ثقافة

شهادة المعرفة

نقف على القبور، نسكب الدموع، دمعة فرح ودمعة حزن، نبارك لهم هذا الاصطفاء الإلهي، والفناء – الذي يليق بأمثالهم – في عظمة الله وجلاله، والقرب من الصفوة النبوية، يسقون بيد أمير المؤمنين شربة الإرتواء الأبدي، يرفعون عن كاهلهم غبار الجهاد في سبيل الله وأداء التكليف، تعلوهم البسمة والسرور، لما يرون من الحضوة عند ملك الملوك، يرون قيمة وأثر العبودية لله تعالت أسماؤه.

لكن يحتاج الواحد منا خارطة طريق للوصول لمقام الشهادة، والحصول على ثواب الشهادة ومرتبة الشهادة، الطريق صعب وموحش، إلا من امتلىء قلبه بالعبودية لله، وحمل على عاتقه أداء الأمانة الإلهية في هذه الأرض، هنا لا محالة سيصل للمقام السامي للشهادة.

الشهيد فقهياً: هو من خرج للحرب بإذن الإمام أو نائبه، وقُتل في ساحة القتال والمواجهة. فله أحكام خاصة به، لا يكفن ولا يغسل وغير ذلك، فيلقى الله مخضباً بدمائه وجراحاته.

وإذا نظرنا بعمق لهذا التعريف وحقيقته نستنبط أموراً في غاية الأهمية:

 الأمر الأول: أن وصول الشهيد لهذه المرتبة، إنما كان عن طريق أمر الإمام أو نائبه، والإمام أو نائبه لا يأمر بحرب أو بدفاع إلا يريد بها رفعة الإسلام، وعلو مكانته، وحفظ مبادئه وقيمه، وأداء الأمانة الإلهية التي كلفنا بها الله سبحانه وتعالى.

الأمر الثاني: أن هذا الشهيد قد بذل غاية المجهود للدفاع عن هذه المبادئ والقيم، وأداء الأمانة الإلهية، حتى سلّم لله أعز شيء يملكه، روحه التي بين جنبيه، فلا يرى أي قيمة لنفسه قبال الوجود الإسلامي، والحفاظ على التوحيد في هذه الأمة.

يبذل من وقته وعرق جبينه، في التخطيط للمواجهة مع العدو، وإعداد النفس بكل وسائل المقاومة، من الكلمة والموقف والسلاح، امتثالاً للآية المباركة – وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَ عَدُوَّكُمْ وَ آخَرينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْ‏ءٍ في‏ سَبيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) سورة الأنفال – وتشخيص الموقف السليم، الذي يطلبه منه الإسلام.

الأمر الثالث: المعرفة العميقة لهذه المبادئ والقيم، وفهم عميق لأهداف الإسلام ورسالته، لهذا لا تزل قدم المجاهد والمقاوم في أداء أمانة الله، حتى لو ألقي عليه ما ألقي من الشبهات و التشكيكات، ولا تنطلي عليه الإشاعات والتمويهات.

هذا أحد المجاهدين في معركة أحد وقف في وجه الفارين ووبخهم على فرارهم، بعد ما أشيع قتل النبي محمد (ص) قائلا: إن كان محمد قد مات، فربُّ محمد حي، قوموا ودافعوا عن دينه. فالموقف الدفاع عن القيم والرسالة، والأمانة الإلهية، وهذا لا يأتي إلا بعد الفهم والتبحر في هذه المعارف الإلهية.

وإلا كانت الشهادة لا قيمة لها، ولاوزن، يكون الشهيد كشهيد الحمار، الذي خرج لساحة القتال من أجل حمار، وقد يكون حماري، هو الشهرة، وحب النفس، وجلب المصالح الشخصية أو الحزبية.

عندما نصل لهذا الفهم لمعنى الشهادة نسعى لها بكل اطمئنان، ونستقبلها بحفاوة بالغة، لأنها نابعة عن معرفة وبصيرة. أصحاب الحسين كانوا أهل معرفة وبصيرة، لهذا تشرفوا بأسمى أوسمة الشهادة بين يدي قائدهم، حتى خضبوا بدمائهم وألحدوا بجراحاتهم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى