ثقافة

كيف أبرُّ والدَيَّ وأصِلُ رَحِمي؟

برّ الوالدين

أولى الإسلام عناية خاصّة بالأسرة، وحدّد لها جملة من الحقوق، باعتبارها الأساس الذي ينطلق منه الفرد المسلم نحو المجتمع الذي هو الدّائرة الأوسع في حياته. وعندما نتكلّم عن حقوق الأسرة يأتي حقّ الوالدين في الدّرجة الأولى، فهذا الحقّ له من الأهمّيّة ومن المكانة؛ بحيث قرنه الله عزّ وجلّ في القرآن بحقّ طاعته وجعله تالياً له، وفي أكثر من آية، يقول تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا…1.

ويقول تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً2 ، ويُفهم من ذلك أنّ الإحسان إلى الوالدين هو أحد مظاهر العبوديّة لله عزّ وجلّ. وبالتالي، عقوق الوالدين موجب لغضب الله وسخطه، ولو كان العاقّ من العباد الذين لا يتركون فرضاً واحداً. بل إنّ الله عزّ وجلّ في مورد آخر قرن بين شكره وشكر الوالدين.

قال الإمام الصادق عليه السلام: “برّوا آباءكم يبرّكم أبناؤكم”3.

وبالتالي عدم شكر الوالدين موجب للوقوع في الجحود والتّقصير، ولو كان لسان الإنسان لا يفترّ عن شكر الله عزّ وجلّ. يقول تعالى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير4. وقد جعل الإسلام حقّ الأمّ أعظم بمراتب من الأب، والسبب واضح، فالأمّ يقع عليها عبء الحمل والإنجاب وما يرافق ذلك من تعب وألم ومعاناة.

ويقع عليها عبء الإرضاع والاعتناء بوليدها، وما يرافق ذلك من تضحية براحتها وعمرها. ويقع عليها عبء الاعتناء بمولودها حتّى يشبّ ويكبر ويعتمد على نفسه. وعن أبي عبد الله قال: “جاء رجل إلى النبيّ فقال: يا رسول الله، من أبرّ؟
قال: أمّك.
قال: ثمّ مَن؟
قال: أمّك.
قال: ثمّ مَن؟
قال: أمّك.
قال: ثمّ مَن؟
قال: أباك”
5.

قال الإمام الصادق عليه السلام: “إنّ صلة الرّحم تهوّن الحساب يوم القيامة”6.

برّ الوالدين بعد موتهما

من الأمور التي قد يغفل عنها الإنسان هي إمكانيّة أن يبرّ والديه حتّى بعد موتهما. أنظر كيف يفتح الله عزّ وجلّ أبواب الرّحمة على عباده. إنّ برّ الوالدين بعد موتهما فيه رحمة لهما وللولد البارّ أيضاً. 

قال الإمام الباقر: “إنّ العبد ليكون بارّاً بوالديه في حياتهما، ثمّ يموتان فلا يقضي عنهما دينهما ولا يستغفر لهما، فيكتبه الله عاقّاً. وإنّه ليكون عاقّاً لهما في حياتهما غير بارّ بهما، فإذا ماتا قضى دينهما واستغفر لهما، فيكتبه الله تعالى بارّاً”7. وعن الإمام الصّادق عن أبيه عن آبائه قال: قال رسول الله: “سيّد الأبرار يوم القيامة، رجلٌ برّ والديه بعد موتهما”8.

مساوئ العقوق

إنّ عقوق الوالدين يُعتبر من كبائر الذّنوب، والله عزّ وجلّ توعّد العاقّ لوالديه بالخلود في نار جهنّم. وفضلاً عن ذلك، فإنّ للعقوق آثاراً وخيمة حتّى في عالم الدّنيا. والنّصوص الشّاهدة على ذلك كثيرة. فعن رسول الله: “يقال للعاقّ إعمل ما شئت فإنّي لا أغفر لك”9. 


وعنه أيضاً: “ثلاثة من الذّنوب تعجّل عقوبتها ولا تؤخّر إلى الآخرة: عقوق الوالدين، والبغي على الناس، وكفر الإحسان10

وعن الإمام عليّ الهادي: “العقوق يعقب القلّة، ويؤدّي إلى الذّلّة”11

وعن الإمام الصّادق: “من نظر إلى أبويه نظر ماقت وهما ظالمان له، لم يقبل الله له صلاة”12.

صلة الرّحم واجبة

صلة الرّحم واجبة في الإسلام. وتركها يوجب العقاب، والعاقبة السّيّئة في الآخرة. فعن أبي جعفر ، قال: “قال أبو ذرّ رضِي الله عنه: سمعت رسول الله يقول: حافّتا الصّراط يوم القيامة الرّحم والأمانة، فإذا مرّ الوَصُول للرّحم، المؤدّي للأمانة نفذ إلى الجنّة، وإذا مرّ الخائن للأمانة، القطوع للرّحم لم ينفعه معهما عمل، وتكفأ به الصّراط في النّار”13.

ومن شدّة اهتمام الإسلام بصلة الرّحم، أوصى بها ولو كان الوصُول إليها يستلزم المشقّة وقطع المسافات، بل ولو كان الطّرف الآخر قاطعاً لها. فعن أبي جعفر قال: “قال رسول الله: أوصي الشّاهد من أمّتي والغائب منهم ومن في أصلاب الرجال وأرحام النّساء إلى يوم القيامة أن يصل الرّحم وإن كانت منه على مسيرة سنة، فإنّ ذلك من الدّين”14. وعن عبد الله بن سنان، قال: قلت لأبي عبد الله: إنّ لي ابن عمّ أصله فيقطعني وأصله فيقطعني، حتّى لقد هممت لقطيعته إيّاي أن أقطعه أتأذن لي قطعه؟ قال: “إنّك إذا وصلته وقطعك وصلكما الله عزّ وجلّ جميعاً، وإن قطعته وقطعك قطعكما الله”15.

ومن جهة أخرى تضافرت الأخبار حول آثار صلة الرّحم، خاصّة فيما يتعلّق بكونها موجبة لطول العمر. فعن إسحاق بن عمّار قال: قال أبو عبد الله: “ما نعلم شيئاً يزيد في العمر إلّا صلة الرّحم، حتّى أنّ الرّجل أجله ثلاث سنين فيكون وصولاً للرّحم فيزيد الله في عمره ثلاثين سنة فيجعلها ثلاثاً وثلاثين سنة، ويكون أجله ثلاثاً وثلاثين سنة، فيكون قاطعاً للرّحم فينقصه الله ثلاثين سنة ويجعل أجله إلى ثلاث سنين”16.

وحول بعض الآثار الأخرى لصلة الرّحم قال أبو جعفر: “صلة الأرحام تزكّي الأعمال، وتدفع البلوى، وتنمّي الأموال، وتنسئ له في عمره، وتوسّع في رزقه، وتحبّب في أهل بيته، فليتقّ الله وليصل رحمه”17.

  • طريق المعارف، سلسلة المعارف الإسلامية ، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

المصادر والمراجع

1- الإسراء: 23.
2- البقرة: 83.
3- الخصال،ص55
4- لقمان: 14.
5-وسائل الشيعة، آل البيت، الحر العاملي، ج 21، ص 491.
6-بحار الأنوار،ج7،ص273
7-م. ن، ص 506.
8-ميزان الحكمة، محمّد الريشهري ، ج 4، ص 3675.
9-موسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام الشيخ هادي النجفي، ج 7، ص 246.
10-ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج 2، ص 996.
11-م. ن.
12-الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 349.
13-م. ن، ص 152.
14-الكافي، ص 151.
15- م. ن، ج 2، ص 156.
16- م. ن، ص 153.
17-م. ن، ص 152.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى