أدب المقاومة

علي .. قصيدة لم تكتب بعد !!

شكّلت من روحي يراعَ هِيامي *** وملأتُها بالحبر من تهيامي
ونحتُّ من صَفحاتِ قلبي دفترا *** وشحذتُ بين ضلوعِها أقلامي
و نزفتُ أفكاري و لبَّ حشاشَتي *** والحرف بأسي و القصيد عُرامي
حتى إذا هتف اليبابُ بسحنتي *** ووجدت قيثاري بلا أنغام
وهربتُ من عطشِ “الطويلِ” ميمّما *** نحوَ “البسيطِ” فما رَويتُ أُوامي
وتنقَّلتْ بين الزوارق رحلتي *** في “الرّاءِ” ثم أدرتُها في “اللّام “
حتى سكرتُ بدنّها “ميميّةً” *** صهباء ترفل في كؤوس مُدام
واللحن يقطر كاملا بصبابتي *** متفاعلن متفاعل الأرتام
وطفقت أنشد في عليٍّ ثيمة *** مجدولة بضفائر الأيام
كالسّحر تنفثني و تفضح صبوتي *** وتقضّ في جنح النّعاس منامي
من كل زاوية أتيت بوردة *** حمراء تبرق مثل زهر خزام
وسنابلي فوق الربا أنهرتها *** تطفو ليحصدها ربيع كلامي

فإذا غزلت من القريض فلم أجد *** ثوباً بحجم تشوّقي وغرامي
أعطي مواثيق الغيوم لعلّني *** ألقاه في سحٍّي وبرق جهامي
وأطلّ من باب السماءِ لأبتني *** خرّيدة مسبوكةَ الإلهامِ
أختارُ من خيلِ البراق خليلة *** ممهورة للكرِّ والإقدامِ
وأذوب في طيِّ السنين نوارسا *** ظمأى يجنّحها صدى الأعوام
للجاهليّة قد ذرعتُ مسافتي *** والحرف زادي و الشعور طعامي
والشوق خارطتي ومصباحي الهوى *** والعمر خلفي والمنى قدّامي
و”السّبعُ” في جيد الرُّؤى علّقتها *** بجواهرٍ مصكوكةٍ وختامِ
ورأيتُ في “حسّان” غصنَ قصيدةٍ *** تفّاحها ينداحُ في أَكمامي
وإذا “الكميت” على مشارف دوحتي *** عطر تدلّى من كفوف غمام
ماذا بوسع الحرف حين يضمّه *** كابن الحديد بثغره البسام ؟
وتلوح من قيسِ الملوَّحِ ريشةٌ *** شفّافةٌعذريّةُ الأحلامِ
ومضى يوحدنا القصيد فما انثنى *** “متنبئ ” يختار خير وسام
ووقفت أستوحي الخطا فسبقتها *** و”أبو فراسٍ” لا يزال أمامي
تمتدّ أفكار” الرضيّ ” بجعبتي *** و”البحتري” بصحوتي ومنامي
وأنا أدندن قصة في همسها *** زيت تقاطر في يد الرسام
لكنها جرداء يقصر عندها *** نخلي وحقل تخيلي و نظامي
وتصحّرت غاباتُ ألفاظي فما *** أعلنتُ في بيدائها استسلامي
وغرزت روحي جنّة في بابلٍ *** ينصاع منها السَّمعُ للأهرامِ
إذ كان” شوقي” ساكنا بربابتي *** يهدي الورود ل”حافظ” الهمّامِ
و”جواهريُّ” الحرفِ يندف زهرة *** فواحة من دجلة للشام
نادمت قافلة البلاغةِ والنُّهى *** وقصدتُ حتى حضرة “الخيّامِ”
ومررتُ ب”الحدّاد ” أستسقي به *** ومع “الصُّحَيِّح”قد أطلتُ مقامي
غصتُ الحداثةَ والتقيتُ رموزَها *** وطبعتها في خافقي اللوّام
وقصدتُ ما بعدَ الحداثة أبتغي *** في النص لولبة لعشقي الطامي

وحسبتُ نفسي شاعرا لكنَّني *** بعثرتُ ما بين القصيد حطامي
ووجدتُ كلّ خواطري مبتورةً *** وقصائدي مختلَّةَ الأنغام
ووجدتُ أنّ الشعرَ محضُ غوايةٍ *** والنثرَ سلسلةٌ من الأوهام
ورأيت في البوح / الصهيل تناسلا *** فوق الشعور ومستوى الأفهام
وأرى “عليَّا” فوق سقف كفايتي *** والنبض لا يدنو مداه السّامي
فتضيع موسيقى اللحون بجوقتي *** ويصوغ مني موجة استفهام
حتى إذا انفطر الحديث برمزه *** كعزيف جنّ أو هديل حمام
أيقنت أن قصيدتي موءودة *** وملاحم الذكرى رميم عظام
هو واهم من يحسبنّ كتابة *** صفراء ترقص في يد النهام
يوما ستختصر البحور بنظمها *** وتكون ريّا للفؤاد الظامي
فالعاشقون على رؤاه تحلّقوا *** تبغي الوصول لجذعه الرمرام
والوالهون على خطاه تسلقوا *** من فوق جوزاء العلا بشمام
يا سيدي ولأنت أصل حكايتي *** وبحبلها أرفو نسيج خيامي
وأرتّق الآمال من ديباجها *** فتغازل الأحلام في الآرام
ماذا تؤطر يا ترى معزوفتي *** واللحن شط على رباط زمامي؟
تيها سأشكو للزمان قريحة *** فطمت قريضي قبل حين فطامي

و هربتُ للقرآن أبغي كنهه *** بشواهد بين الحروف عظام
والطبرسيّ وكل تفسير أتى *** في هل أتى والفتح والأنعام
وبذمّة “الحمد” استفاق تبتّلي *** سحرا يضجّ بسحرها المترامي
فأخذت بسم الله أطفئ جذوتي *** فإذا بها كونٌ من الأجرام
واخترت منها الباء حتى شفّني *** منها حضور فوق حجم مقامي
ولنقطة الباء انتهيت لعلّني *** أصحو و يبصر بعدها إعتامي
لكنّني خجل رجعت بخيبتي *** وتكسّرت في شطّها أقلامي
ومن الحياء حجبت وجه قصيدتي *** وببرقع غطيتها ولثام
ودفنت أوراقي بسافية الثرى *** ودسست حبري مثل رأس نعام

ماذا أقول بثورة الضوء التي *** عصفت بروح الشعر والإلهام ؟
الفارس المغوار ابن الفارس *** الهمّام ابن السيّد الضرغام
البالغ المجد الأثيل جناحه *** مترفع كالأجدل الحوام
تتحادر الرتب الرفيعة تحته *** فيبذّها بعلوه المتسامي
والشرعة البيضاء بعض جمائل *** ومواهب من عزمه المقدام
تنصاع تفصيلا إليه وجملة *** فيكون خير مطبّب و محامِ
من أين أعرج في مدى بصماته *** ودفاعها عن بيضة الإسلام ؟
تتوضّأ الدنيا بنور خياله *** فيجرّ باصرها من الإظلام
ويخلّق الثورات في أمشاجها *** ضدّ الطغاة و زمرة الأصنام
يستأصل الشوك / النفاق بسيفه *** ويبيده ورما من الأورام
ويدوزن التقوى بأسّ بنائه *** كرم به من منشئ هدّام!
أفديه من حرٍّ أبيٍّ عالم *** متعبّد متهجّد صوّام
تخضرّ حاجات البريّة عنده *** و حوائج الضعفاء و الأيتام

يا نفحة للعشق بعد محمدٍ *** وبه النبوة تكتسي بختام
يغري فؤادي منك عذب إمامة *** نهر ترقرق في فؤاد عصامي
يا ساحر الدنيا و مالك قلبها *** ومذلّها بشكيمة ولجام
يا صاحب الثفنات دونك سجدة *** تهمي على جدب الورى برهام
يا أيها الغيب المدثر في المدى *** كتفتق الأزهار في الآجام
بحر العقيدة أنت أنت سبرته *** لله درّ فؤادك العوّام!
عانقت مشكاة اليقين فأبصرت *** منك الحقيقة مثل بدر تمام
والعبقرية صرت نهج بليغها *** تفتضّ منه بكارة الأفهام
يا راسم التاريخ وجها ناصعا *** الكبرياء مطرّز وعرام
ومعيد قرص الشمس ينضح شعلة *** والدّهر رتّل سورة الإعتام
بدرٌ تغازل مقلتيك و مهرها *** سيف تلوّن في يد الرسام
وبباب خيبر من علاك محطة *** ما انفكّ يعبرها الهوى بسلام
سيّلت في جسد الشريعة أنهرا *** بمآثر من راحتيك جسام
بعزيمة مثل الأسود عصيّة *** في الحرب محجمة عن الإحجام
يا سيفك البتار كيف أصوغه *** شعرا تجرد من يد القمقام؟
يا صوتك البركان كيف أعيده *** كالنار كالزلزال كالألغام ؟
يا قلبك الوثّاب ما تفسيره *** مذ كنت عملاقا بثوب غلام ؟
فإذا ابن ودّ لعبة تلهو بها *** وتردّها لمنيّة و حمام
وإذا الحروب تقلدت أوزارها *** تلقاك عاصفة من الأرزام
ما الموت إلا شفرة علوية *** ذاقت سمومك من كؤوس زؤام
يا حاصد الهامات في يوم الوغى *** ومنكس الميزان والأعلام
من غير عزمك يقتفي آثارها *** ويبيدها بالصارم الصمصام ؟

وأراك أكبر من أساطير الدنا *** وسواعد مفتولة و حسام
ولأنت أكبر من تدفق منطق *** في العلم أو في النقض و الإبرام
وشريعة عشبت على أعوادها *** فتوى حلال أو بيان حرام
وهواك أصدق من كناياتي التي *** عجزت عن التعبير والإلمام
ولأنت أكبر من جزيرة أحرفي *** و تخاطرالخفقات في أعلامي
ولأنت أغلى من كنوز معارفي *** وأعز من أمي ومن أرحامي
ولأنّ شخصك يا عليٌّ في دمي *** ما عدت أرهب قامة الأقزام
وأنا رديف العشق أحصد خطوتي *** وعلى صراطك أنشد استعصامي
أصحو على ذكراك عند صبيحتي *** وأراك أعذب همسة بمنامي
يا كعبة النور التي صلى لها *** قلبي و أورق عندها إحرامي
سأظلّ أحترف الولاية عاشقا *** حبري قميصي و الولاء حزامي
تنساب ذاكرتي بأبياتي التي *** تأتي فرادى أو حضور توام

يا سيدي والروح شحّ دلاؤها *** وجميل وصلك منية للظامي
أرنو إلى النجف الحبيب ومهجتي *** نار تشبّ على لهيب ضرام
فمتى بحضنك تستريح حقائبي *** وأصوغ يوم عناقها أحلامي؟
وتعربد البشرى بذاكرتي التي *** صدئت لطول توجدي وسقامي
ومتى أكفُّ الوصل أبسطها على *** ذاك الضريح بلهفة وأوام؟
والعين في بحر التزفر لجة *** تبكي كجيش بالدموع لهام
والنفس حاجات تذوب وشهقة *** تدنو وثورتها كرشق سهام
ويد القضاء بدمعها موصولة *** عند الدعاء تهم بالإتمام
وأنا أزج إلى هواك خواطري *** بتحيّة شفّافة وسلام
وهيام نفس بالهوى مغلولة *** ورجاء قلب متخم الآثام
وكتاب أشواق يضم قصيدة *** ولهى ترتل أعذب الأنغام
يا سيدي فاختم على ألواحها *** منك القبول ومنتهى الإكرام
واجر السواقي في جنان محبتي *** وامنن على نعمائها بدوام
واشعل ضياءً قبر أمي إنها *** قد علّقت نفسي بخير إمام
واسكب عطاءك سيدي في تربها *** كيما تفوح بأطيب الأنسام
و إليك حاجة دمعة مدرارة *** مذخورة عندي ليوم قيام
إن جئت أستسقي بحوضك شاربا *** من عنفوان سقائك الطمطام
لاتنظرنّ لما جنيت بغفلتي *** واعطف على روحي بأعذب جام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى