ثقافة

وجه الانتفاضة الفلسطينية المُشرق

مكانة القدس والمسجد الأقصى..

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.

أيها الأحبة الأعزاء: من خلال رحلة الإسراء المباركة العظيمة للرسول الأعظم الأكرم(ص) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى نتعرف على التالي:

أولاً: المكانة المرموقة العالية التي هي للمسجد الأقصى في الإسلام.

ثانياً: أن مكانة المسجد الأقصى ترتبط بصلته المادية والمعنوية بتاريخ الأنبياء ورسالتهم في الحياة.

ثالثاً: أن رسالة الرسول الأعظم الأكرم(ص) هي امتداد لرسالات الأنبياء، وأن الأمة الإسلامية هي امتداد لأممهم، وأنها تتحمل مسؤولية الحفاظ على تراثهم ومواصلة طريقهم في الحياة.

رابعاً: أن المسجد الحرام والمسجد الأقصى يرتبطان بمصير مشترك واحد.

والنتيجة التي أرغب الوصول إليها من هذه الفقرة: إن قضية المسجد الأقصى والقدس الشريف وفلسطين العزيزة ليست قضية حجارة وتراب، وأن المسألة فيها ليست عصبية وطنية أو قومية.. ولا غيرها، وإنما هي قضية واقعية عادلة، وان المسألة الجوهرية فيها إسلامياً تتعلق بحمل المسلمين للرسالة السماوية إلى الناس، وتتعلق بمكانتهم المعنوية ودورهم الإنساني والتاريخي في الحياة، وأن احتلال الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين العزيزة والقدس الشريف فيه اعتداء على المقدس الإسلامي، وفيه مساس بالمكانة المعنوية للمسلمين، وفيه استلاب وتعطيل للدور الرسالي للأمة الإسلامية في الحياة، وهذه مسائل جوهرية وكبيرة جداً.. وغير قابلة للتنازل أو المساومة.

ومن جهة ثانية: فإن سيطرة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين والقدس الشريف والمسجد الأقصى، فيه اعتداء على الحق القانوني والتاريخي للمسلمين والفلسطينيين فيها.

والخلاصة: أن الصراع الإسلامي الفلسطيني مع الكيان الصهيوني وقوى الاستكبار العالمي على فلسطين، هو صراع إسلامي حضاري ورسالي.. وحق وطني للفلسطينيين، والصراع يقوم على أساس الرفض المطلق لوجود الكيان الصهيوني غير الشرعي في أي جزء من أجزاء فلسطين المحتلة، ورفض لتدخلات الاستكبار العالمي غير المشروعة في البلاد الإسلامية.. بأي شكل من الأشكال، حيث لا يجوز شرعاً للمسلمين السماح للأجانب بالتدخل في شؤون بلادهم.

والمطلوب إسلامياً وفلسطينياً: أن تكون القضية الفلسطينية العادلة.. الشغل الشاغل لكافة المسلمين والفلسطينيين، فالتكليف الشرعي والإنساني والوطني يحتم عليهم السعي بكل وسيلة متاحة وممكنة: سياسية أو عسكرية أو ثقافية أو إعلامية.. أو غيرها، من أجل تحرير فلسطين المغتصبة من براثن الكيان الصهيوني الغاصب المجرم، ورفض التدخلات الأجنبية في فلسطين والبلدان الإسلامية، والسعي لاسترداد المكانة الدينية والتاريخية والدور الرسالي والإنساني للمسلمين في الحياة، وأن هذه الندوات والمحاضرات – أيها الأحبة – وكل المسيرات وأشكال الدعم المادي والمعنوي هي أجزاء من هذه المساعي المباركة للمشاركة في التكليف الشرعي والإنساني والوطني والقومي لتحرير فلسطين العزيزة.

أيها الأحبة الأعزاء: لقد مضت على قضية فلسطين ابتداء من عام (48) وحتى الآن.. مدة  56 عاما كانت مليئة بالبؤس والحزن والعذاب، تعرض فيها الشعب الفلسطيني المسلم المظلوم إلى اعتداءات شرسة ومذابح بشعة من قبل الكيان الصهيوني المجرم.. مثل مذبحة كفر كرم ودير ياسين، قتلوا فيها الأطفال والشيوخ والنساء بغير ذنب ولا جرم.. سوى أنهم من شعب عربي مسلم قرر الصهاينة المجرمون تشريده واحتلال أرضه بغير وجه حق، وهدموا البيوت والممتلكات، وخربوا الآثار الثقافية والحضارية، وهتكوا حرمة المقدسات الإسلامية والمسيحية، ولم تتحرك غيرة الحكومات العربية، واكتفوا بالمعارك الكلامية العقيمة، وخاضوا بعض الحروب الانهزامية، وانتهى بهم المشوار للمساومات السياسية الهزيلة مع الكيان الصهيوني من أجل إرضاء أمريكا المجرمة.

وإذا جئنا نبحث عن نتائج المساومات أو ما يسمى بالمفاوضات مع الكيان الصهيوني.. نجد النتائج التالية:

حصول الكيان الصهيوني على الشرعية والاعتراف الرسمي بوجوده من قبل الحكومات العربية وغيرها من حكومات العالم التي كانت متعاطفة مع الفلسطينيين والقضية الفلسطينية.

القبول بشرعية الاحتلال لأجزاء من فلسطين وغض النظر عن الحقوق الشرعية والتاريخية والوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني فيها.. وتراجع الجهاد والدفاع المشترك لتحرير أرض فلسطين العزيزة.

القبول باستمرار تشرد الملايين من أبناء شعب فلسطين المظلومين.. في داخل فلسطين وخارجها.

تمزق العرب والفلسطينيين وظهور بوادر الاقتتال الداخلي في كثير من الحالات والمواقف المفصلية التي تتعلق بالقضية الفلسطينية.

لم تحصل الحكومات العربية على أي مكسب سياسي أو غير سياسي من أمريكا والكيان الصهيوني سوى الذل والهوان.. ولن يكون لها سوى ذلك، لأن أمريكا والكيان الصهيوني يعلمان بأن الحكومات العربية ضعيفة في مواقفها ومعزولة عن شعوبها.. ولا تعبر عن إرادتهم، وأن الذي تستحقه ويبقيها على طريق الخنوع والعبودية لهما هو هذا الأسلوب الغليظ القاسي المذل والمهين، وسوف يبقى هو الأسلوب الناجع في التعامل معهم ما بقيت أمريكا الكيان الصهيوني على وجه الأرض.

فهنيئاً لهم بهذا القدر العالي جداً، والسمعة الطيبة جداً.. جداً، والنصيب الأوفر في الحياة الدنيا، وما ينتظرهم عند الله تعالى في الآخرة أشد وأعظم.

أيها الأحبة الأعزاء: لقد كشفت التجارب أن الحكومات العربية والمنظمات الفلسطينية، كلما أبدت ليناً في مواجهة مخططات واعتداءات الكيان الصهيوني الخبيث.. وراعية الإرهاب الدولي: أمريكا المجرمة، كلما ازدادا.. عنفاً وإجراماً بحق الشعب الفلسطيني والعرب والمسلمين أجمعين.

وإن الحقيقة التاريخية المرة والمؤلمة.. تقول: إن تقاعس الحكومات العربية عن واجب المواجهة في بداية الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين العزيزة، هو الذي رسخ وجود الكيان الصهيوني الغاصب وكرس الاحتلال لفلسطين.. كأمر واقع، ولولا بركة وفضل الحركات الشعبية الثورية في فلسطين.. وخارجها، لأصبح حلم الصهاينة بدولة إسرائيل الكبرى: (من الفرات إلى النيل) حقيقة قائمة على أرض الواقع في عالمنا المعاصر.

ومن كل ذلك نخلص إلى النتائج التالية:

أن القضية الفلسطينية هي قضية شعب مظلوم شرد عن وطنه، وهي قضية حضارية وقضية رسالة سماوية يحملها المسلمون في الحياة.. ولن يتخلوا عنها ما بقيت الأرض والسماء.

أن سعي الشعب الفلسطيني المظلوم والأمة الإسلامية المباركة لرد العدوان واسترجاع فلسطين والمكانة الدينية والحضارية والدور الرسالي لهما.. هي قضية عادلة بالكامل.

أن المطلوب من الأمة الإسلامية كلها الوقوف إلى صف الشعب الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني وقوى الاستكبار العالمي المساندة له بالمطلق… في القضية الفلسطينية العادلة والمصيرية.

أن السبيل الوحيد لقمع أطماع الكيان الصهيوني.. والخلاص منه، وقمع التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية في البلاد الإسلامية، واسترداد الأمة الإسلامية لعزتها وكرامتها ومكانتها الدينية والتاريخية.. هي المقاومة بكل أشكالها: السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والإعلامية والجهاد الدؤوب ضد الكيان الصهيوني وقوى الاستكبار العالمي الداعمة بالمطلق لهذا الكيان الغاصب المجرم.. والتضحية بالنفس والنفيس في سبيل ذلك.

تفجر انتفاضة الأقصى..

في ظل الظروف المأساوية التي أوجدتها المساومات السياسية المذلة والمهينة مع الكيان الصهيوني.. برعاية أمريكا المجرمة، وتراجع القضية الفلسطينية وانغلاق الأفق السياسي أمام الحل العادل، انفجرت انتفاضة الأقصى الباسلة كالبركان الهادر من صميم الوعي الإسلامي الغيور على أنقاض تيارات وقوى سياسية هزيلة في مواجهة أساليب القمع والإرهاب الصهيوني الذي يريد القضاء على كبرياء وشموخ وغيرة الشعب الفلسطيني الأبي.. وكان الهدف ولا يزال هو: تقويم المعادلة السياسية والأمنية والعسكرية في المواجهة مع الكيان الصهيوني الغاصب وقوى الاستكبار العالمي الداعمة له بالمطلق، بعد أن أيقن الشعب الفلسطيني المقهور، بأن المناهج العلمانية والحلول الاستسلامية لن تؤدي إلا إلى المزيد من الخسائر والتراجع والإذلال.

أيها الأحبة الأعزاء: لقد قضت انتفاضة الأقصى السنة الرابعة من عمرها المبارك.. ودخلت عامها الخامس، وهي صلبة شامخة صامدة صمود الجبال الراسية أمام أعتا الرياح القاصفة، وسوف تبقى كذلك وتتجدد ما بقي الكيان الصهيوني على أرض فلسطين العزيزة.. ونحن هنا في هذا اليوم المبارك: نحتفل بالذكرى الرابعة لتفجرها، وهي تمر في هذه الأيام بأسوأ ما شهدته طوال الأعوام الأربعة من القتل الجماعي والفتك بالأطفال والشيوخ والنساء وتخريب الممتلكات، حيث يرتكب الكيان الصهيوني المجرم فواجع تدمي قلوب الشرفاء في كل العالم، ففي كل يوم يسقط عشرات القتلى ومئات الجرحى معظمهم من المدنيين من الأطفال والشيوخ والنساء، وكل ذلك يحدث بغطاء أمريكي.. وصمت عربي، في ظل تعتيم إعلامي، وقلب متعمد للحقائق من الساسة الأمريكيين والغربيين والأمميين، الذين يغضون النظر عن حقيقة اغتصاب فلسطين وتشريد شعبها، ويتجاهلون جرائم الصهاينة، ويدينون كفاح أبناء الشعب الفلسطيني المظلوم من أجل رد العدوان وتحرير الأرض والمقدسات.. ويصفونه ظلماً بالإرهاب، وفي أحسن الأحوال يساوون بين الضحية والجلاد!!

أيها الأحبة الأعزاء: ولكي نستوعب ما يقوم به الكيان الصهيوني من جرائم مفجعة تفوق التصور والخيال ضد الشعب الفلسطيني المسلم المظلوم، أذكر إليكم بعض ما وصف الله جل جلاله به اليهود في القرآن المجيد.

أوصاف اليهود في القرآن..

الوصف الأول والثاني والثالث والرابع: الخيانة ونقض العهود والمواثيق وتحريف الكلام عن مواضعه ونسيان الكتاب ووضعه وراء ظهورهم.. ونتيجته ذلك عليهم: اللعن والخذلان وقسوة القلوب..

قال الله تعالى: <وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ۖ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12) فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ>[1].

الوصف الخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع: المطامع المادية والكفر بآيات الله تعالى والمعصية والاعتداء وقتل الأنبياء بغير حق.. ونتيجته ذلك عليهم:غضب الله والذلة والمسكنة.

قال الله تعالى: <وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ >[2].

الوصف العاشر: كثرة الجدال بدافع العناد والرغبة في المعصية.

قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرݩݦُكݠُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أݩَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ 67 قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ 68 قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ 69 قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ 70 قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ [3].

الوصف الحادي عشر: أنهم أشد الناس عداوة للمؤمنين.

قال الله تعالى: <لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا>[4].

الوصف الثاني عشر والثالث عشر: تعمد الكذب على الله تعالى والنظرة العنصرية لغير اليهود.

قال الله تعالى: <وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ>[5].

فإذا كانت – أيها الأحبة الأعزاء – هذه صفاتهم التي يتصفون بها حقيقة وواقعاً، فلا غرابة أن نجد منهم ما وجدناه من قتل الفلسطينيين المسلمين المظلومين وهدم بيوتهم وتخريب ممتلكاتهم وتشريدهم من ديارهم ووضع أيديهم عليها واحتلالهم لها بغير شريعة ولا وجه حق.

القيم التي حققتها الانتفاضة المباركة..

أيها الأحبة الأعزاء: إلا أنه رغم الصور المأساوية المفجعة في مشاهد الانتفاضة، فإن هذه الانتفاضة المباركة قد حققت قيم معنوية وسياسية وتاريخية كبيرة في تاريخ الفلسطينيين والأمة الإسلامية. 

ومن القيم التي حققتها الانتفاضة القيم التالية:-

القيمة الأولى:

الانتفاضة المباركة تمثل نهضة الشعب الفلسطيني من أجل تثبيت خيار المقاومة في مقابل خيار المساومة والاستسلام، في الوقت الذي يسعى فيه الكيان الصهيوني وأمريكا وعملائهما في كل مكان، إلى زرع اليأس في قلوب المسلمين.. واستئصال مبدأ المقاومة والقبول بالأمر الواقع، ليفسحوا المجال لبقاء الكيان الصهيوني في فلسطين المغتصبة وتدخل القوى الكبرى في العالم الإسلامي، في مقابل حصولهم على مصالح مادية دنيئة.. ولأسباب أخرى سوف يأتي توضيح بعضها. 

أيها الأحبة الأعزاء: لقد تمكنت الانتفاضة الفلسطينية بكفاءة عالية، من إسقاط الواقعية السياسية المزيفة، التي يستند إليها المتحذلقون والمهزومون فكرياً ونفسياً وروحياً.. من عملاء المشروع الأمريكي والتوجهات الغربية، لتبرير القبول بالأمر الواقع السيىء في الأوضاع الداخلية في الدول العربية والإسلامية، ولإدخال اليأس إلى قلوب الفلسطينيين والعرب والمسلمين من مسألة تحرير فلسطين العزيزة، ورفض تدخلات قوى الاسكتبار العالمي في العالمين: العربي والإسلامي.. ومقاومتها، رغم محاولة بعضهم إضفاء الصبغة الدينية على تلك التبريرات الشيطانية.. ولكن الله أعز وأجل من أن يغلب في دينه.

نعم.. أيها الأحبة الأعزاء: لقد نجحت الانتفاضة المباركة في إحياء الأمل المتدفق في نفوس المسلمين والفلسطينيين خاصة: بإمكانية استرداد المسلمين لعافيتهم ومكانتهم، ومقارعة قوى الاستكبار العالمي، وتحرير فلسطين العزيزة والمسجد الأقصى الشريف من براثن الصهاينة، وتحقيق الأهداف العادلة للفلسطينيين والمسلمين في أرض المقدسات، وأثبتوا بتجربتهم الجهادية التضحوية: بأن الجرثومة الصهيونية والغدة السلطانية التي زرعها الاستكبار العالمي في قلب العالم الإسلامي.. ليست عصية على الاستئصال، وأن يوم نهايتهم ماثل في أذهان المجاهدين الأبطال.. بضمانة الله تعالى لهم: <إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا 6 وَنَرَاهُ قَرِيبًا>[6].. قريباً.. قريباً.

القيمة الثانية:

تحريك الوجدان الشعبي والوعي الإسلامي في خط مواجهة التحديات التي تعيق حركة الأمة ونهضتها وللوقوف خلف الشعب الفلسطيني ومناصرته.

أيها الأحبة الأعزاء: من الواضح بجلاء كامل، أن الرأي العام الإسلامي منحاز بالكامل إلى صف خيار المقاومة ودعم حركات الجهاد الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني.. وأمريكا، ولم يشذ عن ذلك سوى المرجفين في الأرض من عملاء المشاريع الاستعمارية الأمريكية والتوجهات الغربية والشرقية، وقد أثبتت التجارب ومسيرات التضامن، بأن مشاعر الشعوب الإسلامية تجاه القضية الفلسطينية.. لا زالت حية متدفقة. والذي يجب أن نعلمه ونثق به: أن الأمة الإسلامية لا تعاني من ضعف حقيقي لا تملك معه الأمل في النهوض وقلب المعادلة لصالحها من جديد، فالأمة الإسلامية أمة عظيمة يفوق عدد أبنائها المليار نسمة، وهي تمتلك مقومات البقاء والتقدم والريادة التاريخية، وقد وعدها الله تعالى بالاستخلاف في الأرض، فسوف تنقلب المعادلة لصالحها مستقبلاً.. لا محالة، ولكنها تعاني اليوم من ضعف نفسي ألحقته بها الحروب النفسية التي يشنها الأعداء عليها بقسوة منقطعة النظير، وبالتأثيرات التخريبية التي تقوم بها بعض الحركات العلمانية الموالية للمشروع الأمريكي والغربي، في ظل حكومات مستبدة ظالمة لا تؤمن بالمشروع الإسلامي ولا تدافع عنه، وإنما تحاربه من أجل مصالحها الخاصة، ولإرضاء أهوائها ونزواتها الشيطانية، ولإرضاء قوى الاستكبار العالمي.. والمطلوب منا كمسلمين: أن نتحرك في سبيل اكتشاف عناصر القوة لدينا وتنميتها وتحريكها وتفعيلها في ساحات الصراع والمواجهة، وان نفعل – على الأقل – كما فعله الأعداء الصهاينة الذين كانوا قلة منبوذين.. ولكنهم خططوا للمستقبل، ونجحوا من خلال التصميم والإرادة في تحريك كافة خيوط اللعبة الدولية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وإعلامياً لصالحهم، حتى استطاعوا أن يلحقوا الهزيمة بنا وأن يقيموا وطنا لهم في أرض فلسطين العزيزة.

أيها الحبة الأعزاء: لا يجوز للمسلمين أن يسمحوا للكيان الصهيوني بالاستمرار في احتلال أرض فلسطين، ولا أن يسمحوا للقوى العظمى بالتدخل في شؤون بلادهم، وإن الحل يبدأ بتعبئة الطاقات الشعبية في العالمين العربي والإسلامي، وإحياء مبدأ المقاومة الشعبية المنظمة، والاستعداد للتضحية والفداء من أجل استرداد المكانة التاريخية والعزة والكرامة المهدورة والدور الرسالي المعطل فيهما.

إن المسلمين اليوم يفوقون المليار نسمة، وإذا هم أدوا الذي يجب عليهم تجاه المقاومة فإن الله العزيز الجبار سوف ينصرهم ويحميهم ويدافع عنهم، وهذا هو وعده الحق اليهم.. ولن يخلف الله تعالى وعده.

ومن الملاحظ أيها الأحبة الأعزاء: أن الحكومات العربية من أجل إرضاء أمريكا.. ولأسباب داخلية، تسعى لشل حركة الشعوب في مناصرة الشعب الفلسطيني المظلوم، والمطلوب من الشعوب العربية والإسلامية: أن لا تخضع لإرادة حكامها.. غير المشروعة، وأن تستمر في تحمل مسؤولياتها الدينية والإنسانية، وأن تبقى فاعلة في الساحة مهما حاصرتها الحكومات العميلة، وأن تؤكد للكيان الصهيوني الغاصب، ولأمريكا المجرمة، وللحكومات العميلة.. التي تتحدى إرادة الشعوب، وتركن إلى أمريكا والكيان الصهيوني، تؤكد لهم جميعاً: بأن قضية القدس هي قضية إسلامية رسالية حضارية.. وحق وطني للفلسطينيين، وأنها حية في والوعي والضمير والوجدان الإسلامي والفلسطيني، ولن يلفها النسيان أبدا ما بقي القرآن والإسلام.

القيمة الثالثة:

لقد نجحت الانتفاضة الفلسطينية في خلق توازن الرعب مع الكيان الصهيوني.. رغم تواضع إمكانياتها المادية والعسكرية، وذلك بفضل إيمان أبنائها الأشاوس الأبطال.. وتضحياتهم، فقد استطاعت الانتفاضة المباركة أن تجعل الصهاينة يعتقدون بأنهم ليسوا في منأ عن الموت بالدم الأحمر القاني الذي ينشرونه في كل مكان من أرض فلسطين العزيزة.

أيها الأحبة العزاء.. تأكدوا: بأنه بعد أن قضت انتفاضة الأقصى العام الرابع من عمرها المبارك.. ودخلت عامها الخامس، فإن مشروعها – وهو المقاومة – قد أصبح مشروعاً مستقراً يمتلك قابلية البقاء، وسوف تبقى الانتفاضة – بإذن الله تعالى – ما بقي الكيان الصهيوني الغاصب، ولن يكون لأمريكا المجرمة.. ولربيبها: الكيان الصهيوني الغاصب، أمل يذكر في القضاء عليها.

حقائق لفهم القضية الفلسطينية..

وفي نهاية هذه الكلمة أرغب في ذكر مجموعة من الحقائق الرئيسية التي من الممكن أن تسهم في بلورة الوعي وتحديد الفهم والموقف الإسلامي من القضية الفلسطينية وبعض أهم ملابساتها:

الحقيقة الأولى:

أن قضية فلسطين.. هي: قضية إسلامية حضارية رسالية.. وحق وطني للفلسطينيين، وبالتالي فهي ليست قضية محلية تخص الفلسطينيين وحدهم.

الحقيقة الثانية:

يجب على الفلسطينيين مقاومة الكيان الصهيوني.. وعدم الاستسلام له، وهم رأس الحربة في هذه المواجهة، ويجب على كافة المسلمين تقديم الدعم الشامل لهم من أجل تحرير فلسطين العزيزة وإنقاذها من براثن الصهيونية العالمية وقوى الاستكبار العالمي.

الحقيقة الثالثة:

لا يجوز للفلسطينيين ولا لغيرهم تقديم أي تنازل للصهاينة بشأن أرض فلسطين والمقدسات الدينية فيها. 

وينبغي التنبيه هنا: إلى أن الأساس الذي قبلت بناء عليه الحكومات العربية وبعض المنظمات الفلسطينية بشرعية الاحتلال لأراضي ما قبل حرب (67) المتمثل في قبول الأمر الواقع المستند إلى قوة الكيان الصهيوني والدعم الأمريكي غير المتناهي لهذا الكيان الغاصب الخبيث وقرارات الأمم المتحدة.. واليأس من تغيير المعادلة، تصلح أن تكون أساساً لإعطاء الشرعية والاعتراف بالاحتلال الصهيوني لكل فلسطين العزيزة !! 

الحقيقة الرابعة:

لا يصح الفصل بين الكيان الصهيوني وأمريكا في تحمل مسؤولية ما يحدث للشعب الفلسطيني على أرض فلسطين، وما يحدث لكافة العرب والمسلمين في جميع أنحاء العالم من ظلم واضطهاد وسرقة لثرواتهم ومنعهم من الحصول على أسباب القوة المشروعة والتقدم في الحياة. 

أيها الأحبة الأعزاء: يجب أن نعلم بأن أمريكا المجرمة قد وضعت كل علاقاتها الدولية في ميزان المصالح الصهيونية والسعي لتوفير كل عناصر القوة لهذا الكيان الغاصب الخبيث.. من جهة، وإفراغ الواقع العربي والإسلامي من عناصر القوة.. من جهة ثانية، وذلك ليبقى الإخلال بميزان القوى لصالح الكيان الصهيوني في المنطقة والعالم.. حقيقة أبدية. وهذا ما تشهد به الوقائع اليومية على الساحة الدولية.. لا سيما في ظل الإدارة الأمريكية الحالية، المتشبعة بالولاء للصهيونية العالمية والحقد على العرب والمسلمين!!

وبالتالي: فإن التعويل على الدور الأمريكي للحصول على الحل العادل أو المقبول في فلسطين والعالم.. ليس في محله قطعاً، وهو من أوهام المتخاذلين والمنبطحين من الحكام والمنافقين المرجفين في الأرض من عملاء المشروع الأمريكي الخبيث.. والتوجهات الغربية الضالة.

الحقيقة الخامسة:

يجب العمل على توحيد المعركة ضد الكيان الصهيوني وحلفائها.. مهما اختلف تكتيك المواجهة، ويجب الاعتقاد بوحدة المصير للأمة الإسلامية.. ولأعدائها.

قال الله تعالى: <وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرݧْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ>[7].

وينبغي التذكير هنا برفض الكيان الصهيوني للتفاوض مع العرب مجتمعين وذلك للأسباب التالية حسب التحليلات السياسية:

لأن التفاوض مع العرب مجتمعين من شأنه أن يمثل مظهراً من مظاهر القوة السياسية لهم.. وهذا مما لا تريده أمريكا والكيان الصهيوني. 

لكي لا تبرز القضية الفلسطينية على أنها قضية متصلة بالاستراتيجية المشتركة بين الدول العربية.. وهذا أيضاً مما لا تريده أمريكا والكيان الصهيوني.

وينبغي التذكير هنا بما وصف الله تعالى به اليهود في القرآن الكريم من كثرة الجدال بدافع العناد والرغبة في المعصية.. ومثال ذلك: جدالهم حول البقرة.

وقد ظهرت مفاوضات الحكومات العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية مع الكيان الصهيوني.. في النهاية: على أنها سبيل لحل مشكلة كل دولة عربية على حدة مع الكيان الصهيوني، وأن القضية الفلسطينية هي قضية الفلسطينيين وحدهم، وأنها شأن داخلي بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني، فهنيئا للحكام العرب وقوى المساومة بهذه النتيجة المخزية في الدين والدنيا!!

والمطلوب من الشعوب العربية والإسلامية: أن تكتشف وحدتها في القضايا المركزية الجوهرية المشتركة.. وأن تعززها بالقول والفعل، على مستوى التخطيط والتنفيذ بين القوى الشعبية المجاهدة.

أيها الأحبة الأعزاء: إننا نتطلع بشوق لذلك اليوم الذي تجتمع فيه قلوب العرب والمسلمين وتتلاحم سواعدهم أمام طواغيت الشرق والغرب وقوى الاستكبار العالمي.. وما ذلك على الله تعالى بعزيز.

قال الله تعالى: <وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلݭݭݭِيُّ الْمُتَّقِينَ>[8].

الحقيقة السادسة:

أن المنهجية الكفيلة بتحرير فلسطين هي المنهجية الإسلامية في الجهاد، وأن العلمانية بكافة مدارسها غير قادرة على تحرير فلسطين، لأن رؤيتها لفلسطين رؤية قاصرة وغير ضامنة لتحريرها من براثن الصهاينة المغتصبين.. والاستكبار العالمي.

أيها الأحبة الأعزاء: إن الحركات والتيارات العلمانية في الحقيقة، أجسام غريبة في الكيان الإسلامي.. ونقاط ضعف فيه، وكان لبعضها أدوار تخريبية في كيان الأمة الاجتماعي والسياسي.. وفي ثقافتها وتاريخها، وقد أثبتت التجارب سقوط معظمها في المواجهة مع الاستكبار العالمي، تحت تأثير الهوى الثقافي الضال، والإغراءات المادية، والضغوط التي تحيط بالواقع العربي: سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، والضعف النفسي، والفراغ الروحي لها.. وهي في الحقيقة: جزء من خطط الاستكبار العالمي الثقافية والسياسية في العالم الإسلامي، والقائمين علي تلك الحركات هم أعظم المروجين والمنفذين لتلك الخطط الاستعمارية فيه، وليس لهم وهم الغرباء الذين يتغذون على الجيف الثقافية.. أي مستقبل سياسي أو ثقافي في عالمنا الإسلامي المبارك، وسيقذف الله تعالى بهم في مقبرة الوجود والتاريخ.

ومع كل ما سبق من التقييم لهذه الحركات والتيارات فإنه لا يصح – حسب المنهج القرآني العظيم – منعهم من حقهم في التعبير عن آرائهم، أو يمنع من الحوار والعمل المشترك معهم على الصعيد الوطني والقومي والدولي.. فالقرآن مثلاً: يصف واقع الحال لأهل الكتاب بموضوعية تفرضها الأمانة العلمية والدينية والإنسانية.. ومع ذلك يدعوهم للحوار والعمل المشترك.

قال الله تعالى: <قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلݧݧَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا اݩݘَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ>[9].

والنتيجة التي نخلص إليها من هذه الفقرة: أن الإسلاميين الثوريين هم وحدهم الذين يعون حقيقة الاستكبار العالمي وخطورة الأوضاع المادية والمعنوية الناجمة عن اغتصاب الصهاينة المجرمين للقدس الشريف وفلسطين العزيزة، وهم وحدهم القادرون على تحمل مسؤولية التحرير وإفشال مخططات التهويد والتطبيع ورفض الهيمنة الاستكبارية ومقاومتها في العالم الإسلامي.. ودفع الثمن الصعب لتحقيق ذلك الهدف المقدس العظيم.

وعليه فإن المطلوب من القيادات الإسلامية اليوم: أن تتحمل مسؤوليتها الدينية والتاريخية والوطنية، وتسعى لتحريك الشارع الإسلامي الغيور، وتقوم بالتعبئة الشاملة لقدرات الأمة الإسلامية (وهذه مسؤوليتها الخاصة) وذلك للقضاء على عوامل الضعف والاختراقات الثقافية والسياسية والأمنية، وللضغط على الواقع الرسمي الاستسلامي المنهزم أمام قوى الاستكبار العالمي والكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين العزيزة، ومن اجل إحداث إصلاحات داخلية جوهرية شاملة في البلاد العربية والإسلامية.. مع التأكيد هنا: على أن الجماهير هي وحدها القادرة على أن تفعل ذلك وتقول الكلمة الفصل في هذا الموضوع، وليس للحركات المعزولة عن الجماهير مثل هذا التأثير قطعاً، وسوف أشير إلى هذا الموضوع في مكان آخر في نهاية الحديث.

الحقيقة السابعة:

لقد أثبتت التجارب بأن منهجية الحكومات العربية الفكرية والسياسية منهجية خاطئة، فهي منهجية علمانية قاصرة عن إدراك الأبعاد الروحية والمعنوية للقضية الفلسطينية، ولذلك فهي تسمح بالتفريط في أرض فلسطين والمقدسات الدينية فيها، وهي منهجية مرتبطة بالغرب وتتسم بالضعف وتختزن الهزيمة النفسية والروحية في خطواتها وتطلعاتها، وتقوم على المساومات السياسية المفضوحة مع الأعداء، ولا ينفصل ذلك عن كونها حكومات مستبدة غير منتخبة من الشعوب، وقد أصبحت سياسياً: رموزاً للذل والوهن وفقدان الدور والمكانة في العالم.

إن واقع الحال للحكومات العربية اليوم.. يقول: أنها تسعى للتحرر من القضية الفلسطينية بدلاً من السعي لتحرير فلسطين، لأن القضية الفلسطينية في حساباتهم السلطوية المادية والدنيوية الدنيئة، تمثل عبئاً ثقيلاً على واقعهم اللهوي والأمني والسياسي والاقتصادي، وتعيق انطلاقتهم مع العولمة وكسب ود رب نعمتهم أمريكا المجرمة.

أيها الأحبة الأعزاء: يجب أن نعلم بأن تقاعس الحكومات العربية في بداية الاحتلال الصهيوني لفلسطين، كان من أهم العوامل التي أدت إلى رسوخ هذا الاحتلال وفرضه كأمر واقع على الفلسطينيين والعالم.. وتقاعسهم اليوم: من أهم العوامل التي أدت إلى ما نشهده اليوم في فلسطين العزيزة من القتل والتشريد الجماعي ومن مآسي مفجعة تدمي قلوب الشرفاء في العالم.

الحقيقة الثامنة:

أن التعويل في تحرير فلسطين يقوم حقيقة على حركات التحرير الشعبية في فلسطين والبلاد العربية والإسلامية، ويجب التنبيه إلى أنها لن تنجح في القيام بهذا الدور الديني والتاريخي والإنساني، إلا إذا نجحت في استنهاض الجماهير وإحداث إصلاحات داخلية في الدول العربية والإسلامية، وتخلصت من الأنظمة الدكتاتورية، ورفضت الخنوع لقوى الاستكبار العالمي، وملكت استقلالها الفكري والنفسي والسياسي والاقتصادي عن قوى الشرق والغرب.

أيها الأحبة الأعزاء – إنني أؤكد لكم هنا: على أن الاستقلال الفكري والنفسي أسبق من الاستقلال السياسي والاقتصادي، وأن التبعية الإسلامية لأي قوة في العالم غير جائزة شرعاً.. بإجماع المدارس الفقهية الإسلامية، وأنها تتنافى مع المكانة المعنوية والدور الرسالي الذي شرف الله تعالى الأمة الإسلامية النهوض به… وفرضه عليها

قال الله تعالى: <وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا>[10]

كما أؤكد لكم: التلازم بين الإصلاحات الداخلية في البلاد العربية والإسلامية، وبين النجاح في تحرير القدس الشريف واسترداد المكانة الضائعة للمسلمين في العالم، فلن تستطيع الحركات الإسلامية الشعبية أن تحقق النجاح في تحرير فلسطين العزيزة واسترداد المكانة المعنوية والدور الرسالي للأمة الإسلامية، إلا إذا نجحت في تحقيق إصلاحات داخلية جوهرية شاملة في البلاد العربية والإسلامية.


المصادر والمراجع

  • [1]– المائدة: 12- 13
  • [2]– البقرة: 61
  • [3]– البقرة: 67 – 71
  • [4]– المائدة: 82
  • [5]– آل عمران: 75
  • [6]– المعارج: 6-7
  • [7]– الأنفال: 73
  • [8]– الجاثية: 19
  • [9]– آل عمران: 64
  • [10]– البقرة: 143

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى