ثقافة

مركز التولي في حركة سيد الشهداء (ع)

ليلة 2 من محرم 1443 هـ

مقدمة

محورية ولاية الله في نهضة كربلاء من البديهيات، ولتوسيع تطبيقات ذلك نذكر 3 نقاط.

النقطة الأولى: معنى التول وموقعيته:

1) التولي لغة هو: الاعتماد، واتخاذ الولي مرجعا ومتابعا، ويلازمه مفهوم الإعراض عما يقابل جهة الاعتماد.

2) تحليل موقعية التولي: 3 أمور متسلسلة:

أ) كون الإنسان تابعا متوليا أمر وجداني، فالاستقلال التام عن تجارب الآخرين، وتخصصاتهم، ومكتسباتهم، وسلطناتهم، وتواضعاتهم، أمر غیر متصور.

ب) حالة التبعية هذه لها نماذج سيئة كالتطبيل والتخدير، وحسنة كالاطمئنان للأفكار، والأفعال، والتفاعل مع المحيط بإجابية، والاتكاء على الآخرين بالبناء على جهودهم، وتطويرها بما لا يسلب الاختيار.

  • بذلك تظهر حاكمية مبدأ التولي بتغلغل العالم في تحالفاته المحسوسة وغير المحسوسة، يرجع فيها الضعيف للقوي، والمحتاج إلى الغني.

ج) الاتفاق على التولى فكرا وسلوكا نابع من:

1) فطرة الإنسان وتركيبته المبنية على الحاجة والضعف (وخلق الإنسان ضعيفا)، وذلك للتحفيز على الحركة، وطلب المكاسب وترك المفاسد (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا).

2) أصل الوجود، فالإنسان حاجة وفقر كله، (أَوَلَا يَذْكُرُ ٱلْإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقْنَٰهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْـًٔا)، ومن انبثق في أصل وجوده من العدم، واحتاج لمن يرجح له جانب الوجود، لا يمكن أن يكون مستقلا غير تابع تكوينا، وفي جميع شؤونه المترتبة على وجوده، وهنا مركزية التولي في الإنسان.

النتيجة: أن التولي هو الرجوع لصاحب التأثير والاستعانة به على إدارة شؤون الحياة/ التولي مسألة فطرية، بل أصلية في أصل وجود الإنسان/ التولي هو محور الحياة، فلا بد من ضبط اتجاه بوصلته.

النقطة الثانية: الاتجاه الصحيح لبوصلة التولي:

التنظير لذلك قرآنا عبر التالي:

1) انحصار احتمالات التولي في طريقين:

الله (النور/ الهدى/ الحق/ الإيمان.)

والشيطان (الظلمة/ الضلال/ الباطل/ الكفر.).

(فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ).

2) المسموح به هو طريق واحد فقط.

(ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ).

(لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ).

(لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ).

(لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ).

(إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ).

3) سبب ذلك:

1) الغرض من التولي سد الحاجات، والله وحده المؤثر الحقيقي، وغيره مجرد زخرف. (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ).

2) تولي غير الله ليس بلا أثر فقط، بل ناقض للغرض، وصاحبه مخذول في الدنيا والآخرة مهما برقت أمامه المصالح الخداعة. (وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا * وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا).

3) تولي غير الله يحقق كل المعاني القبيحة من الضلال، والباطل، والشر.

– النقطة الثالثة: تنظير لمفهوم التولي:

 على ضوء (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ): وهنا 4 أمور:

 1) الركون هو: مطلق الميل، أو الميل اليسير، ومن مصاديقه –كما في المروي-: النصيحة والطاعة والمودة. فهو: اعتماد غير اضطراري، وليس جزئيا، ولا تتخلله أي نفرة أو كراهية أو حذر.

2) متعلق الركون المنهي عنه هو الظلم، فالآية تنهى عن مجرد الارتياح للظلم والباطل واعتياده، وتتوعد عليه بالنار، ويتضح في المروي عن السجاد(ع) أن جوهر هذا الركون هو حب الدنيا، (ولا تركنوا إلى الدنيا، فإن الله تعالى قال لمحمد(ص): ولا تركنوا إلى الذين ظلموا).

من مصاديق الركون:

 كلمة تنصر مشروع الباطل وتقويه/ الاستهزاء برافض الركون/ تثبيط همة متخذ طريق الإنكار/ التفرج واللامبالاة/ ترويج ثقافة الإلحاد والاستكبار والتحلل بمصطلحات براقة/ كسر حواجز الأعراف الحقة/ الاستعانة والإعانة لأصحاب الباطل بشتى صورها.

3) الركون يتسبب بمباشرة مس النار، (فتمسكم) الآن، فهي تتصل حقيقةً بالراكن فعلا، وذلك يؤكد واقعية مسألة التولي وخطورتها، وأنا ليست مجرد اعتبارات تابعة لمصالح آنية.

– من هنا يؤسس إلى ضرورة الرفض –بالموازين الشرعية التي يقتضيها كل ظرف بحسبه- إلى أي صورة من صور الركون، فضلا عن نفس ممارسة الباطل والظلم، حتى لا يعم الخذلان الإلهي الراكنَ وغيرَه ممن سكت وساهم.

4) بداية رفض الركون الخارجي لا يكون ولا يصح إلا بمحاربة ركون النفس الداخلي لمصاديق الظلم المختلفة، كالمعصية، والتعدي على حقوق الآخرين. (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ).

– النهي عن الركون إلى الظالم بالتأويل المذكور يلمح إلى عدم إمكان أن يكون أي إنسان وليا لإنسان آخر ما دام بطبيعته ظلوما، (وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)، إلا المعصومين لثبوت خروجهم عن هذه الطبيعة بالنص، (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)، وبهذا كان الحسين(ع) خليقا بأن يكون وليا متَّبَعا بنحو مطلق، فكانت من بركة ولايته حاكمية كربلاء، ورمزيتها المعرفية والسلوكية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى