ثقافة

الانسان مخلوق من النطفة التافهة

قال تعالى: ﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا*إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا*إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾(الإنسان:1-3).

تتحدث الآيات الأُولى فبي سورة الإنسان عن خلق الإنسان، بالرغم من أنَّ أكثر بحوث هذه السورة هي حول القيامة ونِعَمِ الجنان، فتحدثت في البدء عن خلق الإنسان، لأنَّ التوجه والإلتفات إلى هذا الخلق يهيء الأرضية للتوجه إلى القيامة والبعث. فيقول تعالى: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً).

“هل”: يراد بها (قد) أو أنّها بمعنى الإستفهام التقريري أو الإنكاري، ولكن الظاهر فيها الإستفهام التقريري، فيكون معنى الجملة: (أليس قد أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً).

نعم، كانت ذرات وجود هذا الانسان متناثرة في كلّ صوب وبين الأتربة، بين أمواج قطرات ماء البحر. في الهواء المتناثر في جو الأرض، وهكذا اختفت المواد الأصلية لوجوده في كلّ زاوية من زوايا هذه المحيطات الثلاثة، وقد ضاع بينها ولا يمكن ذكره مطلقاً.ولكن هل أنَّ المراد من الإنسان هنا هو نوع الإنسان، ويشمل بذلك عموم البشر، أم أنَّ هذا الإنسان يختص بالنبي آدم عليه السلام؟.

الآية الأُخرى التي تقول: (إنَّا خلقنا الإنسان من نطفة) قرينة واضحة على المعنى الأوّل، وإن كان البعض يرى أنَّ الإنسان في الآية الأُولى يراد به آدم عليه السلام، والإنسان في الآية الثّانية يراد به أولاده، ولكنَّ هذا الاختلاف في هذه الفاصلة القصيرة مستبعدٌ جدّاً.

وهناك أقوال في تفسير (لم يكن شيئاً مذكوراً) منها: إنَّ الإنسان لم يكن شيئاً مذكوراً عندما كان في عالم النطفة والجنين، وإنّما أصبح ممّن يذكر عندما طوى مراحل التكامل فيما بعد; ففي حديث ورد عن الإمام الباقرعليه السلام” كان الإنسان مذكوراً في علم الله ولم يكن مذكوراً في عالم الخلق” 1

وجاء في بعض التفاسير أنَّ المراد بالإنسان هنا هم العلماء والمفكرون الذين لم يكونوا مذكورين قبل انتشار العلم، وعند وصولهم إلى العلم وانتشاره بين الناس أصبح ذكرهم مشهوراً في حياتهم وبعد موتهم.

وقيل “إنَّ عمر بن الخطاب” قد سمع أحداً يتلو هذه السورة فقال: “ليت آدم بقي على ما كان فكان لا يلد ولا يبتلي أولاده”).2

ثمّ يأتي خلق الإنسان بعد هذه المرحلة، واعتبار ذكره، فيقول تعالى (إنّ خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً).

“أمشاج”: جمع مَشَجْ، على وزن (نسج) أو (سبب)، أو أنه جمع “مَشِيجْ” على وزن (مريض) بمعنى المختلط.

ولعل ذكر خلق الإنسان من النطفة المختلطة إشارة إلى اختلاط ماء الذكور والإناث، وقد أُشير إلى ذلك في روايات المعصومين عليهم السلام بصورة إجمالية، أو أنّها إشارة إلى القابليات المختلفة الموجودة داخل النطفة من ناحية العوامل الوراثية عن طريق الجيّنات، أو أنَّها إشارة إلى اختلاط المواد التركيبية المختلفة للنطفة، لأنَّها تتركب من عشرات المواد المختلفة، أو اختلاط جميع ذلك مع بعضها البعض، والمعنى الأخير أجمع وأوجه.

ويحتمل كون “الأمشاج” إشارة إلى تطورات النطفة في المرحلة الجنينية.

“نبتليه”: 
إشارة إلى وصول الإنسان إلى مقام التكليف والتعهد وتحمل المسؤولية والإِختبار والإمتحان، وهذه هي إحدى المواهب الإلهية العظيمة الذي أكرم بها الإنسان وجعله أهلاً للتكليف وتحمل المسؤولية، وبما أنَّ الإختبار والتكليف لا يتمّ إلاَّ بعد الحصول على المعرفة والعلم فقد أشار في آخر الآية إلى وسائل المعرفة، والعين والأُذن التي أودعها سبحانه وتعالى في الإنسان وسخرها له.

ثم بيّن كبف انه تعالى هداه والانسان ينخذ الشكر اي الطاعة او الكفر، وعلى المجموع فإنّ الآية تشير إلى ثلاث مسائل مهمّة مصيرية في حياة الإنسان: “مسألة التكليف”، و”مسألة الهداية”، ومسألة “الإرادة والإختيار” والتي تعتبر متلازمة ومكمّلة بعضها للبعض الآخر.3


المصادر والمراجع

1-مجمع البيان، ج 10، ص 406.
2- المصدر السابق.
3- الأمثل في تفسير الكتاب المنزل ج 19 ص 245_248

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى