ثقافة

فن اللامبالاة.. لعيش حياة تخالف المألوف

الكاتب: كامل الهاشمي

لا أعتقد أن أحداً يتقن “فن اللامبالاة” أكثر من الأطفال، والسبب في ذلك بسيط جداً، وهو أنهم لا يحملون عقولاً كالتي نملك نحن الكبار، فهذه العقول التي نفتخر ونتميّز بها -بحسب زعمنا- عن البهائم والحيوانات، ترهقنا بتفكيرها الدائم والمستمر في كل شاردة وواردة، مما يحمّلنا ضغوطاً كبيرة وكثيرة تثقل كاهلنا، وفي كثير من الأحيان تودي بالكثير منا نحو هاوية الاكتئاب ومختلف الأمراض النفسية والعقلية والروحية.

ويفصح الكاتب عن كيفية وقوعنا في دائرة القلق أو كما يسميها أهل البحرين “المحاتاة”، وهي التي تناقض حالة اللامبالاة فيتحدث عنها تحت عنوان “الحلقة الجحيمية التي تكرر نفسها” فيقول: (هنالك هوس خبيث يمكن أن يصيب دماغك، بل يمكنه، إذا سمحت له، أن يجعلك معتوهاً تماماً. إن كل ما سأقوله الآن يبدو مألوفاً لك، فأخبرني: ينتابك القلق في ما يتعلق بمواجهة شيء ما في حياتك. ثم يجعلك هذا القلق عاجزاً عن فعل أيّ شيء، وتبدأ التساؤل عن سبب قلقك هذا. أنت تصير الآن قلقاً بخصوص ما يتعلّق بقلقك. أوه، لا! إنه قلق مزدوج، مكرر! أنت الآن قلق بخصوص ما يتعلّق بقلقك؛ وهذا ما يسبب لك مزيداً من القلق. أسرع… أن الويسكي؟).

وبالفعل، فإن كلام الكاتب صحيح جداً، فكثير من الناس القلقين أوقعهم الشيطان من خلال استمرار القلق عندهم واشتداده عليهم من دون علاج، إلى اللجوء لتناول الخمور والمخدرات في الحد الأعلى، أو الاستمرار في تناول أدوية وحبوب طبيب المعالجة النفسية في الحد الأدنى، بينما كان بإمكانهم بقليل من الإيمان والتسليم والرضا بأمر الله تعالى أن يتجاوزا المشاكل والضغوطات والأزمات التي أوقعتهم أسرى في براثن القلق والاكتئاب، وهذا ما ينظّر له مؤلف الكتاب تحت عنوان “فن اللامبالاة”، وهو الفن الذي يختزله الباري عزّ وجلّ بقوله: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم) [يونس 107]، ويتحدّث عنه الإمام علي (ع) بقوله: (لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الضار النافع هو الله عزّ وجلّ).

وكما قلت في البداية إن علينا أن نتعلم “فن اللامبالاة” من أطفالنا، فحفيدتي فاطمة دخلت عليّ اليوم مكتبي بهذه الحالة التي هي عليها في الصورة، من دون تسريح لشعرها، ومن دون ظواهر تتخفى من ورائها، ومع ذلك كانت تشعّ حيوية ونشاطاً، وهو ما أوحى إليّ أن أتعلّم منها “فن اللامبالاة” إذا ما أردت أن أعيش حياة تخالف المألوف، فكانت هذه اللقطة التي هي خارج المألوف.

السيد كامل الهاشمي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى