ثقافة

يوم الغضب الفلسطيني

نقف وقفة قصيرة مع قضية المسلمين الأولى، وهي القضية الفلسطينية في يوم الغضب الفلسطيني الذي دعت إليه المنظمات الفلسطينية، وجدير بأن يكون يوم غضب إسلامي، ويوم غضب عربي، وليس مجرد يوم غضب فلسطيني، لأن فلسطين قضية المسلمين الأولى.. قضية كل المسلمين.. كلكم يعلم ماذا يجري في فلسطين من القتل للنساء والرجال والأطفال والشيوخ والشباب، والاعتقالات العشوائية.. هدم المنازل.. تخريب المزارع.. الحصار الاقتصادي والعسكري.. اغتيال الرموز والقيادات الفلسطينية، وأيضاً السعي لتهويد ما بقي من فلسطين، ولاحتلال بيت الشرق دلالته لأنه يمثل المقر الرسمي للسلطة الفلسطينية، وهو بذلك ضرب للسلطة الفلسطينية والإرادة الفلسطينية والوجود الفلسطيني، وهو دلالة كبيرة على موت عملية السلام التي تركض وتلهث وراءها الدول العربية.. ماذا وجدنا من ردة الفعل العربي؟! وبصورة خاصة ما هي ردة فعل الأنظمة العربية؟!!!، لا شيء غير التنديد والاستنكار والشجب.. وحتى هذه إذا تأملتم فقد قلت حدتها، فالشجب والاستنكار أصبح أقل حدة مما كان عليه في السابق، والسؤال !!! هذه ردة فعل الأنظمة العربية على احتلال بيت الشرق الذي يمثل رمز السلطة الفلسطينية وهو المقر الرسمي لها، فلو أن الصهاينة احتلوا بيت المقدس فهل ستختلف ردة فعل الأنظمة العربية عن ردة الفعل العربية؟!!!، فرغم هذا الواقع المأساوي وضرب السيادة الفلسطينية لا توجد ردة فعل حقيقية للأنظمة العربية !!!، وأؤكد لكم أنه لو تم احتلال القدس فلن يختلف رد الفعل عما رأيتم وسمعتم!!!، لماذا؟ لأن هناك حالة عجز حقيقي لدى الأنظمة العربية، ولهذا العجز أسباب كثيرة جداً:

السبب الأول:

التفكك بين الأنظمة العربية، وعدم الرشد في العلاقات الخارجية، وعدم الرشد في إدارة الصراعات والاختلافات بين الدول، ودلائل هذا التخبط في العلاقات الخارجية وإدارة الخلافات واضحة للكل.. ولدينا حرب الخليج الأولى والثانية نموذج بارز.. وموقف الدول العربية من تركيا وعلاقاتها مع إسرائيل وموقفها من إيران نموذج آخر على هذا التخبط، إضافة إلى موقف الأنظمة العربية من حزب الله وما يمثله من دور ريادي في المنطقة، وفي ذلك مؤشر لطبيعة العقلية التي تدير العلاقات الخارجية وتدبير الخلافات بين الدول العربية والإسلامية، وبسبب هذا التفكك، وبسبب عدم الرشد في إدارة الخلافات نتج هذا العجز العربي.

السبب الثاني:

الانقسام في الإرادة بين الحكومات والشعوب.. الشعوب في واد والحكومات في واد آخر.. أسوء مصداق للتفرق الذي نهانا الله عنه <وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا >[1] هو الانقسام بين الحكومات والشعوب، والنتيجة هي التبعية، فكل مراقب لا يكاد يشعر بأن هناك إرادة عربية حرة مستقلة، وإنما كل الجهود والطاقات موجهة لحماية الأنظمة من الشعوب.. الأنظمة خائفة على كرسي الحكم وتحاول حماية هذا الكرسي من الشعوب.. فليس هناك مجرد انقسام في الإرادة وإنما الصراع فبدل أن تتحد الحكومات والشعوب وتكون لهما إرادة واحدة نجد الصراع بينهما.. الحكومات تحاول أن تدافع عن نفسها من شعوبها والشعوب تدافع عن حقوقها المسلوبة من الحكام، ولهذا شيء طبيعي أن يكون العجز، وطبيعي أن يفشل أداء الحكومات والأنظمة العربية، وفي ذلك تخلف سياسي اقتصادي ثقافي شامل في منطقة لها تراث وتاريخ، ولديها ثروات لا مثيل لها في العالم، وطاقات بشرية لا حدود لها.. فلنحاول أن نضع أيدينا على الداء ونشخصه.. فحين نتعرف على موقف الشعوب وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني الذي يحاول أن يحمي المقدسات ويحمي قضيته عبر تضحياته التي ما زال يقدمها بالشهادة والاستشهاد – فليبارك الله لهم – نجد أن خيار الشعوب هو دعم الانتفاضة.

واجبات الشعوب..

وهنا أريد أن أبين عدة واجبات يجب أن تلفت إليها الشعوب:

الواجب الأول:

رفض المشروع الصهيوني.. يجب أن نخلق اليأس في نفوس الصهاينة وفي نفوس الأمريكان وفي نفوس الغربيين من أن يكون للصهاينة وجود في منطقتنا، أو أن يمرر المشروع الصهيوني على الدول العربية والإسلامية، ينبغي أن نحشد كل الطاقات.. نحشد العقول والنفوس لعدم قبول تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وأول مسألة هو واجب طرد الكيان الصهيوني من أفكارنا وقلوبنا لكي يخرج من على أرضنا.. إذا كانت في نفوسنا قبول للمشروع الصهيوني والوجود الصهيوني فسوف يكون للكيان الصهيوني وجود على الأرض، أما إذا أخرجنا الكيان الصهيوني من عقولنا وقلوبنا فسوف يخرج الكيان الصهيوني من أرضنا، فالواجب الأول أن نخرج الكيان الصهيوني والمشروع الصهيوني الأمريكي الغربي من عقولنا وقلوبنا، وقد لفت انتباهي ويا للأسف وأنا أقرأ بعض الجرائد حديث عن السلام وعملية السلام، وأنا أسأل إلى أين وصلت هذه العقول.. بعد كل ما يجري في فلسطين نجد من يتحدث عن السلام، وهذا دليل على أن هذا المشروع لازال عميقاً في نفوس وأفكار البعض، وهذا نموذج للعقلية التي تدير الصراع والتي مكنت للكيان الصهيوني من النفوس والعقول.

الواجب الثاني:

أن نتبنى خيار تحرير فلسطين كل فلسطين.. كل التراب الفلسطيني بغير استثناء، لأن الحكم الشرعي يقول: بأن أي أرض إسلامية تحتل فواجب المسلمين تحرير هذه الأرض الأقرب فالأقرب، وليس لأحد الحق حتى الفلسطينيين أنفسهم أن يقبلوا بوجود الصهاينة على أرضهم، إذن فالخيار الإسلامي الوحيد هو تحرير كل أرض فلسطين ويجب على الحكومات أن تتبنى هذا الخيار وتدعمه، كما أنه خيار الانتفاضة لأن النسبة الكبرى من الانتفاضة تتبنى خيار تحرير كل فلسطين.

الواجب الثالث:

تقديم الدعم المادي والمعنوي للانتفاضة، ليس من خلال الخطب والمهرجانات فقط، بل بإيجاد حالة عامة في كل البلاد الإسلامية داعمة للانتفاضة ورافضة للكيان الصهيوني ولمشروعه، والمسيرات هي إحدى الأشكال، والدعم المادي أحد الأشكال، ولكن يجب أن تكون حالة سياسية اجتماعية عامة لدعم الانتفاضة ومقاومة التطبيع ورفض الكيان والمشروع الصهيوني، ولا ينبغي أن تكون هذه في هذا اليوم فقط وهو يوم الغضب الفلسطيني بل يجب أن تكون مستمرة ومستديمة، لأنها قضية المسلمين الأولى، وكرامة المسلمين تتعلق بهذه القضية، ضمير المسلمين يتعلق بهذه القضية.. لن تكون للمسلمين كرامة.. ولن تكون لهم عزة.. ولن تكون لهم أخلاقية بالمعنى الدقيق ما لم يتوجهوا لتحرير فلسطين.

الواجب الرابع:

السعي للتأثير الإيجابي على الأنظمة والحكومات لتتبنى خيار الانتفاضة والتحرير.. يجب معالجة هذا الانقسام في الإرادة بين الأنظمة والحكومات.. هذا أخطر انقسام، وأنا أخشى أن تكون قضية فلسطين نقطة تصادم بين الأنظمة والشعوب إذا بقيت الحكومات على الاتجاه وهذا العجز وهذا الضعف في الأداء وهذا الموقف المتخاذل مع ما تتحسسه الشعوب من الإهانة والغضب، والمطلوب من الأنظمة أن تغير مواقفها وتقترب من شعوبها وأن تتحد إرادتها مع إرادة شعوبها، بمعنى آخر يجب أن تكون هناك إصلاحات سياسية، وأن لا تكون الحكومات مشغولة بالدفاع عن كراسي الحكم والشعوب مشغولة بالدفاع عن حقوقها أمام حكوماتها.. يجب أن تنتهي هذه الحالة وإلا فإن حالة العجز والضعف لن تتغير، وبهذه المناسبة أشيد بالمسيرة الشعبية وأؤكد على الإشادة بها حين يمكن أن تكون نموذجاً للمحافظة على الوحدة الوطنية، ودعم قضايانا الإسلامية والوطنية والقومية المصيرية وغيرها من القضايا.


[1]– الأنفال: 46

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى