد وجودي. لكن في حالة نموذج “جيش الشّعب” كان الهدف معالجة معضلة التحدّيات الأمنيّة المستمرّة لدولة في “وسط معاد”، وتشكيل الهويّة الجماعيّة.

مطلع الخمسينيّات، أدّى انخراط اليهود الشرقيين في الجيش إلى حوادث عنف مع اليهود الغربيين. اتخذت الشريحة الأولى موقفًا سلبيًا تجاه الجيش، وكان الشعور السائد عدم الثقة في مؤسساته وعدم المشاركة فيها، وتسبّب ذلك بتضرّر الروح المعنوية العسكرية. دفعت هذه الأسباب إلى اقتراح نموذج تشكيل مجموعات قتالية على أساس الخلفيات الثقافيّة.

بين عامي 1948 – 1953 توصّل دافيد بن غوريون والقادة العسكريين إلى نتيجة مفادها أن نموذج الخدمة الإلزامية “جيش الشعب” هو النموذج الأفضل في الحالة الصهيونية. واستوحى بن غوريون النموذج السويسري في التجنيد الإلزامي، إذ إن التجنيد الإلزامي في سويسرا يتجاوز أهدافه العسكرية إلى كونه مفهومًا وطنيًا للوحدة في بلد مكون من كانتونات وفيه تنوع عرقي ويتحدثون بلغات مختلفة.

بصرف النظر عن الخطر الوجودي، أصبح جيش العدو حيزا أيديولوجيا لتجسيد القيم الرئيسية للصهيونية والاستيطان والهجرة و “الهوية الوطنية الجامعة” حتى الستينيات.

بعد حرب 1967، تلاشى الشعور بالخطر الوجودي، وضعفت “القيم الوطنية”. ومع ذلك، كانت نسبة المؤيدين للتجنيد الإلزامي مرتفعة، ليس لدوافع أيديولوجية أو أمنية، وإنما لدوافع معيارية تختلط بين المصالح الشخصية (الدافع الملهم – التقديمات والحوافز التي كانت تقدمها المؤسسة العسكرية – الوظيفة المحترمة والتي يفتخر بها الفرد في مجتمعه – خلق المثال والدخول في المغامرة -…. الخ “.

عقب حرب لبنان الأولى 1982 وانطلاقة المقاومة وتزايد عدد الجنائز إلى كيان العدو، أخذت أزمة نموذج “جيش الشعب” بالتصاعد بشكل غير مسبوق. إذ إنه إلى جانب عوامل الأزمة التقليدية والطارئة:

  • الأيديولوجيا
  • الاختلافات الثقافية
  • ت‌-    والسبب الأهم التماس الدائم مع “الموت”

ترافق ذلك مع تغييرات بنيوية في المجتمع الصهيوني فبعد أن انخرط الكيان كله في “التجربة الليبرالية الشاملة”، أصبح الاقتصاد الذي كان الجيش والصناعات العسكرية الصهيونية أساسه هو المحور الرئيس الذي يشكل الأزمة على امتداد 4 عقود تقريبًا، ذلك أن الوظائف العسكريّة التي كانت على تماس مع الصناعة والتكنولوجيا هي الوظائف التي تتمتّع بالاهتمام والحوافز في ظل تراجع كبير بالاهتمام بسلاح البر (المشاة – المدرعات – المدفعية – بعض الوحدات البرية الخاصة). وفي العقد الأخير أثارت هذه الظاهرة اهتمام المستويات العسكرية والسياسية في الكيان، وكذلك مراكز الأبحاث والنخب، في ظل معدلات التهرّب من الخدمة الإلزاميّة، لعدم وجود حوافز أو مرغبات أو في حال لم يتمكن المتطوع من الدخول إلى وحدات وأقسام “نخبوية” في الجيش أصبحت حكراً على بعض المجموعات العرقية اليهودية والبلدات والمدن، وحتى على بعض العائلات التي كانت تتوارث العمل والوظائف في تلك الاقسام والوحدات، وقد أكّدت استطلاعات الرأي التي كان آخرها استطلاع للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية نشر في نوفمبر 2021  أن 10% فقط من الشباب في الكيان المؤقت يؤيدون النموذج فقط.

بتاريخ 21-12-2021 نشرت “صحيفة يسرائيل هيوم” كبرى الصحف العبرية في صدر صفحتها الأولى تحليلاً الذي أعدّه معلق الصحيفة العسكري يؤآف ليمور، استهله بالقول: “إنه وخلال العام الماضي (2021) أظهر تقرير “المعهد الإسرائيلي للديمقراطية” أن مستوى ثقة الإسرائيليين بجيشهم انخفض من 90% إلى 81%”.

الصحيفة ذكرت أنه من المتوقع أن “يؤكد تقرير سيتم طرحه قريبًا أن الشروخ آخذة في الاتّساع، ومن بين الأسباب لهذه الظاهرة هي مشكلة الطعام المقدّم للجنود في المعسكرات وحقيقة أن قيادة الجيش تحرص على زيادة رواتبها قبل حرصها على رواتب الجنود البسطاء”. وبحسب الصحيفة فإن المعطيات تشير إلى أن الأزمة أعمق، وهذا يعني أن “إسرائيل” أمام مشكلة جذرية.

ويصف يؤآف ليمور المعلق العسكري للصحيفة هذه النسبة من الانخفاض (من 90% إلى 81%) في عام واحد فقط والتي بلغت تقريبًا عشر درجات بأنها غير مسبوقة حتى أثناء الأزمات. ليمور وصف هذه الظاهرة بأنها “تآكل مقلق”، وقال: “صحيح أن الجيش لم يزل يحظى بالفعل بدرجة الثقة الأعلى من بين كل المؤسسات السلطوية الأخرى، وهذه حقيقة ليست شاملة، فالجيش الذي يخدم في صفوفه بناتنا وأبناؤنا الذين يدافعون عنّا، ويتوجب أن يدفعنا تآكل ثقة الجمهور به إلى غاية القلق، ذلك لا يعني أن الحديث يدور عن أمر عارض، وإنما شيء جذري يضرب أطنابه”.

أيضًا استعرض ليمور أسباب تآكل ثقة “الإسرائيليين” بجيشهم، وجزء منها أسباب خارجية مثل إجراء انتخابات أكثر من مرة، وغياب ميزانية عامة لأكثر من عامين، إلى جانب أزمة تفشي فايروس كورونا.

وأشار ليمور إلى أن انخفاض الثقة وراءها أسباب نابعة من الجيش نفسه، مثل الصعوبات التي يواجهها في التعاطي مع أزمات مثل المشاكل المتعلقة بالمستوى المنخفض للطعام المقدّم للجنود في القواعد العسكرية، وآليات وصول الجنود من وإلى معسكراتهم، إلى جانب انخفاض رواتب الجنود.

خلاصة واستنتاج

رغم الدّهشة التي أبداها نتنياهو وأركانه وعدد من القادة في كيان العدو لخروج أصوات من الجيش ضد الحكومة والقانون المثير للجدل، إلا أن تدحرج كرة الثلج كشفت أن الآثار التي تسبب بها طرح قانون “التعديلات القضائية “على القوات المسلحة في الكيان المؤقت أكبر من قدرة الحكومة الضعيفة على احتوائه. ومع اعتراض وحدات نخبويّة في جيش العدو، والتهديد بالتوقّف عن العمل وتعطيل دائرة القيادة الميدانية والعملانيّة في الجيش، بدا الشرخ واضحًا بين مؤسّسة صنع القرار السياسي الضعيفة المحيطة بنتنياهو وبين مؤسسة صناعة القرار الاستراتيجي في الكيان المؤقت وهي الجيش ولم يفلح السياسيون المعنيون بقرار الجيش كوزير الدفاع “يؤاف غالنت”، ورئيس أركانه المسيّس “هرتسي هاليفي” باستيعاب تمرّد شعبة الاستخبارات العسكرية “الأمان”، الجسم الأكبر في في صناعة وترشيد القرار العسكري والاستراتيجي، والتي تعد أكثر المؤسسات العسكرية تمرّدًا على الحكومة في قضية الاحتجاج على قانون “التعديلات القضائية”، كما لم يستطع غالنت وهاليفي التصرّف بحزم لمعالجة الهزّة القويّة في الذراع الجوّي للجيش التي أظهرت رجحانًا كبيرًا في كفّة عامل انعدام الثقة داخل سلاح الجو الذراع الاستراتيجي للكيان المؤقّت، ويد بطشه الطويلة وبين الحكومة.

إذا استمرت الخطوات الاحتجاجيّة في الجيش بالتعاظم كما هي الآن تشكّل خطرًا كبيرًا على الكيان المؤقت كونها تتعلّق بالجيش الذي يعد عصب الكيان، ولها أبعاد عدّة:

  •  منها ما يتعلق بالجيش نفسه وخطرها عليه.
  • منها ما يتعلق بالجيل الجديد الذي يتجند للجيش.

الاحتجاجات في صفوف الجيش ستؤثر عليه وعلى قدرته في أداء المهام التي تُطلب منه، في ظل الأزمة السياسية الحالية، وهذا ما يطرح عدّة تساؤلات: مع من سيكون؟  وممَن يتلقى التعليمات؟  ولأي قرار سيتبع؟ كل ذلك سيؤدي إلى حدوث إرباك في أوساطه، خاصة في صفوف الجيل الجديد الذين يضم أغلب ضباط الميدان الذين جُنّدوا تطبيقًا للتحديثات التي أخضع لها الجيش في فترة رئاسة رئيس الأركان السابق كوخافي بموجب خطته الأركانية التشغيلية “تنوفا”، والتي تعتمد على الجيش الذكي الصغير، وعلى الوحدات النخبوية، وما يعنيه ذلك من إدخال وإدماج أعداد كبيرة من الضباط حديثي السن في الجيش، إذ ركّزت عمليات التطوير على عامل الاختصاص وعامل التفوّق على حساب عامل الانتماء والحرفيّة العسكرية. هذه العقيدة القتاليّة التي حذّر خبراء وباحثون عسكريون صهاينة من أنها ستنزع صفة “جيش الشعب” خلقت حالة في الجيش (أنا لا أنتمي لأي طرف)، ولا يعنيني كجندي من يحكم الدولة أكان من المسؤولين الدينيين أو أي طرف آخر انقلب عليهم قضائيًا أو غيره.

وبالتالي، إن انتماء الضبّاط الجُدد في الوحدات النخبويّة بات لمصالحهم وطموحاتهم التي لا تتحقق إلا من خلال تعزيز نفوذ وحداتهم وإنجازاتها دون غيرها، وهذا ما سيُظهر أكثر في حال تفاقم الأمور فلكل اختصاص جيشه وحرمه وإنما يقاتل المحتجّون من الضبّاط والجنود لأنفسهم ووحداتهم حصرًا ولا يعنيهم غيرهم من الوحدات. وهنا تكمن الآفة ذلك أن اللغة الموحدة بين الأقسام والأركان ليست موجودة وما يحصل في السلم حصل كثيراً في الحرب حيث أفرد تقرير فينوغراد فصلًا خاصًا عن غياب اللغة الموحدة بين الأركان والوحدات والاقسام المعنية وطالب بتوحيد اللغة والتدرب عليها في المستويين السياسي والعسكري.

وعليه، إنّ الاحتجاجات ستؤثر كذلك على التفكير المستقبلي لكيان العدو في أي معركة وشيكة أو مستقبلية، فكيف ستكون استجابة الجندي لأوامر قيادته في حال اندلعت الحرب؟

 بما أن كل طرف أصبح له جيشه، وتوجد أجزاء من الجيش ترفض أن تُقاد بهذه الطريقة أو تلك، وهذا يعني تفكّك عميق في القيادة والسّيطرة وإدارة العمليّات والمعارك في المراحل القادمة. مع الإشارة إلى أن جيش العدو لم ينجح في تجاوز هذه الأزمة في حروبه كافة، منذ حرب تموز 2006 وحتى معركة سيف القدس عام 2021. ومجمل إنجازاته في “المعركة بين الحروب “على الساحة السورية والعراقية والإيرانية ترتبط بعمليّات موضعيّة لا تتطلّب تجنيد موارد بشرية كبيرة، فكيف سيكون حاله إذا فرضت الحرب الكبرى على الكيان المؤقت؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى