ثقافة

النظام العائلي وحركة الإرشاد الأسري

ليلة 8 من محرم 1443 هـ

مقدمة:

لا تُنكَر أهمية البناء الأسري في جميع المجتمعات المتحضرة، وضرورة اعتماده على نظام محكم، ثم يأتي دور الإرشاد الأسري لمعاجلة أي خلل يقع في تطبيق ذلك النظام، وهنا 3 نقاط.

النقطة الأولى: أسس النظام العائلي: يمكن ذكر 6 أمور:

1. الزواج ميثاق غليظ. (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)، والميثاق عهد فيه ائتمان محكم، والغليظ هو: الباقر(ع): (إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان).

2. قوامة الرجل، وهي: أن التدبير عليه، مبني على الفضل (بِمَا فَضَّلَ) بمعنى الزيادة لا الكرامة، وهناك زيادة جهزت بها النساء دون الرجال أيضا، يقوم عليها الاجتماع والائتلاف في المجتمع ككل، وهي زيادة العاطفة، وحذّر الله تمني كل قبيل ما عند الآخر لفساد الحياة بذلك، فهذه التجهيزات تكاملية لا تفاضلية، والفضل الحقيقي في ابتغاء ما عند الله تعالى. (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ الله بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا الله مِنْ فَضْلِهِ).

3. المودة والرحمة. (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)، أما النظام العائلي المبني على المغالبة والإضرار والخصومة فهو منهار لا نفع فيه.

4. المعاشرة بالمعروف والإحسان. (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)، (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)، وقال: (ولَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا).

5. الإشباع الجنسي. (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ)، والزواج وإن لم يكن مسألة غريزية بحتة، إلا أن هذا الأساس من أهم مقومات الاستقرار، ومقدمة عملية لبقية الأسس.

6) الإصلاح، بأن يكون أصلا لعلاج أي خلل ينتج عن التقصير في الأسس السابقة من أي طرف. (فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا).

النقطة الثانية: خطوات قرآنية لإصلاح الخلاف المهدد للعلاقة بالنشوز أو بالشقاق، وهنا حالات:

1) نشوز الزوجة بترك الطاعة فيما يجب، وبعدم التمكين، وبالخروج من غير إذن: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا)،

  • فالخطوات هي:

أ. الوعظ.

 ب. الإعراض في المضاجع؛ بإعطائها ظهره، لا ترك الاضطجاع من رأس.

 ج. الضرب.

إشكال: كيف يكون الضرب خطوة إصلاحية؟!

الجواب: هناك موارد ثبت فيها استثناءٌ بجواز الضرب للبالغ باشتراطات تجعله ضربا محتكما للقوة العاقلة دون تعدٍّ وإضرار، فلا ينطلق من التشفي، والانتقام، والغضب، فقوله: (وَاضْرِبُوهُنَّ) يعني أقل الدرجات بما يُرجى منه التنبيه، وإيجاد صدمة للرجوع عن الغي، وشروطه: ألا يؤدي إلى كسر أو جرح، أو تغيير الجلد بالاحمرار ونحوه، وأن يكون برجاء الإصلاح؛ فهو هدفه، لا التشفي وتفريغ الغضب، وهو ضرب فقد معناه العدواني الوحشي المتعارف الذي يسبب استيحاشا.

– يظهر من بعض الروايات أن هذا الضرب – لمّا كان من مقدمات الإصلاح لتحصيل الطاعة، خصوصا من جهة التمكين – مطلوب كمقدمة للتماسّ الذي قد يوجب حركة غريزية شعورية بين الطرفين تستدعي الرغبة في المباشرة، في الرواية: (الضرب بالسواك).

2) نشوز الزوج بترك ما أوجبه الله عليه للمرأة، كترك النفقة، والمبيت، أو الهجران والإيذاء: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ)، وحلول المرأة هنا تتناسب مع طبيعتها، فإما أن تستعطفه لتستميله بترك شيء من حقوقها عن طيب خاطر، وإما أن تعظه وتحذره، فإن رجع وإلا رفعت أمرها للحاكم الشرعي، فيخيره بين الرجوع والطلاق، فإن امتنع عن الرجوع أجبره، وإلا أمره بالطلاق، فإن امتنع طلقها الحاكم، على تفصيل. وله أن يعزره.

3) الشقاق من الطرفين، والحل: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ الله بَيْنَهُمَا)، والملحوظ أن مبدأ الإصلاح حاكم في جميع الحالات، كما أن اللجوء لأطراف أخرى متروك لأثقل حالات الخلاف، والأصل هو حد الخلاف بين الطرفين قدر الإمكان إلا مع تعذر الحل.

النقطة الثالثة: الإرشاد الأسري وخواص المرشد:

 الإرشاد الأسري هو عملية تفاعلية يقوم بها مختص لعلاج أي اضطراب يعترض الأسرة واستقرارها، عبر برنامج مهني يراعي طبيعة الحالة، فهو ليس مجرد نصائح، بل أسلوب علمي مدروس.

– التصدي لإصلاح المشاكل الأسرية يعد من أعقد التخصصات وأخطرها، فلا ينبغي أن يكون شغلا لكل من يريد ذلك ولو من حسن نية، النبي (ص): (من عمل على غير علم، كان ما يفسد أكثر مما يصلح).

  • هناك شروط لابد من توفرها في المرشد والمصلح الأسري لو فقد أحدها لم يكن مؤهلا، منها:

1) الفضيلة العلمية والفهم الفقهي المحكم، ويمكن تداركه بتتميم الرجوع إلى العالم أيضا.

2) التخصص الأكاديمي والمهني.

3) الاستقامة الأخلاقية.

4) الأمانة وحفظ الخصوصيات.

5) السلامة النفسية.

6) الخبرة والتجربة المحكمة.

7) الحكمة وبعد النظر.

8) العدل وعدم الانحياز اللامبرر.

9) التروي والنضج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى