ثقافة

كيف نصل إلى أوثق عرى الإيمان؟

الإيمان ليس على نوع واحد، فعباد الله يختلفون بحسب نوع الإيمان الذي يحملونه. ومن المهم جداً التعرف على هذه الأنواع حتى يعرف الإنسان موقعه وموضعه ومرتبته، وحتى يسعى إلى الحركة والتغيير في سبيل تحسين نوعية إيمانه والرقي به إلى المكانة التي تقربه أكثر من الله عز وجل. وعندما نتكلم عن الإيمان الذي هو أمر باطني ومعنوي، فإن الله عزوجل وأنبياءه وأوصياءه هم المخولون بإعطاء التفاصيل الدقيقة والصحيحة التي تكشف للإنسان هذا البعد الحساس الذي فيه، ومن هنا في سياق الكلام عن أقسام الإيمان سيكون حديث أهل البيت (عليهم السلام) هو الركيزة الأساسية في بيان ذلك.

يمكن تقسيم الإيمان بالنظر إلىٰ رسوخه وثباته أو عدمه إلىٰ ثلاثة أقسام هي:

أولاً: الإيمان الفطري: كإيمان الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام، الذين لا تخالجهم الشكوك، ولا يكونون نهبا للوساوس، لأنّ الله تعالىٰ فطرهم علىٰ الإيمان به واليقين بما أخبرهم عنه من مكنون غيبه.

يقول الإمام الصادق عليه‌السلام: «إنَّ الله جبل النبيين علىٰ نبوتهم، فلا يرتدون أبداً، وجبل الأوصياء علىٰ وصاياهم فلا يرتدون أبداً، وجبل بعض المؤمنين علىٰ الإيمان فلا يرتدون أبداً، ومنهم من أعير الإيمان عارية، فإذا هو دعا وألحَّ في الدعاء مات علىٰ الإيمان»[1].

ثانياً: الإيمان المستودع: وهو الإيمان الصوري غير المستقر الذي سرعان ما تزعزعه عواصف الشبهات ووساوس الشيطان ويُعبر عنه ـ أيضاً ـ بالإيمان المعار كأنما يستعير صاحبه الإيمان ثم يلبسه ولكن سرعان ما ينزعه ويتخلىٰ عنه، ويذهب بعيدا مع أهوائه ومصالحه. عن الفضل بن يونس عن أبي الحسن عليه‌السلام قال: «أكثر من أن تقول: اللّهمَّ لا تجعلني من المعارين ولا تخرجني من التقصير..»[2]. وكان الأئمة عليهم‌السلام يطلبون من شيعتهم الاكثار من هذا الدعاء وذلك أنّ بعض كبار الأصحاب قد تعرضت رؤيته للاضطراب بفعل عواصف الشبهات ودواعي الشهوات، عن جعفر بن مروان قال: إنَّ الزبير اخترط سيفه يوم قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال: لا أغمده حتىٰ أُبايع لعليّ، ثمَّ اخترط سيفه فضارب عليّا فكان ممّن أُعير الإيمان، فمشى في ضوء نوره ثمَّ سلبه الله إيّاه[3].

وفي قوله تعالىٰ: (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ..)[4] إشارة إلىٰ هذين القسمين من الإيمان: الثابت والمتزلزل. يقول أمير المؤمنين عليه‌السلام: «فمن الإيمان ما يكون ثابتا مستقرا في القلوب، ومنه ما يكون عواري بين القلوب والصدور إلىٰ أجل معلوم..»[5].

ثالثاً: الإيمان الكسبي: وهو الإيمان الفطري الطفيف الذي نمّاه صاحبه واستزاد رصيده حتىٰ تكامل وسمىٰ إلىٰ مستوىٰ رفيع، وله درجات ومراتب[6].

ويمكن تنمية هذا النوع من الإيمان وترصينه حتىٰ يصل إلىٰ مرتبة الإيمان المستقر، ولذلك ورد في نصائح أمير المؤمنينعليه‌السلام لكميل قوله: «يا كميل إنّه مستقر ومستودع، فاحذر أن تكون من المستودعين، وإنّما يستحقُّ أن تكون مستقراً إذا لزمت الجادَّة الواضحة التي لا تُخرجك إلىٰ عوجٍ ولا تزيلُك عن منهج»[7].

وتجدر الإشارة إلىٰ أنّ للإيمان أربعة أركان يستقر عليها، فمن اتّصف بها كان إيمانه مستقراً، وحول هذه المسألة قال أمير المؤمنين عليه‌السلام: «الإيمان له أركان أربعة: التوكل علىٰ الله، وتفويض الأمر إلىٰ الله، والرّضا بقضاء الله، والتسليم لأمر الله عزَّ وجل»[8].

كما أنّ للإيمان أربع دعائم معنوية يرتكز عليها، يقول الإمام علي عليه‌السلام: «إنَّ الإيمان علىٰ أربع دعائم علىٰ الصبر واليقين والعدل والجهاد»[9].

وفوق ذلك للإيمان عرىٰ وثيقة تأمن من تمسك بها من السقوط في مهاوي الضلال منها: التقوىٰ والحب في الله والبغض في الله، وتولي أولياء الله، والتبري من أعدائه، ومن الأدلة النقلية علىٰ ذلك، قول الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: «أوثق عرىٰ الإيمان: الولاية في الله، والحب في الله، والبغض في الله»[10].

وقد وجه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاصحابه ـ يوماً ـ سؤالاً استفهامياً: “أي عرىٰ الإيمان أوثق؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، وقال: بعضهم الصلاة، وقال بعضهم الزكاة.. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: «لكلِّ ما قلتم فضل وليس به، ولكن أوثق عرىٰ الإيمان: الحبُّ في الله، والبغض في الله، وتولي أولياء اللهوالتبري من أعداء الله»[11].

وأهل بيت العصمة عليهم‌السلام من العرىٰ الوثيقة التي تعصم من تمسك بها عن السقوط في مهاوي الضلال، وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام كثيراً ما كان يردد هذه الكلمات: «… أنا حبل الله المتين، وأنا عروة الله الوثقىٰ، وكلمته التقوىٰ…»[12].

لم يكن ذلك منه للتفاخر بل لإلفات النظر إلىٰ أنّ أهل البيت عليهم‌السلام هم العروة الوثقىٰ التي لا انفصام لها، عن عبدالله بن عباس قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: «من أحبَّ أن يتمسك بالعروة الوثقىٰ التي لا انفصام لها فليتمسك بولاية أخي وحبيبي علي بن أبي طالب فإنّه لا يهلك من أحبه وتولاّه ولا ينجو من أبغضه وعاداه»[13].

  • الإيمان والكفر وآثارهما علىٰ الفرد والمجتمع – بتصرّف

المصادر والمراجع

[1] اُصول الكافي 2: 419 / 5 كتاب الإيمان والكف
[2] اُصول الكافي 2: 73 / 4 كتاب الايمان والكفر.
[3] تفسير العياشي 1: 371.
[4] سورة الانعام 6: 98.
[5] نهج البلاغة، صبحي الصالح: 279 / خطبة 189.
[6] أخلاق أهل البيت عليهم‌السلام، للسيد مهدي الصدر: 100.
[7] تحف العقول: 174.
[8] اُصول الكافي 2: 47 / 2 كتاب الإيمان والكفر.
[9] شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد 18: 142.
[10] كنز العمال 15: 890 / 43525.
[11] الاختصاص، للشيخ المفيد: 365.
[12] التوحيد، للشيخ الصدوق: 165 باب معنىٰ جنب الله.
[13] معاني الأخبار: 368 ـ 369 باب معنىٰ العروة الوثقىٰ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى