ثقافة

الكلام في فهم القرآن القسم الثاني

 مباني الفريقين في مدى فهم القرآن الكريم: وقع الاختلاف بين المسلمين في مدى وحدود فهم القرآن الكريم، وإن كاد يتحد المسلمون في هذا العصر على مستوى فهم القرآن الكريم لتجدد الأفكار واستنارتها بالدليل والبرهان، إلا في بعض الأمور المحدودة مما يتعلق بباطن القرآن وأسراره، ولكن عند القدماء كان الاختلاف في مدى ومستوى فهم القرآن الكريم ليس بالحد المستهان به، وفيما يلي نتعرض إلى الأقوال في حدود مستوى فهم القرآن على الإجمال على ما استنتجته من أبحاث وتفاسير القوم: القول الأول بفهم القرآن من ظواهره فقط: ويعرف هذا القول من الذين منعوا التفسير، حيث إن ظواهر القرآن الكريم محكمة ولا تحتاج إلى تفسير، وإنما كان منعهم عن التفسير، وقد أشار الطبري إليهم بعد أن ذكر الأدلة الدالة على جواز التفسير حيث قال: «فإذا كان كذلك، وكان الله جل ثناؤه قد أمر عباده بتدبره وحثهم على الاعتبار بأمثاله، كان معلوماً أنه لم يأمر بذلك من كان بما يدل عليه آية جاهلاً، وإذا لم يجز أن يأمرهم بذلك إلا وهم بما يدلهم عليه عالمون، صح أنهم بتأويل ما لم يحجب عنهم علمه من آيه الذي استأثر الله بعلمه منه دون خلقه، الذي قد قدمنا صفته آنفاً، عارفون، وإذا صح ذلك، فسد قول من أنكر تفسير المفسرين ـ من كتاب الله وتنزيله ـ ما لم يحجب عن خلقه تأويله».(1)

 فكلام الطبري هذا يدل على وجود طائفة تمنع التفسير، وكذلك كلام ابن جزي حيث قال: «اعلم أن السلف الصالح انقسموا إلى فرقتين: فمنهم من فسَّر القرآن وتكلم في معانيه، وهم الأكثرون، ومنهم من توقف عن الكلام فيه احتياطاً لما ورد من التشديد في ذلك»(2). أدلة هذا القول حديث وسيرة الصحابة والتابعين:

 1) الحديث هو ما روته عائشة قالت: «إن النبي(ص) كان لا يفسر شيئاً من القرآن برأيه إلا آياً بعدد علمهن إياه جبريل»(3).

 دلت هذه الرواية على أن الرسول كان يمتنع عن التفسير، إلا بمقدار قليل من الآيات علمهن إياه جبريل، وعلى هذا فلا يجوز التفسير لغير رسول الله(ص) عن طريق أولى.

 2) سيرة الصحابة، منها: ما رواه ابن أبي مليكة، أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضهم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها(4).

ومنها: ما روي عن الوليد بن مسلم، قال: جاء طلق بن حبيب إلى جندب بن عبد الله، فسأله عن آية من القرآن، فقال له: أحرج عليك إن كنت مسلماً لما قمت عني، أو قال: تجالسني(5).

 3) سيرة التابعين، منها: ما روي عن عبيد الله بن عمر، قال: لقد أدركت فقهاء المدينة وإنهم ليعظمون القول في التفسير، منهم سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، ونافع(6).

 ومنها: ما رواه يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن، قال: أنا لا أقول في القرآن شيئاً(7).

ومنها: ما روي عن ابن سيرين قال: سألت عبيدة السلماني عن آية، قال: عليك بالسداد، فقد ذهب الذين علموا فيم نزل القرآن(8). ومنها: ما روي عن يزيد بن أبي يزيد، قال: كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان أعلم الناس، وإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع(9).

منها: ما روي عن عمرو بن مرة، قال: سأل رجل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن، فقال: لا تسألني عن آية من القرآن وسل من يزعم أنه لا يخفى عليه شيء منه، يعني عكرمة(10).

منها: ما روي عن الشعبي، أنه قال: ثلاثٌ لا أقول فيهن حتى أموت: القرآن، والروح، والرأي(11).

مناقشة خبر عائشة: مناقشة الطبري: يستفاد من نقاش الطبري الخبر عن عائشة إشكاله عليه من حيث الدلالة ومن حيث السند، أما من حيث الدلالة فإنه يدل على أن بعضا من القرآن لا يُفسَّر إلا من الحديث لا أن كل ما في القرآن لا يُعرف معناه إلا من الحديث، بل جعل الطبري الحديث منسجماً مع ما قسمه من معاني القرآن وأنه على ثلاثة أقسام، قسم استأثر الله بعلمه، وقسم تعرفه العرب من لغتها، وقسم لا يعرف إلا من تعليم الرسول(ص).

ولو كان معنى الحديث المروي عن رسول الله(ص) أنه لم يفسر إلا القليل من آيه واليسير من حروفه، للزم أن القرآن نزل على الرسول(ص) ليترك للناس بيان ما أنزل إليهم، لا ليبين لهم ما نزل إليهم، وهو ينافي قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}، وينافي أمر الله جل ثناؤه نبيه(ص) بلاغ ما أنزل إليه، وينافي ما صح من خبر ابن مسعود: أنه كان الرجل منا إذا تعلَّم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعلم معانيهن والعمل بهن، وعلى هذا لا يحمل خبر عائشة إلا على ما قلناه.

 وأما السند فهو مشتمل على جعفر بن محمد الزبيري وهو مجهول، فلا يصح التمسك بالخبر لا من حيث الدلالة ولا من حيث السند(12).

 يرد على هذه المناقشة أن الظاهر من قول عائشة (ما كان النبي(ص) يفسر شيئاً من القرآن إلا آياً بعدد علمهن إياه جبريل) أن النبي(ص) لم يكن يفسر القرآن إلا عدد آيات قليلة، فإن المستثنى أقل من المستثنى منه بمقدار كثير، على أن تقييد المستثنى بعدد مما يدل على أن المراد هو عدد معدود وقليل؛ ولذا التجأ البعض لتأويل آخر للحديث ينسجم مع العبارة كما سوف يأتي، والغريب من الطبري أنه وصف مَنْ فهم مِنَ الخبر أن الذي فسره الرسول(ص) بعدد قليل بالغباء، ولعمري إن من يقول بخلافه أجدر بأن يتصف بهذه الصفة، ثم إنه لا يلزم من كون الرسول(ص) لم يفسِّر القرآن إلا عدداً قليلاً من الآيات منافاة مع قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}؛ وذلك لأنه أوصى بمن يرجعوا إليه في تفسيره وبيانه وهم أهل بيته(ع).

وأما مناقشته في السند فإن جعفر بن الزبيري وإن كان مجهولاً غير أنه جاء في السند الأول الذي يرويه نفس الطبري، وأما السند الثاني فلم يرد فيه جعفر بن الزبيري، بل السند الثاني سند يختلف عن السند الأول.

 مناقشة ابن جزي: يستفاد من ابن جزي لرد مَن استدل بخبر عائشة أن المفسرون تأولوا خبر عائشة بأنه في مغيبات القرآن التي لا تعلم إلا بتوقيف من الله تعالى، وأما ما كان من غير المغيبات فإن الرسول(ص) فسره من غير جبريل(ع)(13).

 ويرد هذه المناقشة أنه على خلاف ظاهر خبر عائشة، فإنها لم تقيد ما فسره الرسول(ص) من قبل جبرئيل(ع) بالمغيبات، ولم تقيد نفي التفسير عن رسول الله(ص) بالمغيبات.

 الصحيح في مناقشة خبر عائشة:

 أولاً: خبر عائشة ليس عن الرسول(ص)، وليس لكلامها الحجة، كما لرسول الله(ص)، بل لحمله على اجتهادها مجالٌ.

 ثانياً: الخبر عن عائشة تحكي فيه ما يفعله الرسول(ص) وليس متصلاً بالنبي(ص)، إنما عائشة أم المؤمنين تحكي ما شهدته، لكن ليس كلما فسر الرسول(ص) القرآن شهدته عائشة، فإن عائشة لا يسمح لها رسول الله(ص) أن تجلس مع الرجال حتى تسمع وترى الرسول(ص) يفسر القرآن الكريم؛ ولذا خبرها لا ينافي ما صح من خبر عبد الله بن مسعود حيث قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعلم معانيهن والعمل بهن.

 ولم يكن الرسول(ص) يفسر القرآن إلا بعد زواجه من عائشة بل كان يفسره حتى قبل أن يتزوجها.

 ثالثاً: خبر عائشة يعارض الآيات القرآنية والأحاديث المتقدمة الدالة على إمكان فهم القرآن، وخبر عائشة لا يقبل إذا تعارض مع خبر المعصوم(ع) فضلاً عما إذا عارض جملةً من آيات القرآن الكريم.

رابعاً: الخبر يرويه الطبري بطريقين وفي كلا الطريقين يشتمل على هشام بن عروة الزبيري، وهو مجهولٌ، مضافاً لاشتمال الأول منهما على جعفر بن محمد بن الزبيري وهو مجهولٌ أيضاً.

مناقشة سيرة الصحابة والتابعين: أولاً: إن المعروف ـ ويكاد يصل إلى الإجماع ـ بأن ابن عباس(رض) كان مفسراً ويشهد لك كتب التفسير والسير والحديث، وثم على فرض صحة الخبر عن ابن عباس، فإنه إنما يدل على أن ابن عباس امتنع عن الجواب في تفسير آية واحدة وهو لا يدل على أن ابن عباس(رض) يمتنع عن مطلق التفسير، وقال القرطبي في تفسيره: «قال ابن عطية: وكان جلة من السلف كثير عددهم يفسرون القرآن وهم أبقوا على المسلمين في ذلك(رضي الله عنهم)، فأما صدر المفسرين والمؤيد فيهم فعلي بن أبي طالب(رض)، ويتلوه عبد الله بن عباس وهو تجرد للأمر وكمله، وتبعه العلماء عليه كمجاهد وسعيد بن جبير وغيرهما، والمحفوظ عنه في ذلك أكثر من المحفوظ على علي».

 وقال ابن عباس: ما أخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب.

 وكان علي(رض) يثني على تفسير ابن عباس ويحض على الأخذ عنه، وكان ابن عباس يقول: نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس.

 وقال عنه علي(رض): ابن عباس كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق.

 ويتلوه عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو بن العاص.

 وكل ما أخذ عن الصحابة فحسن مقدم لشهودهم التنزيل ونزوله بلغتهم.

وعن عامر بن واثلة قال: شهدت علي بن أبي طالب(رض) يخطب فسمعته يقول في خطبته: سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا حدثتكم به، سلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلا أنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار، أم في سهل نزلت أم في جبل، فقام إليه ابن الكواء فقال: يا أمير المؤمنين، ما الذاريات ذرواً؟ وذكر الحديث.

 وعن المنهال بن عمرو قال: قال عبد الله بن مسعود: لو أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني تبلغه المطي لأتيته، فقال له الرجل: أما لقيت علي بن أبي طالب؟ فقال: بلى، قد لقيته.

 وعن مسروق قال: وجدت أصحاب محمد (صلى الله عليه [وآله] وسلم) مثل الأخاذ يروى الواحد والأخاذ يروى الاثنين، والأخاذ لو ورد عليه الناس أجمعون لأصدرهم، وإن عبد الله بن مسعود من تلك الأخاذ.

 ذكر هذه المناقب أبو بكر الأنباري في كتاب الرد، وقال: الأخاذ عند العرب: الموضع الذي يحبس الماء كالغدير»(14).

 كل ذلك يثبت بأن سيرة أجلاء الصحابة والتابعين على تفسير القرآن الكريم.

 ثانياً: من ترك من التابعين الكلام في التفسير لم يكن عن اعتقاد بالمنع بل احتياطاً؛ ولذا قال الطبري: «فإن فعل من فعل ذلك منهم، كفعل من أحجم منهم عن الفتيا في النوازل والحوادث، مع إقراره بأن الله جل ثناؤه لم يقبض نبيه إليه إلا بعد إكمال الدين به لعباده، وعلمه بأن لله في كل نازلة وحادثة حكماً موجوداً بنص أو دلالة، فلم يكن إحجامه عن القول في ذلك إحجام جاحد، ولكن إحجام خائف ألا يبلغ في اجتهاده ما كلف الله العلماء من عباده فيه»(15).

 وقال القرطبي: «قال ابن عطية: وكان جملة من السلف الصالح كسعيد بن المسيب، وعامر والشعبي وغيرهما يعظمون تفسير القرآن ويتوقفون عنه تورعاً واحتياطاً لأنفسهم مع إدراكهم وتقدمهم»(16).

ثالثاً: على فرض أن بعض التابعين قد امتنع عن التفسير فإن هذا نتيجة لاجتهاده ولا يدل على المنع الشرعي عن التفسير.

 رابعاً: يحتمل قوياً بأن امتناع بعض التابعين الخوض في التفسير بالرأي لا مطلق التفسير، وهذا الذي فهمه شيخ الطائفة والشيخ الطبرسي قال: «وكره جماعة من التابعين وفقهاء المدينة القول في القرآن بالرأي: كسعيد بن المسيب، وعبيد الله السليماني، ونافع، ومحمد بن القاسم، وسالم بن عبد الله، وغيرهم»(17).

 ويشهد لذلك أن أبرز من قيل فيه من التابعين بامتناعه عن التفسير هو سعيد بن المسيب، والحال أن سعيد بن المسيب يذكر مروياته وأقواله في التفسير كثيراً»(18). وبعد كل ذلك يتضح بأن هذا القول الأول ليس صائباً.

 القول الثاني بعدم فهم القرآن الكريم إلا من خلال السنة: وهو القول المنسوب إلى بعض الأخبارية من فرقة الإمامية(19)وإلى بعض علماء المسلمين، وأن التفسير موقوفٌ على السماع(20)، ونقل أهل التفسير هذا القول: «قال قوم لا يجوز لأحد أن يتعاطى تفسير شيء من القرآن، وإن كان عالماً أدبياً متسعاً في معرفة الأدلة والفقه والنحو والأخبار والآثار، وليس له إلا أن ينتهي إلى ما روي عن النبي(ص) في ذلك»(21).

 أدلة هذا القول من القرآن ومن السنة ومن العقل: الدليل القرآني:

 1- قوله تعالى: {فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللهِ وَالرَّسُول}(22)‏؛ لأن تفسير القرآن كثيراً ما يقع فيه الاختلاف، وعليه لابد في مطلق تفسير الرجوع إلى الرسول(ص)، ولا يمكن التفسير إلا من حديث الرسول(ص).

 المناقشة: إن معنى الآية الكريمة هو: إن اختلفتم في شيءٍ من أمور دينكم فردوا التنازع فيه إلى كتاب الله وسنة الرسول(ص)، ولا تدل على أن كل ما في القرآن الكريم لا يفهم إلا من تفسير الرسول(ص)، بل في القرآن ما يفهم لإحكامه، بل الآية تدل على فهم القرآن في الجملة، إذن مع التنازع يُرجع إلى القرآن وإلى السنة، وكيف يُرجع إلى القرآن وهو لا يفهم منه أي شيء إلا من أحاديث الرسول(ص)؟! نعم كثير من الآيات لابد في تفسيرها من الرجوع إلى أحاديث الرسول(ص) وأهل بيته(ع) الذين أوصى بالتمسك بهم، وهذا لا يعني أن كل معنى من معاني القرآن لا يمكن فهمها إلا من خلال السنة، فإن ما تقدم من الأدلة في فهم القرآن وافية للرد على ذلك.

 الدليل من السنة: استُدِلَّ لهذا القول بالأحاديث عن المعصومين(ع)، ويكمن تقسيم هذه الأحاديث إلى عدة طوائف: الطائفة الأولى: ما دل على تحريم التفسير بالرأي: منها: ما رواه الترمذي عن الرسول(ص) قال: «من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار»(23).

 منها: ما رواه الصدوق بسند إلى الرسول(ص) أنه في حديث جاء فيه: «ومن فسر القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب، ومن أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة السماوات والأرض»(24).

 ومنها: ما جاء في تفسير الإمام العسكري(ع)، عن النبي(ص)، في حديث جاء فيه: «فأما من قال في القرآن برأيه فإن اتفق له مصادفة صواب فقد جهل في أخذه عن غير أهله، وإن أخطأ القائل في القرآن برأيه فقد تبوأ مقعده من النار»(25).

 ومنها: ما رواه أبو داود بسنده إلى جندب، قال: قال رسول الله(ص): «من قال في كتاب الله عز وجل برأيه فأصاب فقد أخطأ»(26).

ومنها: ما رواه العياشي: عن أبي بصير عن أبي عبد الله(ع)، قال: «من فسر القرآن برأيه إن أصاب لم يؤجر، وإن أخطأ خر أبعد من السماء»(27).

 ومنها: ما عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله(ع)، قال: «من فسر القرآن برأيه فأصاب لم يؤجر، وإن أخطأ أثمه عليه»(28).

 ومنها: ما عن عمار بن موسى، عن أبي عبد الله(ع) قال: سئل عن الحكومة، قال: «من حكم برأيه بين اثنين فقد كفر، ومن فسر برأيه آيةً من كتاب الله فقد كفر»(29).

 ومنها: رواية الريان، عن الإمام الرضا(ع)، عن آبائه، عن أمير المؤمنين(ع)، قال: قال رسول الله(ص): قال الله جل جلاله: «ما آمن بي من فسر برأيه كلامي، وما عرفني من شبهني بخلقي، ما على ديني من استعمل القياس في ديني»(30).

 ومنها: في خبر الزنديق المدعي للتناقض في القرآن: قال أمير المؤمنين(ع): «إياك أن تفسر القرآن برأيك حتى تفقهه عن العلماء، فإنه رب تنزيل يشبه بكلام البشر، وهو كلام الله، وتأويله لا يشبه كلام البشر، كما ليس شيء من خلقه يشبهه، كذلك لا يشبه فعله تعالى شيئاً من أفعال البشر، ولا يشبه شيء من كلامه بكلام البشر، فكلام الله تبارك وتعالى صفته وكلام البشر أفعالهم، فلا تشبه كلام الله بكلام البشر، فتهلك وتضل»(31).

 ومنها: ما عن الهروي عن الإمام الرضا(ع) قال لعلي بن محمد بن الجهم: «اتق الله ولا تُأَوِّل كتابَ الله عز وجل برأيك، فإن الله عز وجل يقول: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}»(32).

 ومنها: ما عن ابن عباس أنه قال: «من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار»(33).

 فهذه الروايات دالةٌ على أن التفسير لا يجوز أن يكون من رأي المفسر، إذن لا بد من نص الرسول(ص) أو أهل بيته(ع) فيكون التفسير من قبلهم، ونتيجة ذلك توقف فهم القرآن إلا من خلال السنة.

 الطائفة الثانية: من الروايات ما دل على حرمة التفسير بغير علم: منها: ما عن ابن عباس عن النبي(ص) أنه قال: «من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار»(34).

 ومنها: ما عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله(ع): ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنته فننظر فيها؟ فقال: «لا، أما أنك إن أصبت لم تؤجر، إن أخطأت كذبت على الله سبحانه وتعالى»(35).

 ومنها: ما عن عبيدة السليماني عن علي(ع)، قال: «اتقوا الله ولا تفتوا الناس بما لا تعلمون… (إلى أن قال): قالوا: فما نصنع بما قد خبرنا به في المصحف؟ فقال: يُسأل عن ذلك علماء آل محمد(ع)»(36).

 ومنها: ما عن الإمام الصادق عن أبيه الباقر عن أبيه (ع)، قال: «إن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي(ع) يسألونه عن الصمد، فكتب إليهم: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فلا تخوضوا في القرآن، ولا تجادلوا فيه، ولا تتكلموا فيه بغير علم، فقد سمعت جدي رسول الله(ص) يقول: من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار، وإن الله سبحانه قد فسر الصمد…»(37).

الطائفة الثالثة: ما دل على اختصاص فهم القرآن عند أهل البيت (ع): منها: ما عن منصور بن حازم، قال: قلت لأبي عبد الله(ع): «إن الله أجل وأكرم من أن يعرف بخلقه… (إلى أن قال): وقلت للناس: أليس تعلمون أن رسول(ص) كان الحجة من الله على خلقه؟ قالوا: بلى. قلت: فحين مضى رسول الله(ص) مَنْ كان الحجة لله على خلقه؟ قالوا: القرآن.

 فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجئ القدري، والزنديق الذي لا يؤمن به حتى يغلب الرجال بخصومته، فعرفت أن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم، فما قال فيه من شيء كان حقاً… (إلى أن قال): فأشهد أن علياً(ع) كان قيم القرآن، وكانت طاعته مفترضة، وكان الحجة على الناس بعد رسول الله(ص)، وأن ما قال في القرآن فهو حق، فقال: رحمك الله»(38). ومنها: ما عن زيد الشحام قال: دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر(ع) فقال: «يا قتادة أنت فقيه أهل البصرة؟ فقال: هكذا يزعمون. فقال أبو جعفر(ع): بلغني أنك تفسر القرآن. فقال له قتادة: نعم.

 فقال له أبو جعفر(ع): فإن كنت تفسره بعلم فأنت أنت وأنا أسألك… (إلى أن قال أبو جعفر(ع)): ويحك يا قتادة! إن كنت إنما فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت، وإن كنت قد فسرته من الرجال، فقد هلكت وأهلكت، ويحك يا قتادة! إنما يعرف القرآن من خوطب به»(39).

ومنها: عن أبي جعفر الثاني(ع) قال: قال أبو عبد الله(ع): وذكر الحديث، وفيه أن رجلاً سأل أباه عن مسائل فكان مما أجابه به أن قال: قل لهم: هل كان فيما أظهر رسول الله(ص) من علم الله اختلاف؟ فإن قالوا: لا.

 فقل لهم: فمن حكم بحكم فيه اختلاف، فهل خالف رسول الله(ص)؟ فيقولون: نعم.

 فإن قالوا: لا.

 فقد نقضوا أول كلامهم فقل لهم: ما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم، فإن قالوا: مَن الراسخون في العلم؟ فقل: من لا يختلف في علمه.

 فإن قالوا: من ذاك؟ فقل: كان رسول الله(ص) صاحب ذاك… (إلى أن قال): وإن كان رسول الله(ص) لم يستخلف أحداً فقد ضيع مَنْ في أصلاب الرجال ممن يكون بعده، قال: وما يكفيهم القرآن؟ قال: بلى، لو وجدوا له مفسراً.

 قال: وما فسره رسول الله(ص)؟ قال: بلى، قد فسره لرجل واحد، وفسر للأمة شأن ذلك الرجل، وهو علي بن أبي طالب(ع)، (إلى أن قال): والمحكم ليس بشيئين إنما هو شيءٌ واحدٌ، فمن حكم بحكم ليس فيه اختلاف فحكمه من حكم الله عز وجل، ومن حكم بحكم فيه اختلاف فرأى أنه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت»(40).

 ومنها: ما عن أبي بصير عن أبي عبد الله(ع) قال: «نحن الراسخون في العلم، ونحن نعلم تأويله»(41).

 ومنها: ما عن أبي عبد الله(ع) قال: «الراسخون في العلم أمير المؤمنين(ع) والأئمة من ولده(ع)»(42).

 ومنها: ما عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر(ع) يقول في هذه الآية {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}، فأومأ بيده إلى صدره(43).

 ومنها: عن عبد العزيز العبدي عن أبي عبد الله(ع) في قول الله عز وجل: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} قال: هم الأئمة(ع)(44).

 ومنها: ما عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله(ع) قال: «قال الذي عنده علم من الكتاب… (إلى أن قال): وعندنا والله علم الكتاب كله»(45). ومنها: عن سدير عن أبي عبد الله(ع) ـ في حديث ـ قال: «علم الكتاب كله والله عندنا، علم الكتاب كله والله عندنا»(46). ومنها: ما عن أبي الصباح قال: والله لقد قال لي جعفر بن محمد(ع): «إن الله علَّم نبيَّه(ص) التنزيل والتأويل، فعلَّمه رسول الله(ص) علياً(ع)، ثم قال: وعلمنا والله… الحديث»(47).

 ومنها: ما عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين(ع) ـ في حديث ـ أنه قال: «ما من شئ تطلبونه إلا وهو في القرآن، فمن أراد ذلك فليسألني عنه»(48).

 ومنها: ما عن أمير المؤمنين(ع) في خطبة له قال: «إن علم القرآن ليس يعلم ما هو إلا من ذاق طعمه، فعلم بالعلم جهله، وبصر به عماه، وسمع به صممه، وأدرك به ما قد فات، وحيى به بعد إذ مات، فاطلبوا ذلك من عند أهله وخاصته، فإنهم خاصة نور يستضاء به، وأئمة يقتدى بهم، هو عيش العلم، وموت الجهل، وهم الذين يخبركم حلمهم عن علمهم وصمتهم عن منطقهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الحق، ولا يختلفون فيه»(49).

 ومنها: ما عن عبيدة السلماني عن علي(ع) قال: «اتقوا الله ولا تفتوا الناس بما لا تعلمون… (إلى أن قال): قالوا: فما نصنع بما قد خبرنا به في المصحف؟ فقال: يسأل عن ذلك علماء آل محمد(ع)»(50).

 ومنها: ما عن الحسين(ع) عن أبيه(ع) قال: قال رسول الله(ص): «يا علي، أنت أخي وأنا أخوك، وأنا المصطفى للنبوة وأنت المجتبى للإمامة، وأنا صاحب التنزيل وأنت صاحب التأويل»(51).

 ومنها: ما عن الريان بن الصلت عن الرضا(ع) ـ في حديث ـ أن المأمون سأل علماء العراق وخراسان عن قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}، فقالت العلماء: أراد الله بذلك الأمة كلها، فقال المأمون: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال الرضا(ع): إنه لو أراد الأمة لكانت بأجمعها في الجنة… (إلى أن قال): فصارت وراثة الكتاب للعترة الطاهرة لا لغيرهم.

قال المأمون: ومن العترة الطاهرة؟ فقال الرضا(ع): الذين وصفهم الله في كتابه فقال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}، وهم الذين قال رسول الله(ص): إني مخلف فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، انظروا كيف تخلفوني فيهما، أيها الناس لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم…(إلى أن قال): فصارت وراثة الكتاب للمهتدين دون الفاسقين»(52).

 ومنها: ما عن موسى بن عقبة أن معاوية أمر الحسين(ع) أن يصعد المنبر فيخطب، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: نحن حزب الله الغالبون، وعترة نبيه الأقربون، أحد الثقلين الذين جعلنا رسول الله(ص) ثاني كتاب الله، فيه تفصيلٌ لكل شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمعول علينا في تفسيره، لا نتظنى تأويله، بل نتبع حقائقه، فأطيعونا فإن طاعتنا مفروضة؛ إذ كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة، قال الله: {أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ}، وقال: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}(53).

 ومنها: ما عن الإمام الصادق(ع) في قوله: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} قال: «هم الأئمة المعصومون(ع)»(54).

الطائفة الرابعة: ما دل على أن العقول بعيدة عن القرآن الكريم: منها: ما عن جابر في حديث معه مع الإمام الباقر(ع)، وفيه أن الإمام(ع) قال له: «وليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، وإن الآية يكون أولها في شيء وآخرها في شيء، وهو كلام متصل متصرف على وجوه»(55).

 ومنها: ما عن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: «ليس شيء أبعد من عقول الرجال عن القرآن»(56). المناقشة: الطائفة الأولى من الروايات الدالة على تحريم التفسير بالرأي، فإن علماء التفسير وجهوها إلى معنى كون تفسير المفسر لا على وفق ضوابط التفسير، وجعلوا وصفا للرأي الذي تشير إليه الروايات وقالوا: هو الرأي المذموم، وأما الرأي غير المذموم هو التفسير عن اجتهاد وعلى وفق ضوابط التفسير.

 قال ابن جزي: «وتأول المفسرون… ـ الحديث ـ بأنه فيمن تكلم في القرآن بغير علم ولا أدوات، لا فيمن تكلم فيما تقتضيه أدوات العلوم ونظر في أقوال العلماء المتقدمين، فإن هذا لم يقل في القرآن برأيه».

 وقريب من هذا التوجيه توجيه الطباطبائي من أن النهي في الروايات متجه إلى الطريق وهو أن يسلك في تفسير كلامه تعالى الطريق المسلوك في تفسير كلام غيره من المخلوقين(57).

وقال جماعة من المفسرين بقول القرطبي في توجيه النهي إلى أحد وجهين، قال: «وإنما النهي يحمل على أحد وجهين: أحدهما أن يكون له في الشيء رأي، وإليه ميل من طبعه وهواه، فيتأول القرآن على وفق رأيه وهواه؛ ليحتج على تصحيح غرضه، ولو لم يكن له ذلك الرأي والهوى لكان لا يلوح له من القرآن ذلك المعنى.

وهذا النوع يكون تارةً مع العلم كالذي يحتج ببعض آيات القرآن على تصحيح بدعته وهو يعلم أن ليس المراد بالآية ذلك، ولكن مقصوده أن يلبس على خصمه، وتارةً يكون مع الجهل، وذلك إذا كانت الآية محتملة فيميل فهمه إلى الوجه الذي يوافق غرضه، ويرجح ذلك الجانب برأيه وهواه، فيكون قد فسر برأيه، أي رأيه حمله على ذلك التفسير، ولو لا رأيه لما كان يترجح عنده ذلك الوجه.

 وتارةً يكون له غرض صحيح فيطلب له دليلاً من القرآن ويستدل عليه بما يعلم أنه ما أريد به، كمن يدعو إلى مجاهدة القلب القاسي فيقول قال الله تعالى:{اذْهَبْ إلى‏ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى}، ويشير إلى قلبه، ويومئ إلى أنه المراد بفرعون، هذا الجنس قد يستعمله بعض الوعاظ في المقاصد الصحيحة تحسيناً للكلام وترغيباً للمستمع، وهو ممنوع؛ لأنه قياس في اللغة، وذلك غير جائز.

 وقد تستعمله الباطنية في المقاصد الفاسدة لتغرير الناس ودعوتهم إلى مذاهبهم الباطلة، فينزلون القرآن على وفق رأيهم ومذهبهم على أمور يعلمون قطعاً أنها غير مرادة. فهذه الفنون أحد وجهي المنع من التفسير بالرأي.

 الوجه الثاني أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلق بغرائب القرآن وما فيه من الألفاظ المبهمة والمبدلة، وما فيه من الاختصار والحذف والإضمار والتقديم والتأخير، فمن لم يحكم ظاهر التفسير وبادر إلى استنباط المعاني بمجرد فهم العربية كثر غلطه، ودخل في زمرة من فسر القرآن بالرأي، والنقل والسماع لابد له منه في ظاهر التفسير أولاً ليتقى به مواضع الغلط، ثم بعد ذلك يتسع الفهم والاستنباط.

 والغرائب التي لا تفهم إلا بالسماع كثيرة، ولا مطمع في الوصل إلى الباطن قبل إحكام الظاهر، ألا ترى أن قوله تعالى:{وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها} معناه آية مبصرة فظلموا أنفسهم بقتلها، فالناظر إلى ظاهر العربية يظن أن المراد به أن الناقة كانت مبصرة، ولا يدري بماذا ظلموا، وأنهم ظلموا غيرهم وأنفسهم، فهذا من الحذف والإضمار، وأمثال هذا في القرآن كثير، وما عدا هذين الوجهين فلا يتطرق النهي إليه. والله أعلم.

 قلت: هذا صحيح، وهو الذي اختاره غير واحد من العلماء، فإن من قال فيه بما سنح في وهمه وخطر على باله من غير استدلال عليه بالأصول فهو مخطئ، وإن من استنبط معناه بحمله على الأصول المحكمة المتفق على معناها فهو ممدوح»(58).

 ومال إلى هذا التوجيه الفيض الكاشاني(59)، والسيد نعمة الله الجزائري(60)، والألوسي(61).

 والذي يبدو لي قريباً في المراد بالتفسير بالرأي هو أن يجتهد المفسر في التفسير من غير أن يتوصل إلى علم يظهر المراد من الآيات الكريمة، وهذا عادةً يلازم عدم سلوك قواعد التفسير، وهذا الذي يراه ابن كثير(62)، ويشهد لذلك أن رواية ابن عباس عن النبي(ص) في تحريم التفسير بالرأي يرويها تارةً أخرى بالتفسير من غير علم، ويشهد لذلك ما رواه زياد بن أبي رجاء عن أبي جعفر(ع)، قال: «ما علمتم فقولوا، وما لم تعلموا فقولوا: الله أعلم، إن الله لينتزع الآية من القرآن يخر فيها أبعد ما بين السماء والأرض»(63).

 ويشهد ذلك أيضاً أن عدة روايات من الطائفة الأولى بنفس لسان الطائفة الثانية، غير أن الفرق أن في الطائفة الأولى التحريم للتفسير بالرأي، وفي الطائفة الثانية التحريم للتفسير من غير علم.

 فإذا اتضح بأن المراد بالتفسير بالرأي هو التفسير الذي ليس للعلم إليه طريق، فإن هذه الطائفة من الروايات وكذلك الطائفة الثانية لا تدل على أن كل ما في القرآن لا يعلم إلا من خلال السنة، فإنه كثير من المعاني تعلم من ظواهر القرآن الكريم، أي أن تحقق هذه المعاني من القرآن عن طريق العلم كما هو في كثير من ظواهر ومحكمات القرآن الكريم، فيتحقق أن الروايات في الطائفة الأولى والطائفة الثانية خارجة عن موضوع النزاع؛ إذ لا نزاع في أن كثير من الآيات الكريمة لا يمكن معرفة المراد منها إلا من السنة، وهو لا يدل على أن كل ما في القرآن لا يمكن معرفته إلا من خلال السنة.

 وأما الطائفة الثالثة فإن غاية ما تدل عليه أن فهم القرآن الكريم بأكمله إنما هو عند أهل البيت(ع)، ولا تدل على أن أي معنى من المعاني لا يمكن استظهاره من غير أهل البيت(ع)، ولا شك بأن علوم القرآن وأغواره وكنوزه وتفسير ما فيه من المتشابهات والمشكلات بل حتى بواطن وظواهر القرآن عند أهل بيت النبوة صلوات الله وسلامه عليهم، وهذا لا ينافي بأن للقرآن معانٍ يمكن فهمها وحصول العلم بها من خلال ظواهر القرآن الكريم.

 وأما الطائفة الرابعة من الروايات الدالة على أن العقل لا يمكن أن يدرك معاني القرآن الكريم فإنها إنما تدل على أن ما كان في القرآن غير واضحاً مثل المتشابهات والإجماليات، لا يمكن درك معانيها من خلال العقل بنفسه من غير الرجوع إلى مصادر التفسير وقواعد التفسير لاسيما الأحاديث وروايات أهل البيت(ع)، وهذا لا ينافي أن للقرآن ظواهر يفهمها العارف باللغة وأساليبها، ويتبع الظواهر بعد الفحص عن القرآن، وقال السيد الطباطبائي في هذه الطائفة من الأحاديث: «وقد تبين أن المتعين في التفسير الاستمداد بالقرآن على فهمه وتفسير الآية بالآية وذلك بالتدرب بالآثار المنقولة عن النبي وأهل بيته (صلى الله عليه وعليهم) وتهيئة ذوق مكتسب منها ثم الورود، والله الهادي»(64)‏.

 وقال السيد عبد الأعلى السبزوراري: «المراد من‏ قوله(ع): «وليس شي‏ء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن» قبل التفحّص وردّ المتشابه إلى المحكم، وأما بعد ذلك وتقرير العقول بالشريعة المقدّسة فلا بعد حينئذ، بل أمرنا بالتعقّل والتدبّر والتفكّر في القرآن الكريم في كثير من الآيات الشريفة، ولا معنى لكون ذلك فيما هو بعيد عن العقول، فهو بعيد في عين كونه قريباً إلى العقول بالاعتبارين، كما مرّ آنفاً، وهو كلام متّصل يتصرّف في وجوه»(65).

 وبهذا يتضح بأن الروايات لا تدل على أن كل ما في القرآن لا يمكن فهمه إلا من خلال السنة.

 وقال السيد نعمة الله الجزائري في الرد على أصحاب هذا الرأي: «إن ما ذهب إليه المتأخرون من الأخباريين من أنه ليس في القرآن آية أو كلمة يجوز تفسيرها والكشف عن معناها إلا بالنص الصحيح يلزم عليه تعطيل القرآن عن الدلالة؛ لأن الأخبار ما وفت إلا بتفسير بعض آياته، ولو سددنا هذا الباب وجعلنا القرآن كله من باب المتشابه الذي لا يفهم معناه إلا بالنقل عن المعصومين(ع) لما استبان للقرآن إعجاز؛ لأن الفصاحة والبلاغة في الألفاظ تابعان لفهم المعاني كما لا يخفى»(66).

 الدليل العقلي: ذكر لأصحاب هذا الرأي دليل عقلي على عدم إمكان فهم القرآن حتى من ظواهره، وتقريب الدليل بأن يقال: إن كثيراً من ظواهر القرآن غير مرادة قطعاً، وذلك للعلم الإجمالي بورود مخصصات ومقيدات لعمومات وإطلاقات القرآن، وهذه العمومات المخصصة والإطلاقات المقيدة غير متشخصة لنا بعينها، فتكون هذه العمومات المخصصة والإطلاقات المقيدة مرددة بين جميع إطلاقات القرآن وعمومات القرآن، وينتج عن ذلك أن جميع ظواهر الكتاب وعموماته مجملة، وعليه فلا يمكن فهمها ودركها(67). المناقشة: إن هذا العلم الإجمالي منحلٌّ، فإنه بعد الفحص والتحقق مما هو مقيد ومخصص مما هو ليس كذلك لا يبقى للعلم الإجمالي محلٌّ، وبذلك يظهر أن فهم الظواهر ممكنٌ بعد الفحص عن القرائن.

 وهذا القول أكثر إشكالاً على فريق العامة حيث لا يرون حجية سنة أهل البيت(ع) كحجية سنة الرسول(ص)، على الرغم من أن حديث الثقلين متواترٌ، فكيف يتوقف فهم أي معنى من القرآن عندهم على قول الرسول(ص)؟! لذا تعجب الألوسي من أصحاب هذا القول حيث قال: «والعجب كل العجب مما يُزعم أن علم التفسير مضطرٌّ إلى النقل في فهم معاني التراكيب ولم ينظر إلى اختلاف التفاسير وتنوعها ولم يعلم أن ماورد عنه في ذلك كالكبريت الأحمر»(68).

 وبعد بيان عدم صحة أدلة هذا القول يتضح فساده، لاسيما بعد ملاحظة الأدلة الدالة على فهم القرآن الكريم.

 القول الثالث بفهم الظواهر وعدم فهم غير الظواهر إلا من سنة: ويظهر هذا القول من الطبري حيث قسم معاني القرآن الكريم إلى ثلاثة أقسام، قسم لا يعرفه إلا الله سبحانه وتعالى، وما يعرفه أهل اللسان ونعبر عنه هنا بالظواهر، وقسم لا يعرف إلا من خلال أحاديث الرسول(ص)(69).

 المناقشة: كفى في مناقشة هذا القول بأن ما ورد عن النبي(ص) قليلٌ جداً، فكيف يعول على فهم غير الظواهر إذا لم يرد فيه حديث رسول الله(ص)؟! وقال الألوسي بأن الوارد عن النبي(ص) كالكبريت الأحمر من القلة(70).

 القول الرابع: يفهم القرآن في ظواهره وفي غيرها بالدليل: وهذا هو قول مشهور المفسرين في فهم القرآن، والمعروف بالتفسير الاجتهادي، وهو وإن اشترك مع المتقدمين من أصحاب الرأي حيث إنهم يدعون فهم غير الظواهر غير أن أصحاب الرأي لا دليل لهم على الفهم المزعوم، وأما هذا مشهور المفسرين يتوقفون في التفسير إلا مع الدليل الحجة.

 وهذا القول ينسجم مع بعض ظواهر المرويات مثل ما روي عن أمير المؤمنين(ع)، وفيه أنه قال: «ثم إن الله (جل ذكره) لسعة رحمته ورأفته بخلقه وعلمه بما يحدثه المبدلون من تغيير كتابه، قسَّم كلامه ثلاثة أقسام، فجعل قسماً منه يعرفه العالم والجاهل، وقسماً لا يعرفه إلا من صفى ذهنه ولطف حسه وصح تميزه ممن شرح الله صدره للإسلام، وقسماً لا يعرفه إلا الله وأمناؤه والراسخون في العلم؛ وإنما فعل الله ذلك لئلا يدعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول الله(ص) من علم الكتاب ما لم يجعل الله لهم؛ وليقودهم الاضطرار إلى الايتمار لمن ولاه أمرهم فاستكبروا عن طاعته تعزراً وافتراءً على الله عز وجل، واغتراراً بكثرة من ظاهرهم وعاونهم وعاند الله عز وجل ورسوله، فأما ما علمه الجاهل والعالم فمن فضل رسول الله في كتاب الله، فهو قول الله عز وجل: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ}، وقوله: {إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}، ولهذه الآية ظاهرٌ وباطنٌ، فالظاهر قوله: {صَلُّوا عَلَيْهِ} والباطن قوله:{وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}، أي سلّموا لمن وصاه واستخلفه وفضّله عليكم، وما عهد به إليه تسليماً، وهذا مما أخبرتك أنه لا يعلم تأويله إلا من لطف حسه، وصفى ذهنه، وصح تمييزه»(71).

 وينسجم أيضاً مع ما روي عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: «كتاب الله عز وجل على أربعة أشياء على العبارة والإشارة واللطائف والحقائق، فالعبارة للعوام، والإشارة للخواص، واللطائف للأولياء، والحقائق للأنبياء»(72).

 وما روي عن ابن عباس أنه قال: «التفسير على أربعة وجوه، وجهٌ تعرفه العرب من كلامها، وتفسيرٌ لا يعذر أحد بجهالته، وتفسيرٌ يعلمه العلماء، وتفسيرٌ لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى»(73).

وبعد اتضاح مباني الفريقين في فهم القرآن الكريم، نتكلم عن فهم القرآن بشكل عام، عن مراتب الناس في فهم القرآن والعوامل المساعدة على فهمه.

مراتب لفهم القرآن الكريم: لا شك بأن المرتبة الخاصة التي خصها الله سبحانه لأولياه هي الرتبة العالية التي لا ينال ولا يقرب منها أحدٌ؛ وذلك لمعرفة الله سبحانه بخاصته ولذا اصطفاهم وفضلهم على العالمين، وجعل حبهم قربةً إليه، وجعلهم المختصين بالمعرفة الواقعية لكتابه، وهو الطريق لمعرفة الحقائق القرآنية، كما دلت عليه الطائفة الثالثة من الأحاديث المتقدمة، وهم القرآن الناطق، وهم حبل الله المتين، وهم باب علم الله سبحانه، فمن قوى تمسكه بهم من خلال تطبيق أقوالهم والتوسل بهم وحبه لهم كثر فهمه لحقائق القرآن.

 وقال السيد الإمام الخميني(قده): «فإن للقرآن منازل ومراحل وظواهر وبواطن، أدناها ما يكون في قشور الألفاظ وقبور التعينات… وهذا المنزل الأدنى رزق المسجونين في ظلمات عالم الطبيعة، ولا يمس سائر مراتبه إلا المطهرون من أرجاس عالم الطبيعة وحدثه، والمتوضؤون بماء الحياة من العيون الصافية، والمتوسلون بأذيال أهل البيت العصمة والطهارة، والمتصلون بالشجرة المباركة الميمونة، والمتمسكون بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، والحبل المتين الذي لا نقض له، حتى لا يكون تأويله أو تفسيره بالرأي ومن قبل نفسه، فإنه لا يعلم تأوليه إلا الله والراسخون في العلم»(74).

 نعم كل ما تسمك المسلم بطريق الحق وأئمة الحق أنار له القرآن الطريق إلى الله سبحانه وتعالى، وعمل لله بكامل الرضا، نعم هذا لا يعني بأن من لم يكن على طريق الحق لا يستفيد من القرآن الكريم، بل القرآن سفرة لكل مستطعميه، وكل يستفيد من هذا السفرة بقدر إنائه وما لديه من فكر وعقيدة وعمل، وقد أشار إلى ذلك الإمام الخميني(75).

 ولو أنفق الإنسان عمره في تحيل المعارف القرآنية لنفد ولم يفِ عمره ولا عمر غيره لذلك، وأي وقت يصل إلى إدراك العلم الدني المستودع عند العترة الطاهر سلام الله عليهم، ويقول الملا صدرا في هذا الصدد: «ولعلّ العمر لو اتّفق في‏ استكشاف أسرار هذا المعنى وما يرتبط بمقدّماته ولواحقه لانقطع العمر قبل الوصول إلى الإحاطة بجميع لواحقه، والقرآن مشحون بأمثاله، بل ما من كلمة من القرآن إلاّ وتحقيقها محوج إلى مثل ذلك.

 وإنّما ينكشف للعلماء الراسخين في العلم من أسراره وأنواره بقدر غزارة علومهم وصفاء قلوبهم وتوفّر دواعيهم على التدبّر وتجرّد هم للطلب، ويكون لكلّ واحد حدّ في الترقّي إلى درجة منه، فأمّا الاستيفاء التامّ فلا مطمع لأحد فيه، ولو كان البحر مداداً والأشجار أقلاماً والخلائق كتّاباً لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات الله، فأسرار كلماته وأنوار آياته ممّا لا نهاية لها ولا بداية، فمن هذا الوجه يتفاضل الخلق في الفهم بعد الاشتراك في معرفة ظاهر التفسير.

 فقس على هذا المثال جميع ما ورد في الكتاب والسنّة»(76).

 الشرائط التي تساعد على فهم القرآن الكريم: تقدم أن التمسك بأهل البيت(ع) من أهم العوامل التي تساعد على فهم القرآن بشكل أوسع، ولكن لا بد من بعض الأمور التي تساعد على فهم القرآن بشكل عام، وفيما يلي نذكر بعضها: منها: التدبر في الآيات الكريمة: وقد تكرر الأمر الشرعي سواء من القرآن الكريم أو من الأحاديث بالتدبر في القرآن الكريم والتفكر فيه، وتقدمت الآيات في صدر البحث، ولا بد من تهيئة الأرضية لحصول التدبر، فإن التدبر له مقدمات ومن أهما هو التمهل في قراءة القرآن الكريم، لاسيما بناءً على أن معنى قوله تعالى {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ} اقرأه بتمهل، فإنه هذا يكون عوناً على فهم تدبر القرآن الكريم(77).

 منها: جهاد النفس وصفائها: لا يكفي إتقان اللغة العربية في فهم القرآن الكريم، وإن كان ذلك شرطاً أساسياً لفهم القرآن الكريم، لكن لأجل فهم القرآن أكثر لابد من صفاء النفس وجهادها؛ ولذا يمكن اختلاف فهم القرآن بقدر جهاد النفس، ولا ينبغي الاغترار لمجرد معرفة اللغة العربية وإن كان ذلك شرطاً محورياً، بل وردت أفضلية اللغة العربية على سائر اللغات في عدد من الروايات وأنها لغة أهل الجنة، لكن لا ينبغي الاغترار بذلك لاسيما إذا انعدم شرط جهاد النفس، قال الملا صدرا: «كلّ من اكتفى بظاهر العربيّة وبادر إلى تفسير القرآن بمجرّد نقل الكتب وحمل الأسفار، من دون الارتقاء إلى عالم الأنوار وفقه الأسرار، ونقاء السريرة عن أغراض هذه الدار، وخلاص القلب عن غشاوة هذه الآثار، فهو حريٌّ بهذا التمثيل، فإنّ الاطلاع على ظاهر العربيّة وحفظ النقل عن أئمّة التفسير في ترجمة الألفاظ لا يكفي في فهم حقائق المعاني، ومن أراد أن ينكشف له أنّ هذه المرتبة ليست من مرتبة إدراك المعاني القرآنيّة والاطّلاع على حقائقها فليتأملّ في مسألة واحدة منها وعجز المفسّرين عن دركها، ليقيس عليها غيرها، وهو أنّ الله تعالى قال:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى}(78)، وظاهر تفسيره واضحٌ جليٌّ، وحقيقة معناه في غاية الغموض، فإنّه إثبات للرمي ونفي له، وهما متضادّان في الظاهر ما لم يفهم أنّه رمى من وجه، ولم يرم ِمن وجه، ومن الوجه الذي لم يرم ِرماه الله تعالى.

ثمّ يفهم إنّه ما جهة الوحدة والهوهويّة، وما جهة الغيريّة والكثرة.

 وكذلك قال تعالى:{قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ}(79)، فإذا كانوا هم القاتلين كيف يكون اللّه هو المعذّب؟ وإن كان الله هو المعذّب بتحريكهم فما معنى أمرهم بالقتال؟ فالتحقيق في مثل هذا المقام يحتاج إلى العلوم المتعالية عن علوم المعاملات، ولا يغني عنه علوم العربيّة وتفسير الألفاظ»(80).

 ومما يدل على أن جهاد النفس يساعد على فهم القرآن الكريم قوله تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}(81)، فإن بإطلاقها تشمل سبيل معرفة المعارف القرآنية.

 وقال السيد المدرسي: «ومن أراد فهم القرآن زكى نفسه وطهرها من الشكوك والريب وحب الشهوات، ومن الكبر والحقد والحسد والجبن وما أشبه، فآنئذ ينساب نور الهدى فيه بلا حجب ولا موانع.

 جاء في الحديث المأثور عن الإمام الصادق(ع): «إن لك قلباً ومسامع وإن الله إذا أراد أن يهدي عبداً فتح مسامع قلبه، وإذا أراد به غير ذلك ختم مسامع قلبه، فلا يصلح أبداً، وهو قول الله عزّ وجلّ: {أَمْ عَلى‏ قُلُوبٍ أَقْفالُها}»(82).

 لكن ليس العامل الوحيد فهم القرآن الكريم هو صفاء النفس كما يزعم الصوفية، وإن كان هو عاملاً مهماً، قال في الكشاف عنهم: «قال الصوفية كلهم أو جلهم: لا سبيل إلى المعرفة والعلم بالله ووحيه، والشريعة وأسرارها إلا الإيمان والتقوى، فمن اتقى الله عرفه وعرف شريعته وأحكامها، وعرف الآخرة وأهوالها، وفهم القرآن والحديث من غير درس وتعلم، ويسمون علمهم هذا بالعلم اللدني، واستدلوا بأدلة منها قوله تعالى:{وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ}»(83).

 ويرد على الصوفية بأن دعواهم تخالف ما تواتر من الأحاديث الدالة ـ ولو بالمضمون ـ على الحث على التعلم، وأن طلب العلم فريضة على كل مؤمن، وأما ما استدلوا به من الآية فإنها لا تدل على دعواهم، فلو كان العلم جزاءً على التقوى في الآية لكان يعلمكم مجزوماً، ولما اقترن الجواب بالواو، بل الأنسب اقترانه بالفاء، ثم على فرض كون {يُعَلِّمُكُمُ} جزاءً لـ{اتَّقُوا} فإنه غاية ما يدل على أن للتقوى دخلاً في حصول التعلم، ولا يدل على أدراك مقاصد الشريعة من غير تعلم، وإسناد التعلم إلى الله سبحانه لا ينافي حصول التعلم بالواسطة من قبل المعلم الصحيح.

 منها معرفة موارد النزول: فإن معرفة موارد النزول وتطبيق الآية الكريمة على مورد النزول مما يساعد على فهم خصائص وجزئيات غائبة عن الفهم الابتدائي ولا تحصل من غير الرجوع إلى موارد النزول.

 دعوى فهم كل أسرار القرآن: لكن لا ينبغي الغفلة عن أنه لا يمكن لأحد فهم كل أغوار القرآن سوى الذين خصهم الله تعالى بذلك، وقد يدعي البعض أنه يمكن فهم كل مضامين القرآن الكريم بشكل شامل لغير المعصوم، غاية الأمر لابد من أصول وشروط يجب رعايتها، وأهمها معرفة أسباب النزول، قال د.

الزحيلي وهبة بن مصطفى في تفسيره: «إن معرفة أسباب نزول الآيات بحسب الوقائع والمناسبات لها فوائد كثيرة وأهمية بالغة في تفسير القرآن وفهمه على الوجه الصحيح؛ لأن أسباب النزول‏ قرائن معبرة توضح غاية الحكم، وتبين سبب التشريع، وتعرف أسراره ومراميه، وتساعد على فهم القرآن فهماً دقيقاً شاملاً، حتى وإن كانت العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب… وكل ما سبق يشير إلى أن شريعة القرآن ليست فوق مستوى الأحداث، أو أنها سامية مثالية لا تقبل التطبيق، وإنما هي متعاصرة مع كل زمن، متفاعلة مع الواقع، تصف العلاج الحاسم لكل داء عضال من أمراض المجتمع وشذوذات الأفراد وانحرافاتهم»(84).

 وقال الحبري في تفسيره: «اهتم المفسّرون بذكر أسباب النزول، فجعلوا معرفتها من الضروريّات لمن يريد فهم القرآن والوقوف على أسراره»(85). مناقشة د.

 الزحيلي والحبري: أسباب النزول وإن كان لها الأثر في فهم القرآن غير أن هذا الفهم لا يتجاوز فهم الظاهر، وفهم الظاهر وإن كان له دخلٌ في فهم بعض أسرار القرآن الكريم غير أنه ليس العامل الوحيد لمعرفة جميع أسرار القرآن ومراميه، والعجب من هذا المفسر لا يجعل لصفاء النفس وتقوى الله الأثر في معرفة أسرار القرآن وبواطنه كما يجعله لمعرفة أسباب النزول.

 وكلام د. الزحيلي وإن اشتمل على بعض الأمور الصحيحة لكن فهم القرآن فهماً شاملاً ودقيقاً لغير المعصوم محالٌ بعد وضوح ذلك من خلال الأدلة النقلية، بل حتى من الحوادث التاريخية الواقعة التي تدل على غزارة علم أهل البيت(ع) بالقرآن الكريم، وقال السيد روح الله الخميني: «فهذا الكتاب التكويني الإلهي وأولياؤه الذين كلهم كتب سماوية، نازلون من لدن حكيم عليم وحاملون للقرآن التدويني، ولم يكن أحدٌ حاملاً له بظاهره وباطنه إلا هؤلاء الأولياء المرضيين، كما ورد من طريقهم(ع)».

 ومما يدل على ذلك من الروايات ما عن أبي جعفر(ع) أنه قال: «ما يستطيع أحد أن يدعي أن عنده جميع القرآن كله، ظاهره وباطنه، غير الأوصياء»(86).كما تقدت الطائفة الثالثة من الرويات الدالة على ذلك. والسيد الإمام يرى بأن فهم حقيقة القرآن مختصة بالأولياء، أي بالنبي(ص) وأوصيائه، وحقيقة القرآن عند السيد الإمام هي الكلام النفسي(87)، ولكن الملا صدرا يرى بأن حقيقة القرآن خلق النبي(ص)، قال: «هو والقرآن بحسب حقيقته الأصليّة خلق النبي(ص) وكلّ ما يفهمه المفسّرون ويصل إليه إدراكهم ظل من ظلاله القريبة والبعيدة وشبح من أشباحه العالية والدانية»(88).

 وذكر الطباطبائي ما مفاده بأن بطن القرآن لا يدركه إلا المطهرون، قال: «فالمحصل من الآيات الشريفة أن وراء ما نقرؤه ونعقله من القرآن أمراً هو من القرآن بمنزلة الروح من الجسد، والمتمثل من المثال، وهو الذي يسميه تعالى بالكتاب الحكيم، وهو الذي تعتمد وتتكي عليه معارف القرآن المنزل ومضامينه، وليس من سنخ الألفاظ المفرقة المقطعة ولا المعاني المدلول عليها بها… وبذلك يظهر حقيقة معنى التأويل، ويظهر سبب امتناع التأويل عن أن تمسه الأفهام العادية والنفوس غير المطهرة»(89).

ويرى ملا صدرا بأن أسرار القرآن استكمال معارف ظاهر القرآن، ونيل فهمها على حسب مراتب الناس الروحية والمرتبة الأسمى عند الأولياء قال: «وأسرار ذلك كثيرة ولا يدلّ ظاهر تفسير اللفظ عليها، ومع ذلك فليس مناقض لظاهر التفسير، بل هو استكمال له ووصول إلى لبابه عن قشره، فإنّ للقرآن حقيقةً كالإنسان، وله قشران ولبّان كالجوز،ولكلّ منها مراتب كثيرة حسب تعدّد النشآت، وكما أنّ الإنسان الحسّي صنم لسائر مراتبه واقع في أوّل درجات الإنسانيّة ومراتبه ومعارجه، وأعلى منه الإنسان المثالي، ثمّ الإنسان النفسي، ثمّ العقلي كالحكماء، ثمّ الإلهي كالمتألهين من العرفاء والأولياء، فهكذا يجب أن يعلم مراتب فهم القرآن، فكلّ أحد لا يفهم إلا بما يتحقّق فيه»(90).

وبذلك يتضح بأن ليس لكل أحد خيار أن يصل إلى درك جميع معاني وحقائق القرآن الكريم، بل ما دون ذلك أيضاً منوطٌ بسلوك المفسر الروحي والقدرة العلمية باللغة وقواعد التفسير.

 موانع فهم القرآن: كما أن للقرآن عوامل تساعد على فهمه كذلك هناك عوامل تحجب الإنسان عن درك وفهم القرآن الكريم، والموانع لفهم القرآن الكريم متعددة ولكن نذكر بعضها: منها اتباع الهوى: فإن من يتبع هواه أخذ بنفسه نحو الإلتصاق بالدنيا وتنعم أعضائه المادية بها، هذا يصد عن سلك ما يوجب سمو الروح، وبالتالي يؤدي إلى عدم إدراك ووعي المعارف التي تسمو بالروح إلى ساحات السعادة، وقد دلت على ذلك جملة من الأحاديث منها ما روي عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: «إنما أخشى عليكم من بعدي اتباع الهوى، وطول الأمل، فإن طول الأمل ينسي الآخرة، واتباع الهوى يصد عن الحق»(91).

 إطلاق الحديث يشمل فهم وإدراك القرآن الكريم، قال الملا صدرا: «أما الذين غرَّتهم الحياة الدنيا فهم أهل الحرص والشهوة، فلغاية ميلهم إلى اللذات العاجلة وحرصهم إلى اقتناء المال واكتساب الشهوات صاروا محجوبين عن فهم القرآن ومعانيه، دون ألفاظه ومبانيه، وعن إدراك أمور الآخرة وأحوال المبدأ والمعاد، والعلم بالمفارقات والربوبيات، فانكبوا عن الطريق وحرموا عن الجدوى، جعلوا أصابعهم في آذانهم، واستغشوا ثيابهم، نسوا الله فأنساهم أنفسهم»(92).

 منها: التكبر: كما قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}، وعن ابن عيينه يقول: «أنزع عنهم فهم القرآن وأصرفهم عن آياتي»(93).

 وليس هذا الخلق السيء يحجب عن فهم القرآن فحسب بل كثير من الأخلاق السيئة تحجب مثل العجب والرياء، وحتى الذنوب تأثر في تكوين حجاب على القلب فيمنع إدراك القرآن(94).

ومنها: التقليد الأعمى: كما أن دعوة النبي(ص) لم تؤثر في قلوب من كانوا يقلدون آباءهم، فإن طبع التقليد في شأن التفسير أيضاً يحجب عن إدراك البراهين الصحيحة والحقائق، قال الدكتور وهبة بن مصطفى: «إن إقامة الحواجز دون فهم القرآن وقبوله وتدبر معانيه، كان بسبب التقليد الأعمى وإعراضهم الناشئ عن تصميم وحزم ألا ينظروا فيما يسمعون نظرة تأمل وإمعان ليميزوا بين الحق والباطل»(95)‏.

ثمار فهم القرآن الكريم: بما أن القرآن الكريم كتاب هداية ولا شك في كون الغرض من إنزال الله تعالى له هو هداية الناس الهداية العملية، وهي متوقفة على الهداية النظرية، فهو كتاب هداية لطريق الحق، وكل ما يصب في تسهيل الوصول إلى طريق الحق، بل هو هداية لطريق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، والهداية الأخروية والروحية على اختلاف درجاتها فإن نيل كل درجة منها متوقف على السعي إلى أخذها بالطريقة التي أمر الله عز وجل بها، وواضح كون سعادة الدارين تحتاج إلى العلوم في شتى المجالات، وعلى هذا فإن في فهم القرآن انفتاحاً للعلوم في جميع المجالات، ولربما أشار إلى ذلك ما روي عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: «من فهم القرآن فسر جمل العلم»(96).

 ولذا قيل بأن العلوم الإسلامية حصيلة الجهود  التي بذلها عباقرة الفكر الإسلامي في مجال فهم القرآن الكريم والسنة الشريفة(97).

 وقال الدكتور وهبة بن مصطفى في تفسيره: «ومن يوفقه الله للعلم النافع، وعلى التخصيص فهم القرآن والدين، ويرشد إلى هداية العقل، فقد هدي إلى خيري الدنيا والآخرة، وأدرك الأمور على حقيقتها… ومن أعطي الحكمة (العلم النافع الصحيح) وفهم القرآن، فقد أعطي أفضل ما أعطي من جمع كتب علم الأولين من الصحف وغيرها»(98).

وهنا نصل إلى ختام المقال، نسأل الله أن يأخذ بأيدينا إلى طريق فهم معاني كتابه وأسراره، والحمد لله رب العالمين وصلِّ اللهم على أشرف خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

الهوامش والمصادر

  • (1)تفسير الطبري، ج1، ص59.
  • (2)التسهيل، ج2، ص9.
  • (3)مسند أبي يعلى، ج8، ص23، ح4528. تفسير الطبري، ج1، ص58، ح74 وح75. تفسير الثعالبي، ج1، ص138.
  • (4)تفسير الطبري، ج1، ص59. تفسير ابن كثير، ج1، ص6، وقال فيه: إسناده صحيح.
  • (5)تفسير الطبري، ج1، ص 59. تفسير ابن كثير، ج1، ص7.
  • (6)تفسير الطبري، ج1، ص59. تفسير ابن كثير، ج1، ص7.
  • (7)تفسير الطبري، ج1، ص59. تفسير ابن كثير، ج1، ص7. الطبقات الكبرى، ج2، ص381. سير أعلام النبلاء ج4، ص242.
  • (8)تفسير الطبري، ج1، ص57. تاريخ بغداد، ج11، ص118. شعب الإيمان، ج2، ص424.
  • (9)تفسير الطبري، ج1، ص59- 60. تفسير ابن كثير، ج1، ص7.
  • (10)نفس المصدر.
  • (11)تفسير الطبري، ج1، ص60.
  • (12)تفسير الطبري، ج1، ص60، و61، نقلت العبارة مع تصرف لأجل التوضيح.
  • (13)التسهيل، ج2، ص9، العبارة نقلتها بتصرف لأجل التوضيح.
  • (14)الجامع لأحكام القرآن، ج1، ص35.
  • (15)تفسير الطبري، ج1، ص61.
  • (16)الجامع لأحكام القرآن، ج1، ص34. البرهان في علوم القرآن للزركشي، ج1، ص8.
  • (17)التبيان، ج1، ص4. مجمع البيان، ج1، ص39.
  • (18)تفسير الطبري، ج1، ص322، 339، 667، وج2، ص7، 26، 186، 337، 415، 522، 537، 557، 566، 571، 574، 576، 586، 587، 588، 589، 591، 592، 598، 599……الخ الموارد كثيرة جداً.
  • (19)فرائد الأصول، ج1، ص56.  البيان في تفسير القرآن، ص265.
  • (20)الجامع لأحكام القرآن، ج1، ص33.
  • (21)تفسير الثعالبي، ج1، ص99. الإتقان في علوم القرآن، ج2، ص477. أبجد العلوم، ج2، ص175. مقدمة المحرر الوجيز، ج1، ص13.
  • (22)سورة النساء، الآية 59، وذكر هذا الدليل لهذا القول القرطبي في تفسيره، ج1، ص33.
  • (23)سنن الترمذي، ج4، ص269، ح4023. تفسير الطبري، ج1، ص54- 55. كنز العمال، ج10، ص222.
  • (24)كمال الدين وتمام النعمة، ص257.
  • (25)تفسير الإمام العسكري (ع)، ص4. وسائل الشيعة، ج28، باب الحكم بغير الكتاب والسنة، ص33.
  • (26)سنن أبي داود، ج2، ص178، ح3652. سنن  الترمذي، ج4، ص268- 269، ح4024. السنن الكبرى، ج5، ص31، ح8086. مسند أبي يعلى، ج3، ص90، ح1520.
  • (27)تفسير العياشي،ج1، ص17.
  • (28)تفسير العياشي، ج1، ص17.
  • (29)تفسير العياشي، ج1، ص18.
  • (30)بحار الأنوار، ج89، ص107.
  • (31)بحار الأنوار، ج89، ص107، ح2.
  • (32)بحار الأنوار، ج89، ص108، ح3.
  • (33)تفسير الطبري، ج1، ص55.
  • (34)تفسير الطبري، ج1، ص54- 55.
  • (35)وسائل الشيعة، ج27، ص40، ح6، والسند صحيح بناءً على توثيق مشايخ المشايخ الثلاثة؛ لأن في السند مثنى الحناط وهو لم يوثق غير أن المشايخ الثلاثة قد رووا عنه.
  • (36)وسائل الشيعة، ج27، ص186، ح27.
  • (37)توحيد الشيخ الصدوق، ص91.
  • (38)وسائل الشيعة، ج27، ص176.
  • (39)وسائل الشيعة، ج27، ص185.
  • (40)وسائل الشيعة، ج27، ص177.
  • (41)وسائل الشيعة، ج27، ص179.
  • (42)وسائل الشيعة، ج27، ص179.
  • (43)وسائل الشيعة، ج27، ص180.
  • (44)وسائل الشيعة، ج27، ص180.
  • (45)وسائل الشيعة، ج27، ص181.
  • (46)وسائل الشيعة، ج27، ص181.
  • (47)وسائل الشيعة، ج27، ص182.
  • (48)وسائل الشيعة، ج27، ص183.
  • (49)وسائل الشيعة، ج27، ص185.
  • (50)وسائل الشيعة، ج27، ص186
  • (51)وسائل الشيعة، ج27، ص188.
  • (52)وسائل الشيعة، ج27، ص188- 189.
  • (53)وسائل الشيعة، ج27، ص195.
  • (54)وسائل الشيعة، ج27، ص200.
  • (55)وسائل الشيعة، ج27، ص192- 193.
  • (56)وسائل الشيعة، ج27، ص203.
  • (57)تفسير الميزان، ج3، ص78.
  • (58)الجامع لأحكام القرآن، ج1، ص33- 34.
  • (59)تفسير الصافي، ج1، ص36- 38
  • (60)نور البراهين، ج1، ص188.
  • (61)روح المعاني، ج1، ص6.
  • (62)تفسير ابن كثير، ج1، ص7.
  • (63)أصول الكافي، ج1، ص42.
  • (64)تفسير الميزان، ج1، ص87.
  • (65)تفسير مواهب الرحمن، ج5، ص61.
  • (66)نور البراهين ج1، ص189
  • (67)لاحظ ما ذكره السيد الخوئي في كتابه البيان، ص268- 269.
  • (68)تفسير روح المعاني، ج1، ص6.
  • (69)لاحظ تفسير الطبري، ج1، ص53.
  • (70)لاحظ روح المعاني، ج1، ص6.
  • (71)الاحتجاج، ج1، ص376- 377.
  • (72)بحار الأنوار، ج89، ص103.
  • (73)تفسير الطبري، ج1، ص54.
  • (74)قرآن كتاب هدايت، ص118.
  • (75)قرآن كتاب هدايت، ص115.
  • (76)تفسير ملا صدرا، ج7، ص192-193
  • (77)لاحظ تفسير ابن كثير، ج4، ص435. تفسير المنير، ج29، ص192
  • (78)سورة الأنفال، الآية:17.
  • (79)سورة التوبة، الآية:14.
  • (80)تفسير ملا صدرا، ج7، ص193.
  • (81)سورة العنكبوت،الآية: 69.
  • (82)من هدى القرآن الكريم، ج13، ص260. ومصدر الحديث: نور الثقلين، ج5، ص41.
  • (83)تفسير الكشاف، ج1، ص450.
  • (84)تفسير المنير، ج1، ص19.
  • (85)تفسير الحبري، ص91،
  • (86)أصول الكافي، ج1، ص288، كتاب الحجة.
  • (87)قرآن كتاب هدايت، ص132.
  • (88)تفسير ملا صدرا، ج7، ص195.
  • (89)تفسير الميزان، ج3، ص54.
  • (90)تفسير ملا صدرا، ج7، ص194.
  • (91)خصائص الأئمة، ص96. إرشاد الشيخ المفيد، ج1، ص236.
  • (92)تفسير ملا صدرا، ج5، ص298
  • (93)تفسير الطبري، ج9، ص60. تفسير البغوي، ج2، ص200. تفسير النسفي، ج2، ص116. تفسير ابن كثير، ج2، ص248.
  • (94)لاحظ كتاب قرآن كتاب هدايت، ص123- 126.
  • (95)تفسير المنير، ج7، ص169.
  • (96)تفسير الصافي ج1 ص 36
  • (97)كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري، ج1، ص8.
    • (98)تفسير المنير، ج3، ص64-66.
المصدر
مجلة رسالة القلم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى