شهداء البحرين

الشهيد سعيد جعفر عبدالله العويناتي

بطاقة الشهيد

  • العمر: 25 عام
  • المنطقة: البلاد القديم
  • تاريخ الاستشهاد: 12/12/1976م.
  • سبب الاستشهاد: التعذيب

الشهيد سعيد جعفر العويناتي ولد في قرية بلاد القديم في سنة 1951.

التحق بجامعة بغداد في بداية السبعينيات وتخرج منها بدرجة البكالوريوس في الصحافة العام 1974.

عمل في عدة مجلات وصحف منها: الحياة التجارية والمواقف التي اشرف على صفحتها الثقافية وصدى الأسبوع والأضواء.

كان عضوا في أسرة الأدباء والكتاب وعضوا في مجلس إدارتها، كانت له سجالات ثقافية في الساحة الثقافية، مارس الكتابة النقدية.

ربما لم يتعرض شاعر حديث من شعراء البحرين إلى الظلم والنسيان أكثر مما تعرض له الشاعر القتيل سعيد العويناتي. وإذا كان النسيان مغفوراً في بعض الأحوال, فإن الظلم ليس كذلك, فهذا الأخير ليس له ما يبرره عموماً طوال هذه المدة, ومن باب أولى من أهل الشعر أنفسهم الذين ينتمي إليهم الشاعر – باستثناء ما أورده علوي الهاشمي في كشافه / شعراء البحرين المعاصرون – هذا فضلاً عن الكتاب والنقاد، حتى أولئك الذين عاصروا العويناتي خلال سبعينيات القرن الماضي.

والملاحظ أنه على امتداد النصف الثاني من السبعينيات (بعد استشهاده مباشرة في 12/12/1976) وعقود الثمانينيات والتسعينيات وحتى بداية الألفية الثالثة ظل الشاعر العويناتي في طي الكتمان والنسيان والظلم من ذوي القربي، بقصد أو بدون قصد. واستدراكاً لهذا الظلم، قامت أسرة الأدباء والكتاب في مطلع الألفية الثالثة في (2003) بإعادة إصدار ديوانه اليتيم (إليك أيها الوطن إليك أيتها الحبيبة) الذي صدر قبل مقتله بحوالي أربعة شهور (1976) مع إضافة مجموعة من القصائد التي نشرها في الصحافة ولم ينشرها في الديوان, مع تقديري أن هذه الإضافة إلى الديوان الأصلي لم تكن موفقة وكان من الأجدى أن تصدر في مجموعة منفصلة أمانة مع الشاعر والتاريخ لاختلاف مستوى التجربتين. هذا مع العلم أن للشاعر الراحل كتابات ثقافية ونقدية خلال النصف الأول من السبعينيات ومنشورة في الصحافة المحلية أو لم تنشر على الإطلاق جديرة بالاهتمام والنشر لأهميتها التاريخية من جهة, وكنوع من رد الاعتبار لهذا الشاعر الذي ظلم حياً وميتاً من جهة أخرى.

وإذا كان الإصدار الثاني للديوان قد مثل نوعا من التوثيق لنتاج الشاعر، ونوعا من تنشيط الذاكرة الجمعية بهذا الشاعر وأنه مازال حاضرا بشكل أو آخر. فإن ذلك لا يغني عن ضرورة قراءة تجربة هذا الشاعر ووضعها في السياق المناسب لها في إطار الحركة الشعرية البحرينية الحديثة والحداثية، وخاصة في سبعينيات القرن الماضي. وهو أمر بحاجة إلى جهد مؤسسي، قد تكون أسرة الأدباء والكتاب, هي أنسب وربما أفضل من يقوم به. دون مصادرة حق الآخرين إذا ما أرادوا أن يبحثوا في تجربة هذا الشاعر الذي رحل قبل الأوان بكثير.

أما فيما يخص منطلقات النظر في تجربة العويناتي الشعرية فيمكن الانطلاق من ملاحظات الناقد الكبير علوي الهاشمي التي أوردها بشكل مقتضب في كشافه (شعراء البحرين المعاصرون) وأيضا في كتابه (ما قالته النخلة للبحر) ثم البناء على هذه الملاحظات الثاقبة/ الدليل. لمقاربة تجربة العويناتي.

وفي ضوء ذلك ومن وجهة نظرنا فيمكن دراسة هذه التجربة من خلال خمسة أبعاد مترابطة فيما بينها في الواقع وحين تبلور التجربة وصدورها لتصبح ملكا عاما وأمرا مستقلا عن صاحبه. وتتمثل هذه الإبعاد الخمسة فيما نقدر في:

1 – البعد الفني الجمالي في التجربة الشعرية: مما يعني ذلك، التعامل مع المنجز الشعري من خلال كونه فنا له قوانينه وخصوصيته التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند أي نوع من القراءة. فالشعر شعر في مثل هذا البعد وكفى.

2 – البعد الذاتي: بمعنى خبرات وتجارب الشاعر ورؤيته للعالم وعلاقته به بحيث تنعكس هذه العلاقة وتلك الرؤية في ما يبدعه من تجربة/ الشعر هنا.

3 – البعد المحلي والعلاقة الجدلية فيما بينه وبين وعي الشاعر وكيفية تجلي التجربة وكيفية تصويرها للواقع عموماً وواقع عالم القرية خصوصاً.

4 – البعد القومي وما يمثله من تأثيرات في حينها في وعي الشاعر وانعكاسات ذلك في تجربته الشعرية وربطها بما هو محلي.

5 – البعد الأممي, حيث التداخل في اللحظة التاريخية حينذاك فيما بين قضايا التحرر الوطني الديمقراطي على الصعيد المحلي مع قضايا التحرر القومي وقضايا النضال الأممي. وقد كان هذا البعد حاضرا في التجربة العويناتية.

هذه الأبعاد الخمسة مترابطة بشكل جدلي كانت تمثل قوام تجربة سعيد العويناتي الشعرية. وأظن أن هذه الأبعاد تكاد تكون قاسماً مشتركاً فيما بين شعراء تلك المرحلة، حيث الهم الجماعي وقضايا السياسة والثورة والتحرر، هي الأكثر حضورا في وعي الشعراء وفي الواقع المجتمعي، ومن ثم في التجربة الشعرية ككل. مع تفاوت في شدة حضور تلك الأبعاد بين شاعر وآخر لكنهم كلهم محكومون بتلك الأبعاد السالفة.

في تجربة العويناتي كان البعد المحلي حاضرا وطاغيا، لا بل كان حضور القرية ومفرداتها وبشكل جديد، وبشعر جديد يعتبر الأول من نوعه، ومثل خطوة متقدمة في تجربة الشعر البحريني الحديث من حيث الثيمة القروية. ويمكن القول إن الفضل في ذلك يعود لسعيد العويناتي من بين الشعراء.

والأمثلة في تجربة الشاعر في هذا الشأن عديدة يمكن الإشارة إلى مثال واحد فقط من خلال مطلع قصيدة (انتهاء عصر النخيل):

«أيها النخل الخرافي استفق..

وتذكر زمن الماء, وأسماء رجال الحقل, والابحار,

والأيدي,

وأحلام صبايا القرويات, ولون الغبش الداكن حين

ارتعشت ارض القرى,

فتفجرت عطاءً وغضب.

وتذكر لون عنقودك والرعشة من سعفك.

يوم شاهدناك بيتا قد بناه القرويون من السعف

وأصبحتَ حبالاً, وأغاني في صباحاتِ الحصادْ.

وجذوعا ترتوي من عرق الأجداد,

والليلُ غطاءْ».

ولكن البعد المحلي وعلى أهمية حضور القرية ومفرداتها وعناصرها وذاكرتها فإن هناك حضورا آخر, حضورا للوطن ومفرداته مع التركيز على الثيمات السياسية والثورة والمستقبل الواعد الذي كان يحلم به الشاعر.

البعد الثاني الأكثر حضورا في التجربة هو البعد الاممي وقضايا الشعوب والنضال السياسي والتحرر من الامبريالية والاستعمار والتضامن الاممي. وكمثال على حضور هذا البعد من الناحية الفنية يمكن الإشارة إلى قصيدة (سانتياغو زهرة الدم) من الديوان الجديد:

«سانتياغو

طفلة هذا القرن العشرين

باعوها في أسواق الرق المشروع

باعوها..

من يأخذها من؟

من يفقأ عينيها من؟

يتحنّى من دم بكارتها المفقودة في

الحرية الفاشية من؟

(أصوات التداخل)

نحن..

نحن الفاشيست

نحن الشرطة الخوذ الفولاذية

نحن الحرس الدركي الصاعد فوق دماء

الشعراء القتلى

نحن الضباط الموهوبون بقتل الأزهار

وقتل الأطفال

وقتل الثوار

نحن الشركات الأمريكية

نحن أعداء البشرية

نقتل كل رفاق الحرية

ها نحن شركات تقتل من تقدر أنْ تقتل

في زمن القرن العشرين

أو حتى في زمن القرن الحادي والعشرين

نحن اغتلنا سانتياغو

دسناها

بالجزمات الأمريكية

أو بالضربات الهمجية

نحن يتمنا أطفال العمال الفقراء

أطفال الجند الفقراء

أطفال السلفادور اللندي الراحل».

وهي قصيدة تعبر عن مدى التضامن الاممي الذي كانت تحظى به التجربة الديمقراطية القصيرة في تشيلي بأميركا اللاتينية في بداية سبعينيات القرن الماضي عندما أجهضت عن طريق انقلاب مدعوم أميركياً قام به الجنرال اوغستينو بينوشيه. فما كان من الشاعر إلا أن يتواصل مع ما حدث.

من القصائد الدالة على هذا البعد قصيدة (إلى الشهيد اميلكار كابرال):

«لم تمت أنت,

ولكن كنت عشبا اخضرَ

وأغان صاغها الإنسان

تحت الظل ,

ظل الشجر الطالع

من رحم الملاحم

أنت يا كابرال نهرا وفنارا

وزوارق تعبر البحر وكل الطرقات ترسم الشمس»

ولكن حضور هذين البعدين في تجربة العويناتي لا يلغي حضور الأبعاد الأخرى. بل يمكن القول إن هذه التجربة من الشمول بحيث يتضافر فيها ما هو محلي مع ما هو إقليمي عربي مع ما هو إنساني.

وفيما يتعلق بحضور البعد الإقليمي والعربي يمكن الإشارة إلى كل من قصيدتي (حديث صريح مع بحر الخليج) و(والحزن المتدفق من أعماق الأرض).

في القصيدة الأولى حديث صريح مع بحر الخليج:

«هذا البحر تُوجعني كلماته

مد إليّ مشانقه الغضبى

ذاكرة تبعث أحزان الماضي موالا غجريا,

في لون الدمع الأسود

في منديل امرأة, أو طفلةْ

تستذكر أيام التاريخ القاتمْ».

وفي القصيدة الثانية الحزن المتدفق من أعماق الأرض تسجل حضور قضية فلسطين قضية العرب الأولى واثر هزيمة 1967 ولكن على الصعيد الشعري.

«لكن الثورة تأتي

تصنع ميلادا.. للطفل اللاجئ

للشيخ اللاجئ

تغرس أزهارا في الأرض العطشى. الأزهار بنادق تصبح

نقتل الخصم الجاثم فوق الأرض العربية

الأزهار تعانقنا

تصبح ميلادا.. ميلادا..

ميلاد حياة وردية»

ولكن ماذا عن البعد الفني في تجربة العويناتي؟

يمكن القول إنها تمتاز بالغنائية والواقعية التسجيلية المباشرة. يضاف إلى ذلك أن الهاجس السياسي بالمعنى المباشر يخترق معظم التجربة بحيث تصبح بعض القصائد اقرب إلى البيانات السياسية منها إلى التركيب الشعري.

لكن الشيء الأهم كما نعتقد أن تجربة العويناتي انطلقت من قصيدة النثر مباشرة ولم تمر ببرزخ القصيدة العمودية/ الكلاسيكية وذلك بخلاف من سبقوه أو معاصريه.

أيضا يلاحظ أن اكتمال الصورة الشعرية اخذ طريقه في الاكتمال بين قصائد ما قبل الديوان الأول والديوان نفسه حيث مثل ذلك الديوان أقصى ما وصلت اليه تجربة العويناتي من نضج.

كذلك تتصف التجربة بالوصف الظاهري إلى الأشياء دون القدرة على النفاذ إلى أعماقها. هذا فضلا عن اللغة التي بحاجة إلى تدقيق من جراء الركاكة من جهة والفقر في القاموس اللغوي.

أما السمة الأخيرة التي تميز هذه التجربة فهي الإحساس الشديد بالحزن والفجيعة والسوداوية. وهذا احد المؤشرات الدالة على الاستغراق في الذاتية وما يعنيه ذلك من أبعاد نفسية سلبية أو ايجابية كانت تسيطر على الشاعر وتمارس تأثيرها في تجربته الشعرية ولكن بطريقة سلبية.

وعلى الرغم من كل ذلك, فقد كانت تجربة العويناتي تجربة ثرية بكل المقاييس مع انطفائها بسرعة خاطفة. كما كانت تمثل أفقا قابلا للتطور لو استمرت. فقد كانت كل المؤشرات تدلل على أننا أمام موهبة شعرية متميزة ومن طراز جديد, فقط بحاجة إلى مزيد من الوقت من اجل بروز كوامن وأسرار هذه التجربة. لكن القدر والرحيل المبكر في غير الأوان, قطع متعة التجربة بالنسبة لنا ومتعة الحياة بالنسبة للشاعر. لذلك فهي مشروع لم يكتمل, ولن يكتمل أبدا.

تلك كانت أفكارا لتجربة الشاعر سعيد العويناتي وان جاءت, وهي تجربة شعرية بحاجة إلى المزيد من المقاربة والدراسة حتى بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على الموت الفاجع لصاحبها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى