تفسير آية

تفسير آية: إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان

قال الله تعالى: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ﴾. سورة الأنفال، الآية 11

الإرشادات والمضامين:

1- غلبة النعاس على المجاهدين قبل المعركة مددٌ غيبي:

الضمير في “منه” عائد على الله، ومعنى الآية: أنّ النصر، والإمداد بالبُشرى، واطمئنان القلوب،- (المشار إليه في الآية السابقة) -، كان في وقت أخذكم النعاس، -بسبب الأمن الذي أفاضه الله على قلوبكم-، فأصابكم النعاس وهو أول النوم وهو خفيفه ، ولو كنتم خائفين مرتاعين لم يأخذكم نعاسٌ.

2- تأثير السِنه والاستراحة على أداء المقاتلين:

من نتائج نعاس المجاهدين في معركة بدر، أن قوّاهم الله، – بواسطة هذه الاستراحة -، على قتال العدو ، فإفاضة الله النعاس على قلوبكم هو من الأمن، والإطمئنان الذي أنزله الله عليكم، (وهذا بالطبع يرتب آثاره التكوينية الخارجية على صعيد المعركة)، ولو كنتم خائفين مرتاعبين لم يأخذكم نعاس ولا نوم.

3- نزول المطر قبل معركة بدر إمداد غيبي:

المراد من “الماء” المطر، فمن النعم والإمدادت الإلهية على مجاهدي بدر، نزول الأمطار، لأنّ المشركين سبقوا إلى موضع الماء، (واستولوا على الآبار، وهذا له آثار متعدّدة في أرض المعركة، فنزول المطر أفشل عملية ترتب هذه الآثار على المسلمين)، وقوله تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ﴾ يعني أن علة سقوط المطر هي لأجل دعم المسلمين بأمور متعدّدة أهمها:

أ – تطهير مجاهدي بدر: إنّ عدم ذكر “متعلّق” الفعل “يُطَهِّرَكُم”، إشارة إلى عمومية هذا المتعلّق للنجاسات الظاهرة والباطنة ، فمن النجاسات الظاهرية: الطهارة من الحدث، والجنابة التي أصابت بعضهم. ومن النجاسات الباطنية دفع وسوسة الشيطان، والرجز هو الرجس والقذارة، والمراد برجز الشيطان: القذارة التي طرأت على قلوب المقاتلين من ووسوسته، وتسويله ، فبعد استيلاء المشركين على آبار بدر، استغلّ الشيطان قلّة الماء للوسوسة وتخويف المجاهدين ، فعدّ الله دفع هذه الوساوس من أهداف إنزال المطر، وإفشال مخطط المشركين ومخطط إبليس.

ب – تشجيع وتقوية روحية مجاهدي بدر: ﴿وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ﴾ وهو كناية عن التشجيع . وعليه يكون معنى الآية: ليشدَّ على قلوبكم، أي يشجِّعكم، ويزيدكم قوّة قلب، وسكون نفس، وثقة بالنصر.

ج – تلبيد الرمل الناعم: إن هاء “به” في جملة ﴿…وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ﴾، تعود إلى المطر، على أحد الوجوه، وعلى هذا التقدير يكون معنى الآية: أنّ الله أنزل ذلك المطر ليُلَبِّدَ به رمل كثيب تحت أقدامهم، فتلبدت به أرضهم، وأوحلت أرض عدوهم ، (أي إنّ المشركين سيقوا إلى المكان الذي يمكن أن يؤمن النصر لهم من خلال الموقع القتالي، وظهر أن المسلمين في مأزق لاختيارهم موقعاً قتاليّاً حرجاً، ولكن الله تدخّل فأنزل المطر، فانقلبت الصورة والدائرة على المشركين، وهذا فيه معجزة واضحة تؤمن أحد عناصر الانتصار للمؤمنين).

4- دور العناصر الجوية والطبيعية في القتال:

لا يجب اعتبار العوامل الطبيعية مثل المطر، النعاس و… أموراً من قبيل الصدفة ، فالآثار المتعدّدة لنزول المطر،- التي ذُكِرَت في الآية -، حاكية عن تأثير العوامل الجوية في مصير المعركة، مما يعني أن الله قد يسخّر قانوناً عاماً موجوداً في الطبيعة، يستفيد منه البر والفاجر، ضد أعدائهم الذين كانوا يستفيدون منه قبل ذلك، أي أن عناصر الطبيعة كالمطر، وأرض المعركة، والحالات الجسدية كالنعاس، والنفسية كالإطمنان وغيرها من الممكن أن تكون من عوامل النصر إلى جانب المؤمنين عندما يكون قتالهم في سبيل الله، ولإعلاء كلمة التوحيد.

5- لزوم استحضار الإمدادات الغيبية:

من الممكن أن يكون العامل في جملة ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ﴾، فعل محذوف وهو (اذكروا) . ففي هذه الحالة يوصي الله تعالى المؤمنين بذكر العوامل التي أدت إلى الإمدادات الغيبية، فساهمت في انتصار المؤمنين في معركة بدر، وأهم هذه العوامل هي الإخلاص والقتال في سبيل الله لإعلاء كلمة التوحيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى