ثقافة

كيف أتعرّف على الإمام؟

الإمامة

إنّ معرفة الله عزّ وجلّ ومعرفة صفاته يوصلان الباحث عن الحقيقة إلى الإيمان ببقيّة أصول الدين. فالله عزّ وجلّ الذي بعث الأنبياء لطفاً بعباده، لم يعطّل هذا الّلطف بعد رحيل الرّسول الأكرم! وبناءً عليه، نستخلص أنّه بعد رحيل الرّسول الأكرم الذي هو النبيّ الخاتم لا بدّ من وجود أشخاص معصومين يحفظ الله عزّ وجلّ بهم رسالة الإسلام إلى قيام السّاعة.

ولذلك يخطئ من يعتقد أنّ الإنسان يستطيع السّير في طريق التّكامل بمفرده، ومن دون إعانة شخص عالم، وعلى دراية دقيقة بكيفيّة سلوك طريق الآخرة. وهذا أيضاً سنّة المجتمع البشريّ، فهو لا يمكن أن يستغني عن المرشد والخبير في أيّ مجال من المجالات. فالأقلّ خبرة وعلماً دائماً يلجأ إلى من هو أعلم منه حتّى يتجنّب الوقوع في المشاكل. فإذا كان هذا الحال في الدّنيا، فكيف يمكننا أن نسلك إلى طريق الآخرة، الطّريق الّذي يحدّد للإنسان مصيره الأبديّ؟ فهل في هذا الطّريق نستغني عن إمام يرشدنا ويأخذ بأيدينا، أمّا في أبسط أمور حياتنا لا نستغني عن ذوي الاختصاصات!؟

قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾1.

اقتران القرآن بالعترة

قد يقول قائل: إنّ الرّسول رحل وترك لنا القرآن، فالقرآن هو مرجعنا، وهو الّذي نعوّل عليه لنصل إلى مرضاة الله عزّ وجلّ.

ولكنّ ذلك يبقى ناقصاً إذا لم يقترن بالعترة الطّاهرة والأئمّة المعصومين. يؤكّد ذلك افتراق الأمّة إلى عشرات الفرَق والمذاهب، كلّ منها يفسّر القرآن كما يحلو له ويدّعي أنّ الحقّ عنده. فهل بهذه الطّريقة يحفظ الله عزّ وجلّ دينه ورسالته؟ أليس من الحكمة أن يُنصَّب بعد رسول الله رجلٌ يعرف تأويل القرآن وتفسيره ويكون حافظاً ومكمِّلاً لما أنجزه الرسول؟

قال الامام الرّض: “إن الامامة هي منزلة الأنبياء وإرث الأصفياء..”2.

وهذا ما جاء في كلام النبيّ الّذي لا ينطق عن الهوى، حيث يقول: “إنّي تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السّماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض” ، فهذا الحديث وغيره يقرّ بعدم إمكانيّة الفصل بين القرآن والعترة. والأخذ بواحد منهما فقط هو ترك لكليهما. لأنّهما لن يفترقا إلى يوم القيامة.

إستنتاج: – الله يدعونا إلى عدم الفصل بين القرآن والعترة عليهم السلام وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ” إنّي تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا علي الحوض”3.

مواصفات الإمام

يُعتبر مقام الإمامة مقاماً شامخاً، بل هو أسمى مقام يمكن أن يصل إليه إنسان، وهذا ما نستفيده من قصّة نبيّ الله إبراهيم في القرآن الكريم، حيث إنّ الله عزّ وجلّ بعدما اصطفاه رسولاً إلى قومه، امتحنه وابتلاه ليرفع من مقامه، وكان أعلى مقام وصل إليه هو مقام الإمامة. يقول تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾4.

ومن الصـّفات التي يجب أن يتحلّى بها الإمام المعصوم

1ـ العصمة من الخط: فالإمامة عهد من الله عزّ وجلّ كما نصّت عليه الآية السابقة، والظّالم والعاصي لا يمكن أن يناله هذا العهد.

2ـ العلم : فالإمام يتميّز عن عامّة النّاس بعلم خاصّ، يحصل له من غير طريق التعلّم في المدارس والأكاديميّات، إنّه علم من عند الله عزّ وجلّ، به يكون حجّة على الخلق والعباد.

3ـ الشجاعة: وهي من مستلزمات قيادة المجتمع، لأنّ انهزامه من الزحف يستلزم انهزام النّاس من ورائه.

4ـ السـّخاء: يجب أن يكون أسخى النّاس، لأنّه إن استولى الشحّ عليه شحّ بما في يديه من أموال المسلمين.

دور الإمام ووظيفته

الإمام له نفس دور النبيّ إلّا أنّه ليس بنبيّ. ولذلك قال رسول الله للإمام عليّ: “ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه ليس نبيّ بعدي؟”5 ، وتفصيل ما للإمام من أدوار هو على الشّكل التّالي:

ـ الدور التشريعيّ: فالإمام هو الشّخص الوحيد الذي يملك قابليّة تلقّي كلّ تفاصيل الشريعة من رسول الله لينقلها بعد ذلك إلينا. ولذلك ورد عن رسول الله أنّه قال: “أنا مدينة العلم وعليّ بابها، ولن تدخل المدينة إلّا من بابها”6. وورد عن أمير المؤمنين : “..فإنّ رسول الله علّمني ألف باب من العلم يفتح من كلّ باب ألف باب..”7.

ـ القيادة السياسيـّة: فالإمام كما ورد عن مولانا الإمام الرّض: “أمين الله في أرضه وحجّته على عباده وخليفته في بلاده الدّاعي إلى الله والذّاب عن حرم الله” 8.

ـ القدوة الصّالحة: فالإمام يمثّل التّجسيد الأكمل لتطبيق الشّريعة والطّاعة لله والزّهد في الدّنيا. ولذلك ورد عنهم: “والله ما أمرتكم بطاعة إلّا وقد ائتمرت بها، ولا نهيتكم عن معصية إلّا وقد انتهيت عنها”9.

ـ الدّور التكوينيّ: فللإمام مقام معنويّ يجعله حافظاً للأرض وواسطة لفيض الله عزّ وجلّ على العباد، وهادياً للنفوس إلى كمالاتها اللّائقة بها. يقول الامام الرض: “الإمام الماء العذب على الظّماء والدّالّ على الهدى والمنجّي من الرّدى”10.

  • طريق المعارف، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.

المصادر والمراجع

1-المائدة: 3
2-مسند احمد،الامام احمد بن حنبل،ج5،ص182
3-تحف العقول، ص438
4-البقرة: 124
5-صحيح البخاري: البخاري،ج5،ص129
6-الخصال،الشيخ الصدوق،ص574
7-الخصال، الشيخ الصدوق، 572.
8-عيون أخبار الرضا، الشيخ الصدوق ، ص 197.
9-تأويل الآيات، شرف الدّين الحسيني، ج ، ص 119.
10-الكافي، الكليني،ج1،ص200

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى