ثقافة

قولوا الحق لتصلح أعمالكم

يقول تعالى في سورة الأحزاب: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعملكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما»

تصدر الآية السابقة أمرا هو في الحقيقة علاج لمرض اجتماعي خطير هو “الإشاعة”، فتقول: “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا”. “القول السديد” من مادة (سد) أي المحكم المنيع الذي لا يعتريه الخلل، والموافق للحق والواقع، ويعني القول الذي يقف كالسد المنيع أمام أمواج الفساد والباطل. وإذا ما فسره بعض المفسرين بالصواب، والبعض الآخر بكونه خالصاً من الكذب واللغو وخالياً منه، أو تساوى الظاهر والباطن ووحدتهما، أو الصلاح والرشاد، وأمثال ذلك، فإنها في الواقع تفاسير ترجع إلى المعنى الجامع أعلاه.

 ثم تبين الآية التالية نتيجة القول السديد، فتقول: “يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم”. إن التقوى في الواقع هي دعامة إصلاح اللسان وأساسه، ومنبع قول الحق، والقول الحق أحد العوامل المؤثرة في إصلاح الأعمال، وإصلاح الأعمال سبب مغفرة الذنوب، وذلك لأن الحسنات يذهبن السيئات[1].

 يقول علماء الأخلاق: إن اللسان أكثر أعضاء البدن بركة، وأكثر الوسائل تأثيرا في الطاعة والهداية والصلاح، وهو في الوقت نفسه يعد أخطر أعضاء البدن وأكثرها معصية وذنباً، حتى أن ما يقرب من الثلاثين كبيرة تصدر من هذا العضو الصغير[2]. وفي حديث عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): “لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه”[3].

 ومن الرائع جدا ما ورد في حديث آخر عن الإمام السجاد (عليه السلام): ” إن لسان ابن آدم يشرف كل يوم على جوارحه فيقول: كيف أصبحتم؟ فيقولون: بخير إن تركتنا. ويقولون: الله الله فينا، ويناشدونه ويقولون: إنما نثاب بك ونعاقب بك”[4].

 هناك روايات كثيرة في هذا الباب تحكي جميعا عن الأهمية الفائقة للسان ودوره في إصلاح الأخلاق وتهذيب النفوس الإنسانية، ولذلك نقرأ في حديث: ” ما جلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) على هذا المنبر قط إلا تلا هذه الآية: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا[5].

 ثم تضيف الآية في النهاية: “ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما”، وأي فوز وظفر أسمى من أن تكون أعمال الإنسان صالحة، وذنوبه مغفورة، وهو عند الله من المبيضة وجوههم الذين رضي الله عنهم؟!

آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي

المصادر و المراجع

[1]  سورة هود، الآية 114.
[2]  عد الغزالي في إحياء العلوم عشرين كبيرة أو معصية تصدر عن اللسان، وهي: 1 – الكذب 2 – الغيبة 3 – النميمة 4 – النفاق في الكلام، أي كون الإنسان ذا لسانين ووجهين 5 – المدح في غير موضعه 6 – بذاءة الكلام 7 – الغناء والأشعار غير المرضية 8 – الإفراط في المزاح 9 – السخرية والاستهزاء 10 – إفشاء أسرار الآخرين 11 – الوعد الكاذب 12 – اللعن في غير موضعه 13 – التخاصم والنزاع 14 – الجدال والمراء 15 – البحث في أمور الباطل 16 – الثرثرة 17 – البحث في الأمور التي لا تعني الإنسان 18 – وصف مجالس الشراب والقمار والمعصية 19 – السؤال عن المسائل الخارجة عن إدراك الإنسان والبحث فيها 20 – التصنع والتكلف في الكلام. ونزيد عليها عشرة مواضيع مهمة أخرى، وهي: 1 – الاتهام 2 – شهادة الزور 3 – إشاعة الفحشاء، ونشر الإشاعات التي لا أساس لها 4 – مدح الإنسان نفسه 5 – الإصرار في غير محله 6 – الغلظة والخشونة في الكلام 7 – الأذى باللسان 8 – ذم من لا يستحق الذم 9 – كفران النعمة اللسان 10 – الإعلام الباطل.
[3]  بحار الأنوار، المجلد 71، صفحة 78.
[4]  بحار الأنوار، المجلد 71، صفحة 278.
[5]  الدر المنثور، طبقا لنقل تفسير الميزان، الجزء 16، صفحة 376.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى