ثقافة

خطوات الشيطان

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾1.
خطاب قرآني لفئةٍ خاصة من الناس وهم المؤمنين بالله تعالى ينطوي على تحذير شديد من اتّباع خطوات الشيطان وما يمكن أن يوسوس به، وسبب التحذير هو أن الشيطان لا يمكن أن يأمر الإنسان أو يطلب منه ما فيه خير وصلاح، بل يدعو إلى الفحشاء والمنكر.

ولكن السؤال هو في كيفية اتّباع المؤمن للشيطان؟ وكيف يقع في شباكه وحبائله؟ وهذا ما لا يتبيّن إلّا بعد معرفة الهوية الحقيقيّة لهذا المخلوق.
 
من هو الشيطان؟!

يصوّر لنا القرآن الكريم في العديد من آياته على أنّ الشيطان هو العدو الأول للإنسان، وهو الذي لعنه الله تعالى على استكباره وتركه السجود لآدم (عليه السلام)، وأنّه أوّل من أظهر العصبية وتبع الحميّة، وقد حذّرنا الله تعالى منه.

قال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾2.

وعن الإمام عليّ (عليه السلام) أنه قال: “فسجد الملائكة كلُّهم أجمعون، إلّا إبليس اعترضته الحميّة فافتخر على آدم بخلقِه، وتعصَّب عليه لأصله، فعدُوُّ الله إمام المتعصبين، وسلف المستكبرين، الذي وضع أساس العصبية، ونازع الله رِداء الجبريّة”3.

وفي اللغة أنّ كلمة الشيطان من مادة “شطن والشاطن” وتعني الخبيث والوضيع. ويطلق الشيطان على: الموجود المتمرّد العاصي، إنساناً  كان أو غير إنسان، وتعني أيضاً: “الروح الشريرة البعيدة عن الحق”.

والشيطان اسم جنس عام، وإبليس علم خاص لذلك الشيطان الذي حاول إغواء آدم (عليه السلام) وتربّص بأبنائه.

والاستعمال القرآني لكلمة الشيطان يشمل حتى أفراد البشر المفسدين المعادين للدعوة الإلهية، وأُطلقت على إبليس أيضاً بسبب فساده وانحرافه.

ومن الواضح أن خلق الشيطان كان في بداية الأمر خلقاً مميزاً، ولهذا احتلّ موقعاً في صفوف المقربين إلى الله تعالى، وبين ملائكته العظام، وإن لم يكن من جنسهم ثم إنّه بسوء تصرّفه في حريته بنى على الطغيان والتمرّد، فطرد من ساحة الرحمة الإلهية.
 
لماذا خُلِقَ الشيطان؟!

إذا كان الشيطان من العوامل والأسباب الرئيسية لإضلال الإنسان وانحرافه عن الصراط المستقيم، فحينئذٍ يثار في أذهاننا السؤال التالي: لماذا خلق الله تعالى الشيطان؟ وما هي فلسفة إيجاده؟

والجواب: إنّ الله تبارك وتعالى لم يخلق الشيطان شيطاناً، والدليل على ذلك ما ذكرناه حول وجوده بين ملائكة الله تعالى وعلى الفطرة الطاهرة. لكنه بعد تحرّره أساء التصرف، وعزم على الطيغان والتمرّد، إنّه إذن خلق طاهر، وسلك طريق الانحراف مختاراً.

ولعلّ الله تعالى أراد من خلال ما فعله الشيطان وما يمكن أن يسيطر به على الإنسان أن يجعله ميدان اختبار للإنسان.

فإذا كان الإنسان مؤمناً حقيقياً فلا سبيل حينئذٍ للشيطان من أن يسيطر عليه أو يتمكّن من الوسوسة إليه.

وبالتالي لا يمكن للشيطان أن يكون مضراً بالنسبة إلى سالكي الحق فحسب، بل يصبح رمزاً لتكاملهم، لأنّ وجود مثل هذا العدو القوي في مقابل الإنسان يوجب تربية الإنسان وتكامله. فقوى الإنسان وطاقاته الكامنة لا تتأهب ولا تنفجر إلّا حينما يواجه الإنسان عدواً قوياً.

لذلك يقول أحد الفلاسفة: لم تظهر في العالم حضارة راقية إلّا بعد تعرّض شعب من الشعوب إلى هجوم خارجي قوي، وهذا الهجوم يؤدي إلى تفجير النبوغ والكفاءات، لتضع مثل هذه الحضارة4.

وهذا ما أشارت إليه الآية المباركة في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ﴾5.

فأولياء الله تعالى لا يستطيع الشيطان التسلّط عليهم، وأما غيرهم ممن باعوا أنفسهم لغير الله تعالى. فإنّ الشيطان يستحوذ عليهم.

خطوات الشيطان

عندما نفهم الهوية الحقيقية للشيطان، ولطبيعة وجوده، والغاية التي رسمها لنفسه مع الإنسان ندرك أنّ المهمة الأولى له هي أن ينجرّ الإنسان نحو خطواته الهادفة إلى إبعاده عن الصراط المستقيم والنزول به إلى مستوى أسفل السافلين.

ولكن كيف لنا أن نعرف المراد من اتّباع خطوات الشيطان؟

عن هذا السؤال يجيب صاحب تفسير الميزان قائلاً: “إنّ المراد من اتّباع خطوات الشيطان ليس اتباعه في جميع ما يدعو إليه من الباطل، بل اتّباعه فيما يدعو إليه من أمر الدين بأنّ يزيّن شيئاً من طرق الباطل بزينة الحقّ، ويسمّي ما ليس من الدين باسم الدين، فيأخذ به الإنسان من غير علم…”6.

قال الله تعالى:﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾7.

وعندما يبدأ الإنسان خطواته الأولى مع الشيطان سوف يستمر معه إلى أن يوصله إلى العاقبة السيئة، وكما يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): “اتخذوا الشيطان لأمرهم مِلاكاً، واتّخذهم له إشراكاً، فباض وفرّخ في صدورهم، ودبّ ودرج في حجورهم، فنظر بأعينهم ونطق بألسنتهم، فركب بهم الزلل وزيّن لهم الخطل”8.

ولكي يستطيع الإنسان مواجهة الشيطان لا بدّ له من معرفة خططه وأساليبه، ومن خططه أنّه لا يوقع الإنسان المؤمن في المعاصي الكبيرة بخطوة واحدة وبشكلٍ مكشوف، بل يعطيه السموم على جرعات، فتدخل الانحرافات إلى ساحة النفس الإنسانية بشكلٍ تدريجي، لا دفعيّ فوريّ.

فمثلاً تلوّث الإنسان وارتكابه لمعصية من قبيل القمار والمخدرات يجري على مراحل أو خطوات:
الخطوة الأولى: 
يأخذ به إلى حيث تعقد جلسات لعب الورق أو شرب الخمر ليكون فقط مجرّد متفرّج، ومن دون أن يشارك في المعصية.
الخطوة الثانية: يوسوس له بأن يجرّب المعصية للترويح عن النفس، فيلعب الورق من دون ربح أو خسارة، أو يتناول شيئاً من المخدرات بحجّة رفع التعب والهم.
الخطوة الثالثة: وهي مبتينة على الخطوة الأولى حيث يشارك للمرة الثانية والثالثة لتصبح المعصية أمراً طبيعياً، ولا يمتلك القدرة بعدها على الترك.

وبهذا يتمكّن الشيطان منه ويسيطر عليه ليستغرق في المعاصي والذنوب وينسى الحساب والعقاب.

فوساوس الشيطان تدفع بالفرد على هذه الصورة التدريجية نحو هاوية السقوط في الرذيلة والمعصية؛ ولهذا كان الخطاب والتحذير القرآني: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾9.

والأبواب التي تنفذ منها خطوات الشيطان إلى داخل النفس الإنسانية كثيرة ومتعدّدة وكلها تدفع الإنسان نحو اتباعه وسلوك طريقه، ومنها:

* اتّباع الهوى:
وهي من الأمور الخطيرة التي تتصف بها الذات البشرية حيث معها يندفع الإنسان نحو سلوك ما يشتهيه، ويرى أنّ مقياس الدين هو ما تهواه نفسه وليس ما يأمر به الله تعالى.

وهذه الخصلة كانت من الخصال الأساسية التي اتصف بها الشيطان حيث أراد عبادة الله تعالى من حيث يريد، وفي ذلك يقول الإمام الصادق (عليه السلام): “أمر الله إبليس بالسجود لآدم، فقال: يا ربّ وعزّتك إن أعفيتني من السجود لآدم لأعبدنّك عبادة ما عبدك أحدٌ قطّ مثلها، قال الله جلّ جلاله: إني أحبّ أن أُطاع من حيث أريد”10.

ولا شك بأننا نرى في هذه الدنيا أشخاص كثيرون يريدون عبادة الله من حيث ما يرونه مناسباً لهم، وليس بحسب ما أراد الله تعالى.

* كيف نواجه الشيطان؟
الشيطان هو العدو الدائم والمستمر للإنسان وهو باقٍ في الحياة الدنيا، ويرافق الإنسان منذ ولادته حتى وفاته، ويقف متربصاً به لينفذ إلى داخله ويبعده عن ساحة الرحمة الإلهية.

فإذاً هو في حرب دائمة ومستمرة معه، والإنسان في حالة مواجهة، وإذا لم يكن عارفاً ومصدقاً بعدائه له فلا يمكن له مواجهته في أيّة معركة.

من هنا كانت أولى خطوات المواجهة مع الشيطان هي معرفة أنه العدو الأكبر له والذي يريد أن يوقع العداوة بينه وبين الآخرين. قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء﴾11.

وقال تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾12.

وهناك سُبُل وخطوات كثيرة يمكن أن تساعد الإنسان على المواجهة ويكفينا في ذلك القول أو التحذير من أن الشيطان لن يكون وفياً مع كل من اتّبع خطواته حيث يتبرّأ منه يوم القيامة وذلك حينما يسأل الإنسان عن معاصيه فيلقي باللوم على الشيطان وحينها ينبري الشيطان ليواجه الإنسان بالقول: إنه ما كان لي عليك من سلطان وأنك تتحمل المسؤولية الكاملة عن أفعالك التي اخترتها لنفسك في الدنيا.

قال تعالى:﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾13.

فكيف لنا بعد ذلك أن نركن إلى الشيطان ونترك نفوسنا مرتعاً له ليتحرّك كيفما يشاء؟؟

والحمد لله رب العالمين


المصادر والمراجع

1- سورة النور، الآية:21.
2- سورة البقرة،الآية: 34.
3- نهج البلاغة، الخطبة (192).
4- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، آية الله مكارم الشيرازي، 1/174 و4/586.
5- سورة النحل،الآية: 99.
6- الميزان في تفسير القرآن، الطباطبائي، 2/101.
7- سورة الأنعام،الآية: 43.
8- نهج البلاغة، الخطبة (7).
9- سورة البقرة، الآية: 168.
10- بحار الأنوار، المجلسي، 2/262.
11- سورة المائدة،الآية:91.
12- سورة الأعراف،الآية: 22.
13- الحشر: 16.

المصدر
مجلة رسالة القلم

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى