ثقافة

معنى يوم القدس

هذا اليوم هو أواخر شهر رمضان المبارك، والذين أعلنه الإمام الخميني (قدس سره) يوم القدس العالمي. ماذا يعني لنا يوم القدس في الوقت الراهن؟ وما الأمور التي يجب أن نأخذها بعين الاعتبار ونحن نعيش هذا اليوم؟، في هذا الصدد يمكن الإشارة إلى عدة جوانب:

الجانب الأول: توقيت يوم القدس

أن يوم القدس العالمي من حيث الوقت هو في آخر جمعة من شهر رمضان، وليوم الجمعة خصوصيته لدى المسلمين، فيوم الجمعة هو يوم للإمامة والسياسة والحشد الجماهيري وهو يوم للتوعية، وهي عناصر نستفيد منها من خلال أقوال الفقهاء حول صلاة الجمعة وخطبتها، وهذا اليوم يأتي في شهر رمضان، وشهر رمضان هو شهر الصبر والمقاومة والإخلاص لله (عز وجل)، ففي هذا الشهر يقاوم الإنسان المؤمن الصائم هواه وشهواته وشيطانه، ويقاوم الانحراف في الخارج، وفي هذا الشهر استطاع المسلمون أن يحققوا النصر في يوم بدر وهم قلة بتأييد من الله (عز وجل) <وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ>[1]، وفي شهر رمضان ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وليلة القدر هي ليلة صاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه)، وفي هذه الليلة يستشعر الإنسان المؤمن الارتباط العميق بالقيادة، كما يستشعر بكثافة الاتصال بين السماء والأرض والدعم الإلهي للإنسان على وجه الأرض. إذن فالوقت له دلالته وقيمته في هذا اليوم.

الجانب الثاني: دفاع لآخر نفس

أن موضوع هذا اليوم هو قضية القدس، والقدس أولى القبلتين وثالث الحرمين وهي قضية محورية في الإسلام حيث يوجد عندنا الكعبة المشرفة والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، وإحياء يوم القدس فيه إشارة للجانب القدسي الذي يتعلق بالشعائر والمؤسسات الإسلامية، والتكليف الشرعي للإنسان المؤمن هو أن يدافع باستماتة عن حرمة وقدسية الشعائر والمؤسسات الإسلامية. قال تعالى: <وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا اݩݘݩُولَئِكَ مَا كݠَانَ لَهُمْ اݩݘݩَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فݪِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[2] ففي قوله تعالى: <اݩݩݘݩُولَئِكَ مَا كݠݡَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ> تأكيد على أن حالة المنع لإقامة الشعائر لا يصح أن يدخل فيها المانعون لإقامة الشعائر هذه المساجد وهم آمنين مطمئنين، ودخولهم خائفين دليل المقاومة، وأن الإنسان المؤمن يدافع لآخر نفس عن شعائره ومؤسساته، وللقدس محورية في هذا الموضوع، ومعنى ذلك وجوب المقاومة لآخر نفس من أجل تحرير القدس.

الاحتلال الصهيوني للقدس وعبثه بقدسية هذا المسجد مؤشر على مدى الذل والهوان الذي وصلت إليه الأمة، فكيف لمسجد له هذه المحورية أن يدنس من قبل الصهاينة والأمة لا تفعل شيئاً؟!!! أليس في ذلك دليلاً على مدى الذل والهوان الذي وصلنا إليه؟!!!، وفي نفس الوقت فإن هذا المسجد هو لله، ولله آياته في الناس، وعليه فإن هذا المسجد من شأنه أن يحرك ضمير هذه الأمة ونخوتها وغيرتها وإحساسها بشرفها وعزتها وكرامتها المهدورة، ويشحذ همتها من أجل تحرير القدس، فهل توجد قضية ما تحرك ضمير المسلم كما يفعل القدس؟!!، وإذا لم يتحرك الضمير الإسلامي من أجل القدس فمن أجل أي قضية يتحرك؟!!.. الضمير الإسلامي الذي لا يتحرك من أجل القدس لن يتحرك أبداً من أجل أي قضية أخرى.

المسجد الأقصى له محوريته، والله – جل جلاله – قادر على أن يفعل بالصهاينة فعله بأصحاب الفيل وسوف يفعل ذلك وينقذ القدس، ولكن الله – عز وجل – بهذا الابتلاء والامتحان يريد للأمة أن تتحرك، وأن تشعر بالواقع المؤلم نتيجة تخليها عن الولاية وإلى أين أوصلنا هذا التخلي.

الجانب الثالث: حجم الإرهاب الصهيوني

ونحن نعيش يوم القدس يجب أن نستحضر حجم ونوعية الإرهاب الصهيوني، ومدى السحق الذي يمارسه هذا الكيان ضد إخواننا المؤمنين في فلسطين مع الدعم غير المحدود لهذا الكيان في كل جرائمه من قبل أمريكا وأوربا، ولنسترجع قول بوش حيث يقول: لو أنه كان محل شارون لفعل بالفلسطينيين ما فعله شارون، وهو من يطلب منه العرب أن يكون وسيطاً نزيهاً ويعولون عليه في حل القضية الفلسطينية.

الجانب الرابع: غير قادرة على الفعل

ونحن نعيش هذا اليوم نستحضر أيضاً موقف الأنظمة العربية، حيث تعيش التسليم الكامل وعدم إبداء أي مقاومة ضد أمريكا والكيان الصهيوني، ولا نقول: أن الأنظمة العربية فاشلة في أدائها السياسي فحسب، بل هي غير قادرة على فعل شيء، فهي لا تفعل ثم يكون هناك عجز مع الفعل، وإنما هي عاجزة عن الفعل تماماً، في حين نجد الشعب الفلسطيني هو صاحب المبادرة في الدفاع عن قضيته، وهذه المنظمات الفلسطينية التي تحاول أن تحرر القدس مصنفة في قوائم الإرهاب، كما أن أمريكا والغرب لن يكتفوا بدعم الكيان الصهيوني بل سوف يقومون بضرب هذه القوى الفاعلة في الساحة الفلسطينية.

أمريكا تسعى أيضاً لضرب القوى الإسلامية الفاعلة في الساحة الإسلامية كلها، وماذا تفعل الأنظمة العربية العاجزة عن الموضوع؟!!.. هل ترفضه؟!!.. كثير من الأنظمة العربية تمنع التكتل والتحزب على أساس الدين، تعد ذلك إضراراً بالوحدة الوطنية، وفي ذلك تقسيم – حسب وجهة نظرها – حيث سينقسم المجتمع إلى مسلمين ومسيحيين ويهود وهذا ممنوع في عرفها، في الحين الذي توجد فيه أحزاب شيوعية مرخص لها بالعمل السياسي، وهذه نظرة تخالف النظرة الإسلامية والقرآنية وهي من صميم التوجه العلماني، ومعنى ذلك أن الأنظمة العربية تحاول أن تفرض بقوة التوجه العلماني على الشعوب الإسلامية الرافضة لهذه الاتجاه، وتريد أن تبعد جميع القضايا بما فيها قضية فلسطين عن بعدها الإسلامي.

الفرن الداخلي

في الوقت الحاضر يوجد عنصر جديد، حيث كانت تمنع الأنظمة في السابق التكتل والتحزب على أساس الدين لأنه يضر بالوحدة الوطنية – حسب ما تدعيه – وكانت تنكل بالإسلاميين حيث كان الإسلاميون يجدون الملاذ الآمن لحرية التعبير في أمريكا وأوربا ومن مصلحة أمريكا وأوربا أن يعطوهم هذا المتنفس في ذلك الوقت، أما اليوم فقد اجتمعت كلمة أمريكا وأوربا على ضرب القوى الإسلامية الفاعلة وأغلقت جميع الأبواب وليس لهم إلا الله، وعليهم أن يكونوا في الفرن الداخلي ليحرقوا فيه، وهذا ليس مصير القضية الفلسطينية فحسب، وإنما مصير كل التيارات الإسلامية في العالم الإسلامي.

هل التفتم إلى حجم المأساة والخطر الذي نحن فيه، إذن.. علينا في يوم القدس العالمي – وكما قال الخميني العظيم عنه: أنه يوم الإسلام – أن نحشد جميع الطاقات الشعبية من أجل تحرير القدس، ونتمسك بالبعد الإسلامي للقضية، ونستمد العون من الله (عز وجل) ونثق بالنصر لأن النصر قادم لا محالة.


  • [1]– آل عمران: 123
  • [2]– البقرة: 114

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى