تفسير آية

تفسير آية: إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ﴾ سورة الأنفال، الآية 45.

الإشارات والمضامين

1- ضرورة ثبات المؤمنين عند لقاء العدو

كلمة (لقاء) المستفادة من (لقيتم)، يكثر استعمالها في القتال. والفئة بمعنى الجماعة “جماعة المقاتلين”، والمراد منها هنا الكفّار الحربيين أو الباغين .و(الثبات) في هذا المورد عكس الفرار من العدو، والثبات بحسب ما له من المعنى أشمل من الصَّبر الذي يأمر به في قوله: ﴿وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.

فعبارة (اثبتوا)، أمر بمطلق الثّبوت أمام العدو، وعدم الفرار منه . ووجوب الاستقامة في هذه الآية لا يتنافى مع الآية 16 من سورة الأنفال- آية التحرّف والتحيّز أو آية تكتيكات المواجهة – ﴿وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾، فهذه الآية فيها عدة أمور:

أ- النهي في الآية تعلق بأن لا يولّي المؤمنون الأدبار للأعداء، أي استدبار العدو واستقبال جهة الهزيمة، فخطاب الآية عام غير مختص بوقت دون وقت أو غزوة دون غزوة، فالحرمة متعلقة بالقرار من الزحف.
ب- يُستثنى أمران من الآية:
أولاً: التحرّف لقتال.
ثانياً: التحيّز إلى فئة.

2- الثبات في مقابل العدو من لوازم الإيمان الواقعي بالله

المخاطب في هذه الآية هم المؤمنون، وفيه دلالة على أنّ الثبات في مقابل العدوّ من شروط الإيمان ، بمعنى أنّ ثبات القدم في جميع الميادين الخاصّة بالقتال مع أعداء الحقّ، من العلامات البارزة للإيمان.

3- وجوب الذكر الدائم لله حين لقاء العدو وقتاله

﴿اذْكُرُواْ اللّهَ﴾ معطوفة على ﴿فَاثْبُتُواْ﴾، وهي في الواقع جواب الشرط ﴿إِذَا لَقِيتُمْ﴾، وعلى هذا التقدير: المقصود بالذكر في هذه الآية الذكر الكثير لله عند قتال العدو.

4- فلسفة ضرورة المداومة على ذكر الله في ميدان القتال

السبب الذي دعا إلى تقييد الذكر “بالكثير”، هو تجدّد روح التقوى عند المجاهدين كلّما لاح لهم ما يصرف نفوسهم إلى حبّ الحياة الفانية، والتمتّع بزخارفها، والخواطر النفسانية التي يلقيها الشيطان بتسويله. فالمداومة على ذكر الله تجدّد روح التقوى كلّ لحظة في قلوبهم، وتعمل على التقليل من شأن الأهوال والمخاطر التي يتعرض لها المقاتل في ميدان المعركة، لأن ظرف القتال والميدان ليس فيه إلا إزهاق النفوس، وسفك الدماء، ونقص الأطراف، وكل ذلك يهدد الإنسان بالفناء عما يحبه، فذكر الله يعينه على جهاده، والتثبت بفكرته بالظفر على عدوه الذي يهدده بالفناء. ويشعره بأن الله سنداً قوياً لا تستطيع أي قدرة في الوجود أن تنقلب عليه في ساحة المعركة، وأنه إذا قتل فإنه سينال السعادة الكبرى ويبلغ الشهادة العظمى، وجوار رحمة الله، فذكر الله يبعث على الاطمئنان، والقوة، والقدرة على الثبات في نفس المقاتل ، ويزيل من نفسه حب الزوجة والمال، والأولاد، وكل ما يضعفه ويزلزله كما ورد في دعاء أهل الثغور عن الإمام زين العابدين عليه السلام: “وأنسهم عند لقائهم العدو ذكر دنياهم الخداعة، وامح من قلوبهم خطرات المال الفتون، واجعل الجنة نصب أعينهم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى