ثقافة

حسم إشكالية تأرجح قيمة المرأة بين نصوص التكريم والتحجيم

ليلة 4 من محرم 1443 هـ

مقدمة: 

هل النصوص الدينية في شؤون المرأة نصوص تقدير أم تحقير؟! وهل تضارع ما وصلت إليه البشرية اليوم ممثلا في وثيقة الحقوق الدولية للنساء المبرمة في اتفاقية “سيداو”؟

– النقطة الأولى: مستندات شبهة امتهان المرأة في النص الديني:

يُدعى أن الأحكام الشرعية الخاصة بالمرأة تدل على امتهانها، وهي ترتكز على نصوص عامة تؤصل لثقافة الامتهان الذاتي أو النسبي، ومنها:

– ما نسب للنبي(ص): (النساء حبائل الشيطان)، (النساء عورة)، (ما تركت بعدي فتنةً أضر على الرجال من النساء)، (شاوروا النساء وخالفوهن)، ما نُسب لعلي(ع): (المرأة شر كلها)، (إن النساء نواقص الإيمان، نواقص الحظوظ، نواقص العقول)، (همهن زينة الحياة الدنيا، والفساد فيها).

– النقطة الثانية: 4 أجوبة:

1) رفض هذه النصوص مطلقا؛ لضعف أكثرها، ومعارضة المعتبر منها للقرآن. وفيه: تظافر بعض المضامين مع إمكان التأويل.

2) حمل مفردة “المرأة” و”النساء” لا على الجنس، بل على العهد في مصاديق معينة ارتكبت أفعالا معيبة في ظرف خاص. ومن شواهد ذلك: ما عن الأمير(ع) بعد حرب الجمل، وكذلك وصيته قبل صفين: (ولا تهيجوا النساء بأذى وإن شتمن أعراضكم..؛ فإنهن ضعيفات القوى والأنفس والعقول)، فوصفهن بذلك مرتبط بظرف الحرب وما يجره من ثكل وترمل وقهر، وليس وصفا مطلقا لجنس المرأة.

3) تأويل بعض النصوص وتضييق سعتها بقرائن داخلية أو خارجية، ومن ذلك:

  • النبي(ص): (من أطاع امرأته أكبه الله على وجهه في النار. قيل: وما تلك الطاعة؟ قال: تطلب منه الذهاب إلى الحمامات.، والنياحات، والثياب الرقاق)، فنفس النص بيّن جهة الطاعة المرجوحة، وأنها ليست مطلقة.
  • الصادق(ع): (ليس للمرأة خطر لا لصالحتهن ولا لطالحتهن؛ أما صالحتهن فليس خطرها الذهب والفضة، هي خير من الذهب والفضة، وأما طالحتهن فليس التراب خطرها، التراب خير منها)، فصدر الرواية ظاهره الامتهان، وذيلها يرفع اللبس إلى الامتنان.
  • الصادق(ع): (إيّاكم ومشاورة النساء؛ فإنّ فيهنّ الضعف، والوهن، والعجز)، فما ورد في النهي عن الاستشارة معلل بالطبيعة العادية، فمن ثبت تخلصها منها انتفى معها الحكم، ويؤيده: (إياك ومشاورة النساء إلا من جُرِّبَت بكمال عقل).
  • ما ورد أنها (لعبة الرجل) لا يتكلم من حيث أصل الوجود، بل من جهة رغبة الرجل فيها للاستمتاع، وهو الطرف الفاعل، فلا يصح أن يوصف بنفس الوصف، النبي(ص): (إنما المرأة لعبة، فمن اتخذها فليبضعها)، أو من جهة كونها الطرف الأضعف أمام قوة الرجل، (إنّما المرأة لعبة من اتخذها، فلا يضيّعها)، وإنما وُصفت كذلك توصيةً بها لكي لا يضيع حقها في الاستمتاع، أو في المعاشرة.
  • النبي(ص): (إنّما مثل المرأة مثل الضلع المعوج، إن تركته انتفعت به، وإن أقمته كسرته)، فيه تشبيه بليغ لا يقصد التحقير، بل هي توصية، فالضلع كماله في اعوجاجه لحماية الأعضاء الحيوية، فكذلك المرأة كمالها في أنوثتها، ولو تعومل معها كرجل كُسرت أنوثتها فظُلمت.
  • ما ورد من كونها شر كلها مؤوَّل بما ورد عن نفس الأمير(ع): (خيار خصال النساء شرار خصال الرجال)، فالوصف موهم، ويعالج بهذه النسبية.
  • ما ورد عن الصادق(ع): (إذا كان الشؤم في شيء ففي النساء) مفسر بما جاء عنه حين تذاكروا الشؤم عنده: (الشؤم في ثلاثة: المرأة، والدابة، والدار؛ فأما شؤم المرأة فكثرة مهرها، وعقوق زوجها)، فالشؤم قد يكون في أشياء بالنسبة للرجل، وأشده إذا وقع ما يكون في المرأة من جهة عقوقها، ولا يعني ذلك أنها شؤم كلها.

4) الجواب الرابع: نصوص الذم لا تتكلم عن المرأة من حيث إنسانيتها، بل من حيث أنوثتها ولينها وما قد تؤثر به سلبا، وهكذا الأحكام الشرعية، تركز على الخصوصيات من حيث فروقات الرجل والمرأة.

– مما يشبه ذلك: وصف النبي(ص) الأولاد: (إنهم لثمرة القلوب، وقرة الأعين، وإنهم مع ذلك لمجبنة، مبخلة)، فهم مجبنة من جهة الفتنة، وإلا فهم بلحاظ آخر ثمرة القلوب، وكذلك النساء.

– الرجال كذلك ذُمّوا بنفس المقياس، فقد ورد: (ما من صباح إلا وملكان يناديان: ويل للرجال من النساء، وويل للنساء من الرجال)، و:(الاستهتار بالنساء شيمة النوكى)، والاستهتار: الولع. والنوكى: الحمقى.

– النقطة الثالثة: القاعدة العامة في قراءة نصوص المرأة رد أي معنى امتهان، بالتأويل، أو بالرفض:

 أولا: لما ثبت قرآنا من تقدير المرأة ومساواتها مع الرجل في الإنسانية، والتكليف والخطاب، والتفاضل، والثواب.

– وثانيا: للنصوص المتظافرة الواردة في التوصية على المرأة وامتداحها، (ما زال جبرئيل يوصيني بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها إلا من فاحشة مبينة)، (اتقوا الله في الضعيفين: النساء واليتيم)، (ما أكرم النساء إلاّ كريم، ولا أهانهن إلاّ لئيم)، (النّساء شقائق الرّجال)، (خياركم خيركم لنسائه)، (ما من رجل يدخل فرحة على امرأة وبينه وبينها حرمة إلاّ فرّحه الله يوم القيامة)، (الله الله في النساء)، (العبد كلما ازداد للنساء حبا، ازداد في الإيمان فضلا)، ولا يمكن أن تكون هذه دعوة للحب الشهوي؛ إذ لا علاقة له بالإيمان.

– تنبيهات:

 1) كثير من اتهامات ذكورية الدين وتمييزه ضد المرأة تأتي وفقا لخلفيات فكرية إلحادية ومادية لا تقيم لله ولا للحسابات الأخروية وزنا، فتكون مصاديق الامتهان عندها مكذوبة.

2) التسليم لأمر الله على قاعدة الابتلاء ينبغي أن يكون أصلا في فهم النصوص والأحكام.

3) القراءة في شأن المرأة يجب أن يتجه أولا للتحصين والتأصيل قبل تشويش الذهن بالشبهات.

4) لا كرامة وقيمة حقيقية للمرأة ولا للرجل إلا بالارتباط بالله وما يريده منه بغض النظر عما أراده من الجنس المقابل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى