ثقافة

بالمعرفة والتواصي تُصان القيم

الليلة الثالثة من شهر محرم الحرام 1443 هـ

منشأ القيم:

في الغرب أحاسيس من منشأ اللذة وتختلف من شخص لآخر ومن زمن لآخر، والقيم توافق، أما في الإسلام فلها حقيقة بلحاظ مصلحتها كالأمانة والصدق فهي ثابتة حيث للأمانة آثارها الإيجابية وللخيانة آثارها السلبية وبلحاظ آثارها نعتبرها قيمة.

كيف تتبدل القيّم؟

وسائل الإعلام قادرة على “برمجة الجمهور وإعادة صياغته عن طريق غرائزه ودوافعه” وبالتالي فهي قادرة على تحويل الجمهور إلى “مفعول به” قابل للخداع، خاضع للتأثير، موضوع للتلاعب، فالإعلام مصدر معلوماتنا.

تحديات أمام صيانة القيم وحفظها:

 التحدي الأول: الجهل بالقيم والجهل بالمعروف وعلاجه بالتبليغ.

 التحدي الثاني: الحقيقة نسبية وبالتالي فلابد من قبول التعددية.

دليل التعدديين:

  1. أن التنوع السياسي والاقتصادي أثرى التجربة فكذلك الثقافي والعلمي.
    الجواب: لا تلازم منطقي بين حسن التعدد في الجانب الاقتصادي، أو السياسي، وبينه في الجانب الثقافي والديني. فهناك من الأمور ما لا تقبل التعدد فيها، فعلوم الرياضيات والفيزياء والهندسة وأمثال ذلك ليس لها إلا جواب واحد. هل يمكن الله موجود وغير موجود.
  2. الأمور على نحوين: حقيقي واعتباري والثاني يخضع للتباني والذوق بخلاف الأمر. والدين من الثاني.

والجواب: أن الدين حقائق كالعقائد فهي ليست اعتبارات، والدين أحكام وقيم وهذه ليست اعتباراً أيضاً بل تستند لأمور واقعية فالصدق ينبغي عمله ليس لأجل الاعتبار، بل لمنفعته، وإلا لاختل نظام الناس

  • النسبية في جميع المعارف والمسائل البشرية.
    والجواب: أن هناك من الحقائق ما لا تقبل التغير وكذا من القيم فوجود المعلول دليل على وجود علته كان ولا يزاد لا شك فيه، وكذا حسن العدل وقبح الظلم.

دواعي بروز نظرية التعددية:

  1. العامل النفسي: هل يعقل أن يكون أكثر الناس على ضلال ويخلدون في النار؟
    والجواب: الدليل بني على مقدمات خاطئة والصحيح أن البشر أربعة أصناع محق يدخل الجنة وقاصر لا يمكنه المعرفة وهذا لا يعذب ومقصر يحاسب على قدر تقصيره ومعاند وهذا يعذب. كما أن الحقيقة بالجهل بها لا تنقلب.
  2. العامل الاجتماعي: أي نشوء الحروب الدينية بدعوى أحقية كل واحدة. والجواب: التعايش، لا أن نؤمن بانقلاب الخرافة حقيقة. ولنا في قصة المباهلة نموذجا للتعايش الإسلامي.
  3. دواعي شريرة وسياسية: القضاء على عناصر القوة عند المسلمين.

للتعددية معانٍ:

  1. كل دين فيه حق وفيه باطل، وبالتالي فلابد من قبول التعدد، فلا يوجد دين حق كله. فلك أن تتعبد بأي دين.
    الجواب: أ- غير مقبولة فهل يعقل أن نساوي ديناً بني على العقل وبين عبادة الفروج.
    ب- الإسلام لا يقبل ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ۞ أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾.
  2. جميع الأديان تعد طرقاً متعددة توصل إلى حقيقة واحدة. وهذا لا يمكن قبوله فالبوذية تنكر الخالق، والإسلام يراه واحداً أحداً، والمسيحية تراه ثالث ثلاثة، والإسلام يحرم الخمر ويراه رجساً من عمل الشيطان، والمسيحيون يرون تناولها في بعضه كأنّ دم شاربها صار دم الله.
  3. الوضعيون يؤمنون بما يثبت بالحس والتجربة والدين ليس كذلك فلا يوصف بحق ولا باطل ولك اختيار ما تشاء ولا أقل يختلف من زمن أو مكان لآخر.
  4. ويرد عليها: العقل حجة كما أثبت ذلك في نظرية المعرفة وبه تثبت العقائد.

التحدي الثالث: النص وإن كان يدل على الحكم لكنه لا يناسب زماننا فهو من المتغيرات. والجواب: الفقيه من يحدد الثابت من المتغير من خلال النص.

التحدي الرابع: رفض التواصي باسم الحرية الشخصية فالنهي عن المنكر ينافي حرية فاعله. وجوابه: نحن مملوكون لله وقد أمر مملوكاً بنهي المملوك الآخر. والحرية لا تعني مخالفة القانون.

التحدي الخامس: أخذ الدين من غير أهل الاختصاص. بدعوى أن هناك قراءات أخرى للنص، وهذا الأمر بات يطبقه البعض حتى في الواضحات الشرعية كحرمة اللواط.
والجواب: أن الدين إنما يؤخذ من أهل الاختصاص وبشرط وجود ضمانات روحية وتقوائية تمنع من التزوير أو اتباع الهوى وإلا كنا عابدين لهم، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ الصادق: قُلْتُ لَه: “﴿اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ ورُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ الله﴾، فَقَالَ أَمَا واللَّه مَا دَعَوْهُمْ إِلَى عِبَادَةِ أَنْفُسِهِمْ ولَوْ دَعَوْهُمْ مَا أَجَابُوهُمْ ولَكِنْ أَحَلُّوا لَهُمْ حَرَاماً وحَرَّمُوا عَلَيْهِمْ حَلَالاً فَعَبَدُوهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ”.

سياسة الإسلام في تبليغ الدين:

  1. البرهان: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾.
  2. الموعظة: المحرك الأصلي المنفعة والضرر، الرغبة والرهبة، لذا صار الأنبياء مبشرين ومنذرين. يقول تعالى: ﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾. ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ۞ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾.
  3. المناظرة: أي الجدال بالتي هي أحسن وبأحسن أسلوب. الجاذبة لا الدافعة.

دور الأمر بالمعروف:

الأول: صيانة القيم وحمايتها. الرسول: “كَيْفَ بِكُمْ إِذَا فَسَدَتْ نِسَاؤُكُمْ وفَسَقَ شَبَابُكُمْ ولَمْ تَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ ولَمْ تَنْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ فَقِيلَ لَه ويَكُونُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّه فَقَالَ نَعَمْ وشَرٌّ مِنْ ذَلِكَ كَيْفَ بِكُمْ إِذَا أَمَرْتُمْ بِالْمُنْكَرِ ونَهَيْتُمْ عَنِ الْمَعْرُوفِ فَقِيلَ لَه يَا رَسُولَ اللَّه ويَكُونُ ذَلِكَ قَالَ نَعَمْ وشَرٌّ مِنْ ذَلِكَ كَيْفَ بِكُمْ إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَعْرُوفَ مُنْكَراً والْمُنْكَرَ مَعْرُوفاً”.

الثاني: تمنع وقوع المعصية: ومن يعرف قصة من تخلف عن غزوة تبوك، وهم “كعب بن مالك” و “مرارة بن ربيع” و “هلال بن أمية”، يعرف دور النهي عن المنكر، يقول تعالى: ﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾.

الثالث: الحفاظ على السهولة. الإسلام سهل إذا حافظنا على فطرتنا وعلى عادات تنسجم مع الفطرة وإلا صار صعباً في الرواية عن الرسول: “بعثت بالحنيفية السمحة”. لكنه روي عنه أيضاً “يأتي على الناس زمان الصابر على دينه مثل القابض على الجمرة بكفه” والسبب ترك الوظيفة.

الرابع: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عملية تنموية: للجوانب الثقافية والتربوية وغيرها، فمن يقوم بها يحتاج لمعرفة المعروف ومعرفة المنكر فيزداد فهم الشرع وكذا يحتاج لمعرفة وسائل النصح.

الخامس: تعزيز روح المسؤولية. فيشعر بمسؤولية عن صلاح كل أفراد المجتمع. 

السادس: تقوية مناعة الأمة: فهذه الوظيفة تزيل مظاهر الإثارة وما يحرك الشهوات. الأمير: “من أمر بالمعروف شد ظهور المؤمنين..”.

السابع: توحيد المجتمع الإسلامي: فالإسلام هو النعمة التي جعلتنا إخوة وبالأمر بالمعروف نحافظ على تطبيق هذه النعمة.

الثامن: حماية إنجازات الإسلام العظيمة: بالخصوص على المستوى الثقافي وإلا لنفد الخصم من خلال الغزو الثقافي وشغل شبابنا عن بناء الحضارة.

التاسع: حفظ النظام الكوني: فمخالفة القانون التشريعي تؤدي لاختلال في النظام الكوني. يقول تعالى. ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾. العاشر: عزة الإسلام والمسلمين: العزة لله ولمن ارتبط به وإذا حكمنا ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى