ثقافة

عندما يتحدث الجسد أخلاقا

تمهيد – الجاذبية الفعالة: قال المولى سبحانه وتعالى واصفاً وناعتاً للنبي الأعظم(ص): {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(1).

 ولا شك أن المولى سبحانه عندما يذكر هذه الصفة يريد منا أن نتوقف عندها وأن نعطيها مساحة من التأمل والتفكر المتريث والمتفحص لكل جنباتها.

 الأخلاق وما تمثل؟! وتجربة الرسالة متمثلة في النبي محمد(ص) عندما مارست الأخلاق في كل جنباتها؟ وما الذي حصل وماذا انتجت؟! يقول المولى سبحانه في موضع آخر: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}(2).

 الأخلاق وسلامة المنطق: بالمقابلة بين هذه الآية وسابقتها تعرف أن الأخلاق التي كانت تتحرك مع الرسالة في كل جنبات ومراحل الدعوة قد كانت عنصراً وعاملاً مؤثراً في انتشار الدعوة المحمدية، إلى درجة أن أخلاق محمد(ص) كفت في أسلمة دول وقبائل عديدة.. وما زالت تكفي لذلك؟! فلا يكفي أن يمتلك الإنسان سلامة المنطق؟ أو حقّانية الموقف؟! بل لابد من أن يمتلك بجانب ذَين أخلاقاً عاليةً تمكنه من النفاذ عبر بوابة القلب إلى مقر العقل.

 فحسن الخلق يعد الجاذبية الأكثر فعالية.

 والتعبير القرآني يشهد بوضوح لهذا المعنى، حينما قال المولى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا… لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.

 الأخلاق جاذب وسوؤها مبعد: علاقة التجاذب (بين حسن الأخلاق   وانجذاب الناس)، (وبين سوء الخلق   وابتعاد الناس) هي التي ينبه عليها القرآن الكريم وأهل بيت العصمة(ع)، حيث ورد عن الأمير(ع): «سوء الخلق يوحش النفس ويرفع الأنس»(3).

 فعندما تتجمّع كل الخصال والأخلاق البشعة كالغضب والكذب والسباب والتكبر وغيرها، فإن النفس تصبح بشعة بالتبع وبشكل “أتوماتيكي”، ولا تعتقد أن النفس لا تمتلئ استبشاعاً وقباحةً تخفى على الناس، بل ستجد نفسك دوماً في حالة وحشة وظلمة، وسترتفع حالة الأنس بوجودك عندما تلتقي مع الآخرين، لتجد الآخر يفر منك كلما اقتربت منه، وتجد القريب الذي لا يمتلك الفرار يستوحش بوجودك ويسأل الله أن يخلصه من الثقل الجاثم على قلبه.

 ويقول الإمام علي(ع) بهذا الخصوص: «سوء الخلق يوحش القريب وينفّر البعيد»(4).

 فسوء الخلق أثرها على النفس أولاً: من خلال الكآبة والحزن والشعور بالوحدة، وأثرها مع الآخرين: من خلال نفور الناس منك وافتقاد وجودك لأي أنس ومحبة، بل يكون وجوداً موحشاً مُسئماً.

بخلاف ما لو اجتمعت مثل صفة الحلم والصدق وسلامة اللسان والتواضع وأمثالها، فإن هذه الصفات لها سحر وتأثيرات عجيبة إذا ما مورست في إطارها الصحيح والسليم.

 فعن أمير المؤمنين(ع): «ثلاث يوجبن المحبة: حسن الخلق، وحسن الرفق، والتواضع»(5)، وعنه أيضاً:«من حسن خلقه كثر محبوه وأنست النفوس به»(6).

 فالباب الذي يمكن أن تدخل منه إلى كيان الإنسان هو باب القلب، وباب القلب موصد لا يفتحه إلا حسن الخلق. فالأخلاق التي دعا إليها الإسلام تمثل مفاتيح القلوب والمحبة.

 الدعوة للأخلاق: الدعوة للأخلاق في الإسلام احتلت مساحة كبيرة جداً، ونجد تكاثراً في التعبير بمثل هذا التعبير «عنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه»(7) «ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق»(8) على ألسنة بيت العصمة، وهو يعبر عن عظم منزلة الأخلاق، كما وأن دعوات العلماء والشرائح المثقفة وكل المهتمين بتنمية المجتمع تتقاطع مع هذا الحث الإسلامي الصريح، ليبرز همٌّ كبير يقض مضاجع العلاقات الإجتماعية التي انحرفت عن مسارها الصحيح في كل أبعادها ودوائرها، سواء الصغيرة والتي تبدأ بالأسرة أو الكبيرة التي تنتهي بالمجمتع، ويعود السبب في الإنحراف عن الجادة الصحيحة إلى تكاثر الصور المستبشعة والموحشة التي تمتلئ بكل ما هو قبيح وسقيم، وقلة الصور الجميلة والحسنة.

 فنحن إذن.. بحاجة إلى تصحيح المسار لنتسامى ويتسامى مجتمعنا، من خلال إرجاع العز لأخلاقنا، ومحاولة تكثير الصور والنفوس الحسنة التي تفوح زكاة وعطراً فواحاً صدقاً وتواضعاً وحلماً و…، فبها يسعد الانسان دنياً وأخرى.

 وقد ورد عن رسول الله (ص):  «رجلان آمنا وهاجرا ودخلا الجنة جميعاً، فرفع أحدهما على صاحبه كما ترى الثريا، فقال: بماذا فضلته علي يا رب ؟ قال: إنه كان أحسن منك خلقا»(9).

عِندمَا يَتَحَدثُ الجَسَدُ أَخلاقًا: الأخلاق هي الملكات النفسانية والروحية التي تفرز واقعاً جميلاً، فالنفس هي مكمن الأخلاق ومخزنه، وتُعَدّ المحرك للشخصية باعتبار مَرهونيّة وجود الإنسان بها وارتباط الجسد بها، ولكن من الواضح جداً أنّ النفس لها إفرازات يفضحها الجسد، وهذا أمر طبيعي بعد وضوح العلاقة بين النفس والجسد، فما تتمتع به النفس من ملكات وصفات يمكن أن يحكيها الجسد، بل قد يحكيها بصورة لا شعورية من دون أن يُدرك الإنسان طبيعة هذه الحكاية أو أن يتحكم بها، وهذا النوع من الحكاية يعبّر عنه بـ “لغة الجسد”.

والإسلام يعد من أوائل من اعتنى بهذه اللغة، وحاول أن يهذّبها ويضع لها إطاراً محدداً تسير على وفقه، فكما أنّ النفس تفعل في الجسد وتؤثر أثرها، فالجسد أيضاً إذا فرض على النفس بعض الصور والوضعيات فإنّ النفس تتأثر به تبعاً.

من هنا يمكن أن نقول أنّ الشرع كما اعتنى بالصفات التي تكون النفس مكمناً لها كصفة الحب والأخوة الإيمانية وحرمة الحسد ونحوها، اعتنى بالصفات الجسدية ووضع لها إطاراً يهذّبها وينمّيها.

 وهذا ما سنصطلح عليه بأخلاق الجسد. فكيف يمكن للجسد أن يتحدّث الأخلاق؟! بلى يمكن للجسد أن يتحدث الأخلاق، بل يمكن أن يكون بليغاً في منطقه، قويّاً في تأثيره وسحره، وذلك عندما يستعمل ما يمتلكه من أدوات سحرية وملكات قوية.

 فدعنا نذكر مثالاً لتلك الأدوات الجسديّة السحريّة.. البشاشة ومفعولها العجيب: الوجه صفحة الإنسان التي يراه الآخرون من خلالها، فهو الذي يعطي تعبيراً عن حال الإنسان ونفسه، ألا ترى أنه يمكن معرفة مرض الإنسان من عافيته بمجرد النظر إلى وجهه، فكذلك يمكن لبعض التعبيرات النفسانية أن تظهر ويكون الوجه حاكياً لها، فمن هنا جاءت أحاديث عديدة تركز على ضرورة الإعتناء بالوجه، باعتبار أنه المعبر والناطق الرّسمي عنك، سواء أكان ذلك باختيار وشعور منك.. أم كان من دون شعور واختيار، ونذكر لك جملة من هذه الأحاديث الواردة(10) عن بيت العصمة(ع): – «الق أخاك بوجه منبسط».

 – «البشر منظر مونق وخلق مشرق».

 – «بشرك يدل على كرم نفسك».

 – «من أخلاق النبيين والصديقين البشاشة إذا تراؤوا»

. فإياك أن تُهمل قسمات وجهك فتتركها للنفس تفعل فيها ما تشاء، فتتأثر بها سلباً أو إيجاباً، لأنّ هذا من شأنه أن يُضعف مقدار مودّتك ومحبة الآخرين إليك، ألا تعلم أنّ إطلالة الوجه وهو في حالة بشر وطلاقة وسعادة – بحيث تمُكّن للنفس السعيدة الفَرحة الجميلة التي في داخلك من أن تتصرف في قسماتك فرحاً وسروراً وجمالاً- تختلف كثيرا عمّا لو كانت الإطلالة في متناول النفس التعيسة الحزينة الحقودة؟! فمن الطبيعي أنّ من يلقاك مستبشراً بلقياك، يختلف عمن يلقاك وهو لا يرغب في لقياك؟! فإنّ «البشاشة حبالة المودة» و«البشاشة فخ المودة»، فيكفي أن تعيش الأخلاق والجمال في وجهك لتفرض على الآخر أن يُحبك..؟!

 البشاشة سبب في موت العداوة: لا يمكن أن يحمل الإنسان لمن يلقاه بطلاقة الوجه وإشراقته إلا المودة في قلبه، لتجد العداوة ولو كانت جبلاً شامخاً تنهار شيئاً فشيئاً حتى تتلاشى، كل ذلك بفعل البشاشة، يقول النبي (ص): «حسن البشر يذهب بالسخيمة» ويقول الامام علي(ع): «القهم بالبشر، تمت أضغانهم».

وينبغي بنا أن نشير إلى أن الطلاقة والبشر لا يمكن أن يُخادع فيهم الإنسان، وذلك أن الطلاقة الطبيعية التي تخرج من أعماق النفس والقلب تختلف عن تلك المصطنعة التي لا تتجاوز انبساطاً للجلد وقبضاً له، وذلك أن الطبيعية المملوءة بالروح تختلف عن تلك المتكلفة، فكأنما هناك موجات كهربائية خاصة وجميلة تنبعث من الطبيعية بخلاف المتكلفة إذ تنبعث منه ذبذبات مزعجة قبيحة وإن كان شكلها جميلاً ومونقاً.

 الإبتسامة عنصر مهم ومكمل: إذا أراد الإنسان أن يضيف إلى طلاقة وجهه سحراً آخراً؟! فكل ما عليه أن يضيف “ابتسامة” لوجهه البشوش ليكتمل جمال الصورة فـ«من تبسّم في وجه أخيه كانت له حسنة»، فالبسمة قد تفتح أبواباً كانت محكمة بالمفاتيح والأقفال.

 فقلوب الناس لا تريد أكثر من البشاشة والإبتسامة..، وما أسهلهما وما أصعبهما في هذا الزمان، فهو سهل ولكن ممتنع فهو: (السهل الممتنع).

فمن الصعب جداً إعطاء الغير ابتسامة وطلاقة في الوجه في حين النفس تكتنف المآسي والضيق، فمشاكل هذا الزمان سواء المعيشية أو السياسية أو غيرهما، أصبحت ثقيلة جداً يعجز الإنسان عن حملها، ولذلك تبرز مشكلة كيفية إخفاء كل هذا الأسى خلف وجهٍ مشرق، وببِشره يعبر؟! وأنا اعتقد أن الروايات السابقة لم تغفل هذه المشكلة، ولكن هي بنفسها تدعو إلى أن نفهم مسألة مهمة وهي أنّ من نتواجه معه لا دخل له في أسانا وحزننا؟! لتبرز لنا مسألة مهمة يجب أن ندركها وهي أن لا نشابك بين الخطوط بعضها البعض، بل لا بد أن نحافظ على مسافة البعد المطلوبة بين كل خط وخط..، كي لا نتسبب بأي تماس كهربائي يودي بحياتنا إلى الهلاك..؟! إذن.. حافظ على ابتسامتك وبشاشتك مع كل الناس، مع الصديق والحبيب والزوجة والإبن والبنت..، لأن الإبتسامة والبشاشة تحافظ على هدوء العلاقة، وأنس القلب والروح… المصافحة.. والمعانقة.. ننتقل الآن إلى خلق آخر يمارسه الجسد، وهو خلق المصافحة؟! إذ المصافحة تشكل تأثيرات اليد في انفعالاتها مع اليد الأخرى، وبهذا الصدد وردت مجموعة من الروايات نذكر منها ما يلي: – «من أخلاق النبيين والصديقين..، المصافحة إذا تلاقوا».

 – «إذا لقيتم إخوانكم فتصافحوا».

 – «إن المؤمن إذا صافح المؤمن تفرقا من غير ذنب».

 – «مصافحة المؤمن أفضل من مصافحة الملائكة».

 – «أنتم في تصافحكم، في مثل أجور المجاهدين».

 هذا هو حجم الدعوة للمصافحة بالذات، وهكذا هي عناية أهل البيت(ع) بهذه المسألة التي قد تبدو لدى البعض بسيطة، لحد لا يعتني بها، ولكن هي في الواقع عظيمة عند الله حتى أنها سبب لغفران الذنوب ونيل ثواب المجاهدين، فهو خلق ذا قيمة رفيعة عند الله عزّ وجلّ.

وتمام المصافحة المعانقة «إن من تمام التحية للمقيم المصافحة وتمام التسليم على المسافر المعانقة».

ويعود ذلك للسحر المختزن في يد الإنسان وجسده، يقول رسول الله(ص): «تصافحوا، فإن التصافح يذهب السخيمة». وعنه أيضاً(ص): «تصافحوا، فإنه يذهب بالغل».

 فعناية الإسلام بالمصافحة والمعانقة من هنا تبدأ، وإلى هذا ترمي وتهدف: (القضاء على العداوة والمشاحنات) أينما كانت، وبأدوات بسيطة قد يعجز عن تقديم ما تقدمه.. جلسات.. واجتماعات.. وحوارات توفيقية وإصلاحية لا تجدي في حل المشكلة والقضاء عليها، ولكن مصافحة هنا وهناك، ومرة وأخرى، وعناق يلف البدن ويضمه، كفيل بذلك!! فعن الباقر(ع):«إذا صافح الرجل صاحبه فالذي يلزم التصافح أعظم أجراً من الذي يدع، ألا وإنّ الذنوب ليتحات فيما بينهم حتى لا يبقى ذنب».

وعنه أيضا: «إن المؤمنين إذا التقيا فتصافحا أدخل الله عز وجل يده بين أيديهما وأقبل بوجهه على أشدهما حباً لصاحبه فإذا أقبل الله عز وجلّ بوجهه عليهما تحاتت عنهما الذنوب كما يتحات الورق من الشجر».

فإذا أردت أن تكون ليدك وجسدك فاعلية كبيرة وحديث بالأخلاق البديعة، فعليك أن تملأهما حباً ومودة يشعر بها الآخر وتدخل كيانه لتهز نفسه من الداخل، والزم بيدك كي تخجله بحبك له ومودتك إياه، فإذا فعلت ذلك كنت أكثر ثواباً، وعاد النفع عليك أيضاً بأن ربيت نفسك من الداخل، وعلّمتها كيف تقضي على الحقد والضغينة.

 فهناك حركتان لهذا الخلق، حركة نحو الخارج وتجاه الآخر، وحركة نحو الداخل والنفس، الحركة التي تكون نحو الآخر هي حركة المحبة والمودة التي تتكفل بترقيع العلاقة وإزالة العداوة من قلب الآخر، والحركة التي تكون نحو الداخل هي التغلب على الحقد والضغينة والتكبر الذي قد يكون معشعشا في النفس.

 الجسد في المجالسة: قد يبدو لك للوهلة الأولى أن الكلام والحديث هو اللاعب الأساسي في أي مجالسة، وهو المؤثر في نفوس الجالسين، وهذا الاعتقاد لوحده غير صحيح بل هناك لاعب آخر لابد من أن تتنبّه له وأن تدعه يلعب دوره، هذا اللاعب هو جسدك؟! نعم جسدك في طريقة جلسته ووضعه، يمكن أن يتحدث ويتكلم بالنيابة عنك، حيث ينقل أنّ «من السنة إذا حدثت القوم أن لا تقبل على رجل واحد من جلسائك، ولكن اجعل لكل منهم نصيباً».

وزّع نظراتك وأدر بصفحة وجهك، وانظر لهذا وابتسم في وجه ذاك وأعر الآخر اهتماماً وعناية، تكسب ود الجميع ومحبتهم وتبتعد بذلك عن الخلق السيء.

 جمال الجسد وزينته: ما أكثر ما يهمل الإنسان زينته ومظهره عند لقيا أصدقائه وأحبائه، اتكالا على أن هؤلاء (الحال واحد ويّاهم)، وهذه مقولة لا يصح تطبيقها على المظهر إلى حدٍّ يظهر فيه الجسد في صورة قبيحة ورائحة نتنة، يقول الإمام(ع): «ليتزين أحدكم لأخيه المسلم إذا أتاه كما يتزين للغريب الذي يحب أن يراه في أحسن الهيئة»، وورد أيضاً عن الإمام الكاظم(ع) :«لا ينبغي للرجل أن يدع الطيب في كل يوم».

 ألا تجد نفسك لا تحب النظر إلى الصورة البشعة، وتتقزز عند شم الروائح النتنة، فالأمر كذلك عند الآخرين فإنهم سيستبشعونك عندما يكون مظهرك مظهر قبيح لا جمال ولا ترتيب فيه، وسيستقذرونك عندما تكون رائحتك نتنة عفنة.

 فاحرص أن تكون بالمنظر المناسب الذي يعبّر ويتحدث عن شخصيتك كما يجب، فإن الشخص الجميل الذي تفوح منه رائحة العطر بمجرد أن تراه ويقترب منك يعطيك انطباعاً بأنه نظيف يحب الجمال ومنظم ولطيف، بعكس ذلك الشخص القبيح في منظره فإنك إذ رأيته رأسا يخطر في بالك أنّه إنسان وسخ ثقيل وغير محبوب، ولذلك تجد أن الجميل في منظره ولباسه يكثر أصدقاؤه ومحبوه، بينما القبيح في منظره ولباسه يقل محبوه.

ولا يفهم البعض أن المسألة تعني أننا لابد أن نلبس الفاخر الغالي، لا، يمكن أن يكون اللباس في قيمته رخيصاً ولكن في منظره جميلاً، فالمهم هو المنظر الجميل لأنه يتحدث عنك ويعبّر عن شخصيتك.

 المشي دلالات.. {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}(11).

 هذه الآية المباركة تحمل عظة ونصيحة جاءت على لسان لقمان الحكيم، ويكفيها قيمة أنّها جاءت على لسان هذا الرجل الحكيم وقد اعتنى القرآن الكريم بنقل مواعظ هذا الرجل الحكيم، إذ القرآن يقول قبل هذه الآية : {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ..}.

العظة والنصيحة التي نريد أن نتحدث عنها هنا تتمثل في قوله {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً} المرح يعني المشي بحالة من التكبر والتعجرف، وقد عبر القرآن الكريم في موضع آخر عن هذا الموضوع أيضاً فقال: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً}(12).

نعم تجد أناسا عندما يمشون كأنّ رأسهم قد بلغ السماء علواً، وأرجلهم قد غاصت في الأرض ثباتاً وقوة، وهذا ادعاء كاذب ومفضوح، لأن السماء عالية لا تُدرك، والأرض ثابتة لم تخرق، ولكن يوحي للناس بذلك ويخدع نفسه ويغالطها، هذا ما يفعل التكبر بصاحبه عندما يفسح له المجال كي يعبر، وليته لم يعبر ولا تحدث بشيء، لأن حديثه حديث مفضوح كذبه، ومعروفة طريقته، فتجد الناس بدلاً من أن يدخلهم الخوف عند النظر إلى هذا الإنسان المتكبر، ينظرون إليه بعين الشفقة تارة، والسخرية أخرى بهذا الشخص المخدوع بنفسه، وبدلاً من أن يجذب الناس حوله ينفّر الناس من حوله.

 بخلاف ذاك الشخص الذي يملأ مشيه تواضعاً وسماحةً، فإنّه يمتلئ هيبةً ومحبةً في قلوب الناس، فإنّك لو نظرت للناس المحبوبين حقيقة ستجدهم المتواضعين السمحين.

المصادر والهوامش

  • (1) سورة القلم: 4.
  • (2) سورة آل عمران: 159.
  • (3) ميزان الحكمة، [1-4]، ط1، دار الحديث، ج1، ص801.
  • (4) [م.ن].
  • (5) المصدر السابق، 469.
  • (6) المصدر السابق، ص805.
  • (7) المصدر السابق ص798.
  • (8) المصدر السابق ص800.
  • (9) روضة الواعظين: 378.
  • (10) راجع: ميزان الحكمة، ج1، فإن الأحاديث الوادرة في هذا المقال منقولة منه.
  • (11) سورة لقمان: 18.
  • (12) سورة الاسراء: 37.
المصدر
مجلة رسالة القلم

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى