مقالات

البحرين في بؤرة صراع إقليميّ.. والسّبب “إسرائيل”!

نشر موقع “Intelligence Online”، وهو موقع فرنسي متخصّص في الشؤون الأمنية، خبراً مفاده أنَّ البحرين عززت علاقتها بجهاز الموساد الإسرائيلي. وجاء في الخبر المنشور يوم الخميس 27 كانون الثاني/يناير 2022 بعنوان “البحرين تطور أجهزتها الاستخباراتية بالتعاون مع إسرائيل”، أنَّ الأخيرة ستزوّد المنامة بتكنولوجيا عالية للمساعدة على تطوير جهاز الأمن الاستراتيجي، وهو جهاز أنشأته البحرين بأمر ملكي في 5 تموز/يوليو 2020 كجهاز استخباراتي معني بالشؤون الخارجية.

يشمل الاتفاق تنظيم أجهزة أمن أخرى في الدولة وتطويرها. وبموجبه، يتولى الموساد تدريب ضباط بحرينيين للتعامل مع برامج وأجهزة تجسس عالية التقنية. جاء ذلك الاتفاق بعد لقاء جمع وزير الداخلية البحريني راشد بن عبد الله ونظيره الإسرائيلي عومر بارليف في 14 كانون الثاني/يناير الماضي.

هذا التعاون الأمني ليس الأول بين الطرفين، حتى قبل إعلان التطبيع بين البحرين و”إسرائيل” في أيلول/سبتمبر 2020. وقد شاركت البحرين في مناورات بحرية مع “إسرائيل” والإمارات والولايات المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي. كلّ ذلك يأتي في إطار ما يطلق عليه مسؤولون بحرينيون “التصدي لتدخل إيران في المنطقة”، لكن الاختلاف بين هذا الاتفاق وغيره يكمن في أنه يتغلغل في مفاصل الدولة، كما سيأتي.

ثمة أسئلة عديدة لم يجِب عنها الإعلام الرسمي أو المسؤولون البحرينيون بشأن تلك الاتفاقيات، سواء المعلنة منها أو غير المعلنة، من قبيل: ما الذي ستضيفه البحرين إلى “إسرائيل” أمنياً أو العكس، ما دامت المملكة مؤمّنة من قبل الأسطول الخامس الأميركي بنسبة تامة ضد أيّ أخطار خارجية محتملة؟ وما الإضافة النوعية التي سيضيفها الكيان الصهيوني إلى البحرين؟

أما ما ستضيفه المنامة إلى “إسرائيل”، فمن البديهي القول: لا شيء، فالأخيرة عاجزة عن صدّ صواريخ المقاومة الفلسطينية، وخائفة من تعاظم قوة حزب الله، فهل ستسدّ البحرين تلك الثغرات التي عجز حلفاء “إسرائيل” الكبار عن سدّها؟ طبعاً، لا يقول ذلك عاقل.

البحرين.. فوائد أمنية داخلية

تستفيد السلطة في البحرين من حجم التطور التقني في تشغيل التكنولوجيا وإدارتها لأغراض تجسّسية، لتطويق المعارضين لها، سواء داخل البلاد أو خارجها. وقد كشف كلّ من معهد “ستزن لاب” (Citizen Lab) ومنظمة “فوربدن ستوريز” (Forbidden Stories) قبل أشهر عن اختراق عشرات الناشطين البحرينيين ببرنامج “بيغاسوس” (Pegasus) الإسرائيلي التابع لمجموعة “NSO”. وطال الاختراق عدداً من الصحافيين والمدونين ونشطاء حقوق إنسان، الذين رفع بعضهم قضايا في محاكم لندن ضد الشركة المصنّعة للبرنامج.

وبناء عليه، يمكن الجزم بأنّ أيّ تطور تقني لدى السلطة البحرينية سيساعدها أكثر على كبح نشاط العاملين في مجال الحرية وحقوق الإنسان، وسيستدعي ملاحقة أمنية للمعارضين الذين تطالهم يد المنامة. وقد ألقت الأجهزة الأمنية البحرينية القبض على عدد كبير من الناشطين ما بين العامين 2013 و2016، عن طريق اختراق أجهزة العديد منهم، وبمساعدة بريطانية آنذاك.

إذاً، تكمن المعادلة التخادمية بين البحرين و”إسرائيل” في أن الأخيرة ستساعد على إطالة عمر الديكتاتورية وقمع المواطنين البحرينيين، مقابل توفير المملكة الخليجية الصغيرة للصهاينة أرضاً ومناخاً خصباً للتجسّس وإدارة العمليات ضد أعداء “إسرائيل”.

تحويل البحرين إلى قاعدة أمنية وعسكرية

ما يؤكّد أن “إسرائيل” ستسخدم البحرين كمنصة لإدارة عملياتها الاستخبارية، هو طريقة تدرج التعاون الأمني، والذي يشبه إلى حد كبير نظيره في أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، إذ تدرج التعاون الأمني، إلى أن استقرَّ على وجود مكتب دائم للموساد للرصد والمتابعة. 

وقد قُصف المكتب في 14 نيسان/أبريل 2021 بصواريخ صغيرة، نتجت منه خسائر في الأرواح والممتلكات، إثر تداعيات الحرب الاستخبارية بين طهران و”تل أبيب”. ولم تنفِ “إسرائيل” الخبر بعد أن أذاعته فصائل عراقية وتناقلته وسائل إعلام كبرى، ثم إنَّ الأجهزة التي ستستوردها البحرين من “إسرائيل” متصلة بالأقمار الصناعية، ما يتطلَّب متابعة تقنية مستمرة من قبل متخصّصين لا بدّ من أن يرسلهم الموساد للحفاظ على استمرارية عمل الأجهزة بفعالية. وكلّ الظروف التقنية والأحداث السياسية تنبئ بتصاعد في العلاقات بين الطرفين.

تتمتع البحرين، رغم صغر حجمها، بموقع مهم من الناحية الجغرافية، إذ تتوسط الخليج، وتعتبر موقعاً مفيداً من الناحية الاستراتيجية، وهو ما دفع الأميركيين إلى اختيارها مقراً للأسطول الخامس، وهو أيضاً السبب الذي دفع البريطانيين إلى اختيارها مقراً لأكبر قاعدة بحرية للمملكة المتحدة في المنطقة.

والمفارقة أنَّ البحرين تحوَّلت إلى ثكنة عسكرية من قبل عدة دول وازنة في القرار الدولي، من دون أن يؤثر ذلك إيجاباً في الحياة الديمقراطية في البلاد، بل يشعر المواطنون بأن جداراً سميكاً يحول بينهم وبين حريتهم وأمنهم كلما تكاثفت عسكرة البلاد.

وبات البحرينيون يدركون أنَّ تلك الدول (وخصوصاً أميركا وبريطانيا) تملك نفوذاً واسعاً على البلاد، إلا أنَّ واشنطن ولندن أرختا الحبل للسعودية في القيام بدور أكبر من ذي قبل، ولا يتوقع أن التعاون الأمني بين “إسرائيل” والبحرين سيختلف في أثره عن ذلك، بل سيعمّق الحالة الديكتاتورية ويغطّيها ويحميها. ومن المحتمل أن يساهم مكتب الموساد في دعم السعودية والإمارات في سياساتهما الخارجية.

تأكّل مفهوم الدولة

إضافةً إلى حاجة السلطة البحرينية إلى التجسّس، كما فصّلناه آنفاً من كبح للحراك الشعبي ومحاصرة للناشطين وقمع للمعارضين، من خلال التجسس عليهم ومعرفة كل صغيرة وكبيرة عنهم وعن تحركاتهم واتصالاتهم، فإنَّ مفهوم الدولة في البحرين يتلاشى فعلياً، وتغدو السلطة الحاكمة شيئاً فشيئاً وكيلة لعدة مشغلين ينوبون عنها في رسم السياسات الخارجية، بل ويملون عليها، إضافةً إلى أنها تستند إلى أيّ متكأ أميركي لتأمين حضورها.

ومن الغريب أنّ تأكّل مفهوم الدولة على الأقل على مستوى مفهوم السيادة لا يهم أصحاب القرار في المملكة. وما يؤكد ذلك، وبعيداً عن أي تحليل، تصريحٌ لملك البحرين حمد بن عيسى في زيارة له إلى مهرجان الخيول الملكية في المملكة المتحدة في العام 2013: “رغم رحيل الاستعمار البريطاني في العام 1971، فإنَّ الحضور البريطاني في البلاد ظلَّ حاضراً من دون تغيير”، مكرراً سؤال والده: “هل طلب منكم أحد الذهاب؟”.

إذاً، مفهوم السيادة ليس كاملاً كما ينبغي. من هنا، نفهم أن الاتفاق المذكور سيتدخّل في إعادة تشكيل كل الأجهزة الأمنية في البلاد! هذا يعني أنَّنا فتحنا لكم الدولة وسلَّمناكم مفاتيحها، والأجهزة الأمنية المختلفة مرتبطة بكل مفاصل الدولة. كل الأجهزة الحكومية يُعنى بها جهاز أمن أو أكثر، إما في الحماية والرقابة، وإما في التنسيق والتعاون.

وبناء عليه، كل بيانات المواطنين وسفرهم وحضرهم ستكون عند الموساد، وكل طائرة تطير أو تحطّ ستكون بياناتها محفوظة عند “إسرائيل”. هذا الكم من البيانات هو قيد الدولة الّذي تُشخص به، وتكمن تفاصيل شخصيتها الاعتبارية به. وهنا، ينقدح سؤال عن النفوذ الإسرائيلي الذي سيتعاظم في البحرين، أليست له عوارض جانبية؟ ألن تكون المملكة في بؤرة صراع إقليمي، وبالتحديد مع محور المقاومة، إذ ستضاف كهدف، لكونها مقراً مهماً من مقرات الموساد في المنطقة؟

أيّ إيجابية منشودة من هذا الاتفاق على المدى البعيد؟ وهل إطالة عمر الديكتاتورية في بلد صغير يبرر له أن يدخل في أتون صراع أكبر منه بكثير؟ وماذا سيفعل أصحاب القرار إذا اندلعت حرب كبرى بين “إسرائيل” ومحور المقاومة؟

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن الأبدال
تحميل الفيديو
عباس الجمري - كاتب وباحث بحريني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى