مقالات

لماذا التطبيع مع الصهاينة باطل سياسيا ؟

ما فتئت الحكومة البحرينية من التصريح بالتزامها بالمواثيق الخارجية والداخلية التي وقّعت عليها، وما وجدت فرصة إلا وتشدقت بها في المحافل مثل تشدقها بميثاق العمل الوطني في كل فرصة سانحة والنسبة العالية التي حققها بالتصويت، ولكنها كعادتها لا تلتزم بهذه المواثيق كمملكةٍ دستوريةٍ – كما تدعي – بل تستعملها كأداة لتحقيق مصالح رؤوس النظام من حفظ كراسيهم وقمع معارضيهم، فمتى ما سار القانون باتجاه مصالحهم الخاصة تفاخروا به، ومتى ما خالفها تجاهلوه وكأنه غير موجود.

وههنا يمكن أن نسلط الضوء على المناقضة الصريحة بين اتفاق التطبيع مع الصهاينة واتفاقيات البحرين الأخرى، لكشف حلقة من سلسلة خروقات النظام لتلك الاتفاقيات.

مبادرة السلام العربية      

النظام البحريني الذي طالما أكد على دعم مواقف أشقائه العرب خصوصاً الشقيقة الكبرى ’’السعودية‘‘ نراه اليوم بتطبيعه مع الإسرائيلي قد نقض مبادرة السلام التي طرحتها السعودية وقبلتها جامعة الدول العربية.

نقض مبدأ الأرض مقابل السلام أي يتوقف التعامل مع إسرائيل على تراجعها عن احتلال الأراضي الفلسطينية، إذ جاء في نصِّ المبادرة[1]: ومبـــدأ الأرض مقابـــل الـــسلام، وإلـــى قبولهـــا (إسرائيل) قيـــام دولـــة فلـــسطينية مستقلة وذات سيادة وعاصمتها القدس الـشرقية.

وذلـك مقابـل قيـام الــدول العربيــة بإنــشاء علاقــات طبيعيــة فــي إطــار ســلام شــامل مــع إسرائيل.

كما طالب إسرائيل أيضاً بـ:

  • أ- الانـسحاب الكامــل مــن الأراضـي العربيـة المحتلـة بمـا فـي ذلـك الجولان السـوري وحتى خط الرابـع مـن يونيـو/ حزيـران 1967 ، والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان.
  • ب ‌-  التوصـل إلــى حــل عــادل لمــشكلة اللاجئــين الفلــسطينيين يتفــق عليه وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.

ج- قبـول قيـام دولـة فلـسطينية مـستقلة ذات سـيادة علـى الأراضـي الفلـسطينية المحتلـة منـذ الرابـع مـن يونيـو/حزيـران 1967 فـي الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية .

عندئذٍ تقوم الدول العربية بما يلي :

  • أ- اعتبـار النـزاع العربـي الإسـرائيلي منتهيـا، والـدخول فـي اتفاقيـة ســـلام بينهـــا وبـــين إســـرائيل مـــع تحقيـــق الأمـــن لجميـــع دول المنطقة.
  • ب‌-  إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل.

ميثاق العمل الوطني

في فبراير من كل عام تحتفل الحكومة البحرينية بميثاق العمل الوطني، وتزمّر أبواقه الإعلامية بنسبة ’’98.4‘‘ التي حققها بالتصويت، ولكنهم غفلوا أو تغافلوا عنه في هذه الأحداث (أحداث التطبيع)، فلو رجعنا إلى هذا الميثاق لرأينا مناقضة التطبيع إلى الفصل السابع منه، إذ جاء فيه: ومن هذه السياسات الراسخة لدولة البحرين، أن الدولة تحرص بغير حدود على مساندة كل قضايا الحق العربي، وهي تلتزم بدعم أشقائها العرب في قضاياهم المصيرية. وفي هذا الصدد، فإن دولة البحرين تساند وتؤكد على الحقوق الفلسطينية المشروعة، وعلى الأخص حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف[2].

فبناءً على هذا التأكيد والمساندة فإنه يجب على الحكومة البحرينية أن تضع شرطاً في بنود الاتفاق مع إسرائيل يحفظ حق الفلسطينيين بإقامة دولتهم وعاصمتها القدس، ولكن لم يتم التطرق إلى شيء من هذا أبداً في بنود الاتفاق الرئيسية.  

دستور 2002

لا يخفى على أحد أن هذا الدستور ارتضاه النظام البحريني لنفسه، بل قد انفرد بكتابته وقدّمه كـ ’’منحة‘‘ للشعب البحريني، ليكون بديلاً عن دستور 1973م الذي كان مقبولاً للشعب، ومع ذلك لم يسلم هذا الدستور من النقض والقفز عليه، فقد نصّت المادة 37 على: يبرم الملك المعاهدات بمرسوم ويبلغها إلى مجلسي الشورى والنواب فوراً مشفوعة بما يناسب من البيان، وتكون للمعاهدة قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها في الجريدة الرسمية.

على أن معاهدات الصلح والتحالف والمعاهدات المتعلقة بأراضي الدولة أو ثروتها الطبيعية أو بحقوق السيادة أو حقوق المواطنين العامة أو الخاصة، ومعاهدات التجارة والملاحة والإقامة، والمعاهدات التي تحمِّل خزانة الدولة شيئاً من النفقات غير الواردة في الميزانية أو تتضمن تعديلاً لقوانين البحرين، يجب لنفاذها أن تصدر بقانون.

ولا يجوز في أي حال من الأحوال أن تتضمن المعاهدة شروطاً سرية تناقض شروطها العلنية[3].

وهذه المادة تبيّن أن المعاهدة لا تكون قانونية إلا بإبلاغها للمجلسين، ولكننا لم نرَ مرور اتفاق التطبيق على المجلسين حتى مروراً صوريّاً، مع أن هذا الاتفاق يندرج ضمن المعاهدات، وأيضاً المعاهدة المرتبطة بحقوق المواطنين أو بالتجارة لا تنفذ إلا بقانون ولا حسّ ولا خبر عنه.

ثم الفقرة الأخيرة تمنع مناقضة المعاهدة العلنية بشروط سرية، وأين يمكن هذا بالنسبة للشعب أو للمجلسين التشريعيين ؟! فهل سيكشف النظام للمجلسين البنود التفصيلية لاتفاق التطبيع ؟!      

ربما يقول قائل: الاتفاق هو الطريق الصحيح لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي بدلاً من النزاع العسكري.

والجواب: لم يُبنَ الاتفاق أصلاً بين الدول المطبعة وإسرائيل على حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، ولم يذكر النصُّ العام للاتفاق إلا مصالح الدولتين المطبعتين، بل لا يجرؤ حكام الدول المطبعة على انتزاع الحقوق الفلسطينية، لأنهم مستسلمون لإسرائيل، بل لم يدع نتنياهو لحكام الإمارات أن تكمل فرحتهم بالاتفاق الوهمي عن وقف ضمّ الضفة حتى خرج وكذّبه، ولم يستطع الحكام المستسلمون أن ينطقوا باعتراض واحد، بل أكثر من ذلك فهم لا يقدرون حتى على الدفاع عن أنفسهم حينما وصفهم وزير الداخلية الإسرائيلي على وسائل الإعلام جهاراً نهاراً وبلا خجل بأنهم دواب للركوب فقط.     

مستقبل الهيئات العربية

بعد تطبيع الإمارات والبحرين مع العدو الصهيوني – وربما تتبعهما دول أخرى – لن تبقَ الهيئات الدولية العربية على طبيعتها أبداً، جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي ستلحقها آثار مدمّرة على المستوى السياسي، ومن تلك الآثار:

  1. الحكم على هذه الهيئات بالموت، فبعد أن كانت الدول العربية تتنافس لقيادتها لتكسب شرف البطولات السياسية والعسكرية كما في القرن الماضي باتت اليوم تعتذر عن حمل هذه الراية، فقد أصبحت قيادة العرب عاراً في ظلّ انبطاح بعض الأعضاء لإسرائيل، وما أزمة رئاسة جامعة الدول العربية إلا دليلاً واضحاً على ذلك.  
  2. انتهاء دورها في القضايا المحورية للأمة، وأبرزها القضية الفلسطينية، فبعد أن كانت هذه القضية هي الجامع للدول العربية والإسلامية، ستكون هي المفرّق لها، وستتشكّل اصطفافات جديدة من مناصري فلسطين في مقابل مناصري إسرائيل وربما مجالس جديدة لاحقاً، اذًا التطبيع يشكّل خطراً وجودياً على المجالس العربية والإسلامية.
  3. ستواجه القضية الفلسطينية صعوبات كبيرة في رفع ملفاتها الجنائية والسياسية إلى المحافل العربية والدولية نتيجة الاتفاق الذي يلزم الدول المطبّعة بالدفاع عن إسرائيل في هذه المحافل.

المصادر والمراجع

  • [1] لمراجعة نصّ المبادرة الكامل يُراجع موقع الجامعة العربية – الأمانة العامة – إدارة شؤون مجلس الجامعة – مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، الدورة العادية (14) بيروت آذار/مارس 2002م.
  • [2] ميثاق العمل الوطني ص29
  • [3] دستور البحرين 2002 المادة 37 ص13-14

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى