ثقافة

إبراهيم الخليل “ع” والحسين القتيل”ع”: جذر وامتداد

ليلة 3 من محرم 1443 هـ

مقدمة:

تُطرح عالميا فكرة الدين الرحماني الإبراهيمي في مشاريع ضخمة لها آثارها المتغلغلة بخفاء حتى في مجتمعاتنا، وهدف الموضوع هو التحصين المعرفي، وخلق ثقافة تنبيه على المصاديق الخفية بالتفريق بين الإبراهيمية القرآنية، وهذه الإبراهيمية المزيفة.

النقطة الأولى: بيان مختصر للإبراهيمية المزيفة:

1) الخلفية: تُطرح هذه الفكرة عالميا في إطار تنموي لفرض قيم العدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر، وانتزاع عوامله المتمثلة في الحروب والنزاعات، وطرح مظلة الإبراهيمية الرحمانية للتمسك بمشتركات دياناتها ونبذ الخلاف.

2) بعض التفاصيل:

  • هذه الإبراهيمية –حسب بعض الأبحاث- دبلوماسية روحية تستلزم تغييرا ثقافيا جذريا.
  • أصحاب هذه الإبراهيمية يعتبرونها معبرا استراتيجيا لخطة التنمية المستدامة، ومنه يتضح مدى ارتباطها بكافة المجالات الإنسانية وشموليتها.
  • يذكر أن الإبراهيمية في حقبتها الحالية تأتي بثوب خدمي جذاب ومرغوب.
  • هذه الإبراهيمية تعتمد الدين ولا تفصله مطلقا عن الحياة، ولكن بمقاسات خاصة.
  • ادعى بعض الباحثين أن هذه الإبراهيمية تمايز بين الديانات الثلاث من حيث القيمة والأصالة والموقع.
  • قيل باعتماد هذه الإبراهيمية لمنهج تأويل النص بنحو انتقائي موجه.
  • التعليم والمجال الأسري هدف أساس لهذه الإبراهيمية.

3) ملاحظات نقدية:

  • الجهة المروجة غير مأمونة.
  • التصرف التأويلي غير موضوعي، ولا ينطلق من محاولة فهم صاحب النص.
  • تعارض الثوابت العقائدية، والتفسيرية، والشرعية، والتاريخية.
  • تساوق إلغاء خصوصيات الأديان والكفر بها، واختلاق دين هجين.
  • هي معالجة لغير جهة الداء، فالفقر والظلم الاجتماعي سببه جشع الاستكبار العالمي، لا الأديان، والحروب مفتعلة، مآلها للظلم، لا إلى الأديان.
  • هذه الإبراهيمية مزيفة، تعارض الإبراهيمية الحقة بطرحها القرآني.

– النقطة الثانية: الإبراهيمية القرآنية:

ادعاء الانتساب لإبراهيم(ع) ليس جديدا، وقد بين القرآن لها أساسا: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

– من معالم الإبراهيمية القرآنية:

 1) هي ملة الحنيفية والتوحيد الخالص. (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، والحنيفية هي: الاستقامة على التوحيد، والميل عن كل ما يعارضه بكل صوره، ولها بعد أصولي وتشريعي جمعتهما الآية: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا)، وفسرها الباقر(ع) بالفطرة، فيتضح أن أي إبراهيمية تؤسس للقفز عن الفطرة أصولا وسلوكا ليست إبراهيمية حقة.

2) مستندها يقين شهودي يدعو لتسليم مطلق. (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ). وعليه: الإبراهيمية الحقة تبتني على أصالة مفاهيمية وسلوكية غير قابلة للحرف والخداع والتزييف، واليقين فيها مأخوذ من أسسه الموضوعية عبر الارتباط الصادق بالله تعالى، لا بالهوى، والأنا، واللهث وراء ملذات الدنيا ورفاهيتها، فهي تتبع أصالة الله، لا الإنسان كما هو الحال في المزيفة. (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا).

3) المواجهة الواضحة والصريحة للكفر. (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِالله وَحْدَهُ)، (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله)، (أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله)، (وَجَاهِدُوا فِي الله حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ)، (قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ).

– النتيجة: الإبراهيمي الحقيقي هو المحمدي الحقيقي، (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَالله وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ).

النقطة الثالثة: الحسين(ع) ضمانة الإبراهيمية الحقة:

 الإبراهيمية الحقة لا تُفهم إلا بالمحمدية الخاتمة، والمحمدية لا تُفهم إلا بالحسينية (حسين مني وأنا من حسين)، فطريق الإبراهيمية ومقياسها هو الحسين(ع).

– من معالم ارتباط الخليل بالقتيل:

 1) فطرية حنيفية إبراهيم في اتباع الحسين، عنه(ع): (نَحْنُ وَشيعَتُنا عَلَى الْفِطْرَةِ الَّتي بَعَثَ اللهُ عَلَيْها مُحَمَّدا(ص))، (ما على ملة إبراهيم إلا نحن وشيعتنا).

2) الحسين(ع) دعوة إبراهيم(ع): في قوله: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ)، عن الباقر(ع): (فنحن والله دعوة إبراهيم(ع) التي من يهوانا قبلت حجته، وإلا فلا).

3) الحسين فداء الإبراهيمية الحقة: حيث فدى جزع إبراهيم على إسماعيل بجزعه عليه بمعنى التعويض، وحفظ بذبح الحسين الكل بالجزء.

4) نار كربلاء سلام على الحسين: عنه(ع): (فَإِذا هُمْ خَذَلوُني اسْتَبْدَلْتُ بِهِمْ غَيْرَهُمْ، وَاسْتَعْصَمْتُ بِالْكَلِمَةِ الّتي قالَها إبْراهيمُ الْخَليلُ(ع) يَوْمَ أُلْقيَ فِي النّارِ: (حَسْبي اللهُ وَنِعْمَ الْوَكيلُ) فَكانَتِ النّارُ عَلَيْهِ بَرْداً وَسَلاماً)، وفي تفسيره عن(ع) عن جده(ص): (ويستشهد معك جماعة من أصحابك لا يجدون ألم مسّ الحديد، وتلا: (قُلْنَا يَنَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَمًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ) تكون الحرب عليك وعليهم برداً وسلاماً).

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى