بيرق

إيـواؤهـم والانتصـار لقضيتهم

إن التاريخ الإسلامي يطالعنا في صفحاته المشرقة عن المواقف المشرقة، والصور الرائعة في التضحية والإيثار والشجاعة والحمية.

ففي أحلك الظروف برزت هنالك نماذج رسالية تركت بصماتها مخلدة في جبين التاريخ والإنسانية.

وقد جسّدت امرأة في التاريخ بمواقفها الجهادية نوع من النماذج عندما وقفت وقفة الأبطال في ظروف تقاعس فيها الرجال وخذلوا الحق.

تلك المرأة هي (طوعة) التي آوت سفير الإمام الحسين بن علي عليه السلام في بيتها بالكوفة، بينما كانت تطارده السلطة، وتريد إلقاء القبض عليه.

وكانت تعلم أن أي تعاطف مع مسلم بن عقيل، وفي ظل الإرهاب الأموي لا يعني سوى اللعب بالنار، وتعريض نفسها للسجن والإعدام.

وكانت تعلم ـ أيضاً ـ أن كل الأبواب في الكوفة قد أغلقت في وجه أنصار الحسين عليه السلام ومبعوثه الخاص، وأي تعاون مع المجاهدين يعتبر مخاطرة، قد تطير فيها الرؤوس والأيدي والأرجل.

ولكنها رغم كل ذلك آوت مسلم بن عقيل، ووفرت له الحماية والأمن بعيداً عن أعين السلطات.

إن طوعة نموذج فريد للمرأة الرسالية المؤمنة، فقد كانت نعم المجاهدة.. ومصداقاً بارزاً للآية الكريمة: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾1.

إن الله سبحانه وتعالى قد اعتبر الذين يأوون المجاهدين ﴿هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ وهذا يعني أن الذي يمتنع عن أداء هذا الواجب لا يكون مؤمناً حقاً.

وقد يتصور البعض أن إيواء العاملين في سبيل الله والمجاهدين يترتب عليه الخطر، والصعوبات كالاعتقال والتعذيب أو الإعدام، ولكن ماذا يحدث لو افترضنا حدوث هذا الأمر في سبيل الله، وفي سبيل إحقاق الحق وإزهاق الباطل.

هاهو البطل الشهيد هاني بن عروة الرسالي الشجاع يقدّم نفسه للموت والإعدام، لأنه أخفى مسلم بن عقيل، وآواه في داره.. لقد دخل هاني الجنة، وغدا في مصاف الصديقين والشهداء.

والإيواء لا يعني فقط توفير المكان للمطاردين من المجاهدين، بل هو يعني أموراً كثيرة بكل ما تعني كلمة الإيواء من معنى.

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى