ثقافة

مكانة الحج وفوائده في الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على محمد آل محمد. من الأمور المهمة في الدين الإسلامي الحنيف هو التنوع في الأساليب العبادية التي تربط الإنسان بربه، وتقربه منه سبحانه، وتؤدي إلى تكامله الروحي، وهناك مواسم تتركز فيها العبادة بعضها زمانية والأخرى مكانية، وعبادة الحج وزيارة بيت الله الحرام من هذه المواسم الإلهية الزمانية والمكانية، والتي تحتوي على مجموعة من الطقوس التي تخلق حالة العبودية في نفس الإنسان.

وعبادة الحج عبادة مالية وبدنية، فتبذل فيها الأموال، كما تحتاج إلى جهد بدني كبير، خصوصا في الأزمان المتقدمة التي يمثل السفر وحده جهدا كبيرا إذ يحتاج إلى أيام أو أسابيع بل أشهر بالنسبة لبعض البلدان البعيدة.

مكانة الحج في الإسلام

الحج في اللغة هو القصد، وفي الاصطلاح قصد البيت للتقرب إلى الله تعالى بأفعال مخصوصة وبزمان مخصوص في أماكن مخصوصة. وهذا يعني أن الإنسان الذي يريد الحجَّ يبدأ توجهه إلى الله تعالى من حين شروعه في المسير للحج.

وللحج مكانة خاصة في الدين الإسلامي الحنيف حيثُ جُعِلَ ركناً أساسياً من أركان الدين، فعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «بني الإسلام على خمس دعائم: إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحج بيت الله الحرام، والولاية لنا أهل البيت»(). ومن الواضح بأن الدعامة إذا سقطت تصدع البناء وسقط. وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: «لا يزال الدين قائما ما قامت الكعبة»(2).

وفي رواية أخرى لطيفة عبرت عن الحج بالشريعة، مروية عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: «بني الإسلام على عشرة أسهم: على شهادة أن لا إله إلا الله وهي الملة، والصلاة وهي الفريضة، والصوم وهي الجنة، والزكاة وهي المطهرة، والحج وهو الشريعة، والجهاد وهو العز، والأمر بالمعروف وهو الوفاء، والنهي عن المنكر وهو الحجة، والجماعة وهي الألفة، والعصمة وهي الطاعة»(3).

ومن الطبيعي حينئذ أنْ يكونَ حكمُ تارك هذه الفريضة حكماً شديداً، فقد وصفت الرواياتُ تاركَ الحج بأوصاف شديدة منها عن النبي (صلّى الله عليه وآله) في وصيته للأمير (عليه السلام): «يا علي، تارك الحج وهو مستطيع كافر، يقول الله تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}. يا علي، من سوَّفَ الحجَّ حتى يموت بعثه الله يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا»(4).

ويفهم من بعض الروايات أن الله  -لحبه أن يذكر في آناء الليل والنهار، وأن لا يخلو وقت من عبادته- لا يرضى بأن ينقطع الناس عن البيت الحرام، فعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: «أما إن الناس لو تركوا حجَّ هذا البيت لنزل بهم العذاب وما نوظروا»(5). وعنه (عليه السلام): «كان في وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: لا تتركوا حج بيت ربكم فتهلكوا»، فالمؤمن المداوم على الحج يساهم في رفع العذاب عن هذه الأمة.

وجعل الواجب على المسلم حجة واحدة في العمر فقط، إما رحمة من الله وتسهيل على الناس، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «والله ما كلف الله العباد إلا دون ما يطيقون، إنما كلفهم في اليوم والليلة خمس صلوات، وكلفهم في كل ألف درهم خمسة وعشرين درهما، وكلفهم في السنة صيام ثلاثين يوما، وكلفهم حجة واحدة، وهم يطيقون أكثر من ذلك»(6).

وإما لأن الأثر الكبير الذي يتركه الحج في نفس المسلم يؤدي الغرض من تشريعه ولو أتى به مرة واحدة فقط، ثم بعد ذلك هو مستحب خصوصا لأهل السعة. نعم ظاهر كلام الشيخ الصدوق (رحمه الله) من علمائنا المتقدمين، هو وجوب الحج كل عام على الأغنياء(7).

علل الحج وفوائده

إن اللهَ العالِمَ الحكيمَ لا يفرض شيئا إلا لكونه ذا ملاك ومصلحة تعود على الناس بالخير والنفع في الدنيا والآخرة، وفريضة الحج لا بد أن تحتوي على درجة كبيرة من المصلحة تجعلها ركنا للدين. والروايات الشريفة ذكرت أموراً عديدة كمنافع وعلل للحج، بعضها يتعلق بالدنيا وبعضها بالآخرة، يقول النبي (صلّى الله عليه وآله): «من أراد دنيا وآخرة فليؤم هذا البيت»(8): ونحن نذكر بعضا منها:

الفوائد الدنيوية

1- صحة البدن وسعة الرزق:

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال علي بن الحسين (عليها السلام): «حجوا واعتمروا تصحَّ أبدانكم، وتتسع أرزاقكم، وتكفون مؤونات عيالكم»(9).

ويلاحظ عند بيان بعض العبادات، ذكر صحة البدن، فعن النبي (صلّى الله عليه وآله): «صوموا تصحوا»(10)، وعند مراجعة الآراء الطبية التي تخرج بين الحين والآخر نكتشف بعض الفوائد الموجودة في الأحكام الشرعية كالطهارة بالماء، وأفعال الوضوء، وكيفية الصلاة، وغيرها، وهذا يعني أنَّ الله تعالى عندما يشرِّع حكما أو يفرض عبادة على الناس، فإنه تعالى يختار الأسلوب الذي ليس فقط لا يضر بالبدن بل إنه يكون مفيداً وموجبا لصحة البدن، وهذا من آيات الإسلام العظيم. وعندنا في الفقه كثير من الأحكام التي يشترط في وجوبها عدم الضرر كالصوم والقيام في الصلاة وغيرها.

ووجود المشقة في العبادات لا يعني أن فعل تلك العبادة ضار، كما هو الحال في ممارسة بعض الرياضات البدنية المرهقة ولكنها تزيد في صحة البدن. ويقول الأمير (عليه السلام): «ألا وإن من النعم سعة المال، وأفضل من سعة المال صحة البدن، وأفضل من صحة البدن تقوى القلب»(11).

وأما سعة الرزق، فإن المعادلة المادية تقول إن إخراج المال يُنقصُه، ولكن يأتي الإسلام ويقلب المعادلة ليقول بأن إخراج المال في سبيل الله هو سبب في زيادته، فعن النبي (صلّى الله عليه وآله): «ما نقص مال من صدقة، فأعطوا ولا تجبنوا»(12)، وليكن التصدق كالدعاء الذي هو أمر معنوي من خلاله يحصل المؤمن على مبتغاه. ونحن نلاحظ أن المشهورين بالكرم والجود(مع أنهم ليسوا بأغنى من غيرهم، ومع كثرة ما يبذلون) لم يفتقروا بل ربما يكون حالهم أفضل من غيرهم. ثم إن إخراج المال امتحان لإيمان المؤمن، ومدى ثقته بربه.

2- التجارة وقضاء حوائج الفقراء:

عن الرضا (عليه السلام) في بيان علل الحج: «مع ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع لجميع من في شرق الأرض وغربها، ومن في البر والبحر، ممن يحج وممن لم يحج، من بين تاجر وجالب وبائع ومشتري كاسب ومسكين ومكار وفقير، وقضاء حوائج أهل الأطراف في المواضع الممكن لهم الاجتماع فيه»(13). ولعل هذا الأمر كان بشكل أوضح في الأزمنة السابقة.

ولا يعني هذا أنَّ التجارةَ هدف لتشريع الحج، بل هو من لوازم الحج، فإن الذي يذهب للحج بهدف التجارة فإن قصده مذموم كما ورد في بعض النصوص، كقول النبي (صلّى الله عليه وآله): «يأتي على الناس زمان يحج أغنياء أمتي للنزهة، وأوساطهم للتجارة، وقراؤهم للرياء والسمعة، وفقراؤهم للمسألة»(14). فالهدف الذي ينبغي أن يحرك المؤمن لبيت الله الحرام هو الله فقط ولا شيء سواه.

الفوائد الدينية والأخروية

1- التفقه في الدين:

في حديث الرضا (عليه السلام) عن علل الحج: «مع ما فيه من التفقه ونقل أخبار الأئمة (عليهم السلام) إلى كل صقع وناحية، كما قال الله : {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} و{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}».

وفي زماننا من الواضح بروز هذه الفائدة المهمة، فكثير من الناس لا يتعلمون كثيراً من الأحكام الشرعية الضرورية إلا في الحج والعمرة، كأحكام الوضوء والغسل والخمس وغيرها. وهذا يوجب على المرشدين في الحج والعمرة استثمار هذه الرحلة الإلهية بتعليم المؤمنين أحكام دينهم، وكذلك يوجب على الناس الاستفادة قدر المستطاع من ذلك، والسؤال عمَّا يجهلون من الأحكام. وإن كان الواجب على كل مسلم أن يتعلم المسائل الشرعية الابتلائية سواء ذهب إلى الحج أو العمرة أم لم يذهب، فلا يصح أن ينتظر الإنسان أن يوفق للذهاب للعمرة مثلا حتى يسأل عن حكم شرعي وهو في معرض الابتلاء به.

وذكر الإمام (عليه السلام) لهذه الفائدة لعله لأن المسلمين وخصوصا الشيعة في ذلك الوقت لم يكن يتوفر لهم العلماء في كل المناطق التي يقطنونها، ثم إن كثيرا منهم كان لا يرى إمام زمانه (عليه السلام) إلا في موسم الحج، فتكون فرصة ثمينة له في التعرف على أحكام دينه، ومن ثَمَّ نقل ما تعلمه إلى أهل منطقته، وأما في زماننا فإن وسائل الوصول إلى العلماء والفقهاء متوفرة بشكل أكبر.

2- الامتحان والاختبار في الطاعة:

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «ألا ترون أن الله جل ثناؤه اختبر الأولين من لدن آدم إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياما»، إلى أن يقول:  «ثم أمر آدم وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه؛ فصار مثابة لمنتجع أسفارهم، وغاية لملقى رحالهم، تهوي إليه ثمار الأفئدة من مفاوز قفار متصلة، وجزائر بحار منقطعة، ومهاوي فجاج عميقة، حتى يهزوا مناكبهم ذللا، يهللون لله حوله، ويرملون على أقدامهم شعثا غيرا له، قد نبذوا القنع والسرابيل وراء ظهورهم، وحسروا بالشعور حلقا عن رؤوسهم، ابتلاءً عظيما، واختبارا كبيرا، وامتحانا شديدا، وتمحيصا بليغا، وقنوتا مبينا، جعله الله سببا لرحمته، ووصلة ووسيلة إلى جنته، وعلة لمغفرته، وابتلاء للخلق برحمته»(15).

وفي كلام الأمير (عليه السلام) البيان الوافي لحقيقة الحج والهدف الرئيسي له ولغيره من العبادات، وهو الامتحان في طاعة الله بأفعال وأعمال هي في نظر الإنسان ليس فيها منفعة أو فائدة، ولولا أمر الله بذلك لما قصد البيتَ الحرام قاصد، ولا حج إليه حاج، فبذهاب المؤمن للحج -مع النية الخالصة- يُظهرُ طاعتَه وانصياعَه لأوامر الله تعالى، ويكون عنائه وتعبه وفراقه لأحبته وبذله لأمواله مظهراً من مظاهر العبودية، وهذا يوجب على المؤمن في أثناء أداءه لمناسك الحج، أن يتفكر في هذه الأعمال، وأن يُشعر نفسَه الخشوع والخضوع والتذلل لله رب العالمين. وفي حديث أبي الحسن الرضا (عليه السلام): «إنما أمروا بالحج لعلة الوفادة إلى الله  وطلب الزيادة، والخروج من كل ما اقترف العبد تائبا مما مضى، مستأنفا لما يستقبل، مع ما فيه من إخراج الأموال، وتعب الأبدان، والاشتغال عن الأهل والولد، وحظر النفس عن اللذات شاخصا في الحر والبرد، ثابتا على ذلك دائما، مع الخضوع والاستكانة والتذلل».

3- غفران الذنوب:

كل العبادات إذا صدرت من العبد عن إخلاص لله تعالى، فإنها توجب الحسنات وتمحو السيئات، ولكن بعض هذه العبادت تطهر الإنسان طهارة كاملة تامة، كالحج كما ورد في روايات أهل البيت (عليهم السلام)، فعن زين العابدين (عليه السلام): «الحاج مغفور له وموجوب له الجنة ومستأنف له العمل ومحفوظ في أهله وماله»(16). وبنفس المضمون عن صادق آل محمد (عليه السلام): «الحجاج يصدرون على ثلاثة أصناف؛ صنف يعتق من النار، وصنف يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمه، وصنف يحفظ في أهله وماله، فذاك أدنى ما يرجع به الحاج»(17).

ويستفاد من حديث آخر أن توبة آدم كانت مشروطة بالإتيان بأعمال الحج فعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: «إن الله تبارك وتعالى لما أراد أن يتوب على آدم (عليه السلام) أرسل إليه جبرئيل، فقال له: السلام عليك يا آدمُ الصابر على بليته، التائب عن خطيئته، إن الله تبارك وتعالى بعثني إليك لأعلمك المناسك التي يريد أن يتوب عليك بها»(18). وهذا يدل على عظمة الحج ومناسكه، وأن له مكانة خاصة عند الله سبحانه.

وفي رواية أخرى طويلة تبين ما يحصل عليه الحاج من حجه، فعن أبي عبد الله (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام): «أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لقيه أعرابي فقال له: يا رسول الله، إني خرجت أريد الحج ففاتني وأنا رجل مميل(أي كثير المال)، فمرني أن أصنع في مالي ما أبلغ به مثل أجر الحاج، فالتفت إليه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال: انظر إلى أبي قبيس، فلو أن أبا قبيس لك ذهبة حمراء أنفقته في سبيل الله ما بلغت ما يبلغ الحاج، ثم قال: إن الحاج إذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئا ولم يضعه إلا كتب الله له عشر حسنات، ومحى عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، فإذا ركب بعيره لم يرفع خفا ولم يضعه إلا كتب الله له مثل ذلك، فإذا طاف بالبيت خرج من ذنوبه، فإذا سعى بين الصفا والمروة خرج من ذنوبه، فإذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه، فإذا وقف بالمشعر الحرام خرج من ذنوبه، فإذا رمى الجمار خرج من ذنوبه»، قال: «فعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كذا وكذا موقفا إذا وقفها الحاج خرج من ذنوبه، ثم قال: أنى لك أن تبلغ ما يبلغ الحاج»، قال أبو عبد الله (عليه السلام): «ولا تكتب عليه الذنوب أربعة أشهر وتكتب له الحسنات إلا أن يأتي بكبيرة»(19).

العمــرة

وصفت العمرة في بعض الروايات بالحج الأصغر، وهي واجبة أيضا في العمر مرة واحدة، وتستحب في كل شهر مرة على تفصيل يطلب من محله، والذي لا يوفق للحج فإن بإمكانه الاعتمار والمداومة على ذلك خصوصا لأهالي بلدان الخليج الذين يسهل عليهم الذهاب إلى مكة المكرمة، وهذا من نعم الله التي يجب عليهم تقديرها وشكرها، ويتمثل الشكر بالمداومة على العمرة، وإعطائها حقها.

ويلاحظ عند كثير من الناس -للأسف الشديد- عدم معرفة هذه النعمة، إما بإهمال الذهاب إلى مكة المكرمة للاعتمار، وإما بالتعامل مع هذا السفر الإلهي كالتعامل مع السفرات الترفيهية الأخرى، وهذا من سوء التوفيق، ويخشى الإنسانُ أن يكون مصداقاً لقول الإمام (عليه السلام): «ما أكثر الضجيج، وأقل الحجيج».

فهذه الأيام القليلة التي يوفق فيها الإنسانُ للذهاب لأفضل بقعة في الأرض، والتي حُرِمَ منها الكثير من الناس، يجب أن يستغلها المؤمنُ في طاعة ربه ومولاه، فإن الثواب فيها مضاعف، والأجر عظيم، وقد تقدمت الروايات في ذلك، وربما تكون غفلةُ الإنسان في تلك الأماكن المقدسة، مع وجود الأجواء المساعدة على التوجه لله  عقاباً من الله لذلك العبد الشقي، وما أعظمه من شقاء.

بعض أعمال مكة المكرمة

إن انتهاء الحاج أو المعتمر من أعماله الواجبة لا يعني انتهاء رحلته الإيمانية وسفرته الإلهية، بل هو قريب من الله ما دام في تلك البقاع المقدسة، وعليه استغلال كل لحظة من لحظاته وشغلها بعبادة من العبادت. وقد ذكرت الروايات ثواب بعض تلك العبادت منها:

1- ثواب الصلاة في المسجد الحرام:

عن أبي عبد الله، عن آبائه (عليهم السلام) قال: «الصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة». وكلما كانت الصلاة أقرب إلى الكعبة كان أفضل، فعن الحسن بن الجهم قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن أفضل موضع في المسجد يصلي فيه، قال: «الحطيم ما بين الحجر وباب البيت»، قلت: والذي يلي ذلك في الفضل فذكر: «أنه عند مقام إبراهيم (عليه السلام)» قلت: ثم الذي يليه في الفضل؟ قال: «في الحجر»، قلت: ثم الذي يلي ذلك؟ قال: «كلما دنى من البيت»(20).

وبعض الفقهاء يرى بأن الصلاة في المسجد فرادى أفضل من الصلاة في غيره وإن كانت جماعة، فمن سوء التوفيق أن تفوت المعتمرَ أو الحاجَّ فريضةٌ من دون أن يصليها في المسجد الحرام.

2- ثواب النظر للكعبة والطواف بالبيت:

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إذا خرجتم حجاجا إلى بيت الله فأكثروا النظر إلى بيت الله، فإن لله مائة وعشرين رحمة عند بيته الحرام، ستون للطائفين، وأربعون للمصلين، وعشرون للناظرين، وعن النبي (صلّى الله عليه وآله): «النظر إلى الكعبة حبا لها يهدم الخطايا هدما»(21).

وهذا كله يدل على عظمة الكعبة ومكانتها عند الله تعالى، ويدل أيضا على رحمة الله الواسعة؛ إذ النظر للكعبة لا يكلف الإنسان شيئاً، ولكن الله تعالى أبى إلا أن يكون رحيما بعباده، فيعطي للناظر هذا الثواب العظيم. فما أعظم الخالق، ثم ما أشقى الإنسان الذي يفوت على نفسه هذه الرحمة، ويَحرم نفسه من هذه النعمة.

3- ثواب مجموعة أعمال أخرى:

نختم هنا بمجموعة أحاديث في أعمال متفرقة لها ثوابها الجزيل، ننقلها من كتاب المحاسن للبرقي (رحمه الله)(م274هـ) من علمائنا الكبار: عن الباقر (عليه السلام): «من دخل مكة بسكينة غفر الله ذنوبه»، وعن الصادق (عليه السلام): «لم يهبط وادي مكة أحدٌ ليس في قلبه من الكبر الا غفر له»، وعنه (عليه السلام) أيضاً قال: «تسبيح بمكة يعدل خراج العراقين ينفق في سبيل الله» وعن الباقر (عليه السلام) قال: «الساجد بمكة كالمتشحط بدمه في سبيل الله» وعنه (عليه السلام) أيضاً قال: «من ختم القرآن بمكة لم يمت حتى يرى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ويرى منزله من الجنة». وعن الصادق (عليه السلام) قال: «كان علي بن الحسين (عليها السلام) يقول: «النائم بمكة كالمتشحط في البلدان». وكان يقول (عليه السلام) أيضاً: «يا معشر من لم يحج استبشروا بالحاج وصافحوهم وعظموهم فإن ذلك يجب عليكم لتشاركوهم في الأجر»(22).

نسأل الله تعالى أن يوفقنا لزيارة بيته الحرام، في هذا العام وفي كل عام، وزيارة قبر نبيه المصطفى (صلّى الله عليه وآله)، وقبور الأئمة (عليهم السلام)، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

المصادر والهوامش

  • (1) الوسائل، ج1، ص26.
  • (2) الكافي ج4، ص271.
  • (3) الوسائل، ج1، ص26.
  • (4) الوسائل، ج11، ص31-32.
  • (5) الوسائل، ج11، ص22.
  • (6) الخصال، ص531، والوسائل، ج1، ص28.
  • (7) راجع الحدائق، ج14، ص23.
  • (8) الوسائل، ج11، ص58.
  • (9) الكافي، ج4، ص252.
  • (10) ميزان الحكمة، ج4، ص1686.
  • (11) نهج البلاغة، ج4، ص93.
  • (12) مستدرك الوسائل، ج7، ص153.
  • (13) الوسائل، ج11، ص13.
  • (14) الحج والعمرة في الكتاب والسنة للريشهري، ص244.
  • (15) الكافي، ج4، ص199.
  • (16) الكافي، ج4، ص252.
  • (17) الكافي ج4، ص253، والوسائل ج11، ص94.
  • (18) علل الشرائع، ج2، ص400.
  • (19) تهذيب الأحكام، ج5، ص19، والوسائل، ج11، ص113.
  • (20) الكافي، ج4، ص526-526.
  • (21) المحاسن، ج1، ص69.
  • (22) المحاسن، ج1، ص67-71.
المصدر
مجلة رسالة القلم

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى