ثقافة

كيف أجاهد؟

الجهاد في الإسلام

لا يقتصر الجهاد في الإسلام على المعنى المتعارف لدى أغلب النّاس من كونه عبارة عن مجاهدة وقتال أعداء الدّين فقط. بل نستخلص أنّ كلّ حياة الإنسان في الدّنيا هي عبارة عن جهاد ومجاهدة ومرابطة. فالله عزّ وجلّ يقول: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ﴾1. والكبد معناه المشقّة. وبالتّالي، الإنسان موجود في عالم مليء بالمصاعب والتّحدّيات والابتلاءات. وعليه مواجهتها بكلّ ما يملك من إمكانيّات. وهذا هو الجهاد بمعناه الواسع الذي قصدناه. ولذلك يُعتبر الجهاد العسكريّ للأعداء أحد عناوين المجاهدة المترتّبة على الإنسان في عالم الدّنيا.

والجهاد في الإسلام بكلّ أشكاله يُعتبر سلوكاً يجب أن يتّصف به الفرد المسلم، ومن خلاله يستطيع الترقّي في الدّنيا والآخرة. والسرّ في ذلك أنّ الله عزّ وجلّ خلق النّفس الإنسانيّة وجعلها لا تترقّى ولا تتكامل إلّا من خلال الجهاد والعمل والكفاح. ولذلك نرى أنّه حتّى الذين لا يدينون بدين إلهيّ يستطيعون الحصول على بعض ثمار الجهاد والكفاح في الدّنيا، للارتباط الوثيق بين الجهاد والتّكامل في النّفس الإنسانيّة.

ألا ترى كيف أنّ كثيراً من الشّعوب التي لم تعتنق الدّين الإلهيّ، استطاعت الانتصار على عدوّها الذي أراد احتلال أرضها وسلب ثرواتها من خلال مقاومته وبذل الغالي والنّفيس في سبيل ذلك؟

والفرصة متاحة أمام الإنسان المسلم أكثر لجني ثمرات جهاده وكفاحه، لأنّه مؤيّد بتوفيقات الله وألطافه. والله عزّ وجلّ وَعَد المجاهد المؤمن الصابر والمحتسب بالتّسديد والنصر والأجر الجزيل، ووَعَده بفتح سبل الهداية أمامه ليترقّى أكثر فأكثر. يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِين﴾2.

أنواع الجهاد

تقدّم أنّ للجهاد عناوين عديدة، تدخل كلّها تحت معنى بذل الجهد في مدافعة كلّ أنواع أعداء الإنسان. وأبرز عنوانين للجهاد في حياة الإنسان:

الجهاد الأصغر والجهاد الأكبر. وهذان العنوانان مشتقّان من حديث لرسول الله عند استقباله لسريّة من سرايا المسلمين العائدة من إحدى الغزوات حيث قال لهم: “مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر”.

قيل: وما الجهاد الأكبر يا رسول الله؟

قال: “جهاد النّفس”3.

فالجهاد الأصغر إذاً هو الجهاد المباشر المتمثّل بقتال الأعداء الذين يطمعون ببلاد المسلمين وبثرواتهم ويحرّكون قواتهم وجيوشهم في سبيل ذلك. والمواجهة مع هؤلاء تكون على جميع المستويات: العسكريّة والأمنيّة والسياسيّة…. وهذا ما يوجب على كلّ مسلم قادر على الجهاد والقتال أن يتدرّب على استعمال السّلاح وعلى فنون القتال، وأن يبقى مستعدّاً ومتهيّئًا لمواجهة عدّوه. وهذا من أهمّ الطّرق التي ترعب الأعداء وتزرع في نفوسهم الذّعر من مواجهة المسلمين، ولذلك يقول تعالى في سورة الانفال: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾4.

أمّا الجهاد الأكبر فهو جهاد النّفس. ولعلّ أحد أوجه تسمية مجاهدة النّفس بالجهاد الأكبر كون مجاهدتها أمراً يومياً لا ينقطع، فالإنسان المؤمن يفترض أن يكون في حالة مراقبة ومجاهدة مستمرّة لنفسه حتّى آخر حياته.

ومن جهة أخرى تعدّ المعركة في الجهاد الأكبر أصعب وأقسى منها في الجهاد الأصغر، فكم من رجال كانوا يعدّون أبطالاً في ساحات الوغى، ولكنّهم انهزموا أمام أهوائهم ونفوسهم الأمّارة بالسّوء.

ومن هنا نعرف أنّ مجاهدة النّفس وتربيتها خير معين على الجهاد الأصغر أيضاً. فالّذي جاهد نفسه بالجهاد الأكبر يتوجّه بنفس مطمئنّة وروح مقدامة إلى قتال الأعداء. والعكس صحيح أيضاً، فالجهاد الأصغر بما فيه من مشقّة وترك لملذّات الدّنيا ونعيمها خير معين للإنسان على تربية نفسه وتهذيبها.

حوافز العمل الجهاديّ

إنّ النّفس هي أهمّ ثمن يُدفع في سبيل العمل الجهاديّ والقتال في سبيل الله. وهذا الثّمن لا يمكن لأيّ شيء في الدّنيا أن يعوّضه. فمهما مُنح المجاهد من أوسمة وتقديرات وترقيات فإنّ كلّ ذلك لا قيمة له أمام تقديمه نفسه قرباناً في سبيل مجاهدة الأعداء. والتّعويض الحقيقيّ الذي يحصل عليه المجاهد في سبيل الله هو من ربّه وخالقه. فالله عزّ وجلّ قد أطلق عقداً في القرآن مع المجاهدين مفاده:

في الآخرة: من يمنح نفسه في سبيل الله فإنّ الله عزّ وجلّ أوفى وخير معوّض، فالجنّة التي عرضها السماوات والأرض هي ثمن هذه التّضحية بالنّفس في سبيله تعالى. يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾5.

في الدّنيا: فإنّ في الجهاد عزّاً ورفعة، وفي تركه ذلّاً وفقراً، ولذلك ورد عن رسول الله: “فمن ترك الجهاد ألبسه الله ذلّاً وفقراً في معيشته ومحقاً في دينه، إنّ الله أغنى أمّتي بسنابك خيلها ومراكز رماحها”6.

وخير مثال على ما يمكن أن يوصل إليه الجهاد في سبيل الله؛ من عزّ ورفعة وشموخ في الدّنيا، ما حقّقته المقاومة الإسلاميّة في لبنان. فجهاد المقاومة وتضحيات مجاهديها جلبا العزّة ليس إلى لبنان فقط، بل إلى جميع شعوب العالمَيْن العربيّ والإسلاميّ. لاحظ كيف أنّ فئة قليلة وبإمكانيّات متواضعة استطاعت بتأييد من الله عزّ وجلّ أن تهزم أعتى جيوش المنطقة وأفضلها تسليحاً وتجهيزاً. كلّ ذلك بسبب امتلاك المقاومين لروحيّة الشّهادة والاستعداد لها، وكلّ ذلك لأنّهم قبلوا العقد الذي عرضه الله عزّ وجلّ عليهم في القرآن: التّضحيّة بالنّفس مقابل الجنّة والقرب الإلهيّ.

وما خُطّ في لبنان يصلح نموذجاً لكلّ شعب أراد العزّة والحريّة لنفسه، على أن تطبّق الأركان الثلاثة التي طبّقتها المقاومة الإسلاميّة في لبنان:
1ـ الإيمان القويّ الذي لا يهزّه شيء.
2 التّقوى وطاعة الله عزّ وجلّ فيما يأمر وينهى ويقع من ضمنه الجهاد في سبيله.
3 الإعداد الدائم والتدرّب والأخذ بكلّ ما أمكن من أسباب ووسائل قتاليّة عملاً بالآية الكريمة ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾7.

  • طريق المعارف، سلسلة المعارف الإسلامية، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.

المصادر والمراجع

1- البلد: 4.
2-العنكبوت:69
3- الكافي، الشيخ الكليني، ج 5، ص 12.
4- الأنفال: 60.
5- التوبة: 111.
6- وسائل الشيعة آل البيت، الحر العاملي، ج 15، ص 10.
7- الأنفال: 60.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى