ثقافة

هل علم الإمام حضوري أم حصولي – محاولة لتحرير محلّ النزاع في هذه المسألة

مقدمة البحث

وقع الكلام بين الأعلام في أنّ علم الإمام المعصوم (عليه السلام) أهو حضوري أم حصولي؟ والإجابة عن هذا البحث تسري إلى الكثير من المباحث الاعتقادية، فمثلاً: لو لم نقل بأنّ علم الإمام (عليه السلام) حضوري، فهل يلزم أن يكون جبرئيل (عليه السلام) أعلم من الإمام؟ وكذلك لو لم يكن علم رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) حضورياً فهل كان جبرئيل أعلم منه قبل أن ينزل عليه بالوحي؟ وهل للملائكة الموكلين كل جهة معينة من جهات التكوين فهل لهم جهة أسبقية على رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) والأئمة (عليه السلام)؟

ومن خلال تحرير محل النزاع تتبين المذاهب المطروحة في هذه المسألة. ومن أجل ذلك لا بد من استيضاح المراد من العلم الحضوري المقصود في المقام، فقد فرّق الأعلام في هذا المقام بين اصطلاحين للعلم الحضوري؛ فتارة يقال الحضوري: ويراد منه ما لا يحتاج إلى تكسب، وتارة يقال الحضوري: ويراد منه ما يقابل الحصولي بمعنى أنّ المعلومات حاضرة لديه (عليه السلام) فعلاً ومن دون حاجة إلى استدعاء لها إما عن طريق الإلهام أو الوحي أو المشيئة أو غير ذلك.

ويظهر من القول بأنّ الحضوري هو ما يقابل الحصولي المفروغية عن عدم الحاجة إلى التكسب.

وحينئذٍ فحاصل التفسير الثاني: أنّ الإمام لا يحتاج إلى تكسب، بل المعلومات حاضرة لديه، فيختلف هذا عن التفسير الأول بأنّ الأول ساكت عن حضورها لديه بالفعل. وحينئذٍ يطرح السؤال نفسه عن الفرق بين علم الله وعلم الإمام (عليه السلام)؟ فإنّ هذا من أوسع أبواب الإيراد على نظرية علم الإمام، ومِن هنا يتفرع سؤال آخر وهو هل يحتاج الإمام (عليه السلام) ليعلم الحوادث المستقبلة مثلاً أو أن يعلم بما يحصل في بلد آخر، هل علم الإمام أنّه إذا شاء أن يعلم شيئاً يعلمه أم هو يعلمها بالفعل؟

 أما على التفسير الثاني فقد يقال: بأنّه لا محل لهذا السؤال لفرض حضور المعلومات لديه، وأنّ السؤال منحصر بالتفسير الأول؛ لأنّ ما لا يحتاج إلى تكسب أعم من حضوره أو استدعائه عن طريق الإرادة. ولكن الصحيح هو ورود السؤال على كلا التقديرين لأنّ المعلومات إذا كانت حاضرة لديه فقد لا يشاء أن يعلمها ومن هنا ينفتح الباب للإجابة عن بعض التساؤلات التي سيأتي الكلام على بعضها كشبهة إلقاء المعصوم نفسه أو المؤمنين في التهلكة.

وعلى كل تقدير فإنّ تحرير محل الكلام في هذه المسألة يستدعي نقل بعض الكلمات واستكشاف مراد العلماء، ثم نعرض ذلك على النصوص الواردة لمعرفة أي مقدار من العلم يمكن أن يبلغه المتفقهون في هذه المسألة، ومن هنا ينفتح باب آخر وهو أنّه هل للعقل مسرح في تحديد مدى علم النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) وكيفية علمهم وهل هو بنحو الحضوري أم الحصولي؟ فقد حشد بعض الأعلام الأدلة العقلية على أنّ علمهم (عليهم السلام) حضوري لا حصولي.

ولكن الذي ينبغي أن يقال باختصار بأنّ هذا البحث إن كان بحثاً ثبوتياً فلا مانع من تدخّل العقل ويكون ذلك في النفي لا في الإثبات، ومعنى ذلك أنّ العقل يتمكن من الحكم بلزوم محاذير لو لم يكن علم الإمام حضورياً، ولكن لا يتمكن العقل من حصر الاحتمال الثبوتي في وجوب كون العلم حضورياً بمعزل عن تلك المحاذير، لأنّ العقل لا يدرك جميع المصالح والمفاسد، ولعل المصلحة التي توهم كونها ملزمة ثبوتاً لها مصلحة مضادّة أهم منها قد عجز عن تصورها فضلا عن الوقوع عليها.

 فلاحظ الأدلة التي أوردوها، فمثلاً: من أدلتهم أنّه لا بد من كون علم الإمام حضورياً لأنّ الحضوري أكمل في الرسالة والإمامة(1)، وهو أشبه بالمصادرة، أولاً: لأنّ الأكملية في مرتبة الوصف لا في مرتبة العلة، وثانياً: لو رفعنا اليد عن كونها مصادرة فإنّ الأكملية لا تكون علة دائماً وإلا لكانت الأكملية في الإمامة هي أن يكون حاكماً لكي يبث علومه ويهدي الناس ويمحو الباطلين وينشر الحق ويبث العدل، ومع ذلك لم تتحقق تلك الأكملية، فإن قلت: إنّ الحقائق كشفت عن أن الحاكمية ليست من كمالات الإمامة، قلنا هذا أوضح دليل على عدم جواز الاعتماد على العقل لأنّه أخطأ في المرتبة الأولى في الحكم بأنّها أكمل، وأما لو لم يحكم بأنّها أكمل فهذه أيضاً مكابرة بحسب ما ندعيه لأنّ العقل والنقل يشهدان بأنّ الحكومة والظهور هما أكثر ما يؤثر في الأمّة والناس على دين ملوكهم. والحاصل: إنّ الشارع جعل الإمام (عليه السلام) عالماً لا حاكماً مع أنّ العقل يرى الحاكمية أكمل، وحينئذٍ يعرف أن للشارع ملاكات لا يراها العقل، وتجعل العقل لا يطمئن لما يراه، لا لقصور في إدراك العقل لما أدرك، أو لضعف في استنتاجاته، بل لقصوره لأن يرى ما لم يدرك -والأمثلة كثيرة- من قبيل أنّ الحضوري أسبغ في النعمة، وأنّه أنفع للأمّة، وأنّه أتمّ في القدرة وأكمل في اللطف، وأنّ الأولى اختيار الأفضل للإمام، وغير ذلك من الأدلة التي بعضها أوهن من الدليل الذي ناقشناه.

وأما عكس ذلك، وهو الاستدلال العقلي لضرورة العلم الحضوري بلزوم محاذير على تقدير عدمه فمعقول لأنّا لا ننكر أنّ العقل يدرك القبيح والحسن، ويعرف السقيم من الصحيح، وإنّما لا يستطيع العقل أن يحصر المدركات في مقام التطبيق، وعليه فيكفي إدراك بعض المحاذير لكي يحكم العقل ببطلان الملزوم، ولا يكفي إدراكه المصالح لإثبات ملزومها لأنّه لا يجد السبيل لنفي المصلحة المضادة فلعله لم يلتفت إليها.(2)

ثم إنّ الشيخ المظفّر صاحب كتاب علم الإمام (قدِّس سرُّه) أورد بعض الإشكالات المشتركة الواردة على هذه الأدلة، ثم أجاب عنها، قال:

هل هناك حكم عقلي معارض؟

إنّا لو أطلنا التفكير في هذا الشأن، وأجَلنا النظر في أطرافه، لم نجد برهاناً للعقل يدفع ما سلف، ويهدم أساس ذلك البناء الرصين.

نعم أقصى ما يمكن أن يدّعي نهوضه للمقاومة، أمور ثلاثة: ـ

الأول ـ أنّ العقل يستعظم ذلك المقام، ويستكبر تلك المنزلة، حتى يكاد أن يلحق ذلك الزعم بالغلو.

الثاني ـ لو كان علمهم حضورياً لالتمست آثاره، وسمعت أخباره، وكيف تخفى مثل هذه الخلة العظيمة؟

الثالث ـ أية جدوى ملموسة، لو كانت لهم تلك الملكة النفسيّة، وهم لا يقوون على إعمالها؟ وأية فائدة محسوسة، إذا كانوا على تلك الصفة وهم لا يستطيعون أن يتظاهروا بها(3).

وكما ترى فإنّ هذه الإشكالات ليست منهجية وإنّما هي أشبه بالذوقية ولا تقيم شأناً ولا تشيد صرحاً، وقد ردّها الشيخ المظفّر (قدِّس سرُّه) بأجوبة شافية، وأما مسألة الغلو فلها صياغات متعددة، وسوف ننقل كلامه لاحقاً وكلام جملة من الأعلام.

والآن نعود إلى تحرير محل النزاع في هذه المسألة.

نقل كلمات العلماء في تحرير محل النزاع

الشيخ محمد الحسين المظفر صاحب كتاب علم الإمام. قال (قدِّس سرُّه):

“إنّ المراد من العلم الحضوري أو الإرادي والإشائي، هو: ما كان موهوباً من العلاّم سبحانه، ومستفاضاً منه بطريق الإلهام، أو النقر في الأسماع، أو التعليم من الرسول، أو غير ذلك من الأسباب. وهذا العلم اختص به الإمام دون غيره من الأنام.

وليس المراد من العلم ها هنا ما حصل بالكسب من الأمارات أو الحواس الظاهرية والصنايع الاكتسابية، لاشتراك الناس مع الإمام في هذا العلم، لأنّه تابع لأسبابه الاعتيادية، وهذا لا يختص بأحد، وهو بخلاف الأول إذ لا يمنحه علام الغيوب إلا لمن أراد واصطفى”(4).

ففي هذا الكلام جهتان:

الأولى: أنّ المقصود من الحضوري ما كان له مناشىء خاصة تجمعها العناية الربانية كالإلهام والنقر في الأسماع والنكت في القلوب وجعل منها تعليم الرسول، ولا بد من إرادته لنحو خاص من تعليم الرسول؛ لأنّ الرسول يعلم الناس جميعاً وهذا يتحقق بحمل قوله (عليه السلام): «علمني رسول الله ألف باب من العلم يفتح لي من كل باب ألف باب»(5) على فرض أنّ الأبواب المنفتحة تكون غيبية ولا تكون بنحو التفريع أو الاستنباط.

 والجهة الثانية: أنّ هذا العلم لا يكون عن طريق الحواس الظاهرية، وهو واضح غير أنّ ظاهر كلامه مساواة العلم الحضوري مع العلم الإشائي، بمعنى أنّ الإمام يكون واجداً للعلم ولا يكون العلم فعلياً عنده، بل إنّه متى شاء أن يحضر لديه العلم فهو يكون حاضراً، وهل هذا يستلزم الجهل من قبل الإمام (عليه السلام) وأنّ غيره يكون أعلم منه قبل تلك المشيئة؟

لقد فصّل (قدِّس سرُّه) بين مسألتين هما العلم في الموضوعات الخارجية الجزئية والعلم في الموضوعات للأحكام الكلية، بحجة أنّ ما دلّ على إشائية علم الإمام (عليه السلام) وبغض النظر عن تحقق إطلاقه، فإنّ شمول ذلك حتى للأحكام الكلية لا يمكن الالتزام به لأنّه نقص في رتبة الإمام (عليه السلام)، وسيأتي التعرض إلى النصوص، إلا أنّ الكلام في التفرقة بين الأحكام الكلية والموضوعات الجزئية، فبحسب هذه التفرقة فإنّ الإمام لا يكون عالماً بالموضوعات الجزئية الخارجية إلا إذا شاء، وأما الكلية فهي حاضرة عنده أبداً، ومع ذلك لا يلزم المحذور لعدم لزوم النقص في حال تعليقية العلم بالموضوعات الجزئية، فالشيخ يلتزم بتعليق علم الإمام بالموضوعات الخارجية على المشيئة ولا يلزم من ذلك محذور النقص من شأنه، بخلاف الأحكام الكلية. قال:

إنّ المراد من العلم في المقام -أي المعلق على الإشاءة- هو العلم في الموضوعات الخارجية الجزئية الصِّرفة، لا العلم في الموضوعات للأحكام الكلية، لأنّ جهل الإمام بها نقص في رتبته وحطّ من منزلته، وإنّ بيانها من خصائصه ووظيفته، ولا العلم في الأحكام، لأنّ الإمام لا بد من أن يكون علمه فيها حضورياً إذ لا يجوز أن يُسأل عن حكم لم يكن علمه لديه حاضراً، وإلا لم يكن الحجة على العباد، بل ولبطلت إمامته(6).

وهذا الكلام كما ترى مبني على كبرى وهي أنّ كل ما يحطّ من منزلة الإمام فيجب نفيه عنه (عليه السلام) ولو بتأويل أو طرح النصوص، وصغرى وهي أنّ تعليق العلم بالكليات على أن يشاء الإمام يعتبر منقصة دون العلم بالجزئيات. أما الكبرى فليس هذا محل تنقيحها، بل لا يعرف فيها مخالف من الإمامية، نعم الاختلاف في تشخيص المنقصة يرجع إلى الشك في سعة وضيق مفهومها وبالتالي يقع الخلاف في تشخيص الصغريات كما هو واقع في المقام، حيث نوقش في كون الجزئيات مستثناة لتعميمهم العلم لكل ما كان وما يكون من دون استثناء الجزئيات.

ب. السيد عبدالحسين اللاري في رسالته (معارف السلماني بمراتب الخلفاء الرحماني)، قال (قدِّس سرُّه):

“وأما المراد من علمه فليس في علمه الظاهري الكسبي الحاصل من الأمارات والحواس الظاهرية والصنائع الاكتسابية، ضرورة أنّ العلم الظاهري الحاصل للإمام (عليه السلام) كالعلم الظاهري الحاصل لغيره يتبع أسبابه وحواسه الظاهرية في الكمية والكيفية، فلا مجال لشبهة الخلاف فيه، بل الخلاف في كمية علمه وكيفيته إنّما هو في علمه الباطني الفطري اللّدني، الموهوب بإلهام أو وحي أو روح القدس أو نحوها من الأسباب الخاصة بالأنبياء والأوصياء.

وأما المراد من كيفية حضور علمه -على القول بحضوريته- فليس في إحاطة علمه بالمعلومات على وجه العلية والمعلولية، ضرورة أنّ العلم بهذا المعنى من خصائص ذات الواجب التي لا يشاركها الممكن فيها قطعاّ، بل المراد من علمه الحضوري هو انكشاف المعلومات عنده فعلاً، في مقابل انكشافها الشأني عليه بالقوة والإرادة المعبر عنه بقولهم «لو شاء أن يعلم لعلم»”(7).

إلى أن يقول:

“وأما مراد النافي تعميم علم الإمام فليس نفي تعميمه حتى للأحكام وموضوعاتها الكلية الموسومة بالمستنبطة لعدم الشبهة لغير العامة في لزوم تعميم علمه لهما قطعاً، لكون بيانها من وظيفته وخصائصه والجهل بشيء منها نقض لرتبته ومنزلته، بل مراد النافي الخاص بالإمامية إنّما هو نفي تعميمه للموضوعات الجزئية الصرفة حيث اختلفت كلمات الإمامية في لزوم تعميمه للموضوعات الجزئية الصرفة حيث اختلفت كلماتهم على وجوه… كما اختلفت كلماتهم أيضاً في كيفية علمه، هل هو حضوري أم إرادي؟ على قولين، والمثبت لعموم كميته وفعلية كيفيته هو ظاهر المشهور، بل كل الإمامية، إلخ”(8).

وقال في رسالته الأخرى (رسالة وجيزة في كمية علم الإمام وكيفيته):

كيفية علم الإمام وكميته

“فأقول: اختلفوا في أنّ علم النبي والإمام هل هو حضوري أو حصولي أو إرادي؟ على وجوه وأقوال، أوسطها الوسط، لوجوه:

 منها: أنّ الإرادي جهل فعلي وعلم شأني خارج عن منصرف إطلاق الظاهر في الفعلي ومستلزم لمنقصة الجهل ومحاذيره المستحيلة عليه عقلاً ونقلاً.

 ومنها: أنّ الحضوري بمعنى المحيط بالمعلومات، إحاطة العلة بالمعلول على الوجه الذي لا يتكيف بمضي ولا استقبال، إنّما هو من خصائص ذات الواجب لا الممكن، والقديم لا الحادث، والعلة لا المعلول فتعين الوسط وهو العلم الحصولي، يعني الفعلي في مقابل العلم الشأني هو جهل فعلي معبر عنه في العنوان بالإرادي وفي النصوص بما «لو شاء أن يعلم لعلم».”

“وأما على تقدير أن يكون المراد من الإرادي الحضوري هو الحصولي والفعلي، كما هو محتملُ كثيرٍ، فيرتفع النزاع والشين ويرجع إلى النزاع اللفظي في البين والفرق بين العلم الحالي غير المتكيف بمضي ولا استقبال وبين المتكيف بهما هو كالفرق بين نظر الإنسان إلى الحبل الممتد مدّ بصره، وبين نظر النملة إلى ما يسامت ويقابل نظرها من ذلك الحبل، فإنّه لحقارة نظرها لا ترى من ذلك الحبل الممتد إلا ما يسامتها ويقابلها، وأما الفائت عن نظرها يعد ماضيا والآتي مستقبلاً، بخلاف نظر الإنسان المحيط بجميع ذلك الحبل الممتد، فإنّ علمه حالي لا يتكيف بمضي ولا استقبال”(9).

أقول: لقد فسر الحضوري بمعنى المحيط بالمعلومات بمعنى إحاطة العلة بالمعلول، لا بمعنى الحضور والالتفات ثم نبّه على أنّ هذا خلاف اصطلاحهم، فهم يعبرون بالحضوري ولكن يقصدون الفعلي ويقصدون عدم الجهل، ثم إنّه فسر الإرادي بما يقابل الحضوري، ولكن سيأتي في كلمات بعضهم أنّ الإرادي يمكن أن يتفرع على الحضوري وهو العلم المحفوظ في النفس القدسية وإن كان الأظهر أنّ الإرادي لا يتفرع على ذلك لأنّ العلم إذا كان حاضراً لدى النفس فهو بحاجة إلى التفات لا إلى إرادة، وإذا لم يكن حاضراً لدى النفس فلا يتفرع الإرادي على الحضوري بهذا المعنى.

والحاصل أنّ كلامهم يدور بين أن يكون الإمام عالماً بالفعل أو بالإرادة. فبعضهم أطلق على الفعلية العلم الحصولي كما فعل السيد اللاري هنا، وبعضهم أطلق على الفعلية مصطلح الحضوري، وبذلك تتم المصالحة بين من قال بالعلم الحضوري ومن قال بالعلم الحصولي.

ج. الملا زين العابدين الكلبايكاني

قال (قدِّس سرُّه):

 “اعلم أنّ الشخص مرة جاهل بالشيء وليس له ملكة استخراجه واستنباطه، ومرة له تلك الملكة، ومرة علمه فتكون عنده معلومات محفوظة لكنها غير حاضرة عنده ولا ملتفت إليها، ومرة تكون حاضرة عنده وملتفت إليها والظاهر أنّ علوم النبي والأئمة من الأخيرة.

نعم، قد لا يلتفتون إلى معلوماتهم لاستغراقهم في بحار العبودية، ومنه استغراق أمير المؤمنين (عليه السلام) بإخراج النبل من عقبه في صلاته، وأكل الرضا (عليه السلام) للعنب على وجه، وفيه وجوه أخر، وعدم التفات السجاد (عليه السلام) إلى احتراق بيته ووقوع ابنه الباقر (عليه السلام) في البئر، ولذع الشيطان لإصبع رجله في صلاته على وجه، وفيه وجه آخر هو الإحساس والتحمل، ومنه غشيان النبي (صلَّى الله عليه وآله) عند الوحي، وقد اتفق مثل عدم هذا الالتفات والإحساس لبعض العشاق المجازات وفيهم حكايات كثيرة كما في قطع نسوة مصر لأيديهن وعدم إحساس شهداء كربلاء لألم الحديد. وبالجملة: عدم إحساس كل مشغول القلب المفرط لفرح مفرط أو دهشة أو همّ وهكذا كثير، وفيه أحكام فقهية كما في المكرة المدهوش.”(10)

د.الميرزا محمد تقي القزويني البرغاني

قال (قدِّس سرُّه):

“أجمع العلماء من الفرقة المحقة الاثني عشرية في علم الإمام (عليه السلام) بأنّه عالم بما كان وما يكون وبجميع الكائنات والمغيبات ثم اختلفوا في أنّ علمه (عليه السلام) هل هو حضوري وإحاطي أم إرادي وحصولي؟ فذهب بعضهم إلى أنّه حضوري وإحاطي وبعض إلى أنّه إرادي وحصولي، ونسب القائلون بالحضور القائلين بالإرادة إلى القصور أو التقصير، ونسب القائلون بالإرادة القائلين بالحضور والإحاطة إلى الغلو”(11).

هـ. العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي

“في سؤال وجه إلى العلامة في أنّه هل يوجد تنافي بين كون علمهم (عليهم السلام) موروثاً من النبي (صلَّى الله عليه وآله) وبين الروايات الناصّة على أنّهم «إذا شاؤوا علموا»؟ فأجاب العلامة ما ترجمته بأنّ علمهم الذي تلقوه على قسمين: قسم مثل البديهيات لا يغيب عن خاطرهم أبداّ، وقسم آخر يحتاج إلى التأمل والالتفات والذي يكون على نحو أنّهم «إذا شاؤوا علموا» وهذا الثاني يشبه ملكة الاجتهاد التي تكون عند الفقيه المجتهد، من حيث إنّه في سائر أوقاته لا يكون ملتفتاً إليها ولكن متى ما تعرض إليه الناس بمسألة أو مسائل وحصل له التوجه النفساني فإنّه يتمكن من الإجابة، وهكذا الإمام (عليه السلام) متى ما توجه إلى مقام النورانية فإنّ المطالب تصير حاضرة عنده”(12).

نكتفي بنقل هذا المقدار من كلمات الأعلام رحمهم الله تعالى ونستنتج من ذلك كله عدة احتمالات في علم الإمام. فإما أن يقال بالعلم الحضوري أو الحصولي. فإن قيل بالعلم الحضوري فهذا له عدة تصورات:

منها: أن يكون العلم حاضرا لديه ويكون ملتفتا إليه في جميع الأحوال.

ومنها: أن يكون العلم حاضراً لديه في مخزون ذاته لا في مقام الفعلية، فمتى ما أراد أن يحضر لديه وشاء أن يعلم تحقق ذلك. وهذا ما عبّر عنه صاحب الميزان بما يشابه ملكة الاجتهاد. وقد يفرّق بين ما ذكره صاحب الميزان وهذا القول بأنّ ملكة الاجتهاد وظيفتها الاستنباط فيكون للأئمة القدرة على استنباط العلم بما كان وما يكون وغير ذلك عن طريق ما أوتوا من العلم بخفايا الأمور ودقائق التكوين، وهذا بخلاف العلم المتوقف على الإرادة والمشيئة فإنّه يكون بالإلهام الخارجي والعناية الربانية الخاصة، وبعبارة أخرى، تفصيلاً للعلم الحضوري، إما أن نقول بأنّ علم الإمام حاضر لديه ويكون ملتفتاً إليه في جميع الأحوال كما صرح بعضهم، وإما أن نقول بأنّه بحاجة إلى شيء آخر ليحضر عنده، وهذا الشيء إما هو مجرد الالتفات لما هو مكنون في مقام الروح القدسية، أو الإرادة فيحصل على الإلهام، أو الإرادة بمعنى علمه بالعلل والمعلولات فيستنبطها كما ملكة الاجتهاد. وقد مرّ بنا أنّ بعض الأعلام عبر عن العلم الإرادي بالعلم الحصولي.

ثم يعرف من طيّ كلماتهم أو كلمات بعضهم بأنّ البحث مختص بالعلم بالجزئيات، وأما العلم بالكليات فلا ينبغي الشك بأنّها حاضرة لدى الإمام (عليه السلام) وهنا فرق ينبغي الالتفات إليه، فإنّ البحث في العلم بالجزئيات يدور مدار كيفية حصول العلم لديه فهل هو بالإرادة أو بالاكتساب، ومن قال بالإرادة فهو كما ذكرنا لا يقصد الالتفات كمن يعرف بأن اليوم الجمعة مثلاً ولكن لم يكن ملتفتاً، فمتى ما التفت حضر لديه بأن اليوم الجمعة، بل مقصوده أنّ العلم يستدعى من قبل الإلهام أو النكت أو غير ذلك من الطرق الخاصة متى ما أراد المعصوم، وهذا يعني عدم تحققها لديه قبل ذلك. وأما البحث في الكليات فهو يدور مدار الالتفات، وهل أنّ الإمام المعصوم دائماً ملتفت إلى ما يحويه من علم؟ أم يكون كغيره يحتاج إلى أن يلتفت، وهذا لا ينافي العلم بوجه كما مثلنا بمن يعلم بأنّ اليوم الجمعة ولكن لا يكون ملتفتاً إليه في جميع الأحيان إلا بنحو لو سألته لأجابك بأن اليوم الجمعة.

ثم إنّ أصل طرح البحث بهذه الطريقة لا يخلو من إشكال ويطرح سؤالا مهما وهو عن الفرق بين علم الإمام وعلم الله (سبحانه وتعالى)، سواء في الكيف أم في الكم، وهذه مسألة الغلو التي مرت الإشارة إليها. أما في الكيف فلما ذهب إليه جملة من العلماء بأنّ علم الإمام حضوري ويكون الإمام ملتفتاً إليه في جميع الأحوال، فهي قدرة خاصة بعناية ربانية وبنفس قدسية يعجز عن إدراك كنهها العارفون، وقد مر التصريح بذلك في بعض الكلمات المتقدمة، ويشتد الإشكال لو فسرنا الحضوري بمعنى الإحاطة بالعلة والمعلول على الوجه الذي لا يتكيف بمضي ولا استقبال، فإنّه من مختصات الله تعالى، وأما في الكم فلما مر في طيات الكلام بأنّهم يعلمون علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة.

وتحقيق القول وسرد الأقوال ليس من الغرض في هذه المقالة، بعد أن كان الغرض تحقيق محل النزاع، ولكن الذي يمكن أن يقال: إنّ الأقوال إنّما هي قوالب صورية، فلو شاء الله لسلب منهم (عليه السلام) كل ما يعلمون في طرفة عين، والذي عندهم كما أنّ الذي عند الأنبياء والخضر (عليهم السلام) إنّما هو إفاضة من الله (سبحانه وتعالى)، وقد قال الله تعالى لنبيه (صلَّى الله عليه وآله): {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ}، فما بال الذي علمه ما لم يكن يعلم لا يستطيع أن يسلبه إياه؟ ولا يقول عالم إمامي بالشراكة مع الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً، إلا أنّ بعض الأقوال قد يتوهم لها مثل هذه اللوازم، فلا بد من التطرق إلى الفرق بين علم الخالق وعلم المخلوق من كلمات العلماء، لكي لا ننفي المقام الخاص الذي وهبه الله لأنبيائه وأوصيائهم {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱلرَّ‌ ٰسِخُونَ فِى ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا}، وفي نفس الوقت لكي ننزه علماءنا مما ينسب إليهم من ترقية المخلوق إلى مرتبة الخالق.

قال الشيخ محمد الحسين المظفر:

“إنّ علم الله تبارك اسمه قديم وسابق على المعلومات، وهو عين ذاته وعلة للمعلومات وأما علم الإمام الحضوري، فلا يشارك علم الله سبحانه في شيء من ذلك، لأنّه حادث ومسبوق بالمعلومات، وهو غير الذات فيهم، وليس بعلة للمعلومات، وإنّما حضوره عندهم بمعنى انكشاف المعلومات لديهم فعلاً فلا ينبغي أن يتوهم ذو بصيرة بأنّهم مشاركون له تعالى في هذه الصفة، وأنّ القول بالحضوري من الشرك أو الغلو، لاختلاف العلمين في الصفة.

على أنّ علمه تعالى ذاتي، وعلمهم عرضي موهوب وممنوح منه جلّ شأنه. فلم يبق مجال لدعوى اتحاد العلمين بتاتاً”(13).

وهنا ننقل كلام ابن تيمية لكي يعلم بعدم تفرد الإمامية بنسبة العلم بالغيب إلى غير الله تعالى:

“وقد استدل بعضهم بأنّ الله لم ينف عن غيره علم شيء إلا كان منفرداً به كقوله : {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} وقوله : {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} وقوله : {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ}، فيقال: ليس الأمر كذلك بل هذا بحسب العلم المنفي فإن كان مما استأثر الله به قيل فيه ذلك وإن كان مما علّمه بعض عباده ذكر ذلك كقوله {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء} وقوله: {عَالِمُ الغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً} إلى قوله : {رَصَدًا} وقوله: {قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} وقوله: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} وقوله: {لَٰكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} إلى قوله: {شهيداً} وقوله: {قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ} وقال للملائكة: {قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} وقالت الملائكة: {لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} وفي كثير من كلام الصحابة الله ورسوله أعلم وفي الحديث المشهور: «أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ»، وقد قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} وأول النزاع هو النزاع في معاني القرآن فإن لم يكن الرسول عالماً بمعانيه امتنع الرد إليه وقد اتفق الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر أئمة الدين أنّ السنة تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه وتعبر عن مجمله وأنّها تفسر مجمل القرآن من الأمر والخبر، وقال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} إلى قوله : {فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ}”(14).

وقال الميرزا التبريزي:

“الغلاة هم الذين غالوا في النبي أو الأئمة أو بعضهم (سلام اللّه عليهم أجمعين) بأن أخرجوهم عمّا نعتقد في حقّهم من كونهم وسائط ووسائل بين اللّه وبين خلقه، وكونهم وسيلة لوصول النعم من اللّه إليهم، حيث ببركتهم حلّت النعم على العباد، ورفع عنهم الشرور، قال اللّٰه سبحانه: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} كأنّهم التزموا بكونهم شركاء للّٰه تعالى في العبودية والخلق والرزق، أو أنّ اللّٰه تعالى حلّ فيهم، أو أنّهم يعلمون الغيب بغير وحي أو الهام من اللّٰه تعالى، أو القول في الأئمة (عليه السلام) أنّهم كانوا أنبياء، والقول بتناسخ أرواح بعضهم إلى بعض، أو القول بأنّ معرفتهم تغني عن جميع التكاليف، وغير ذلك من الأباطيل،  وعليه فالاعتقاد بأنّ للأئمة مقاماً لا يبلغه ملك مقرّب، و لا نبي مرسل -ما عدا نبيّنا محمد (صلَّى الله عليه وآله)- أو الاعتقاد بالمضامين التي جاءت في الزيارة الجامعة الكبيرة بنوعها صحيح يوافق عقيدة المؤمن، وأما آية {يَدُ اللّٰهِ مَغْلُولَةٌ..} إلخ فهي ناظرة إلى اليهود، ولا تشمل مثل هؤلاء بمدلولها”(15).

الخلاصة

لم يكن الغرض تحقيق الأقوال في هل أنّ علم الإمام (عليه السلام) حضوري أم حصولي، ولا في استيفاء الإشكالات الواردة والجواب عليها، بل كان الغرض هو تحرير محل الكلام في هذه المسألة، واتضح بأنّ الحضوري له تفسيرات عديدة، وبأنّ الحصولي قد يستعمل ويراد به أحد هذه المعاني.

وتناولنا أيضاً نطاق هذا العلم، وذكرنا بأنّ أكثر العلماء ذهبوا إلى أنّ العلم بالمسائل الكلية يجب أن يكون حاضراً ولا يجب ذلك في المسائل الجزئية، بل هي على أقل تقدير محل كلام بينهم، نعم لا يخلو المقام من أخذ وردّ في معنى كون المسائل الكلية حاضرة، ولربما عاد النقاش في العلمين إلى مآل واحد بالتأمل، ثم إنّه بالسرد الذي تناولناه اتضحت مذاهب بعض العلماء في هذه المسألة.

المصادر والهوامش

  • (1) علم الإمام للشيخ المظفر ص41
  • (2) هذا وإن أمكن المناقشة أيضاً بأنّ العقل لا يدرك جميع المفاسد وما يطغى عليها من المصالح. ومن هنا فلا ينهض الدليل العقلي لإثبات حضورية أو حصولية علم الإمام، وأما البحث الإثباتي فلا مسرح للعقل فيه إلا بمقدار ما أنتجه في مرحلة الثبوت، والعمدة هو ما ورد من النصوص عنهم (عليه السلام) في بيان هذه الجهة. ثم إنّه يشهد على عجز العقل أنّه يدرك معاني تكوينية أو تشريعية ربما حكم على أساسها باستحالة ذلك على الله (سبحانه وتعالى)، ومع ذلك وجدها بخلاف ما كان العقل سيحكم به لو خلي ونفسه. فلولا أنّه وجد أمامه قتْل وإيلام الأطفال ووقوع الكوارث الطبيعية على الأبرياء، فلعله يحكم باستحالة ذلك أو يتوقف على أقل تقدير. وخير شاهد على هذا العجز هو قوله تعالى في سورة البقرة {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}، فإنّ الملائكة لم يستوعبوا هذا اللازم الخطير الذي فيه ظلم كبير وسفك للدماء وهتك للأعراض وقتل للأطفال وكوارث في حق الأبرياء، فاضطروا للاستفهام مع ما لا يخفى من التعجب، فأجابهم الله بأنّهم يجهلون المصلحة وأنّهم عرفوا شيئاً وغابت عنهم أشياء. ومن لطائف ما ينقل في المقام أنّ أبا هذيل العلاف قال لهشام بن الحكم: أناظرك على أنّك إن غلبتني رجعت إلى مذهبك، وإن غلبتك رجعت إلى مذهبي، فقال هشام: ما أنصفتني! بل أناظرك على أنّي إن غلبتك رجعت إلى مذهبي، وإن غلبتني رجعت إلى إمامي (اعتقادات الصدوق ص10). فلاحظ كيف أدرك هشام بن الحكم هذه الحقيقة، وهي أنّ المناظرة مهما بلغت من الوضوح فلا بد من الرجوع إلى الإمام، وفي هذا إشارة إلى قصور العقل في مقام الثبوت فلا بد من الرجوع إلى مقام الإثبات وهو الإمام (عليه السلام)، فتأمل.
  • (3) صفحة 47.
  • (4) صفحة 29.
  • (5) الخصال للشيخ الصدوق ص:572.
  • (6) صفحة 30.
  • (7) بصائر الدرجات ص315، الكافي ج1، ص258.
  • (8) -24 مجموعة مقالات في علم الإمام – رسالة معارف السلماني ص20.
  • (9) مجموعة مقالات في علم الإمام – رسالة وجيزة ص100.
  • (10) مجموعة مقالات في علم الإمام – رسالة في تحقيق القول في علم المعصومين (عليه السلام) ص113.
  • (11) مجموعة مقالات في علم الإمام – رسالة في كيفية علم الإمام ص126.
  • (12) مجموعة مقالات في علم الإمام- مجموعة أسئلة تحت عنوان: علم إمام (عليه السلام) وعصمت أنبياء وأوصياء (عليهم السلام) ص330.
  • (13) صفحة 29.
  • (14) مجموعة فتاوى ابن تيمية ج17 ص416. (15) صراط النجاة ج3 ص418
المصدر
مجلة رسالة القلم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى