ثقافة

هل تستطيع الفطرة إعادة الإنسان إلى جادة الصواب؟

من الملاحظات الهامة والأساسية في القرآن الكريم، أنه لم ينطلق، بادئ ذي بدء، في حثه على التأمل والتفكر، من نظريات علمية معقدة، بحيث يحتاج فهمها إلى الخبراء في أي حقل من حقول المعرفة، للوصول إلى الغاية المنشودة، وإرجاع الناس إلى فطرتهم، فإن لهذا المسلك محاذير كثيرة، قد تؤدي إلى عكس النتائج المرجوة، مما يفضي إلى ضياع الإنسان وتشتته، إذ معنى ذلك أن يتحول الخبراء إلى أرباب من دون الله، يمكن أن ينحرفوا عن جادة الحق، فيتبعهم الناس على ذلك من دون تدبر أو روية، وهو ما حصل مع أهل الكتاب الذين أقفلوا عقولهم، وأحسنوا الظن بأحبارهم ورهبانهم، فظنوا أنهم عاجزون عن إدراك الحقائق بمعزل عنهم، فأوردوهم المهالك لأجل ذلك، قال تعالى: ﴿اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدو إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون﴾[1]. 

مع أن هؤلاء الأحبار والرهبان بشر خطاؤون، يمكن أن ينحرفوا عن الصراط السوي، نتيجة لأهوائهم ومصالحهم، وشهوات أنفسهم، وكثير من الناس يدرك ذلك، فقد بين تعالى حقيقة الأمر، حين قال: ﴿يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله﴾[2].

وفي مقام الإلفات إلى هذه الحقيقة، وأنها مخالفة لما تقتضيه الفطرة الإنسانية، من السعي الجدي باتجاه الهدف الذي رسمه القرآن الكريم للإنسان، حيث إن أقرب الطرق للوصول إلى الهدف المنشود، هو ما يكتشفه الإنسان بنفسه، فقد بين في عدد من الآيات المباركة أن عاقبة الذين لا يعملون عقولهم، ولا يسعون إلى الوصول إلى الحقيقة بأنفسهم، هي الخسران والعذاب، قال تعالى: ﴿وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا، ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبير﴾[3].

وذكر في مقام آخر حوار يجري بين المستكبرين وأتباعهم من المستضعفين، يوم القيامة، يبين أن اتباع الآخرين لا يجدي نفعا، وأن الإعتذار عن ذلك بأنهم كانوا من المستضعفين ليس لهم حيلة ولا خيار، حيث وصف الجميع بالظلم، وإن استضعافه لا يرفع عنه ظلم نفسه، قال تعالى: ﴿ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين، قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين، وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون﴾[4].

إن أقرب شيء إلى الإنسان هي نفسه، ولذلك فإن تأمله وملاحظته الخاصة، من خلال رجوعه إلى نفسه وفطرته، هي أكثر الأمور تأثيرا في نفسه، مهما كانت بسيطة وساذجة، وبالتالي هي التي تعيده إلى جادة الصواب.

سماحة الشيخ حاتم اسماعيل

المصادر و المراجع

[1] سورة التوبة، آية:31
[2] سورة التوبة، آية: 34
[3] سورة الأحزاب، آية:67-68
[4] سورة سبأ، آية:31-33

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى