ثقافة

الوسوسة موعد مع العذاب

موعد مع العذاب؟؟
نعم ان الوسوسة موعد مع العذاب حين كل صلاة بل في كل ساعة من ساعات اليوم يسعى فيها المصاب بالوسوسة ليضمن بقاء الطهارة في بدنه وثوبه دون جدوى مع ما يبذله من جهد جسدي ويضيعه من وقت ومال والنتيجة تضييع للعبادة والوصول الى ما كان يهرب منه وهو الشقاء والخسران الابدي لا سمح الله.

احتياط أم وسوسة
من المؤكد أن الموسوس ينفي اصابته بمرض الوسواس ولا يعترف أنه كذلك أمام الاخرين وذلك أنه ليس أمرا محبذا أن يظهر أمام الاخرين أنه لا يحسن الوضوء والذي هو عبارة عن غسلتين ومسحتين أو أنه لا يحسن التلفظ بكلمة محددة في الصلاة كتكبيرة الاحرام أو الضالين في حين أنه يتكلم بكل طلاقة خارج الصلاة واذا ما تم ضبطه بالجرم المشهود فانه يقول أنه محتاط ويضع كل أشكال الوسوسة المعروفة والشائعة تحت مظلة الاحتياط ثم لا يجد وسيلة للدفاع عن نفسه الا الهروب الى الامام حين يتهم كل من لم يكن مثله ومجاريا له في فعله على أنهم مستخفين بأمور الدين على أنه من الواضح وجود فرق كبير بين الموسوس والمحتاط فالمحتاط يتبع أوامرالله تعالى من خلال اتباع الشرع الحنيف في احتياطه في حين أن الوسوسة هي اتباع لخطوات الشيطان وطاعة له.

قال الله تعالى في كتابه الكريم “يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان” النور 21 ففي رواية عن عبدالله بن سنان قال ذكرت لابي عبدالله عليه السلام رجلا مبتلى بالوضوء والصلاة وقلت هو رجل عاقل ، فقال أبو عبدالله : وأي عقل له وهو يطيع الشيطان؟ فقلت له وكيف يطيع الشيطان ؟فقال سله الذي يأتيه من أي شيء هو فإنه يقول لك من عمل الشيطان (الكليني محمد بن يعقوب الكافي 1)

إذن الوسوسة ليست ناشئة من زبادة في التدين والتقوى والورع والاحتياط بل هي عبارة عن خطة شيطانية واتباع لخطوات الشيطان ليصبح الانسان من حزبه “إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير” فاطر 6 هذه الخطة الشيطانية تقتضي أن يأتي لهذا الانسان المؤمن من باب الدين وليس من باب الدنيا ففي رواية عن الامام السجاد عليه السلام : كان عابد من بني اسرائيل فقال ابليس لجنده : من له فإنه قد غمني ؟ فقال واحد منهم :أنا له،فقال في أي شيء ؟ قال أزين له الدنيا قال لست بصاحبه قال الاخر فانا له قال في أي شيء قال في النساء قال لست بصاحبه قال الثالث انا له قال في اي شيء قال في عبادته قال انت له .نوادر علي بن اسباط 127

فالشيطان رسم خريطة لاغواء ذلك العابد من خلال العبادة وهو نفس الطريق الذي يأتي من خلاله الى الموسوس فيلبس الشيطان لباس الدين والاخرة كي يجعل الانسان المؤمن متبعا لخطواته ضمن خطة محكمة وخارطة طريق مرسومة بعناية ولها معالم واضحة ومن أهم تلك المعالم ايقاع المكلف في الحرج الذي رفعه الله تعالى عن الانسان رحمة ورأفة به لعلمه بحاله وضعفه قال تعالى “وما جعل عليكم في الدين من حرج” الحج 78وقال تعالى “ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج” المائدة 6 لذلك يعتبر ايقاع الانسان في الحرج من خلال الوسوسة هو المقدمة الاساسية لاخراج هذا الانسان من حزب الرحمن وادخاله في حزب الشيطان هذا الحرج في المال وفي الوقت وفي الجهد فالموسوس يحتاج الى كميات مضاعفة من المياه ويقوم بتلف الكثير من الاجهزة ورمي بعض الحاجيات ويحتاج الى وقت أطول للقيام بافعاله العبادية والى جهد يصل الى حد المشقة حيث تتحول العبادة الى عبء على الانسان ويصل الى النقطة المقابلة لما يريده الله تعالى منه من حب العبادة وعشقها ومعانقتها وهي بغض العبادة والنفور منها وهو ما يجعل الانسان على مسافة قريبة جدا من ترك العبادة وبالتالي التخلي عن الالتزام الديني ان لم تتداركه الرحمة الالهية وهذا ما شهدناه في العديد من الحالات المصابة بهذا الداء الخطير.

اكتشاف المرض
بقي أن نشير الى الكيفية التي يكتشف الانسان نفسه انه مصاب بذلك المرض الخطير كي لا يبقى مختبئا تحت مظلة الاحتياط كذلك كي يكتشف من كان مرضه بهذا الوسواس ما زال في بداياته وكي يتوقى منه من كان لديه القابلية للاصابة به.

كي تكتشف نفسك انك موسوس أم لا لا بد أن نجري اختبارا بسيطا بشكل ذاتي لتدرك ان كنت من ضمن هذه الفئة أم لا مع الالتفات الى ان مرض الوسوسة هو أمر نسبي حيث يصاب به البعض بشكل بسيط ومحدود في حين أن البعض الاخر قد استحكم به المرض ووصل الى درجات خطيرة وليس المقصود من هذا الكلام تشكيك من ليس موسوسا بانه كذلك بل المقصود ان يكتشف الانسان المصاب بهذا المرض أنه كذلك ليبادر الى العلاج لان الخطوة الاولى في العلاج هي اكتشاف المرض.

قبل البدء بالاختبار لا بد أن نوضح أمرا وهو أن الناس ينقسمون الى قسمين الاول هم كثيرو الشك والثاني هم من ليسوا كذلك حتى لو كانوا يشكون كما هو الحال مع غالبية الناس ولكن لا يدخلون في دائرة القسم الاول وهم كثيرو الشك وحتى يتضح الامر لا بد أن نبين من هو كثير الشك:

ليس من الصعب تحديد الشخص كثير الشك وقد ذكربعض الفقهاء أن كثير الشك هو الذي يتكرر منه الشك في الركعات والافعال او الشرائط بنحو يتجاوز المالوف والمرجع في تحققه العرف ولا يبعد تحققه اذا لم تخل منه ثلاث صلوات متتالية الخميني روح الله تحرير الوسيلة ج1 ص 206 ( سواء كان شكه في انه قد أتى بالفعل أم لا أو انه هل أبطل صلاته أم لا او شك في عدد الركعات او انه هل ركع ام لا او انه شك انه ركع مرتين او انه قد تلفظ بالكلمة بشكل صحيح أم لا )

والان اذا كنت كثير الشك ولو بواحدة من الامثلة التي ذكرت أو غيرها عليك أن تنتقل للمرحلة التالية وهي اجراء الاختبار أما في حال لم تكن كذلك فاشكر الله تعالى على نعمته التي انت فيها ولا حاجة لاجراء الاختبار وذلك أنه مختص بمن هو كثير الشك وتطبيقه على من هو ليس كذلك يوقع في الخطأ وذلك لان التكليف الشرعي لكثير الشك يختلف عن غيره.

الاختبار (ملاحظة الاختبار خاص بمن هو كثير الشك دون غيره) :

* في حال الشك في طهارة الاشياء من حولك (مقبض الباب – الة التحكم بالتلفاز – مفتاح الاضاءة)
– أقوم بتطهير يدي بعد لمسها في حال وجود رطوبة فقط
– أقوم بتطهير يدي بعد لمسها في حال الجفاف أيضا
– أقوم بتطهير يدي من باب الاحتياط

* في حال شككت بنجاسة شيء (متاع أو اليدين أو …)
– أقوم بتطهيره أكثر من ثلاث مرات بالماء القليل أو الكثير
– أقوم بتطهيره أكثر من ثلاث مرات بالماء القليل أو ثلاث مرات بالماء الكثير
– أقوم بتطهيره بحسب ما ورد في الجدول الفقهي الذي يحدد عدد المرات

* أثناء الصلاة :
– أعيد التلفظ ببعض الكلمات عدة مرات للتأكد من صحتها (تكبيرة الاحرام – أو بعض الكلمات التي تعتبرها صعبة )
– أعيد قراءة الفاتحة بعد أن أتلفظ بكلمة خطأ
– أعيد الصلاة عند الشك في صحة اللفظ لبعض الكلمات

* أصلي فرادى في زاوية المسجد :
– لأنني غير متأكد من عدالة الامام رغم أن أهل الحي يعرفونه بالصلاح
– لأنني أشك في معرفة بعض المصلين في الصف الاول بأحكام الطهارة
– لأنني أشك في قيام بعض المصلين الذين يصلون في تلك البقعة بتطهير أقدامهم

* أكرر غسل أعضاء الوضوء عدة مرات (أكثر من مرتين) للتأكد من وصول الماء اليها
– دائما
– حين أشك بعدم وصول الماء اليها
– حين أتوضأ بالماء القليل

* أعيد صلاتي
– عند الشك في عدد الركعات التي صليتها في كل الصلوات
– عند الشك في عدد الركعات التي صليتها في صلاتي الصبح والمغرب
– فقط في الحالات التي أفتى فيها الفقيه ببطلان الصلاة

في حال أجبت على أي سؤال من الاسئلة المذكورة أعلاه بنعم فأنت مصاب بمرض الوسواس بخصوص تلك الحالة وكلما كانت اجاباتك بنعم أكثر كلما تعددت الحالات التي أنت مصاب فيها بالوسوسة

علاج الوسوسة
والان وبعد أن عرفت وجود مرض الوسوسة لديك وانه ليس من الاحتياط في شيء وعرفت خطورته على دينك واخرتك وانه اتباع سبيل الشيطان لا بد أن تفكر بشكل جدي بمعالجة هذا المرض الخطير وصولا الى الشفاء التام على يدي أطباء النفوس محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين وهل يوجد في عالم الوجود من هو أمهر منهم صلوات الله عليهم في معالجة امراض النفوس لكنك دون شك تعلم أن الشفاء معتمد على تجاوب المريض مع طبيبه وعلى اتباع ارشاداته وتعاليمه والا فلن تجدي أوامر الطبيب شيئا لذلك وقبل بدء العلاج لا بد من اتباع الامور التالية:

1- جدد الثقة بطبيبك وأكد في نفسك أنه قادر على ان يشفيك من مرضك بشكل قاطع ونهائي

2- اعلم ان العلاج يحتاج منك عزم وارادة وتحمل للالام النفسية المرافقة له دون تراجع

3- اختر اللحظة المناسبة التي سوف تبدأ فيها بتطبيق العلاج بحيث لا يشغلك عنه شيئ واجلس في غرفة هادئة بمفردك وقم بالامور التالية :
1) تخيل لو أن حياتك من دون وسواس كم ستكون حياة مريحة وسعيدة وقارن ذلك مع وضعك الحالي
2) عدد الامور التي انت مبتلى بها واحدا تلو الاخر وتصور نفسك تقوم بالفعل الصحيح دون وسوسة مثلا ان كنت تغسل وجهك عدة مرات تخيل انك تقوم بغسله مرة واحدة وتكمل الوضوء

4- تضرع بشكل دائم أثناء العلاج الى ساحة الحق المتعالي والتجئ الى ذاته المقدس من شر ذاك الملعون ومن شر النفس واستعذ بالله منه وهو يعينك عليه

5- بعد تحقيق هذه المقدمات نبدأ بتطبيق العلاج الوارد على لسان أهل بيت العصمة والطهارة فعن الكافي باسناده عن زرارة وأبي بصير قالا : قلنا له الرجل يشك في صلاته حتى لا يدري كم صلى ولا ما بقي عليه ؟ قال يعيد قلنا له فإنه يكثر عليه ذلك كلما أعاد شك ،قال يمضي في شكه ثم قال لا تعودوا الخبيث من أنفسكم بنقض الصلاة فتطمعوه فان الشيطان خبيث يعتاد لما عود فليمض أحدكم في الوهم ولايكثرن نقض الصلاة فانه ان فعل ذلك مرات لم يعد اليه الشك قال زرارة ثم قال إنما يريد الخبيث أن يطاع فاذا عصي لم يعد الى احدكم فروع الكافي ج 3

وفي رواية أخرى عن ابي جعفر عليه السلام قال :اذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك فانه يوشك أن يدعك انما هو من الشيطان . فروع الكافي ج3

اذن جوهر العلاج هو ان تمضي في عملك وتفصيله كالاتي :
1- الخطوة الاولى أن تتجاهل الفكرة الوسواسية بشكل تام فلا تفكر بها ولا تتحقق منها ولا تؤكد عدمها فقط وفقط عليك أن تتجاهلها
2- الخطوة الثانية أن لا تجعل الوسواس يحول بينك وبين العمل الذي تريد أن تقوم به وبعبارة أخرى لا تمتنع عن أي فعل عبادي تريد أن تقوم به هربا من الوسواس
3- الخطوة الثالثة أن تثبت على عملك ولا تقطعه أوتعيده باي شكل من الاشكال حتى تتمه وتنهيه فلو بدأت بالوضوء وشعرت ان وضوءك غير صحيح فلا تقطع وضوءك بل أكمله واذا شعرت مثلا بخروج رطوبة من مخرج البول أثناء الوضوء او الصلاة فلا تقطع عملك لتتأكد من ذلك بل عليك أن تتجاهل وتكمل عملك وتتمه حتى النهاية وكذلك عليك أن لا تتجقق من صحة وسواسك بعد العمل
4- الخطوة الرابعة المداومة على العلاج والاستمرار وعدم التراخي في حال حصول تحسن كي لا يعاود الوسواس التسلط عليك من جديد

أخي العزبز تذكر جيدا أن الاحكام الشرعية المتعلقة بك تختلف عن أحكام سائر المكلفين تماما كالدواء الذي يعطيه الطبيب للمريض المبتلى بمرض معين يختلف عن مرض الاخرين فلا عليك أن تعمل بالاحكام التكليفية لغير كثيري الشك بل عليك أن تعمل بتكليفك الشرعي الذي أمرك الله به فلا تنصب نفسك مشرعا وتفتي لنفسك أحكاما خاصة كما فعل ابليس لعنه الله حين رفض الحكم الالهي وقال أأسحد لمن خلقت طينا فانزع عن نفسك هذه الروح الابليسية ولا تعمل بما يمليه عليك الوسواس بل اعمل بما يمليه عليك ربك الذي يريد بك اليسر والمأمول ان شاء الله تعالى أن تشفى من هذا المرض الخبيث كما وعد أهل بيت العصمة والطهارة وما عليك سوى أن تتبع العلاج لتطرد عنك الوسواس وتكون على موعد مع الراحة بدل العذاب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى