ثقافة

الخطاب الديني العناصر والمقومات

الملخّص: يستعرض الكاتب في هذه المقالة العناصر الأساسيّة للخطاب الدّينيّ بالاستفادة من القرآن الكريم وروايات أهل البيت، وقبل ذلك يبيّن الفرق بين الخطاب الدّينيّ والنّصّ الدّينيّ، مع إشارة إلى مرآتيّة الخطاب الدّينيّ للفكر الدّينيّ، ثمّ يتعرّض إلى العناصر الأساسيّة للخطاب الدّينيّ بتصنيفها إلى ثلاثة أصناف: العناصر العلميّة، والأخلاقيّة، والتّربويّة.

المقدمة: يتسنّم الخطاب الدّينيّ في مجتمعاتنا الإسلاميّة مكانةً خاصّة وموقعيّة خطيرة في التّأثير، فهو الّذي يصوغ العقل الجمعيّ، ويوجّه السّلوك العامّ؛ لما يمثله هذا الخطاب في نظر الأمّة من التّعبير عن أوامر الدّين وأحكامه؛ فهو النّاطق الرّسميّ عنه، والمفصح عن مكنوناته، ولغته المعبّرة عن واقعه، والواجهة الإعلاميّة له.

وقد أولى الإسلام الحنيف أهمّيّة كبرى للخطاب الدّينيّ فلم يُهمل أو يَغفل عن تقنينه وتحديد أُطُره مضموناً وأسلوباً؛ لما للغة الخطاب ومحتواه من أثر واضح في قبول الآخر للدّين أو عدم قبوله؛ لأنَّ الخطاب هو مفتاح القلوب والعقول أو مغلقها، وهو المرآة الّتي تعكس صورتنا أمام الأمم والحضارات الأخرى، فمن خلاله تتشكّل الصّور وترسم الانطباعات وعلى إثره تنقش التّقويمات عن أمّتنا وديننا وثقافتنا.

فالخطاب الدّينيّ هو لغة الدّين مع الآخرين، وهو القناة الأولى لإيصال رسالة السّماء لأهل الأرض، وهو آلية من أهم آليّات التّعبير عن الرّؤية الدّينيّة، وأداة الاتّصال المعرفيّ مع الأمم، ووسيلة التّواصل الحضاريّ مع الشّعوب، ورافد من أرقى روافد المجتمع الثّقافيّة.

وهذه المقالة المختصرة تُعنى بالتّأصيل والتّأسيس لما جعله الإسلام من ضوابط للخطاب الدّينيّ تمثّل مقوّماته وعناصره الأساسيّة، ولستُ بصدد قراءة العناصر هنا أو هناك سوى ما ذكرته النّصوص الدّينيّة من آيات وروايات تصريحاً أو تلميحاً وإشارةً، أيّ: يتركّز البحث هنا عن العناصر المقوِّمة للخطاب الـدّينيّ -لا الخطيب- وممّا ينبغي أن يكون عليه أيّ خطاب لكي يكون دينيّاً بالمعنى الصّحيح.

وعليه: فإنَّ دعوات التّطوير المطالِبة بتجديد الخطاب الدّينيّ -لا آليّاته وأدواته- ينبغي أن لا تخرج عن إطار هذه الثّوابت الأساسيّة للخطاب الدّينيّ الّتي أصّلتها النّصوص الدّينيّة.

ما هو معنى (الخطاب الدّينيّ)؟

هنا مفردتان: (الخطاب) و(الدّينيّ) ولا بدّ من الوقوف عندهما:

المفردة الأولى: الخطاب

 في اللغة: مأخوذ من الفعل الثُّلاثيّ خَطَبَ، أي: تكلّم وتحدّث للملأ، أي: لمجموعةٍ من النّاس عن أمرٍ ما، أو ألقى كلاماً.

وأمّا صناعة الخطابة عند أهل الفنّ فقد عرّفها المناطقة: “أنّها صناعة علميّة بسببها يمکن اقناع الجمهور في الأمر الّذي يتوقّع حصول التّصديق به بقدر الإمکان”[1].

وقد تطلق الخطابة على ما هو أعمّ من الكلام والكتابة، بل وحتّى الفعل، وقد أشار إلى ذلك الشّيخ المظفّر في بيان صناعة الخطابة: “ثمَّ إنَّه ليس المراد من لفظ (الخطابة) الّتي وضعت لها هذه الصّناعة مجرّد معنى الخطابة المفهوم من لفظها في هذا العصر وهو أن يقف الشّخص ويتکلّم بما يُسمع المجتمعين بأيّ أسلوب کان، بل أسلوب البيان وأداء المقاصد بما يتکفّل إقناع الجمهور هو الّذي يقوّم معنى الخطابة وإن کان بالکتابة أو المحاورة کما يحصل في محاورة المرافعة عند القضاة والحکّام”[2].

المفردة الثّانية: الدّينيّ إنَّ هذا الوصف والقيد تمييزٌ للخطاب عن غيره من أنحاء الخطاب، كالخطاب السّياسيّ والخطاب الصّحفيّ والخطاب اللادينيّ.

وإنَّ كلمة (الدِّين) عامّةٌ تشمل كلَّ الأديان، ولذا قد يتوهّم البعض أنَّ المقصود بالخطاب الدّينيّ هو المنتسب إلى الدّين كلّ الدّين، وليس إلى الدّين الإسلاميّ، ولكن هذا ليس مراداً هنا، فإنَّ نسبتنا الخطاب لـ(الدّين) لا نعني به مطلق الدّين، وإنّما نعني به (الدّين الإسلاميّ).

والنّتيجة: إنَّ الخطاب الدّينيّ ـ الّذي نريده هناـ هو الخطاب الّذي يستند إلى مصادر التّشريع الإسلاميّ؛ وهي القرآن الكريم، والسّنّة النّبويّة، ومصادر التّشريع الإسلاميّة الأخرى.

وإنَّ دعوة الأنبياء لتعاليم السّماء تتقولب في قوالب عديدة، أهمّها: قالبان أساسيّان هما: خطاب اللسان وخطاب الأفعال، والأوّل منهما ينقسم إلى نصّ معصوم، وإلى نقل لذلك النصّ، وكلا القالبين بأقسامها هو ما يسمّى بـ (الخطاب الدّينيّ).

ويتمثّل الخطاب الدّيني اليوم في فتاوى الفقهاء، وكتابات العلماء، وأحاديث الخطباء، وآراء ومواقف القيادات والجهات الدّينيّة.

الفرق بين النصّ الدّينيّ والخطاب الدّينيّ:

فرق بين الخطاب الدّينيّ والنّصّ الدّينيّ، إذ النّصّ الدّينيّ هو كلّ ما ثبت[3] صدوره عن الله وعن رسوله|، أي الكتاب والسّنّة، أمّا الخطاب الدّينيّ فهو الأداة الاجتهاديّة المبرزة للنّصّ الدّينيّ، ويمكن إجمال الفروق بينهما في فرقين:  1ـ عصمة النّصّ دون الخطاب:

فالنّصّ الدّينيّ -أي: الكتاب والسّنّة- فوق الخطأ والاشتباه؛ إذ إنّهما يحكيان عن الله، وعن وحيه الأمين، وعن المصدر المعصوم، ولا شكّ عند أيٍّ مسلم في صدقهما وقداستهما.

أمّا الخطاب الدّينيّ فهو ما يفهمه أو يستنبطه الفقيه والعالم والمفكِّر من النّصّ الدّينيّ، أو من مصادر الاجتهاد والاستنباط المعتمدة، فلا قداسة ولا عصمة، فالاجتهاد قد يصيب وقد يخطئ، والمجتهد يعبّر عن مقدار فهمه وإدراكه، كما وقد يتأثّر بمختلف العوامل النّفسيّة والاجتماعيّة الّتي تنعكس على آرائه وتصوّراته. كما أن قسماً كبيراً من الخطاب الدّينيّ المعاصر لا يصدر عن فقهاء مجتهدين، بل عن وعّاظ وخطباء محترفين، وجهات تمتهن التّصدّي للشّأن الدّينيّ، بغض النّظر عن الكفاءة والنّزاهة.

2ـ قابليّة الخطاب للنّقد والتّقويم دون النّص:

فالخطاب الدّينيّ قابل للنّقد والتّقويم، لأنّه كسب بشريّ، ونتاج إنسانيّ، أمّا النّصّ الدّينيّ فهو وحي إلهيّ أو تعبير عنه.

الخطاب الدّينيّ انعكاس للفكر الدّينيّ:

إنَّ الفكر هو الّذي يصوغ مستوى ومحتوى وهيئة الخطاب، فإذا ما كان الفكر عرضة للبساطة والخرافة أو للتّشدّد والتّحجّر فإنّ الخطاب سيكون بمستوى من الهبوط العلميّ والأخلاقيّ يكشف محتواه.

وإنّ الأحكام الإلهيّة الّتي هي خطابات الله لخلقه عامّة وشاملة فهي “التّشريع الصّادر من الله تعالى لتنظيم حياة الإنسان”[4]، وإنَّ الدّين هو الفكر العميق والمنظومة الشّاملة، والمعرفة المتينة، وإنَّ خطابه المنطلق من تلك الرّؤية الأصيلة المستقاة من النّصّ الدّينيّ الثّابت قد وصفه القرآن بخمسة أوصاف: {قَوْلًا بَلِيغًا}(النساء: 63)، {قَوْلًا سَدِيدًا}(الأحزاب:70)، {قَوْلًا لَيِّنًا}(طه: 44)، {لَقَوْلٌ فَصْلٌ}(الطارق:13)، {قَوْلًا مَعْرُوفًا}(النساء: 77).

فكلّ خطابٍ يخرج عن إطار هذه الأضلاع فهو ليس خطاباً دينيّاً بالمعنى الدّقيق.

وقد وضعت الآية الكريمة: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}(الجمعة:2) أهداف الخطاب الدّينيّ وهي الأدوار والأبعاد الّتي أناطها الله برسوله| من تلاوة الآيات والتّزكية والتّعليم.

وانطلاقاً من هذه الآية الكريمة فإنّ العناصر والمحدّدات الّتي وقفتُ عليها للخطاب الدّينيّ تتمحور في هذه الأبعاد الثّلاثة: العلميّة والأخلاقيّة والتّربويّة، وهي العناصر الأساس للخطاب الدّينيّ، فكيف نقدّم الإسلام؟

العناصر العلميّة (التأصيليّة):

1ـ الانسجام مع العقل، والاستناد للأدلّة والتّدعيم بها:

ثنائيّة العقل والدّين هي الأساس في حركة الدّين والدّعاة إليه، ولقد جاء الأنبياء من أجل أن >يثيروا لهم دفائن العقول<[5]، وقد علّمَنا القرآن في كثيرٍ من آياته البحث عن الدّليل، إذ إنّه يطلب كراراً ومراراً الدّليل والبرهان من منكري حقائقه، كقوله تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}(النمل: 64)، وقوله: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي}(الأنبياء: 24)، وقوله: {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}(النمل: 64)، وقوله: {وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}(القصص: 75).

والخطاب الدّينيّ هو الّذي ينبغي أن يعكس ما عليه حقيقة العلاقة بين العقل والدّين؛ إذ الدّين هو سيّد العقلاء، ولا يمكن أن يأتي بشيء يخالف العقل والفطرة، بل لا يقبل إلّا ما انسجم معهما، ولذلك اشتهرت هذه العبارة: (نحن أبناء الدّليل أينما مال نميل)، وقد أمرنا في خطابنا الدّينيّ ألّا نتكلّم إلّا عن دليل وهو المقصود بالقول السّديد أي: (الكلام المدعوم بالدّليل) في الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}(الأحزاب: 70).

2ـ محاكاة الفطرة:

الدّين هو الفطرة، والفطرة هي الّتي تقود إلى الدّين، وهو صريح الآية الكريمة: {فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}(الروم: 30)، فكلّ ما في الدّين من رؤى وأحكام –واجبات ومحرّمات- توافق الفطرة الإنسانيّة، وكلّ ما لا يوافقها فهو ليس من الدّين، وكلّ ما تمجّه الفطرة السّليمة فهو مما يمجّه الدّين.

والخطاب الّذي يحاكي ما تنزع إليه الجبلّة الإنسانيّة فهو خطاب دينيّ، وأمّا الخطاب الّذي تنفر منه النّفوس الطّيّبة ويناكف الفطرة السّليمة فليس خطاباً دينيّاً.

فلا يكفي كون الدّين فطريّاً لتنشدّ إليه النّفوس وتقبله العقول، بل لا بدّ أن يمتلك بالإضافة إلى ذلك خطاباً جذّاباً يتماهى مع تلك الفطرة وينسجم مع معطيات العقل ويكون بمستوى الرّسالة وطموحاتها.

3ـ الانطلاق من كتاب الله:

إنَّ كلام البشر لا يخلو عادة من الاشتباه والخطأ إلّا إذا اتّصل بالوحي الإلهيّ المعصوم، وإنَّ أوضح ما يميّز الخطاب الدّينيّ هو اعتماده القرآن الكريم في طرحه وأبحاثه، كما كان النّبي| فهو القائل: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ}(النّمل: 91-92).

وإنَّ القرآن دستور الحياة ومصدر التّشريع الأوّل، وهو الّذي جعله الله تبياناً لكلّ شيء، فكلّ ما تحتاجه البشريّة في طريق صعودها إلى السّماء موجود بين دفتي هذا الكتاب العزيز، ولهذا كان التّأكيد على النّبي| –مع كونه المعصوم- بالتّمسّك بالوحي؛لأنّه ضمانة البقاء على الصّراط المستقيم: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(الزخرف: 43).

4ـ الاستفادة القصوى من معين السّنّة المطهّرة:

إنَّ ثاني مصدر للتّشريع والعلم والمعرفة السّماويّة بعد القرآن الكريم هي السّنّة المطهّرة للمعصومين، الغنيّة بالمعارف والعلوم والحقائق العلميّة والعمليّة؛ إذ اتّصالهم بعالم الغيب ووقوفهم على أسرار الخلق جعل كلماتهم نوراً مشعّاً ومعيناً لا ينضب في كشف الحقائق، وفتح الآفاق المعرفيّة في شتّى العلوم وأصناف المعارف.

وإنّ في عرض وبيان هذه الكنوز جذباً لأصحاب العقول المنفتحة والنّفوس النّقيّة والفطرة السّليمة، وقد صرّح أهل البيت أنفسهم بهذه الحقيقة، فهذا الإمام الرضا يقول: >إنّ النّاس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا<[6].

5ـ مواكبة العصر:

إنَّ مضمون الخطاب الدّينيّ لا بدّ أن يجاري العصر، وهو ما يعبَّر عنه بـ (التّأثّر بالزّمان والمكان)، فكما أنَّ هناك دورًا للزّمان والمكان في عمليّة الاجتهاد عند الفقهاء، وأنّ لتغيُّر الزّمان والمكان تأثيراً بيّنًا على الأحكام الشّرعيّة، إمّا من خلال تأثيره على موضوعاتها أو متعلّقاتها أو لمساهمته في خَلْقِ فهم جديد للنّصوص الدّينيّة، فكذلك في الخطاب الدّينيّ.

وهكذا أيضاً على مستوى شكل وصياغة الخطاب ولغته فإنَّ استعمال المفردات المتداولة فعلاً والمصطلحات الحديثة واللغة الواضحة اليوم لهو من أهمّ أسس الخطاب النّاجح والمؤثّر، ولهذا يقول القرآن الكريم: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ}(إبراهيم: 4).

فأوّل شرطٍ تأصيليٍّ لمقبوليّة الخطاب الدّينيّ اليوم، يكمن في انتمائه لهذا العصر، بأن يستخدم لغته، ويعيش قضاياه واهتماماته، ويستفيد من وسائله وتقنياته.

ولذلك فمن الضّروريّ أن يُتقِن المبلّغ والخطيب لغة عصره ويطّلع على ثقافته ويدرس الواقع ويقرأ في كتاب الحياة بقدر ما يقرأ في المتون والحواشي ليعرف مَنْ يُخاطِب؟ وكيف يُخاطِب؟ فإنّ >العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس<[7]، كما ورد في الحديث عن الإمام الصّادق، ولأنّ >في التّجارب علم مستأنف<[8] كما قال أمير المؤمنين عليّ، ومن الطّبيعيّ أنّ الخطاب هو التّعبير الحيّ عن ثقافة المبلّغ والمرآة الّتي تعكس ثقافته وذهنيّته، وقد قالها عليّ فيما يُروى عنه: >المرء مخبوء تحت لسانه<[9].

6ـ الشّموليّة والاستيعاب لمناحي الحياة:

الخطاب الدّينيّ هو خطاب يعكس المنظومة الدّينيّة بكلّ أبعادها، فهو خطاب لتنظيم حياة الفرد والمجتمع والأمّة والعالم، فهو شامـل لجميع جوانب الحـياة ـ السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثّقافيّة والدّينيّةـ وفق منظور إسلاميّ شامل، فهو المنهاج الّذي يُنظّم حياة المسلمين في كلّ أنحاء الحياة.

7ـ الابتعاد عن إبداء النّظر بلا دليل:

نشهد حالة فوضويّة في عصرنا الحاضر حيث كثر المفتون والنّاطقون باسم الإسلام، فكلّ يتكلّم باسم الدّين، وغير خفيّ ما نراه من تجاذبات للخطاب الدّينيّ بين أطراف متعدّدة ومدارس متنوّعة في ثقافتها وأسلوبها ومنطلقاتها وأهدافها.

ومع لحاظ عمق معارف الدّين -باعتبار أنّه عقيدةٌ وشريعةٌ ومنهج حياة متكامل- فمن البديهيّ عدم تمكّن جميع النّاس من التّخصّص والاجتهاد في قضاياه، فيتعيّن تخصّص فئة معيّنة خاصّة ضمن ضوابط وشروط كذلك.

وعليه: فإنَّ إبداء الرّأيّ والنّظر لكي يكون علميّاً لا بدّ أن يخضع لتلك الضّوابط والشّروط الخاصّة بعمليّة الاجتهاد، وهي في كلّ علمٍ بحسبه، وهو مبدأ ضرورة احترام التّخصّصات وألّا يتكلّم المرء في ما لا يملك علمه، وإلّا كان من الهرج والقول بغير علم، وهو خلاف الأمانة والدّقّة العلميّة، والإنسان مسؤول شرعاً عنها: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}(ق: 18).

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ}(يونس: 59).

{وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}(النّحل: 116).

8ـ اعتماد أسلوب الحوار الهادئ والابتعاد عن ثقافة العنف في الخطاب:

من أهمّ عناصر الخطاب العلميّ صاحب الفكر الرّصين والأدلّة المتينة هو الانفتاح وتقبّل الآخر في مقام البحث والسّؤال في أيّ جنبة من الجنبات، وحتّى النّقد، فالخطاب الدّينيّ هو الّذي يعطي فرصة حقيقيّة للاستفهام والتّساؤل والنّقد ولا يستنكف ذلك، فضلاً عن أن يقابله بالتّعنيف والزّجر.

9ـ الأمانة في النّقل، ونبذ غير الموثوق:

إنَّ ميزة من ميز الخطاب المنسوب للدّين هو الدّقّة والأمانة في النّقل، فإنّ الدّين أحرص ما يكون في مسألة تناقل الأخبار والمعلومات، ويعمل بقاعدة {فتبيّنوا} فلا ينبغي نقل كلّ ما يسمعه الإنسان ومن أيٍّ كان، بل لا بدّ أن يبلِّغ الخطيب أوّلاً عن الله تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللهَ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيبًا}(الأحزاب: 29) ثمّ عن أوليائه.

وقد أسّست الآية الكريمة قواعد ثلاث للخطاب الدّينيّ: مسؤوليّة الخطاب الدّينيّ وهي التّبليغ عن الله، والمعيار الّذي يعتمده الخطاب وهو رضا الله والخشية منه، والموقف من المعوّقات الّتي تقف أمامه عبر الارتباط والتّوكّل على الله، ومواجهة المعوّقات كالحرب الإعلاميّة، والإغراءات المختلفة، والإرهاب والتّخويف.

وقد ورد أمير المؤمنين: >ولا تحدّث النّاس بكلّ ما سمعت به وكفى بذلك كذباً<[10]، ليؤكّد على أنَّ التّثبّت من المسموع قبل نقله شرط في الصّدق، وإلّا عاد النّاقل كاذباً.

وعنه: >لا تخبرنّ إلّا عن ثقة فتكون كذّاباً، وإن أخبرت عن غيره فإنّ الکذب مهانة و ذلّ<[11].

10ـ مراعاة المستوى الذّهنيّ والثّقافيّ للمتلقّين:

إنّ الخطاب الّذي يستهدف هداية النّاس ويسعى للأخذ بأيديهم إلى سبيل الخير والهدى، وهو ما يناسب الكلام بمقتضى الحال هو الخطاب الدّينيّ.

ولا يصح أن يكون الخطاب استعراضيّاً لإظهار مقام المتحدِّث العلمي وقدراته الذّهنيّة؛ لأنَّه يؤدّي إلى نقض الغرض، وهل أعظم وأعلم وأذكى من الأنبياء والأئمّة؟! وهم الّذين نزلوا لمستوى عقول النّاس وخاطبوهم بقدرها، فهذا رسول الله| يقول: >إنّا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلّم النّاس على قدر عقولهم<[12]، بل قد نهونا عن إلقاء الكلام في غير محلّه: >لا تحدّثوا الجهّال بالحكمة<[13].

على أنَّ الخطاب السّهل اليسير الواضح من عوامل الجذب والأنس المهمّة، ولهذه الحقيقة يشير أمير المؤمنين: >أحسن الكلام ما لا تمجّه الآذان، ولا يتعب فهمه الأفهام<[14].

11ـ محوريّة الحقّ، والابتعاد عن الادّعاء الفارغ:

من أشدّ ما ينسب للدّين التّخلّف والرّجعيّة ويشوّه صورته ويضعف قيمته في النّفوس هو الخطاب المليء بالدّعاوى الفارغة من الأدلّة، والخطاب المليء بالخرافة وغير العلميّ، فقد ورد عن أمير المؤمنين: >من ادّعى من العلم غايته فقد أظهر من الجهل نهايته<[15].

وإنَّ خطاب الدّين هو >قول الحقّ< كما ورد عن الإمام زين العابدين عندما سئل عن جميع شرائع الدّين فقال: >قول الحقّ والحكم بالعدل والوفاء بالعهد<[16].

وهذا ما نستفيده من قصة النّملة مع جيش سليمان.

12ـ المنهجية العلميّة وفق أصول البحث العلميّ:

الخطاب الدّينيّ ليكون مقبولاً لا بدّ أن يسير طبقاً لمناهج البحث وأصوله وقواعده، بحيث تكون أفكاره مشبّعةً بالأدلّة والشّواهد المؤثّرة، ومنسَّقاً في محاور ونقاط، فهذا يجعله أكثر فائدة وأقدر على الإقناع والتّأثير، ولا بدّ أن يتوفّر على أمور:

أوّلاً: اختيار موضوعات تلامس هموم المجتمع ومواكبة قضايا العصر.

ثانياً: بالاجتهاد في بحث كلّ موضوع من خلال المصادر المتوافرة من الكتب والصّحف والمجلات ومواقع الإنترنت.

ثالثاً: باستشارة ذوي التّخصّصات في المواضيع الّتي تتطلّب.

رابعاً: بذل الجهد في منهجيّة البحث، واختيار أفضل الأساليب والعبارات المناسبة.

العناصر الأخلاقيّة (التّقوية):

1ـ طيب الكلام ولين الحديث والابتعاد عن التّشنّج:

إنّ الوظيفة الأساس للخطاب الدّينيّ هي ما عبّر عنها الإمام الصّادق في قوله: >حبّبونا إلى النّاس ولا تبغّضونا إليهم، فَجُرُّوا إلينا كلّ مودّة وادفعوا عنّا كلّ شرّ<[17]، فإنّ من أهمّ سمات اللغة المعصوميّة في الكتاب والسّنّة هي حُسن الكلام وطيب الحديث والوسطيّة في اللغة وعدم الانفعال والعصبيّة والتّوتر، فإذا ما كان الخطاب متشنّجاً كان منفّراً يكشف عن ضحالة في المحتوى وسطحيّة في الطّرح.

وإذا كان لين الكلام مطلوباً مع مثل فرعون فكيف مع غيره؟! فهذه الآية تأمر موسى وهارون‘: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}(طه: 42 ـ 44)، وهذا قوله تعالى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ}(الحج: 24).

وقد ورد في الرّواية الصّحيحة عن أبي أسامة قال: سمعت أبا عبدالله: >عليك بتقوى الله والورع والاجتهاد وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الخلق وحسن الجوار وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً، وعليكم بطول الرّكوع والسّجود، فإنّ أحدكم إذا طال الرّكوع والسّجود هتف إبليس من خلفه وقال: يا ويله أطاعَ وعصيتُ وسجدَ وأبيتُ<[18].

وإنَّ نتائج وآثار الكلمة الطّيّبة كبيرة ومؤثّرة، ولهذا يقول تبارك وتعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ الله مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ الله الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}(إبراهيم: 24-25).

2ـ الابتعاد عن إهانة المخاطَبين وتحقيرهم:

يتوهّم بعض الخطباء أو المتحدّثين أنّ من علامات قوّة الخطيب هو توجيه التّوبيخ بغلظة أو التّقريع والإهانة للمستمعين، وهذا وهم، بل هو خلاف خُلُق الإسلام والنّبيّ|، وقد ورد الذّمّ في روايات أهل البيت لذلك، كما عن رسول الله|: >أذلّ النّاس من أهان النّاس<[19]، وعن الإمام الصّادق: >من أهان مؤمناً بشطر كلمة لقى الله وبين عينيه مكتوب آيس من رحمة الله<[20].

وعن الإمام الباقر: >عظّموا عظّموا أصحابكم، ووقّروهم، ولا يتجهّم بعضكم على بعض<[21].

3ـ اجتناب الافتخار:

إنَّ الخطاب الدّينيّ حين يريد الافتخار فإنّه ينسب الفخر والسّؤدد للدّين، ولا ينسبه لذات الخطيب والمبلّغ والمتحدّث، قال: {وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}(الحديد: 23)؛ لأنَّ افتخار الإنسان بذاته يكشف عن نقصٍ فيها، ولهذا يقول أمير المؤمنين: >الافتخار من صغر الأقدار<[22]، ولذلك فإنّه يعدّ حمقاً بل أعظم الحمق، فقد ورد عنه أيضاً قوله: >لا جهل أعظم من الفخر<[23].

4ـ الابتعاد عن بذاءة اللسان وسخف القول:

الخطاب الدّينيّ هو النّاطق عن الدّين فكراً وأخلاقاً، فإمّا أن يرفع الخطابُ الدينَ في نفوس النّاس وإمّا أن يضعه بلزوم النّكير عليه، كما قيل “لا تضع الخطاب فيسرع إليك نكير الجواب”.

وإنّه –أي الخطاب الدّيني- إمّا أن يستقطب النّاس للدّين وإمّا أن ينفّرهم عنه، فعن الإمام عليّ: >إيّاك وما يستهجن من الكلام؛ فإنّه يحبس عليك اللئام، وينفّر عنك الكرام<[24].

ولذا أمر الله تعالى عباده: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا}(الإسراء:53) يقول بعض المفسّرين: “إنّ الشّيطان يهيّج الشّرّ بينهم بقولهم الرّكيك والبذيء”.

5ـ عدم استنكاف قول: (لا أعلم)

الدّين الإسلاميّ هو دين التّواضع والأمانة، والخطاب الدّينيّ هو الّذي يقف عند حدود اختصاصه وعلومه، فهو الّذي يدعو لاحترام التّخصّصات وعدم دخول الإنسان فيما لا يعنيه ولا يعلمه، فعن أمير المؤمنين: >لا يستحينّ أحد منكم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم<[25].

العناصر التّربويّة (الجذب):

1ـ التّوازن والتّنبيه بشفقة بنّاءة:

إنَّ أحرص ما كان عليه رُسُل الله هو هداية النّاس إلى التّوحيد، خصوصاً نبيّنا الأكرم|، فهو الّذي كان أشفق على النّاس من أنفسهم، وكان أسلوبه في الدّعوة ينبئ عن شفقة عالية، وهو أسلوب مؤثّر عبّر عنه القرآن بالقول البليغ: {وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا}(النّساء: 63)، واجتمعت شفقته| مع عظيم أخلاقه فكانت (خلطة سحريّة) في ميل النّاس للدّين وقبوله به، وهو ما أمره الله به: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(النّحل: 125).

فالخطاب الدّينيّ خطاب متوازن لا سلبيّ، يبثّ الأمل ويحثّ على الخير، بحيث لا يؤدّي إلى الأمن من مكر الله، وليس خطاباً تأثيميّاً همّه التّغليط والتّخويف وبثّ روح اليأس، بل ينبغي أن يكون كالقرآن الكريم متوازناً في الحديث عن الجنّة والنّار، والعقاب والثّواب، والانتقام والرّحمة.

2ـ الابتعاد عن بيان نقاط الضّعف الشّخصيّة:

يقول أمير المؤمنين: >رضي بالذّلّ من كشف عن ضرّه<[26].

عن مفضل بن قيس بن رمانة، قال: “دخلت على أبي عبد الله فشكوت إليه بعض حالي وسألته الدّعاء، فقال >يا جارية هاتي الكيس الّذي وصلنا به أبو جعفر فجاءت بكيس، فقال هذا كيس فيه أربعمائة دينار فاستعن به<، قال: قلت: لا والله جعلت فداك، ما أردت هذا، ولكن أردت الدعاء لي، فقال لي: >ولا أدع الدّعاء، ولكن لا تخبر النّاس بكلّ ما أنت فيه فتهون عليهم<[27].

3ـ اجتناب إفشاء الأسرار الشّخصيّة:

أمير المؤمنين: >سرّك سرورك إن كتمته، فإن أذعته كان ثبورك<[28].

وعنه: >سرّك أسيرك، فإن أفشيته صرت أسيره<[29].

وعنه: >جمع خير الدّنيا والآخرة في كتمان السّرّ، ومصادقة الأخيار، وجمع الشّرّ في الإذاعة ومؤاخاة الأشرار<[30].

وعن الإمام الصّادق: >سرّك من دمك؛ فلا يجرينّ من غير أوداجك<[31].

4ـ عدم الإطالة في الكلام:

فقد ورد في آفات العالم عن الإمام الصّادق: >والتكلّف في تزيين الكلام بزوائد الألفاظ<[32].

الكلام كالدّواء قليله ينفع وكثيره قاتل.

الأمير: >من كثر كلامه كثر خطأه، ومن كثر خطأه قلّ حياؤه، ومن قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النّار<[33].

وعنه: >إيّاك وفضول الكلام؛ فإنه يظهر من عيوبك ما بطن، ويحرّك عليك من أعدائك ما سكن<[34].

5ـ الإنصات إلى كلام الآخرين:

الإنصات ثقافة راقية وسمة أخلاقيّة تكشف عن ثقة بالنّفس والفكر والعقيدة، وهي في كلّ شخص بحسب مقامه وموقفه، فكلّما ارتقى الإنسان في خُلُقه وتنامى في علمه كان أبعد ما يكون عن التّكبّر عن سماع الآخرين ومقاطعتهم، فعن الرّسول|: >مَن عارض أخاه المؤمن في حديثه فكأنّما خدش في وجهه<[35].

وكلّما كان صاحب فكر وفقه وعقيدة رصينة فلا يحتاج للمراوغة وقطع حديث الآخرين مخافة الضّعف والهزيمة.

وعن الإمام الرّضا: >إذا جلست إلى عالم فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتعلّم حسن الاستماع كما تتعلّم حسن القول، ولا تقطع على أحد حديثه<[36] فالمتواضع للعلم لا يفوّت على نفسه فرصة التّعلّم والاستفادة في محاضر العلماء.

الخاتمة:

إنَّ دعوات التّجديد للخطاب الدّينيّ فرضتْ أنَّ الخطاب لا يتوفّر على العناصر والمقوّمات الّتي تؤهّله لمواكبة العصر ومجاراة التّطوّر العلميّ على كلّ المستويات، مع أنَّ واقع الخطاب الدّينيّ كما لاحظنا من البيان آنفاً ووفقاً لما ورد في النّصوص الدّينيّة غير ما فُرض تماماً، إذ إنَّه على مستوى من الرّقيّ والتّطوّر والرّصانة والمتانة ما لو طبّقت لكان أرقى الخطابات على الإطلاق، فهو خطاب قدوة لغيره من أنواع الخطابات، ومن هنا لا بدّ من التّوصية بأمور:

1ـ الرّجوع إلى الأصالة: وذلك بالتّنقيب والبحث عن كنوز الإسلام وتعاليمه حول العناصر الأساسيّة للخطاب الدّينيّ، والتّحقيق فيها، ونشرها وتطبيقها.

2ـ تحقيق ما وصلَنا من تراث وموروث علميّ وثقافيّ، والاستفادة من مغيَّبه، وتهذيب ما لا يتوفّر على المعايير العلميّة الكافية.

3ـ قولبة وصياغة تلك العلوم والمعارف في قوالب وصياغات عصريّة، مع المحافظة على عمقها ودقّتها وما تحويه من كنوز.

4ـ نشر وبثّ هذه الكنوز والمعارف للعالم والمجتمع الدّوليّ بمختلف قطاعاته وشرائحه وفئاته، وبلغة كلّ فئة وأمّة.

الهوامش والمصادر

  • [1] المنطق، الشيخ محمد رضا المظفّر، ج3، ص424.
  • [2] المنطق، الشيخ محمد رضا المظفّر، ج3، ص425.
  • [3] والقرآن الكريم قطعيّ الصّدور بكلّ ما بين دفتي المصحف الشّريف منزّه عن أيّ زيادة ونقصان، أمّا السّنّة الشّريفة فهي ما ثبتت صحّته بناءً على مسالك قبول الرّوايات وثاقة أو وثوقاً أو هما معاً وبحسب الضوابط العلميّة المقرّرة عند فقهاء الأمّة في ذلك.
  • [4] دروس في علم الأصول، الحلقة الأولى، السيد محمد باقر الصدر، ص63.
  • [5] نهج البلاغة، الخطبة الأولى.
  • [6] ميزان الحكمة، الريشهري، ج5، ص50.
  • [7]الكافي، الكليني، ج1، ص27.
  • [8] نفس المصدر، ج8، ص22.
  • [9] نهج البلاغة ج4 ص38، وأمالي الصّدوق ص532، وعيون أخبار الرّضا×، ج1، ص58.
  • [10] نهج البلاغة، الرّسالة 69.
  • [11] عيون المواعظ والحكم، الواسطي، ص519، رقم9420.
  • [12] أصول الكافي، الكليني، ج1، ص27.
  • [13] نفس المصدر، ج2،ص42.
  • [14] غرر الحكم ودرر الكلم، للآمدي ج1 ف9، ح546.
  • [15] نفس المصدر ، ص720، ش1491.
  • [16] الخصال، الشيخ الصدوق، ج1، ص113، ح90.
  • [17] وسائل الشّيعة، الحر العاملي، ج12، ص8، باب1 من أبواب أحكام العشرة في السفر والحضر، ح8.
  • [18] الكافي، الكليني، ج2، ص 77، المحاسن، البرقي، ج1، ص 18.
  • [19] الأمالي، الصدوق، ج1، ص73.
  • [20] سفينة البحار، الشّيخ عبّاس القمّيّ، ج1، ص40.
  • [21] الكافي، الكليني، ج2، ص173.
  • [22] غرر الحكم ودرر الكلم، الآمدي، ج1، ص128.
  • [23] غرر الحكم ودرر الكلم، الآمدي، ج1، ص776.
  • [24]  منتخب ميزان الحكمة، الريشهري، ج1، ص494.
  • [25] شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج18، ص232.
  • [26] البحار، المجلسي، ج73، ص169، باب 129، ح7.
  • [27] البحار، المجلسي، ج74، ص34، باب4، ح31.
  • [28] غرر الحكم، ص436.
  • [29] نفس المصدر، ص437.
  • [30] البحار، المجلسي، ج74، ص178، ح 17.
  • [31] نفس المصدر، ج75، ص71، باب45، ح15.
  • [32] نفس المصدر، ج2، ص52.
  • [33] نهج البلاغة، حكمة 349.
  • [34] غرر الحكم، ص155.
  • [35] البحار، المجلسي، ج75، ص151، ح16.
  • [36] نفس المصدر، ج1، ص222، ح5.
المصدر
مجلة رسالة القلم

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى