ثقافة

أين تقع الجنة والنار؟

في سياق تفسير الآية 133 من سورة آل عمران: ﴿وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين﴾، يتعرض صاحب تفسير الأمثل لسؤال قد يطرأ على أذهان البعض وهو: إذا كانت الجنة والنار موجودتان، فأين تقعان؟ وهل هما ضمن حيز مكاني، أم أنهما خارج هذا الإطار؟

إذا ثبت أن الجنة والنار موجودتان بالفعل يطرح سؤال وهو: أين تقعان إذن؟ ويمكن الإجابة على هذا السؤال على نحوين:

الأول: إن الجنة والنار تقعان في باطن هذا العالم ولا غرابة في هذا، فإننا نرى السماء والأرض والكواكب بأعيننا، ولكننا لا نرى العوالم التي توجد في باطن هذا العالم، ولو أننا ملكنا وسيلة أخرى للإدراك والعلم لأدركنا تلك العوالم أيضا، ولوقفنا على موجودات أخرى لا تخضع أمواجها لرؤية البصر، ولا تدخل ضمن نطاق حواسنا الفعلية، والآية المنقولة عن سورة “التكاثر” وهي قوله سبحانه: ﴿كلا لو تعلمون علم اليقين * لترون الجحيم﴾ هي الأخرى شاهدة على هذه الحقيقة ومؤيدة لهذا الرأي. كما ويستفاد من بعض الأحاديث أيضا أنه كان بين الأتقياء والأولياء من قد زودوا ببصيرة ثاقبة، ورؤية نفاذة استطاعوا بها أن يشاهدوا الجنة والنار مشاهدة حقيقية. ويمكن التمثيل لهذا الموضوع بالمثال الآتي: لنفترض أن هناك في مكان ما من الأرض جهازا قويا للإرسال الإذاعي يبث في العالم – وبمعونة الأقمار الفضائية والأمواج الصوتية – تلاوات شيقة لآيات القرآن الكريم. بينما يقوم جهاز قوي إذاعي آخر ببث أصوات مزعجة وصاخبة بنفس القوة. لا شك أننا لا نملك القدرة على إدراك هذين النوعين من البث بحواسنا العادية، ولا أن نعلم بوجودهما إلا إذا استعنا بجهاز استقبال فإننا حينما ندير المؤشر على الموج المختص بكل واحد من هذين البثين نستطيع فورا أن نلتقط ما بثته كل واحدة من تينك الاذاعتين ونستطيع أن نميز بينهما بجلاء، ودون عناء. وهذا المثال وإن لم يكن كاملا من جميع الجهات إلا أنه يصور لنا حقيقة هامة، وهي أنه قد توجد الجنة والنار في باطن هذا العالم غير أننا لا نملك إدراكها بحواسنا، بينما يدركها من يملك الحاسة النفاذة المناسبة.

الثاني: إن عالم الآخرة والجنة والنار عالم محيط بهذا الكون، وبعبارة أخرى: إن كوننا هذا يقع في دائرة ذلك العالم، تماما كما يقع عالم الجنين ضمن عالم الدنيا، إذ كلنا يعلم أن عالم الجنين عالم مستقل له قوانينه وأوضاعه ولكنه مع ذلك غير منفصل عن هذا العالم الذي نحن فيه، بل يقع في ضمنه وفي محيطه ونطاقه، وهكذا الحال في عالم الدنيا بالنسبة إلى عالم الآخرة. وإذا وجدنا القرآن يقول: بأن سعة الجنة سعة السماوات والأرض فإنما هو لأجل أن الإنسان لا يعرف شيئا أوسع من السماوات والأرض ليقيس به سعة الجنة، ولهذا يصور القرآن عظمة الجنة وسعتها وعرضها بأنها كعرض السماوات والأرض، ولم يكن بد من هذا، فكما لو أننا أردنا أن نصور للجنين – فيما لو عقل – حجم الدنيا التي سينزل إليها، لم يكن لنا مناص من التحدث إليه بالمنطق الذي يدركه وهو في ذلك المحيط. ثم إنه تبين من ما مر الجواب على السؤال الآخر، وهو إذا كانت الجنة عرضها السماوات والأرض فأين تكون النار؟ لأنه حسب الجواب الأول يتضح أن النار هي الأخرى تقع في باطن هذا العالم، ولا ينافي وجودها فيه وجود الجنة فيه أيضا (كما تبين من مثال جهازي الإرسال). وأما حسب الجواب الثاني (وهو كون عالم الجنة والنار محيطا بهذا العالم الذي نعيش فيه) فيكون الجواب على هذا السؤال أوضح لأنه يمكن أن تكون النار محيطة بهذا العالم، وتكون الجنة محيطة بها فتكون النتيجة أن تكون الجنة أوسع من النار.


  • آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي – بتصرّف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى