ثقافة

كتمان الأسرار في نظام الخلقة وصفات الخلق – نظرة قرآنية وروائية

الحمد لله كثيراً والصلاة والسلام على صفوة خلقه محمد وآله الميامين

روي عن الإمام علي بن موسى الرضا (ع) حديث بليغ في خصال المؤمن هذا نصه: (لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون فيه ثلاث خصال؛ سنة من ربه، وسنة من نبيه، وسنة من وليه.. فأما السنة من ربه فكتمان سره، قال الله جل جلاله: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَّسُولٍ)، وأما السنة من نبيه فمداراة الناس فقال: (خُذِ الْعَفْوَ وَأمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِِضْ عَنِِ الجَاهِلِيْنَ)، وأما السنة من وليه فالصبر في البأساء والضراء، يقول جل جلاله: (وَالصَّابِرِيْنَ فيْ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِيْنَ الْبأسِ أُوْلَئِكَ الَّذِيْنَ صَدَقُوْا وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ) ) (1).

هذا النص الشريف يقرر أن هذه الخصال الثلاث هي من أساسيات الإيمان وأركانه، وليست من الصفات الثانوية في حياة المؤمن، وهذا يتضح جلياً من خلال دراسة هذه الخصال دراسةً علميةً وتطبيقيةً. لكن الغرض من هذه المقالة هو بحث خصوص الخصلة الأولى حتى لا يتسع البحث ويتشتت.

كتمان الأسرار من صفات الجبار:

لقد أوضح لنا هذا النص النوراني عن أبي الحسن الرضا (ع) أن هذه الخصلة المهمة قبل أن تكون من الخصال الإنسانية، هي خصلة إلهية، وقد مثلت مظهراً من مظاهر سلطان الله في الوجود، وهي التي تحدث عنها القرآن كثيراً تحت عنوان (الغيب)، ومن أبرز الآيات في ذلك الآية التي استشهد بها الإمام في هذا النص وهي قوله سبحانه: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَّسُولٍ) (2) فإن الغيب هو سر الله عز وجل..

ويمكن تقسيم الغيب إلى قسمين: قسم يستحيل أن ينكشف إلى الخلق لعدم قدرتهم على الإحاطة به عقلاً وتكويناً كالحقيقة الإلهية.

وقسم يمكن أن يطلع عليه الخلق ولو اطلاعاً علمياً وبتعليم وكشف من الله سبحانه، ولكن الله عز وجل يحجبه عن خلقه نوعاً من الحجب، ثم يكشفه لهم في حينه و وقته المناسب، وذلك ضمن نظامه الأكمل، فحكمة النظام تقتضي هكذا نمطاً من الغيوب.

وقد ساق القرآن هذا الأمر مساق سنة إلهية يمكن أن نعبر عنها بـ (سنة الاستئثار بالغيب) إذ يقول سبحانه في سورة آل عمران: (مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيْزَ الْخَبِيثُ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُّسُلِهِ مَنْ يَّشَاءُ) (3).

وبملاحظة سياق هذه الآية يتبين أنها آخر الآيات التي تحدثت عن معركة أحد وأحداثها، ولذا فهي تطرح لنا نتيجةً مهمةً أفرزتها هذه المعركة التي مثلت تجربة مرة وحرجة خاضها المسلمون، وهذه النتيجة هي عملية الفرز والتمييز في صفوف المسلمين، فإن المسلمين ما كانوا يعرفون إلا عدواً واحداً لهم وهم الكفار، ولم تكن قضية (المنافقين) قضيةً شاخصةً أمام أعينهم قبل حادثة (أحد)، ولكن الهزيمة التي أفرزتها (أحد)، وما دب في المسلمين على أثرها من الضعف وقتئذ مهد الأرضية لنشاط المنافقين المندسين في صفوف المسلمين، وعلى أثر ذلك عرف المسلمون وأدركوا بأن لهم عدواً آخر يجب أن يراقبوا تحركاته ونشاطاته، وكان هذا الأمر واحداً من أهم معطيات حادثة (أحد) ونتائجها الإيجابية (4).

وقفة مع سنن الآية المباركة:

الآية المباركة أشارت إلى ثلاث سنن مرتبطة مع بعضها ومتداخلة فيما بينها،

(الأولى): (سنة الامتياز) (وَمَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثُ مِنَ الطَّيِّبِ)، فتعبير(مَا كَانَ) يدل على أن ترك الامتياز وفرز الحقائق المكنونة في النفوس- ترك ذلك -ليس من شأنه سبحانه ولا من طريقته، مما يعني أن الامتياز سنة ثابتة وقانون عام لله في خلقه، وهكذا دلالة كل الآيات التي تشتمل على هذا التعبير الدقيق في القرآن الكريم..

إذن فالامتياز لا بد منه، ولا بد أن تظهر حقائق الأشخاص، غاية الأمر أن تقديره إلهي، فقد يتقدم، وقد يتأخر، قد يكون في الدنيا، وهذا كثير، ويمكن أن يتأخر للآخرة، لكنه حينئذ حتميٌّ وتامٌّ، وفي الدنيا له طرق وأنحاء، وفي الآخرة أيضا له أنحاء وطرق، ومن أهم طرق الامتياز في الدنيا هو الابتلاء.

والابتلاء هو (السنة الثانية) التي تشير إليها الآية الكريمة؛ إذ كانت معركة أحد من أهم ساحات الابتلاء ومراحله التي مر بها المسلمون، فالأحداث العصيبة تظهر جواهر الرجال، ومن يقف منهم ويضحي، ومن ينهزم.. من يقف في صف المؤمنين ويدافع عنهم، ومن يقف في صف أعدائهم.

فكشف المنافقون ولكن بعد كل تلك التضحيات ودماء الشهداء، ومنهم سيد الشهداء حمزة، وما حصل للرسول وأصحابه من جراحات وآلام..

ولذا قد يتساءل البعض: لماذا لا يكشف الله عز وجل لنا الحقائق ويميز الصفوف بدون كل هذه التضحيات والابتلاءات العصيبة؟!

وتجيب الآية على هذا التساؤل المستبطن والمتوقع (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) وهذه هي سنة الاستئثار بالغيب أو صفة كتمان السر من الصفات الإلهية، وهي صفة منبعثة من حكمة الله عز و جل (5).

والإمام الرضا (ع) في النص المتقدم ينقلنا نقلة رائعة من هذه الصفة والخصلة الإلهية إلى الصفة الإنسانية، فكتمان الأسرار عند الإنسان هي صفة كمال كما هي من الصفات الكمالية لله عز و جل.

ولكن..

ما هي الأسرار؟

لنذكر أنماطاً مهمةً منها:

1- أسرار العبادة:

فهناك عبادات علنية، والعلن له قيمة فيها، وهناك عبادات سرية تكون السرية امتيازاً فيها (6)، وهذا القسم الثاني قسم مهم في حياة المؤمن، وكمال له، وإفشاؤه نقص وربما صار خطيئة!!

فقد روي عن الإمام الصادق (ع) قوله: (من عمل حسنةً سراً كتب له سراً، فإذا أقر بها محيت وكتبت جهراً (أي صارت أقل درجةً!)، فإذا أقر بها ثانياً محيت وكتبت رياءً!)

كما روي عن الإمام الباقر (ع) قوله: (الإبقاء على العمل أشد من العمل، قال (الراوي): وما الإبقاء على العمل؟ قال: يصل الرجل بصلة وينفق نفقةً لله وحده لا شريك له، فتكتب له سراً، ثم يذكرها فتمحى فتكتب له علانية، ثم يذكرها فتمحى وتكتب رياءً ) (7).

فالمؤمن لا يتكلم عن أسرار عباداته، ولا أسرار الناس في ذلك، فقد قال رسول الله (ص) 🙁 أعظم العبادة أجراً أخفاها )، وقال أمير المؤمنين علي(ع):(من كنوز البر إخفاء العمل، والصبر على الرزايا، وكتمان المصائب)(8).

وفي هذا الحديث الأخير إشارة إلى نمط آخر من الأسرار كتمانه من كنوز البر، وهو أسرار المصائب الشخصية والخاصة، ونكتفي بإشارة هذا النص الشريف عن الإبراز والتفصيل لهذا النمط الذي هو غير بعيد عن النمط الثالث الذي سيأتي.

لكننا هنا ننبه القارئ الكريم على ملاحظة مهمة وهي أن كل ما نذكره من الأسرار وكتمانها هنا إنما هو طبقاً لحكمها العام، ولا شك أن هذه الأحكام العامة لها استثناءات في حالات خاصة، وبتعبير آخر: كل هذا الطرح ليس طرحاً قانونياً رياضياً، وإنما هو طرح تربوي له تطبيقاته الملائمة، وله استثناءاته الكثيرة، فلا بد من التأمل والوعي وإعمال الحكمة العملية في مقام التطبيق والعمل.

2- الذنوب والعيوب الخفية:

فإن الله سبحانه ستارٌ ويحب الستر، ويبغض إفشاء الذنوب كثيراً، والمذنب أن يتوب و يعترف لله وحده خير له من أن يعترف للآخرين مهما كان هؤلاء الآخرون، يقول أمير المؤمنين(ع) في ذاك الرجل الذي جاءه وأقر على نفسه بالزنا، والإمام يصرفه عنه مرة بعد أخرى، حتى أقر أربعاً، يقول (ع) وهو مغضب: (ما أقبح بالرجل منكم أن يأتي هذه الفواحش فيفضح نفسه على رؤوس الملأ، أفلا تاب في بيته؟! فو الله لتوبته فيما بينه وبين الله أفضل من إقامتي عليه الحد!)

وقال أيضاً (ع) في موقف آخر شبيه بهذا الموقف: (أيعجز أحدكم إذا قارف هذه السيئة أن يستر على نفسه كما ستر الله عليه؟!) (9).

والأخطر من ذلك إفشاء ذنوب الآخرين؛ فإنه داخل في إشاعة وإذاعة الفحشاء التي هي من الكبائر التي توعد عليها القرآن صريحاً بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)  (10)، وهو سقوط أخلاقي وداخل في الكلمة العامة التي قالها الصادق(ع):(إفشاء السر سقوط) (11).

3- الشؤون الخاصة (العائلية والشخصية):

وهكذا شؤون الآخرين وأسرارهم، يقول أمير المؤمنين (ع): (من كتم سره كانت الخيرة بيده)، وهو (ع) يشير بذلك إلى قوله الآخر: (سرك أسيرك، فإن أفشيته صرت أسيره)، وقال(ع):(سرك سرورك إن كتمته، وإن أذعته كان ثبورك)(12).

فرب قضية خاصة بك أنت على قناعة بها، ولكن آخرين ممن حولك لو ظهرت لهم أثارت استغرابهم أو استنكارهم، فكان ظهورها تعباً لك وتبعة عليك..

وقال الصادق (ع): (أمر الناس بخصلتين فضيعوهما فصاروا منهما على غير شيء: الصبر والكتمان)  (13).

وقول الصادق (ع) يصدقه الواقع؛ إذ قل في الناس من قل كلامه، ومن كثر كلامه لم يحفظ في قلبه سراً.

الرموز الدينية وحفظ الأسرار:

لئن كان حفظ الأسرار واجباً على عموم المؤمنين، فهو على علماء الدين وطلاب العلوم الدينية والخطباء والمبلغين أوجب؛ إذ أنهم:

من جهة هم أعرف الناس بأسرار بعضهم، وكذلك بأسرار الناس الذين يثقون بهم، فيعرضون عليهم مشاكلهم وقضاياهم الخاصة.

ومن جهة أخرى إفشاء السر من الرمز الديني هو أكثر انتشاراً وخطورةً وتأثيراً، وخصوصاً إذا كان متعلقاً برمز ديني آخر.

وهناك مجموعة روايات كلها بمضمون متقارب، مع أنها رويت عن عدة من المعصومين (ع)، مما يكشف عن أهمية هذا المضمون.. والذي يستشعر من هذا المضمون هو الحديث عن خصلة الكتمان عند الأشخاص المهمين في المجتمع حينما يواجهون قضايا الناس الحساسة والتي هي مثار فتن واختلافات، فيكون دورهم هو دور الملجأ الآمن للناس من الفتن المظلمة، وذلك من خلال علمهم وهديهم وصمتهم الحكيم من غير جفوةٍ أو قطيعةٍ للناس..

لاحظوا كل هذا المضمون الرفيع في قول الرسول (ص):(طوبى لعبد نُومَة (ومن هو صاحب هذا الوصف؟) قال (ص):( عرفه الله ولم يعرفه الناس (أي هذه بداية حقيقته قبل أن يعرف اللهُ به خلقه) أولئك مصابيح الهدى، وينابيع العلم، ينجلي عنهم كل فتنة مظلمة، ليسوا بالمذاييع البُذُر (أي يحفظون ويكتمون أسراراً في قلوبهم) ولا بالجفاة المرائين) (14).

فيا ترى هل هناك أولى من علماء الدين ورموزه في أن ينطبق عليهم هذا الوصف (أولئك مصابيح الهدى، وينابيع العلم، ينجلي عنهم كل فتنة مظلمة، ليسوا بالمذاييع البُذُر، ولا بالجفاة المرائين)؟!

4- (نمط خاص من الأسرار):

في ختام حديثنا عن هذه الخصلة لا أجد بداً من ذكر نمط مهم جداً من الأسرار أكدت عليه الروايات كثيراً كثيراً، وجعلت كتمانه جهاداً في سبيل الله، وأحب الخصال إلى الله، وإذاعته مروقاً عن الدين، وجحوداً بالولاية.. وهذه الأسرار هي: (أسرار المذهب وأئمته (ع)).

قال الصادق (ع): (كتمان سرنا جهاد في سبيل الله).

وقال (ع): (إن أمرنا مستور مقنع بالميثاق، فمن هتك علينا أذله الله)

وقال لسليمان بن خالد: (يا سليمان إنكم على دين من كتمه أعزه الله، ومن أذاعه أذله الله)

وقال (ع):(ليس هذا الأمر معرفتَه و ولايتَه فقط حتى تستره عمن ليس من أهله، وبحسبكم أن تقولوا ما قلنا، وتصمتوا عما صمتنا)

وقال (ع):(من أذاع علينا حديثنا فهو بمنزلة من جحدنا حقنا)

وقال (ع):(من أذاع علينا حديثنا سلبه الله الإيمان)

وقال (ع):(ما قتلنا من أذاع حديثنا قتل خطأ، ولكن قتلنا قتل عمد).

وقال الباقر(ع):(إن أحب أصحابي إليَّ أورعهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا).

وأخيراً قال الصادق (ع) أيضاً:(إن الله عز وجل جعل الدين دولتين: دولة آدم وهي دولة الله، ودولة إبليس، فإذا أراد الله أن يعبد علانية كانت دولة آدم، وإذا أراد الله أن يعبد في السر كانت دولة إبليس، والمذيع لما أراد الله سَتْرَه مارق من الدين) (15)

وكتمان الأسرار هنا نوع من التقية، فيدخل أيضاً في روايات التقية والتي هي أيضاً شديدة اللحن جداً، وتكشف عن خطورة الموضوع.

ما هي أسرار المذهب؟

والقصد من هذا العرض الإشارة وليس البحث، فأقول: من أسرار المذهب:

1- نفس الانتماء للمذهب كان سراً في عصر المعصومين (ع)؛ لأن الزمن ما كان زمن أهل البيت، ولم تكن الدولة دولة الحق (فلم تكن دولة آدم وإنما كانت دولة إبليس)، فربما كانت تهمة الانتماء للمذهب كافية للقتل، فدولة إبليس كانت تسعى جاهدةً للقضاء على كل المذهب من قيادة ومن أتباع! ولا زال أصل الانتماء يمثل خطراً على الكثيرين في بعض بلداننا الإسلامية حتى هذا العصر!!

فلا زال كتمان الانتماء -ولو ببعض المستويات الظاهرية- ضرورياً للكثيرين!

2- النظرة النقدية اللاذعة لبعض شخصيات التاريخ الإسلامي، وهي مسألة البراءة من أعداء الإسلام الحق.

3- مقامات أهل البيت العلمية والعملية التي لا يتحملها الطرف الآخر ويراها غلواً، خصوصاً المقامات التي لا يمكن أن يستوعبها إلا بعد إيمانه بأصل الإمامة وقناعته بعصمة الأئمة (ع) واتصالهم بالله سبحانه اتصالاً غيبياً.

وهكذا بعض نظرات الأئمة (ع) في العقائد والمعارف وغيرها مما تحتاج إلى قناعة بالقائل أيضاً. وأظن أن بعض الروايات السابقة فيها إشارة إلى هذا النحو من الأسرار.

ولكن في عصرنا الحاضر التشيع كيان عالمي، وله حضور دولي ودولة كبيرة ومهمة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى وسائل العصر تكاد تكشف كل الأسرار وتثير كل القضايا الخاصة.. فما هي وظيفتنا الشرعية فعلاً؟

من الواضح أن التقية قد تضيقت أبعادها اليوم بمقتضى هذه الظروف الموضوعية، ولكننا لا زلنا بحاجة إلى جملة من أبعادها، ولذا فلا يجوز لنا أن نجري وراء كل ما يطرح ويثار من قضايانا الخاصة وننساق معها انسياقاً، بل لا بد من التفكير جيداً في وظيفتنا الشرعية، فالمسألة من أساسها حكم شرعي مهم وخطير، وأي استثناء منها هو حكم شرعي آخر، فلا بد من الرجوع في ذلك إلى المراجع والقيادات الشرعية، خصوصاً وأن هذه القضية ليست شخصيةً، ولا يمكن حصر آثارها دون أن تمس الدين والمذهب من قيادة وأتباع، ومن هنا تفهم بعداً من أبعاد قول الصادق (ع):(فمن هتك علينا أذله الله).

وقوله (ع):(ما قتلنا من أذاع حديثنا قتْلَ خطأٍ، ولكن قتلنا قتْلَ عمدٍ)

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وآله الطاهرين، وسلم تسليماً كثيراً.

الهوامش والمصادر

  • (1) بحار الأنوار: 24: 39.
  • (2) سورة الجن، الآيتان 26-27.
  • (3) سورة آل عمران، الآية 179.
  • (4) لاحظ تفسير الأمثل: 3: 19، الطبعة البيروتية.
  • (5) وبحسب الإشارة التحليلية الجيدة التي ألفت لها صاحب التفسير الأمثل، قال هنا: ( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ ) أي أن الله سبحانه لن يوقفكم على الأسرار؛ لأن الإيقاف على الأسرار -على عكس ما يظن كثيرون- لن يحل مشكلةً، ولن يفك عقدةً، بل سيؤدي إلى الهرج والمرج والفوضى، وإلى تمزق العلاقات الاجتماعية وانهيارها، وانطفاء شعلة الأمل في النفوس وتبدده، وتوقف الناس عن الحركة والنشاط والفعالية.. والأهم من كل ذلك هو أنه لا بد أن تتضح قيمة الأشخاص من خلال المواقف العملية والسلوكية، وليس عن أي طريق آخر… ثم قال: إن الله سبحانه يستثني الأنبياء من هذا الحكم إذ يقول: ( وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُّسُلِهِ مَنْ يَّشَاءُ ) أي أنه يختار في كل عصر من بين أنبيائه من يطلعهم على شيء من تلك الغيوب ويوقفهم على بعض الأسرار بحكم احتياج القيادة الرسالية إلى ذلك. (3: 19).
  • (6) وكميزان عام نميز به بين عبادات السر وعبادات العلن يحدثنا الإمام الصادقu قائلاً:(ما كان من الصدقة والصلاة والصوم وأعمال البر كلها تطوعاً فأفضله ما كان سراً، وما كان من ذلك واجباً مفروضاً فأفضله أن يعلن به)، ولكن مسألة الاقتداء لمن هو في مقام تربية الآخرين مسألة تربوية مهمة وتستند كثيراً على جانب العلن، ولذا أثر عن النبي الأعظم(ص) قوله:(السر أفضل من العلانية، والعلانية لمن أراد الاقتداء) (ميزان الحكمة:4: 1379)، لكن تطبيق هذه الموازين في مواردها يحتاج إلى مزيد من التأمل والحكمة العملية.
  • (7) ميزان الحكمة: 4: 1378.
  • (8) المصدر نفسه.
  • (9) الوسائل: 26: 36، ح: 2، 6.
  • (10) سورة النور، الآية 19.
  • (11) ميزان الحكمة: 4: 1712.
  • (12) نفس المصدر.
  • (13) ميزان الحكمة: 8: 3534.
  • (14) ميزان الحكمة: 8: 3536.
  • (15) ميزان الحكمة: 8: 3534-3535.
المصدر
مجلة رسالة القلم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى