ثقافة

هل أنا حرّ أم عبد؟

مفهوم الحريـّة
إنّ مفهوم الحريّة من أبرز المفاهيم التي تمسّكت بها البشريّة خلال تاريخها الطويل. فمن أجلها نشبت النّزاعات والحروب، ومن أجلها سالت الدماء، ومن أجلها تعرّض من تعرّض للعقاب والسّجن والتّعذيب.

فما هو مفهوم الحريّة؟
وهل لتطبيق وممارسة هذا المفهوم ضوابط محدّدة؟
وهل هناك حريّة حقيقيّة وحريّة مزيّفة؟
وهل العبوديّة لله تتناقض مع الحريّة؟

سنحاول الإجابة عن هذه الأسئلة بالمقدار الذي يسمح لنا به هذا الدّرس، وبالتّحديد ما يمكن أن يشكّل عقيدة للإنسان فيما لو حصّل إجابات شافية عنها.

الحريّة ببساطة هي التحرّر من القيود، فالشّعب الذي يثور على حاكم ظالم، والأسير الذي يسعى للخروج من الأسر، والمقاوم الذي يرفض إملاءات الأعداء، كلّ هؤلاء ينشدون الحريّة والتحرّر من القيود.

ولكن هل هناك حريّة مطلقة؟

الصحيح أنّه لا يمكن للإنسان ممارسة الحريّة المطلقة، فأينما ذهب الإنسان فإنّ لحريّته حدّاً تقف عنده. ولذلك حتّى البلاد التي تتغنّى بإعطاء الحريّة لشعوبها، فإنّها لا تستغني عن دستور وعن مجموعة من القوانين تتضمّن حقوق الفرد ومساحة الحريّة المسموح له التصرّف على أساسها.

إنّ الله عزّ وجلّ كرّم البشر وميّزهم عن باقي مخلوقاته، ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً1 ، ومنحهم القدرة على التمييز والاختيار، ولم يجبرهم على طاعته أو معصيته،﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا2 ، ولكنّه في الوقت نفسه قال لهم، إنّ هذه الحريّة التي أعطيت لكم يمكن أن توصلكم إلى السّعادة أو إلى الشّقاء، وطريق الوصول إلى السّعادة هو اختيار العبوديّة لله عزّ وجلّ وحده لا شريك له، وطريق الوصول إلى الشّقاء هو اختيار العبوديّة للنّفس الأمّارة بالسّوء ولشهواتها
وللشّيطان.

إذا كان على الإنسان أن يلتزم بقيود لتحقيق السّعادة، فليكن باتبّاع مَن له الكمال المطلَق ومَن خلق الإنسان، وهو الله عزّ وجلّ.

إستنتاج: طريق الوصول إلى السعادة هو في العبوديّة لله عزّ وجلّ وحده لا شريك له،وطريق الوصول إلى الشقاء هو العبوديّة للنفس الأمارة بالسوء ولشهواتها وللشيطان.

لـِمَ خـُلقنا؟
سؤال طالما راود أذهاننا، محاولين اقتناص إجابة عنه من خلال التأمّل تارة، ومن خلال سؤال بعض المقرّبين إلينا تارة أخرى.

يأتينا جواب يقول: خُلق الإنسان في هذه الدّنيا ليُمتحن ويُبتلى.

هل هذا هو الجواب؟
هل العبوديّة هي الهدف من الخلق؟
ولكن ماذا تعني كلمة عبوديّة؟
نتمهّل قليلاً قبل القبول بهذا الجواب، تلمع بارقة في أذهاننا مفادها: هل يعقل أن يوجِد الله الإنسان في هذه الدّنيا فقط ليمتحنه!! الامتحان يصلح ليكون مقدّمة لغاية أرقى وأعلى، وليس هو الهدف النهائيّ من الخلق.

بعد ذلك وأثناء تلاوتنا للقرآن الذي هو خطاب الله إلينا نتوقّف عند قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ3. العبوديّة هي إظهار منتهى الخضوع للمعبود. وبإظهار منتهى الخضوع يصل الإنسان إلى قمّة القرب الإلهيّّ، وهذا هو لبّ العبوديّة. فالهدف من الخلقة إذاً، هو أن يصل الإنسان إلى السّعادة والقرب الإلهيّ. فالله عزّ وجلّ غنيّ عن عبادتنا له، وهو إنّما قبلنا عبيداً في ساحته حتّى يوصلنا إلى القرب منه تعالى، وهو الكمال المطلق، وهذا يعني أن نصل إلى الكمال اللّائق بنا.

إستنتاج: الهدف النهائيّ من خلق الإنسان هو الترقّي في مدارج الكمال والوصول إلى القرب الإلهيّ، وهذا القرب هو الذي يحقّق للإنسان السعادة الحقيقية والخالدة.

  • طريق المعارف, سلسلة المعارف الإسلامية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

المصادر والمراجع

1- الإسراء: 70.
2- الإنسان: 3.
3- الذاريات: 56.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى