ثقافة

الشيخ عيسى قاسم والتجربة البرلمانية الأولى

تمهيد روي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إن العلماء ورثة الأنبياء…»(1).

عندما نتأمل مسيرة الأنبياء المباركة لتبليغ الدعوة الإلهية وتصحيح المسيرة البشرية نقف عند حقيقة غير قابلة للشك والارتياب وهي أنهم قد أفنوا حياتهم لأجل هذا الهدف بالرغم من المواجهة العنيفة من قبل جبهة الجهل والشهوات والاستكبار، من هنا كانت سيرتهم مليئة بالعذابات والمعاناة والتضحيات، ولقد كان العلماء حقاً خير ورثة للأنبياء، فكانوا الأمناء المخلصين للأمّة والدين، فإن كنّا اليوم نتفيأ ظلال الرسـالة الإلهية والقيم الإنسـانية الرفيعة، فذلك لأنها وصلتنا عبر تضحيات هؤلاء العلماء الأفذاذ، فإن العلماء لم يرثوا فقط علم الأنبياء وحلمهم وورعهم وتقواهم وفضائلهم، وإنما ورثوا أيضاً مكانتهم وقيادتهم وصدارتهم للأمّة في إدارة شؤونها، وبالتالي فقد ورثوا أيضاً جهاد الأنبياء وتصديهم لأي فكر دخيل على الفطرة الإنسانية السويّة.

 وإذا ما نظرنا إلى سير هؤلاء العلماء الأعلام سنجد أن بينها شموس لا يمكن أن تغيب ويحل مكانها الظلام، تهدي بنور سيرتها وفكرها الأمم إلى جادة الصواب، ومن بين هؤلاء الأوتاد قائدنا المفدّى سماحة آية الله المجاهد الشيخ عيسى أحمد قاسم أدامه الله تاجاً على رؤوسنا وأبقاه ذخراً لهذه الأمّة، الذي أفنى عمره الشريف لخدمة الإسلام والدفاع عنه، فلقد كان ولا يزال قلب الأمّة وضميرها وقائدها ودرعها الواقي، وإذا نظرنا إلى سيرة حياته العطرة سنجدها ملآى بالقيم السامية، والمبادئ الفاضلة، والصفات الكريمة، هذا مضافا ًإلى الجهاد والتضحية في طريق ذات الشوكة، على الرغم من أن الإحاطة بمثل حياة هذا العظيم أمر في غاية العسر والصعوبة لأنه شديد التحفظ والتعتيم على كل ما يمس ذاته وما هذا إلا لشدّة ورعه وتقواه وإخلاصه فأدّى إلى إنكار ذاته وذوبان أناه في ذات الله (سبحانه وتعالى).

ونحاول في هذه الوريقات أن نسلط الأضواء على فترة مهمة من حياة هذا العالم الفذ وفي تاريخ بلدنا، ألا وهي فترة ما بعد استقلال البحرين عن الانتداب البريطاني وتأسيس المجلس التأسيسي والمجلس الوطني المنتخب، الذي كان للشيخ دور بارز وريادي فيهما، لعلّ وعسى أن يُسارَ على دربه ويستنار بهداه.

 الشيخ والقوانين الرئيسية في البحرين الدستور: الدستور (بالانجليزية: Constitution) هو القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة (بسيطة أم مركبة) ونظام الحكم (ملكي أم جمهوري) وشكل الحكومة (رئاسية أم برلمانية) وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات التي بين السلطات وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها تجاه السلطة.

 ويشمل اختصاصات السلطات الثلاث ((السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية)) وتلتزم به كل القوانين الأدنى مرتبة في الهرم التشريعي فالقانون يجب أن يكون متوخياً للقواعد الدستورية وكذلك اللوائح يجب أن تلتزم بالقانون الأعلى منها مرتبة إذا ما كان القانون نفسه متوخياً القواعد الدستورية.

 وفي عبارة واحدة تكون القوانين واللوائح غير شرعية إذا خالفت قاعدة دستورية واردة في الوثيقة الدستورية(2).

 وقد مر تاريخ البحرين بدستورين منذ نيلها الاستقلال، الدستور الأول هو دستور 1973م والدستور الثاني هو دستور 2002م، ويكتسب الدستور الأول أهميته بلحاظ إنه دستور عقدي -أي وضع بطريقة التعاقد بين الحاكم والشعب- إذ أنه نتج عن المجلس التأسيسي الذي انتخب أغلب أعضاءه الشعب، بينما الدستور الثاني هو دستور منحة وضع من قبل الجهة الحكومية فقط إذ صدر المرسوم رقم (5) لسنة 2001م بتشكيل لجنة تعديل بعض أحكام الدستور بتاريخ 28/فبراير/2001م وقد تكفلت هذه اللجنة بوضع الدستور الجديد من دون استفتاء الشعب في ذلك.

 ولإن كان الكثير يطمح بعودة دستور 73 إلى الواجهة بدل دستور 2002م إلاّ أن سماحة الشيخ يتعدى طموحه هذا المقدار ويرى أن دستور 73 لا يخلو من سلبيات وأن الشعب قد تجاوز مستواه، من هنا يقول: “دستور 2002م غير شرعي بالشرعية الوضعية في نظرنا. والشرعية الوضعية هي المبحوث عنها هنا، أما الشرعية الإلهية فليست إلا لكتاب الله وسنة رسوله والمعصومين (عليهم السلام). والدستور المذكور متخلّف جداً، ومهمّش للشعب.

أما دستور 1973 فقد تجاوزه مستوى الشعب.

 إذاً لا بد من دستور تعاقدي من حق الشعب أن يتقدّم بمستواه على مستوى دستور 73″(3).

وقال أيضاً في خضم حديثه عن دستور 2002م: “هناك تخلف واضح جداً جداً وفي مواطن كثيرة على أكثر من مستوى للدستور الثاني عن الدستور الأول، في حين أن قفزة هائلة قطعت مسافة ثلاثين سنة على المستوى الثقافي، على المستوى السياسي، على مستوى الوعي على الحقوق، على مستوى تقدم إنسان هذا الشعب، على مستوى كثرة الاختصاصات، على مستوى انتشار الديمقراطية في العالم؛ مما يعطي توقعاً وتناسباً معقولاً جداً بأن يأتي الدستور الثاني متفوقاً بمسافة كبيرة على دستور 73، في حين أنه حدثت انتكاسة مروعة جداً بأن جاء الدستور الثاني على تخلف شديد عن الدستور الأول، سالباً كثيراً من صلاحيات الشعب تحت قبة المجلس الوطني”(4).

وقال أيضاً: “لا الدستور الأول، ولا الدستور الثاني ولا الميثاق تامة إسلاماً ولا ديمقراطية.

 إنها لا تمثل الإسلام الصادق الكامل، وليس من دعوى أحد هذا مطلقاً.

لا أظن أن أحداً يجرأ أن يقول: إن الميثاق يمثل الإسلام القرآني التام، وكذلك الدستور الأول، والدستور الثاني، ثم لا دعوى أيضاً أن الميثاق يمثل الديمقراطية في أكبر صورة متقدمة لها ومثله الدستور الأول، والدستور الثاني”(5).

 المجلس التأسيسي: بعد استقلال البحرين عام 1971م، تم تكليف الخبير الدستوري المصري الدكتور عثمان خليل عثمان -وهو ممن أسهموا في وضع الدستور الكويتي الشيء الذي يفسر تأثر الدستور البحرين بشكل واضح وجلي بدستور دولة الكويت الصادر في عام 1962م- لوضع مسوّدة لدستور البحرين يساعده أربعة وزراء، وبعد الانتهاء من المسوّدة صدر بتاريخ 20 يونيو 1972م مرسوم بقانون من أمير البلاد رقم(12) لسنة 1972م بتأسيس مجلس تأسيسي وطني مهمته إقرار دستور للبلاد.

 سماحة الشيخ في يمين الصورة مع اعضاء المجلس التاسيسي وقد تألف المجلس التأسيسي المعني بوضع دستور البلاد من 22 عضواً منتخباً، وثمانية أعضاء معينين، و(12) عضواً بحكم مناصبهم الوزارية في الحكومة.

وقام الناس بانتخاب مرشحيهم صباح يوم 1 ديسمبر 1972م، وقد انعقدت الجلسة الأولى للمجلس التأسيسي في يوم 16/ديسمبر/1972م في قاعة المجلس التأسيسي بمبنى بلدية المنامة، وقد قرر رئيس المجلس مع النواب يومي السبت والثلاثاء موعداً لجلسات المجلس الأسبوعية، وقد عقد المجلس التأسيسي 45 جلسة، منها تسع جلسات سرية لمناقشة اللائحة الداخلية للمجلس، فبتاريخ 30/ديسمبر/1972م أقر المجلس التأسيسي لائحته الداخلية وأصدرها ونشرت بالجريدة الرسمية.

 وبتاريخ 9/يونيو/1973م أقر المجلس التأسيسي دستور دولة البحرين في غضون ستة أشهر ورفعه للأمير فصدق الأمير على الدستور وأصدره بتاريخ 6/ديسمبر/1973م.

 وتم نشره في الجريدة الرسمية في عددها الصادر يوم 6/ديسمبر/1973م، وقد اشتمل الدستور الذي أقرّه المجلس التأسيسي على (109) مادّة. ونصت المادة الأخيرة منه على أنه: “ينشر هذا الدستور في الجريدة الرسمية ويعمل به من تاريخ اجتماع المجلس الوطني، على ألا يتأخر هذا الاجتماع عن اليوم السادس عشر من شهر ديسمبر 1973م”.

وبتاريخ 16/ديسمبر/1973م انعقد أول اجتماع للمجلس الوطني ومنذ ذلك التاريخ بدأ العمل بأحكام الدستور.  

احدى جلسات المجلس الوطني المجلس الوطني: في ديسمبر 1973م تم انتخاب المجلس الوطني الذي عرف لاحقاً بـ(برلمان73)، وتألّف من (30) عضواً منتخباً و(13) وزيراً هم أعضاء في المجلس بحكم مناصبهم في الحكومة.

 وقد انعقدت أولى جلسات المجلس الوطني بتاريخ الأحد 16/ديسمبر/1973م وكان من المفترض أن يستمر المجلس مدّة أربع سنوات لكن ذلك لم يحدث، فقد حل المجلس عام 1975م على خلفية قانون تدابير أمن الدولة الذي أقر في عام 1974م.

 فقد استقالت الحكومة في أغسطس 1975م بعد أن تغيبت عن حضور المجلس ثلاثة أسابيع بعد جدل طويل حول قانون تدابير أمن الدولة، وفي يوم 26 أغسطس 1975م صدر مرسوم رقم (14) لسنة 1975م يقضي بحل المجلس الوطني، كما صدر أمر أميري رقم(4) لسنة 1975م بتأجيل انتخابات المجلس إلى أن يصدر قانون جديد. يقول سماحة الشيخ في هذا الصدد واصفاً تلك التجربة: “تجربة أول مجلس تأسيس في البحرين أتاحت فرصة لمشاركة شعبية في رسم الخطّ السياسي لها، وأنتجت دستوراً فيه بعض بصمات للإرادة الشعبية.           

وجاءت من بعدها تجربة المجلس الوطني، وكان للإرادة الشعبية حضور فيه مما اضطر الحكومة عندما اصطدمت إرادة نواب الشعب بإرادتها في تمرير قانون أمن الدولة المضرّ بأمن المواطنين، والمصادر لإرادتهم أن تتخلى عن دعوى ديمقراطيتها عَلَناً وتحُلَّ المجلس من غير أن تستطيع أن تمرّر كلَّ ما تريده باسم النواب كما هو متاح لها اليوم في عملية تزوير مفضوحة لإرادة الشعب”(6).    

الكتلة الدينية: شهد المجلس الوطني بروز ثلاث كتل سياسية، كتلة الشعب، الكتلة الدينية، وتجمّع الوسط المستقل. أما كتلة الشعب فهي تمثل النواب الاشتراكيين والشيوعيين وحركات القوميين العرب وضمّت ثمانية نواب في المجلس الوطني، وأما الوسط المستقل فيضم 17 عضواً في المجلس الوطني، وتشير لفظة (مستقل) هنا إلى عدم الالتزام بأي اتجاه عقائدي أو حزبي معروف، أما لفظة(وسط) فتعني التأرجح السياسي بين الكتلة الدينية وكتلة الشعب، وأما بالنسبة للكتلة الدينية فقد ضمت سبعة نواب وهم ( سماحة الشيخ عيسى قاسم، سماحة الشيخ عبد الأمير الجمري، سماحة الشيخ عباس الريّس، الأستاذ عبد الله المدني، الأستاذ حسن المتوّج، الأستاذ سليمان المبارك، السيد مصطفى القصاب) وقد تبنت الكتلة الدينية برنامج عمل موسع شمل فيما شمل دعم النقابات العمالية ومطالب العمال، وتحريم بيع الخمور، وفصل الذكور عن الإناث في التعليم العالي أي في كلية الخليج الصناعية أسوة بفصله في المدارس الرسمية، كما دعت إلى عدم إشراك المرأة في النوادي والجمعيات المختلطة، وإلى تجنب العمل في المؤسسات الاقتصادية والوظائف التي تجمع بين الجنسين، وإلى منع الطبيب الذكر من الكشف على المرأة المريضة، وإلى غير ذلك من الأمور التي تتماشى مع القيم الإسلامية والأخلاق الحميدة(7).

 وفي لقاء أجرته صحيفة «السياسة الكويتية» مع النائب البحريني محمد جابر صباح وتحت عنوان: “نحن ضد قانون أمن الدولة… والمجلس الوطني يعمل من أجل استقرار الأمن في البلاد… نحن لسنا شيوعيين… ولا نزايد… وإنما نعمل من أجل البحرين»، يقول: «لا أدري لماذا يقف الشيخ عيسى قاسم ويتهم الكتلة الشعبية داخل المجلس بأنهم يتصارعون من أجل حب الظهور، وإننا نزايد في قضايا المصلحة العامة… نحن والكتلة الدينية كنا نناقش مختلف القضايا في وقت واحد، وبالقدر نفسه من الحماس والاهتمام… الكتلة الشعبية ناقشت قضايا العمال كما ناقشتها الكتلة الدينية… ناقشنا مشكلة الغلاء وناقشتها الكتلة الدينية… طالبنا بالإفراج عن المعتقلين في السجون وطالبت الكتلة الدينية هذا الأمر… فإذا كانت هناك مزايدات كما تدعي الكتلة الدينية؛ فإذاً اشتركت هي في المزايدات من حيث لا تعرف. ثم إن مصلحة الوطن تنبع أساساً من إرادة الشعب… والإرادة الشعبية حتى الآن ترفض قانون أمن الدولة… وعلى الكتلة الدينية أن تمسك بالخط الوطني… وتعرف أنها ليست هي التي تقرر مصلحة الوطن وإنما الشعب هو الذي يقرر”(8). وهذا النص يكشف عن جملة من الحقائق التاريخية، منها(9): – هناك حالة من الصراع الأيديولوجي العقدي بين الكتلة الدينية وكتلة الشعب.

– إن الكتلة الدينية كان لها دور لا يقل وطنية عن دور كتلة الشعب في معالجة الملفات الساخنة وقتها وعلى رأسها مشكلة غلاء المعيشة والإفراج عن المعتقلين والقضايا العمالية وهي قضايا وضعتها الكتلة الدينية في برامجها الانتخابية.

 – كان هناك سباق محموم بين الكتلتين (الشعب والدينية) في طرح القضايا الوطنية الحساسة وهو ما يدل عليه نص صباح حين يقول: “نحن والكتلة الدينية كنا نناقش مختلف القضايا في وقت واحد، وبالقدر نفسه من الحماس والاهتمام”.  

صورة للشيخ نشرت مع لقاء صحفي أجري معه فترة انتخابات المجلس الوطني وقد وجهّت صحيفة السياسة الكويتية سؤالاً إلى سماحة الشيخ عيسى قاسم آنذاك كان مفاده: على أية قاعدة ترتكز الكتلة وهل لديها نشاطات مختلفة؟ فأجاب سماحته بكل وضوح “أن القوى الدينية تقوم على الشعور الديني العام الموجود… وتقوم على القاعدة الدينية العرفية التي شارك في بنائها قرون طويلة… فأبقت إسلاماً بنسبة معينة في النفوس، يستنكر أي تحرك معادٍ للقيم الإنسانية النبيلة، سواء جاء من حاكم أو محكوم… هذا الشعور العام يولد تياراً دينياً قوياً لا يقوم على التنظيم الحزبي… ولكن يمثل قوة لأنه شعور الشعب في نسبته الكبيرة… والدين في البحرين وغيرها هو أمانة الشعوب قبل أن يكون أمانة فئة ضيقة، وأتصور أن الشعوب لإيمانها وإسلامها… وما يحدث من فتور، إنما هو من الاستسلام للغفلة، ومن باب وجود تكتيكات معينة تستغل بساطة الإنسان المسلم، الذي لم يرق إلى مستوى التعليم… تستغل فيه هذه البساطة، لتركز فيه جانب الخمول… وإلا لو أحس على مستوى الشعوب أن هناك تحدياً للإسلام لثار الإنسان ولكن هذا الإنسان ليس في المستوى من ناحية إهمال القرون الطويلة له، ومن ناحية ما ابتلينا من حكام ظلمة على امتداد التاريخ الطويل… من خلال هذا التاريخ، الذي شوه نفسية الإنسان المسلم وأبعده كثيراً عن روح اليقظة الإسلامية… هذا جعل الإنسان المسلم لا يشعر بالتحدي فتأتي الأشياء الجديدة المعادية لصلب الدين… ويمكن للدعايات أن تريه أن الوضع عادٍ… ولو أحس أن الوضع مع هذه التجديدات التي تتناول جذور الدين، لبرز كقوة هائلة… وطاقة ضخمة، لا يقف أمامه حكام الظلم والفئات الحزبية… ولكن هو مصاب بالسبات… وهذا السبات خلفته الأجواء السياسية التي حكمت حينها باسم الإسلام وهي بعيدة عن الإسلام وحينها كاشفت الجماهير وحكمت الجماهير من دون الإسلام”(10).

الكتلة الملتزمة أم الكتلة الملتحقة؟ يجيب سماحته قائلاً: “كلما مرّت الشخصية بتجارب سياسيّة وعملية وأثبتت جدارتها من خلال الامتحان بعد الامتحان كانت أولى بهذا الموقع لأنه موقع ليس للتشريف وإنما موقع للجهاد.

 إنه موقع يحمّل صاحبه أن يقول للباطل باطل، وللحق حق، وأن يقف مع الحق ضد الباطل.

 لابد من شرط الرسالية، لابد من شرط الإيمان، لابد من شرط الكفاءة. وحينما طُرح أمر الكتلة الواحدة إنما طُرح من أجل أن تكون الجبهة النيابية الرسالية قويّة، ومتماسكة، ومبنية بناءً مرصوصاً.       

الكتلة التي يحكمها ميثاق واحد، ومنهج واحد ستُمثّل قوة ذات ثقل كبير مؤثّر داخل المجلس، ولن تستطيع المداورات السياسية واللُعَبُ السياسية في الأكثر أن تُفتِّتها لصالح سياسة الحكومة أو لصالح أي جهة أخرى. جرّبنا الأصوات الملتحقة في تجربة المجلس الوطني الأسبق، وفي تجربة المجلس التأسيسي، جرّبنا الأصوات الملتزمة، وجرّبنا الأصوات الملتحقة وجدنا من الأصوات الملتحقة تخلفاً في كثير من الأحيان، وتخلّياً عن تحمّل المسؤولية. قد يقف معك موقفاً أو موقفين ولكنه يتخلّى عنك في الموقف الثاني أو الثالث، وحين يأتي القرار الصعب كقرار التخلي عن النيابة نهائيّاً يتوقف الكثيرون من غير المبدئيين، ويتوقف الكثيرون من غير أهل الالتزام، والذين أعطوا عهداً من قبل ذلك. فرقٌ بين أن تدخل بكتلة مبنية مختارة مدروسة وبين أن تبحث عن تجميع كتلة من هنا وهناك بعد الانتخابات، من يقول لك بأن هذا يساوي ذلك؟!”(11).

 قانون أمن الدولة: يعود تاريخ قانون «تدابير أمن الدولة» إلى العام 1974م عندما قدّمت الحكومة مسودّة قانون «تدابير أمن الدولة»، الذي يمنح الحكومة الحق في استجواب واعتقال أي شخص يهدد أمن الدولة دون محاكمة، واحتجازه لمدة ثلاث سنوات على ذمة التحقيق دون محاكمة أيضاً، كما وأنه يعطي القانون المذكور المحكمة الصلاحية لكي تبني حكمها على اعتراف المتهم فقط، ويخضع اعتراف المتهم للتقييم العام للمحكمة بغض النظر عما إذا كان الاعتراف حصل رغما عنه، أو ضد متهم آخر شريك أو ما إذا كان الاعتراف حصل أمام محكمة أمن الدولة أو قاضي التحقيق أو خلال فترة التحقيق التي يقوم بها المدعي العام أو أمام الشرطة. إلا أن هذا القانون آنف الذكر قد جوبه برفض شديد من قبل كل أعضاء المجلس الوطني، وعلى الرغم من رفض المجلس الوطني مسودة القانون أصدر قانون تدابير أمن الدولة في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 1974 على شكل مرسوم خلال عطلة المجلس الوطني، وعندما افتتح المجلس الوطني بعد العطلة الصيفية المخصصة له تبين للحكومة من خلال المناقشات التي دارت في الجلسة النيابية المخصصة لبحث قانون أمن الدولة أنها قد تفشل في إقراره، فانسحبت الحكومة بأعضائها المعينين بما فيهم رئيس الوزراء من الجلسة وطار النصاب، غير أنه في شهر آب أغسطس سنة 1975م وتحت إصرار نواب المجلس من المعارضة البرلمانية على الغاء هذا المرسوم، قام أمير البلاد في السادس والعشرين من شهر أغسطس 1975م بإصدار مرسوم أميري يقضي بموجبه تعليق العمل بالدستور وحل المجلس الوطني وتعطيل الحياة الديمقراطية، استناداً الى دستور البلاد الذي كان يخول له فعل ذلك وإدارة البلاد عبر المراسيم الأميرية وتفعيل قانون أمن الدولة، وفي 20 مارس/ آذار 1976 صدر قانون العقوبات الجزائي والذي بني في أساسه على إجراءات قانون «تدابير أمن الدولة»، وألحقتها الحكومة بأربعة مراسيم أخرى تركزت في تشكيل محاكم أمن الدولة، وتوسيع دائرتها، وتوسيع دائرة القضايا التي تعتبر من قضايا أمن الدولة وبعد انفراج الأوضاع بعد ميثاق العمل الوطني صدر مرسوم بقانون (11) لسنة 2001م بإلغاء قانون تدابير أمن الدولة.

 هذا وقد عارضت الكتلة الدينية هذا القانون منذ اليوم الأول لطرحه في البرلمان، وكانت الحكومة تريد إحداث شرخ بين كتلة الشعب (يسار) والكتلة الدينية، ليتيح لها السيطرة وإحكام القبضة على المجلس، فقد كانت الحكومة تتكلم مع الكتلة الدينية بما يناسب مزاجها، ثم تتحدث مع كتلة الشعب بلغة يستطيبها أفراد الكتلة وبالتالي كان المسعى الحكومي واضحاً في اللعب على أوتار الايديولوجيات وإثارة كوامن الصراع بين الكتل(12)، ولقد كان سماحة الشيخ مع أفراد الكتلة الدينية أشدّاء في مواجهة هذا القانون الجائر أكثر من غيرهم خلافاً للإشاعات والدعاوى الكاذبة التي يطلقها بعض اليساريين بين الفينة والأخرى.

 وينقل أن الشيخ عبد الله بن خالد وزير البلديات والزراعة آنذاك قال لسماحة الشيخ عيسى قاسم: يا شيخ القانون ليس موجه إلى المتدينين والإسلاميين بل هو متوجه إلى العلمانيين الذين لا يرون الحجاب ويشربون الخمر فلماذا تعترضون؟ فقال له الشيخ: اليوم العلمانيون وغدا نحن الإسلاميون وهذا القانون ما دام جائراً فنحن لا نسمح بإقراره فقال الشيخ عبد الله بن خالد: إذاً اليوم ننزع هذه الأخشاب ويبدو أن هناك معركة ستكون في البرلمان نتضارب فيها بالأخشاب والألواح.

فقال الشيخ: وليكن ذلك ولن نقبل بتمرير هذا القانون(13)، ومن هنا يقول سماحته: “البرلمان السابق حله قانون أمن الدولة، وإصرار الإسلاميين بالخصوص وأقولها ومستعد لأن أجادل أي واحد…، إصرار الاتجاه الإسلامي بالخصوص على رفض القانون، الموقف الصلب الذي لم يقفه أي تيار آخر في الموضوع، وأقولها بصراحة (وخل يجي أي واحد من تيار آخر وأذكْره)”(14)، وقال أيضاً موضحا ً ما جرى بشيء من التفصيل: “وأما عن الوضوح والغموض في الشخصيات فالكاتب الذي أشار إلى ذلك نفسه يعرف من تجربة الوطني الأول أن كم كان هذا العبد عيسى صريحاً شديد الصراحة معه ومع فريقه في مواجهة الكفر المواجه للإسلام، وكم كان هذا العبد كذلك صريحا شديد الصراحة في النقاش مع الحكومة، وكم قاوم وبكل قوة قانون أمن الدولة أكثر مما قاوم الفريق الآخر.

 وأتذكر كلمة طارق المؤيد وزير الإعلام آنذاك حيث استنكر عليّ موقفي بقوله: يقولون أنك أشدّ من اليساريين في مواجهة القانون. فقلت له ما مفاده: ما قيل لك صدّقه ويعرف الآخرون أن قانون أمن الدولة إنما سقط بموقف الإسلاميين في الأكثر.

 وإذا أرادوا أن يناقشوا فأنا مستعد لأناقشهم في ذلك، وليتذكّر من يتذكّر من الذي تغيّب عن جلسة التصويت، ومن الذي حضر استعداداً لإسقاطه، على أن الجلسة لم تنعقد وكان آخر مقابلة بيننا أنا وجملة من الإخوان من الكتلة الإسلاميَّة وبين الحكومة وقد يئست الحكومة على أثرها من أن تمرّر القانون، وأوقف عمل المجلس عند ذلك.    

ذلك ما كان عليه موقفنا في وقت ما كنّا مهددين فعلا بقانون أمن الدولة، وأنا واحد وأضطر أن أقولها ممن تيأس أنت أيها المتحدّث والحكومة وغيركما من تنازله عن دينه وقناعاته الدينية لما هو غير الدين الحقّ، وأسأل الله (عزَّ وجلَّ) أن يصدّق هذا اليأس ويقيني العثار والخسار”(15). وقال في سياق شجبه لقانون مكافحة الإرهاب: “موقف مضى كان متعلّقاً بقانون أمن الدولة في المجلس الوطني في السبعينات، ذلك الموقف لو قارنت بينه وبين المجلس النيابي اليوم لرأيت فرقا شاسعاً.

ما كانت الكتلة الدينية تشعر بأي تهديد فعليّ في ذلك الوقت من قانون أمن الدولة، فمن ناحية فعلية آنذاك كأن قانون أمن الدولة لم يكن يعني الكتلة الدينية بلحاظ نفسها بشيء، لأنها ما كانت تقود صراعا مع الحكومة، والعمل الإسلامي كان في بداياته. ولكن الكتلة الدينية كانت هي الأشد صلابة في الموقف من ذلك القانون، وكان موقفها هو الموقف الحاسم الذي منع ذلك القانون من أن يُمرّر باسم الشعب.

وما كان وراء رجال الكتلة الدينية في المجلس وظائف تنتظرهم في الخارج، وما كانت الأمور ميسّرة لهم من ناحية مادية على الإطلاق، كان كذلك موقف السبعينات، واليوم يُمرّر قانون هو بمستوى قانون أمن الدولة وبيسر.

 يبدأ المجلس في مناقشاته لهذا القانون أو في استقبال هذا القانون بضجّة، ثم ينتهي إلى موافقة عليه ولا ندري ما وراء تلك الموافقة من وعود ومن إكراميات ومن منح وجوائز.

 أما الذين يتصوّرون اليوم أن القانون المسمّى بقانون مكافحة الإرهاب إنما يعني غيرهم ربما عضّوا على إصبع الندم غدا وحيث لا ينفع الندم، ولا يُتدارك ما فات.”(16).

الميثاق: يعتبر ميثاق العمل الوطني في البحرين وثيقة احتوت على مبادئ عامة وأفكار رئيسية، الهدف منها إحداث تغيرات جذرية في منهج العمل والأداء، وتحديث سلطات الدولة ومؤسساتها(17)، وقد صدر ميثاق العمل الوطني في فبراير عام 2001م، وبلغت نسبة الموافقة عليه 98.4% بعد أن تلقت المعارضة وعوداً خطيّة وشفاهية على أن تكون الصلاحية التشريعية الكاملة للمجلس المنتخب، إلا أن هذا الميثاق أقر نظاماً جديداً في البلاد يقضتي وجودَ مجلسين: مجلس للشورى معيّن، ومجلس آخر ينتخبه الشعب ويكون لكل منهما الصلاحية التشريعية.

هذا، وقد كان سماحة الشيخ معارضاً لمشروع الميثاق منذ أول وهلة وقد صرّح بذلك مراراً وفي أكثر من مناسبة فقد كان الشيخ يقول: “فإذا كان الشعب واثقاً من وعود الأمير فلا حاجة إلى مثل هذا الميثاق لأن الميثاق لا يزيد على وضع الثقة في الأمير هذه ملاحظة رئيسة”(18)، وكان يقول: “ما من إيجابية بالنظر الديمقراطي في المشروع إلا وقد سبق إليها دستور 73 من قبل”(19).كما أنه أصدر بياناً تفصيلياً موسعاً ناقش فيه مواد الميثاق وقد احتوى البيان على عرض تحليلي لمفهوم البيعة في الإسلام، يقول سماحته: “وكان لي في الميثاق كلمة وكان لي بيان يمكن أنه قد حجب عن الجماهير هنا، كان لي رأي في الميثاق أتوقع أنه قد حجب عن المؤمنين”(20)، وقال أيضاً: “الميثاق الشعب رضي به وكل المعارضة كانت في زفة واحدة باتجاهه وصار طرب بالميثاق وفرح عام وما إلى ذلك وكنت شاذاً في هذا الموضوع على أي حال… وكنت معارضا ً للميثاق وأنزلت بيانا ًبذلك وبينت أن هناك ميثاقا ًلا يصح الخروج عليه وهو الميثاق مع الله (سبحانه وتعالى)، والميثاق فيه ثغرات كثيرة ومن ضمن الثغرات أنه لم يشترط في الحاكم شيئاً أصلاً حتى الإسلام، وما كنت راضياً بالضمانات الشفهية، وقد كان لي بيان وأكثر من بيان أيضاً وكان لي اتصالات بلندن والبحرين وكنت لآخر الموقف لست مع الميثاق وفعلاً الذين ذهبوا للتصويت على الميثاق من طلاب قم هم قلة خارجة عن المجموعة وكان أكثر طلاب قم لم يذهبوا إلى طهران للتصويت على الميثاق”(21).  

صورة خطية لجزء من بيان الشيخ حول الميثاق ولذا يقول سماحة الشيخ عبد الجليل المقداد -فرّج الله عنه- واصفاً موقف الشيخ من الميثاق: “إنصافاً كان موقف الشيخ عيسى أحمد قاسم (حفظه الله) واضحاً بالنسبة لنا في قم، وأنا كنت مطلّع على البيان الذي صدر من سماحة الشيخ الداعي لرفض مشروع الميثاق! وقد كانت رؤية الشيخ واضحة بخصوص البيعة المتضمنة في الميثاق وكان يراها أنها غير جائزة فضلاً عن الاستشكالات القانونية والملاحظات السياسية عليه، وقد كان البيان متداولاً عندنا في قم وكنا مطّلعين عليه، بل أن الشيخ عيسى قاسم كان يريد إنزال بيان -آخر- أشد من هذا البيان يدعو لرفض الميثاق، وحتى مع دعوة المعارضة في الداخل للتصويت على الميثاق كان يريد إنزال هذا البيان إلا أنه تراجع في المشاورات الأخيرة واكتفى بهذا البيان”(22).

 ومما جاء في بيان الشيخ بخصوص الميثاق أنه: “إذا أراد مشروع الميثاق أن يُرضي المؤمن الملتزم بالإسلام أطروحة عامة للحياة فعليه أن ينادي بتحكيم الكتاب والسنّة وهما قمة الحق والعدل، ومنهاج الصلاح والفلاح الذي لو عاشه النّاس لذاقوا من حلاوة عطاءاته ما يزهدهم في غيره من المناهج؛ ولكن النّاس أعداء ما جهلوا.

 وإذا أراد مشروع الميثاق أن يواكب التوجهات الديموقراطية فعليه أن يتقدم مستوى في هذا المضمار على دستور سبقه بعشرات السنين، أو لا يقل عنه على أقل تقدير”(23).

ومع كل هذا وذاك ينبغي أن لا ننسى حقيقة يذكّرنا بها الشيخ نفسه وهي أنه: “أنا لما أتحدث عن الميثاق.. عن دستور 73… عن دستور 2002 فإنما أتحدث عن دساتير ومواثيق من صنع الأرض، ودساتير الأرض ومواثيقها في إيماني الأكيد من حيث كوني مسلماً أنها يجب أن تخضع للميثاق الأكبر مع الله، وأن لا تخرج قيد شعرة عن دستور الله.. قرآن الله، وسنّة رسوله (صلَّى الله عليه وآله). وقلبي.. ويدي.. وكلّي مع منهج الله، مع الميثاق الأول الأكبر مع الله قبل أن يكون مع أي شيء آخر”(24).

 و “كل كلمة موضوعة الميثاق والدستور الأول والثاني تعالج مسائل وعلاقات معينة في بلد واحد، في إطار زمني محدود، لحياة فئة بشرية خاصة، أما منهج الإسلام فهو منهج عالمي لحل مشكلات الحياة كل الحياة، والإنسان كل إنسان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وعليه فرؤية الإنسان المسلم ممتدة ومتسعة امتداد الإسلام وسعته ولا تتقوقع في إطار محدود”(25).

 أرقام وحقائق إن المراجع لتاريخ تلك الحقبة الزمنية لا يسعه إلا أن يقف مشدوها ً وهو أمام الأرقام القياسية التي حطمها سماحة الشيخ في المجلسين فقد كانت يده الطولى وكان له قدم السبق في كل شيء بالرغم من صغر سنه إذ لم يكن يتجاوز الثالثة والثلاثين من العمر آنذاك، ولولا أنّ هذه الأرقام قد ذكرتها المصادر الرسمية للدولة لكان من الممكن أن نرمى بالمثالية ونتهم بالمبالغة وتضخيم الأمور: – ترشح سماحة الشيخ لعضوية المجلس التأسيسي عن الدائرة الرابعة عشرة، ونافس مترشحين اثنين وحصل على (984) صوتاً وانسحب من الجلسة السادسة بعد إقرار مشاركة المرأة في العملية السياسية(26). 

سماحة الشيخ يقرأ القسم الدستوري   – ترشح سماحة الشيخ لعضوية المجلس الوطني عن الدائرة الخامسة عشرة، ونافس أربعة مترشحين وحصل على (1079) صوتاً وهي أعلى نسبة أصوات في البحرين ككل(27)، فكان الشيخ هو الرقم الأول في البحرين بإحرازه أعلى نسبة أصوات في البحرين كلها على الرغم من أنه لم يعلّق للشيخ أي صورة أو ملصق دعائي أثناء الحملة الانتخابية(28)، يليه الشيخ عبد الأمير الجمري بـ(817) صوتاً ثم عبد الله المدني بـ(771) صوتاً(29).

 – كان الشيخ أوّل من دخل من النواب إلى قاعة المجلس التي تعقد فيها جلسات المجلس الوطني(30).

– كان الشيخ أكثر الأعضاء مداخلةً() وقد انسحب من الجلسة(31) 21 إبريل 1974م بعد فشل التصويت على قانون منع الاختلاط(32). – ترأس سماحته لجنة الشكاوى والعرائض في المجلس الوطني كما ترأس الشيخ عبد الأمير الجمري لجنة الخدمات (33).

– امتاز الشيخ بالشخصية القيادية داخل المجلس، فقد برز بوضوح أمام الجميع أنه رأس الهرم في الكتلة الدينية التي ما برحت داعية لتطبيق أحكام الشرع المبين وصائنة للمجتمع من الأفكار الدخيلة على الدين، وظهر كأبرز رمز  من رموزها، من هنا يقول سماحة الشيخ حسن المالكي: “كان يرى المثقفون والعلماء في البلد أن الشيخ هو أبرز من يمكن أن يتصدى لهذا الأمر ولذلك فعلاً كان بارزاً في المجلس الوطني والمجلس التأسيسي وكان هو زعيم الكتلة الدينية والإسلامية آنذاك في المجلس وكان محترماً حتى من الوطنيين وممن يعدون من رجال السياسة القدماء إذ يرون فيه قدرات كبيرة جداً حتى قال بعضهم أنه إذا أراد أن يتحرك فإنه يتحرك بذكاء وبفطنة منقطعة النظير وبوعي وإدراك لكل الأمور”(34)، ويقول الدكتور سعيد الشهابي في نفس السيّاق: “الشيخ آنذاك كانت تجربته السياسية جديدة وكلنا كانت تجربتنا السياسية جديدة ولكن بسبب أنّا جئنا مندفعين فكان الله يسدد فكانت هناك مواقف لسماحة الشيخ وللكتلة الإسلامية الشيخ الجمري والشيخ عباس الريّس والمرحوم الشهيد عبدالله المدني وهؤلاء الأوائل المتقدمون الذين خطّوا خطاً قوياً ورسموا تاريخاً لهذه المسيرة بدمائهم وبفكرهم وسماحة الشيخ كان المتميز من بينهم فكان واضحاً أن الشيخ هو رئيس الكتلة بهذا المعنى كان ينظر إليه لأنه يتميز بخطابه ويتميز بحماسه أيضاً”(35).

 – امتاز الشيخ برصانة العبارة وجزالة الألفاظ والقوة في سبك الكلمات، يقول سماحة السيد عبد الله الغريفي: “الإسلاميون والدينيون رغم قلتهم في المجلس التأسيسي وفي المجلس الوطني إلا أنه كان لهم حضور شاخص وواضح وبارز خاصةً من خلال مواقف سماحة الشيخ فهو شخصية ثقيلة، شخصية قوية في الخطاب فخطاباته في المجلس يكون لها صدىً في الصحافة، حتى أن بعض الصحافيين كان يقول (وعجزنا أن نتابع كلمات الشيخ فلم نعرف ماذا يريد أن يقول) لأن لغته ثقيلة وحضوره قوي”(36).  

إحدى جلسات المجلس التأسيسي ويظهر الشيخ في الخلف   – الإتقان في استعمال الأساليب العلميّة والقواعد المنطقية لتقوية أو تفنيد الفكرة، يقول حسين البحارنة: “الكتلة الدينية كانت متزمتة يتحدث أعضاؤها بالمنطق وباللغة العربية الفصحى، لكنها كانت ملتزمة بأدب الحوار أكثر من الكتلة اليسارية”(37)، وللتدليل على ذلك نسوق نص مداخلة الشيخ في الجلسة السادسة -وهي أول جلسة علنية من جلسات المجلس التأسيسي- عندما فتح باب النقاش في المادة الأولى من الدستور والتي ترتبط بتعريف هوّية الدولة حيث تنص المادّة المقترحة على أن “البحرين دولة عربية مستقلة ذات سيادة تامة، شعبها جزء من الأمّة العربية، وإقليمها جزء من الوطن العربي الكبير، ولا يجوز التنازل عن سيادتها أو التخلي عن شيئ من إقليمها”(38).

وسأورد تعليق الشيخ على هذه المادة بأكمله لأهميته وعمقه، حيث كانت مداخلته في المجلس على النحو التالي: “بسم الله الرحمن الرحيم «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون». أقول بدلاً من الإنسيال العاطفي في هذا المجال نلجأ إلى المناقشة العلمية البحتة. نحن أمام تعريف لدولة البحرين والتعريف على نوعين، إما فلسفي دقّي وإما تعريف عرضي وصفي، والتعريف الفلسفي الدقّي يأخذ بالحدود الذاتية للشيء والتعريف العرفي الوصفي يأخذ بالأوصاف الملازمة له.

والبحرين هي موضوع التعريف أي إننا نريد أن نعرّف البحرين فلا بد لكي يكون تعريفاً معقولاً ومنسجماً مع شروط التعريف الصحيح لا بد أن ندخل في هذا التعريف الوصف الملازم وأقرب الأوصاف الملازمة لهذا الشيء المعرّف ولا أعرف وصفاً ولا تعرفون أنتم معي وصفاً أكثر لزوماً إلى هذا البلد أكثر من هذا الوصف «الإسلامية».

 فالبحرين لا بد أن ننص في تعريفها على أنها دولة إسلامية وإلا لسقط التعريف عن مقام التعريف المعقول، ولا يحتج عليّ بتعريفات وردت في دساتير أخرى لأن الخطأ عند إنسان لا يبرر الخطأ عند إنسان آخر.

هذا شيء وشيء آخر أن التعريف فيه خطأ كبير من الناحية الفكرية فالأوصاف الداخلة في التعريف لا بد أن تكون ذات آثار تشريعية، آثار تدخل في توجيه الحياة الاجتماعية لهذا البلد وكلمة «عربية» إنما هي وصف يتصل بشيء تكويني بالنسبة لهذا البلد والأمر التكويني معروف أنه لا دخل ليد التشريع في وضعه ولا رفعه وإنما مهما نصَّيْنَا أو لم ننص على مثل هذه الكلمة سنبقى عرباً رضينا أم لم نرضَ، والآثار التكوينية لهذا الشيء داخلة في حقيقة الإنسان منّا من ناحية تكوينية صرفة من توثب ميل نفسي ومن انسجام لغوي وما إلى ذلك، ولكن الأوصاف التي يجب أن تدخل في التعريف كما قلت هي أوصاف ذات آثار لها مدلولها الاجتماعي ولها مدلولها التشريعي في مقام وضع القوانين المنبثقة عن هذا الدستور.

 و«الإسلامي» وصف اعتباري ذو آثار تشريعية وتوجيهات اجتماعية تصوغ الحياة الاجتماعية للبلد المعرَّف.

 فعلى هذا الأساس يكون دخول وصف «إسلامية» في التعريف أوثق وأصح لتكوينه واستقامته من وصف «عربية».

 ومع هذا ولظروف خاصة وملابسات سياسية خاصة لا أعارض بشكلٍ ما أن توصف الدولة بعربية إلى صفّ وصفها بالوصف الألزم والأوثق وهو وصف «الإسلامية»، ثم نأتي إلى الناحية الواقعية وننظر إلى واقع هذا البلد وإلى أفراده ولو أجرينا استفتاءً عاماً لشعب هذا البلد وهذه هي الصورة النقية من الديمقراطية التي ننادي بها، لوجدنا الإنسان هنا مسلماً وأغلى أمانيه أن يجد بلده في يومٍ ما تعيش حياة إسلامية بنكهتها الطيّبة والرائحة التي تروق لنفسه ومشاعره، الإنسان هنا بكل أمانيه وآماله يتّجه إلى حياة إسلامية نظيفة ونقيّة وهذا ملخص للمستندات الأوليّة، وهناك مناقشات ترد على ما قدمه الإخوان ومنها ما قدمه الأخ علي سيار من قوله بأن الحياة الإسلامية لا تطاق اليوم تطبيقا، وأنا أقول وعلى عكس هذا القول، أن الحياة الإسلامية يمكن أن تطبق بكل أحكامها وحذافيرها لو عقلنا ما هو الإسلام فنحن عندما نقول في دستورنا أن الدولة إسلامية عربية لو رجعنا إلى القرآن نفسه وإلى السنة نفسها وإلى فقهاء الإسلام أنفسهم لما وجدناهم يقولون بتحويل البلد بين عشية وضحاها من بلد تحمل صبغة غير إسلامية في كثير من جنبات حياتها، كثير من مؤسساتها إلى بلد إسلامية خالصة وإنما يتبع هنا بحسب ما ورد من استثناءات في النصوص الشرعية تتبع قاعدة التدرج والسير إلى الأكمل الذي هو النظام الإسلامي فتأخذ البلد في سيرها شكلاً تدريجياً حتى تصل إلى تطبيق إسلامها تطبيقاً كاملاً، ولا يكون ذلك خروجاً عن الإسلام في هذا التدرج وإنما هو شيء نابع من الإسلام؛ لأن عندنا أن المخصص إثنان مخصص لفظي ومخصص لبّي ونحن إذا قررنا مواد إسلامية هنا يجب أن تحكم هذا البلد وإن لم نورد عليها مخصصات لفظية بلحاظ الفترة الزمنية التي يمتنع علينا أن نطبّق فيها الإسلام، إلا أن المخصص اللبي الذي هو يتصل باختلال النظام في تطبيقنا للإسلام مرة واحدة ودفعة واحدة أي اختلال النظام وفساد التكوين الاجتماعي لو أردنا أن نقلب أوضاع المجتمع في هذه السرعة الهائلة هذا نسميه مخصص لبّي يتيح لنا أن نخصص النصوص الدستورية الواردة على ضوء القرآن والتي نريد أن نحكم بها هذا البلد ولذا نتخلص من مشكلة عدم استطاعة تطبيق النظام الإسلامي في هذه السرعة وأقول هذا للإخوان”(39).  

– عُرف الشيخ في داخل المجلس بحماسه المنقطع النظير للإسلام وعدم قبوله للباطل أو التسليم له، وعلى سبيل المثال لا الحصر نسوق بعض مداخلاته في المجلس التي نلاحظ فيها دفاعه المستميت عن إسلامية الدولة وكون الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع، فقد جاء ضمن مداخلته في المجلس: “فإني لا أثني فقط وإنما أصر الإصرار الشديد والذي ليس بعده إصرار على أن يدخل وصف إسلامية، وإلا لأنقصنا من الأمانة التي حملنا إياها”(40).

 وجاء ضمن انتقاده للفنون الرخيصة والتعليم المختلط: “…الدستور الذي حرص أو أصر على ألا يضع الإسلام وصفاً للدولة، وحرص وأصر على ألا يضع الإسلام مصدر التشريع، هذا الدستور بهذه الصبغة التي يعادي بها الإسلام لا نستطيع أن نستسلم لأمانته -يقاطعه الرئيس- الرئيس: أطلب من العضو المحترم أن يسحب كلمته.

 الشيخ عيسى قاسم: لماذا؟ الرئيس: لأن الدستور لا يعادي الإسلام.

 الشيخ عيسى قاسم: يعاديه بعض معاداة وهذا واقع لا يمكن الفرار منه. الرئيس: أطرح الموضوع أمام المجلس. الشيخ عيسى قاسم: أنا أبقي على ما قلته، ولا أرى داعياً للانسحاب.

الرئيس: أنا لا أقبل في هذا المجلس أحدا ًمن الأعضاء يقول أن الدستور يعادي الإسلام.

 الشيخ عيسى قاسم: بعض معاداة ولا شك ثابت هذا واقع.

 الرئيس: الموضوع مطروح أمام الأعضاء الذين يؤيدون رأي العضو المحترم يرفعون أيديهم. المؤيديون: 3 أعضاء، المعارضون: 34 صوتاً. الشيخ عيسى قاسم: إذاً من وجهة نظري الخاصة لهذه الوساوس والمخاوف مبعث صحيح وواقعي وعلى هذا الأساس أصر على التعديل الذي جئت به”(41). 

 سماحة الشيخ في نقاش مع علي سيار وحصلت مشادة بين سماحة الشيخ وعلي سيّار في المجلس التأسيسي حيث وصف هذا الأخير الإسلام بأنه رجعي لا يستطيع تنظيم الأوقاف فألجمه الشيخ بقوله: ” الرجعية التي في تلافيف النص كما ادعى علي سيار في تصوري إنه في تلافيف دماغه قبل أن يكون في تلافيف النص، لأن النص إسلامي صريح وإذا اتهم الإسلام بالرجعية فالأولى أن نتهمه هو بالرجعية وليسمح لي… علي عبد الله سيّار: -نقطة نظام- هذا تعريض بالأشخاص والحديث عن نص مطروح وليس عن الأشخاص.

 الرئيس: اعتراض العضو الكريم وارد أرجو من الزميل الكريم أن يقتصر على النص.

 الشيخ عيسى قاسم: لا أود أن أناقش وروده وعدم وروده وأبقى مع النص.

 النص يريد أن يربط الأوقاف الخيرية بالنظام الذي رسمه الإسلام، والأوقاف الخيرية في هذا البلد هي موقوفات على نواحي إسلامية وإذا كان للموقوف عليه مصلحة إسلامية فالأولى بالإسلام نفسه أن ينظّم هذا الوقف، هذا كل ما في المادة وليس في المادة شيء زائد هذه القضية في الأصل”(42).

يقول سماحته واصفاً تلك المواقف: “طبعاً كانت هناك مدافعة شديدة عن القيم الإسلامية، وعن الهوية الإسلامية في المجلس، وكانت هناك مناورات وجلسات وراء الكواليس بين الحكومة وبين الإسلاميين، وبين الكتل الأخرى والإسلاميين، وكان الإسلاميون على درجة من الوضوح الكافي بالنسبة لموقفهم الإسلامي والإصرار عليه في كل المواقف، ولكن وزن الكتلة وتركيبة المجلس ما كانت تسمح أكثر مما كان”(43).

سماحة الشيخ مصافحا عبدالحمد العريض – تميّز الشيخ بوضوح الرؤية وعمق الهدف في التحقيق في مواد مسوّدة الدستور، ويظهر ذلك من خلال ملاحظاته فقد كانت فيها من الدقة العالية ما يفوق المستوى العلمي لأكثر الحضور، ولم تكن تقتصر على جوانب دون أخرى، وإنما كانت إشكالاته وملاحظاته متنوعة بحسب الثغرة التي تعتري المادة الدستورية المطروحة للنقاش سواء على المستوى الفني والشكلي من المفردات وسبك العبارات وغيرها أو على المستوى المضموني من المعنى والمحتوى وغيره، بل حتى على مستوى معارضة المادة إلى أصلٍ من الأصول والثوابت الدستورية أيضاً، وتلاحظ أنه لا تمرّ مادتان أو ثلاث إلا وله ملاحظات على إحداها، ملاحظات فيها من العمق والدقة ما قد يشكل على الكثير فهمها آنذاك.

 وعلى سبيل المثال فقد جاء في المادة الرابعة عشر من الدستور البند (ب): “ينظم القانون إعفاء الدخول الصغيرة من الضرائب بما يكفل عدم المساس بالحد الأدنى اللازم للمعيشة”(44).

عقّب الشيخ على هذه المادة بقوله: “المادة الرابعة عشرة تقول في فكرتها «ينظم القانون إعفاء الدخول» أود أن أشير إلى أن الإعفاء أمر يأتي بعد ثبوت حكم على شيء فرفع هذا الحكم قد يأتي عن طريق الإعفاء والمناسب هنا ألا نعبر بلغة الإعفاء بالنسبة للدخول الصغيرة لأن لا يصح أن تكون محلّاً للضرائب، فالأصح أن تقول «ينظم القانون استثناء الدخول الصغيرة من الضرائب»، والنقطة الثانية أنه لا يحسن بنا أن يكون أقصى ما نحافظ عليه عند المواطن هو الحد الأدنى اللازم للمعيشة وإنما ما ينبغي أن يحافظ عليه على أقل تقدير هو المستوى المتوسط للمعيشة فالتعديل المقترح من قبلي هنا هو «ينظم القانون استثناء الدخول الصغيرة من الضرائب بما يكفل عدم المساس بالمستوى المتوسط للمعيشة»”(45).

وقال أيضاً “تأتي كلمة إعفاء نشازاً في التعبير والصحيح هنا استثناء ويعتبر المورد في لغة علم خاص يسمى (علم الأصول) «تخصصاً» فذوي الدخل المحدود يكونون خارجين عن موضوع الضرائب تخصصاً ولا يحتاجون إلى إعفاء”(46).

 – بالرغم من مواجهة أعضاء المجلس التأسيسي للمقترحات التي يقدمها الشيخ لتعديل مسودة الدستور في الغالب ولا تحوز النصاب الكافي من الأصوات لإدراجها في الدستور، إلا أن الشيخ بعون من الله تعالى قد استطاع تغيير بعض مواد مسودة الدستور، إذ قام بإدخال تعديلات مهمة تمثل مبادئ الإسلام وبالفعل قد تم إقرارها في دستور 73: التعديل الأول: ويعتبر من أهم هذه التعديلات، وهو إدخال كلمة «إسلامية» على المادة الأولى (أ) من الدستور عند تعريف هوية الدولة، حيث لم يكن لفظ إسلامية موجوداً في مسودة الدستور فاستبدلت عبارة «البحرين دولة عربية مستقلة»(47) بعبارة «البحرين دولة عربية إسلامية مستقلة»(48)، وبالرغم من أنها المادة الأولى في الدستور ولكنها المادة الأخيرة في الإقرار لأنها أجلّت ولم تقر إلا آخر مادة في جلسة سريّة للمجلس بسبب تشدد اليساريين في رفضها، وقد استمات الشيخ (حفظه الله) لإدخال هذه الكلمة في تعريف هوية البلد في طول عمر المجلس، ومن مكر اليسار آنذاك أنهم كانوا يضربون على الوتر الطائفي لإفشال هذا التعديل، يصف سماحة السيد علوي الشهركاني المشهد قائلاً: “أذكر أن المادّة التي صارت عليها الشدّة بين كافة فئات المجلس هي أن البحرين بلد مسلم وهنا اشتغل الشيوعيون والبعثيون والقوميون على القضية فذهبوا إلى الإخوان السنّة من المستقلين محذرين من أن الكتلة الدينية تريد بإدخال هذا التعديل أن تربطكم بإيران ويذهبون إلى الشيعة ويتكلمون معهم بلغة أن البحرين إذا أصبحت إسلامية ستصبح سلفية وسينتشر الفكر السلفي في البلد، وهم في الحقيقة يمكرون بدين الله لأنهم لا يحبون السنة ولا الشيعة ولكن الله قد رد كيدهم في نحورهم وانتصر الدينيون وثبتت المادة في المجلس وأصبحت بنداً من البنود وإن كنّا نأسف أن البحرين التي هي دولة مسلمة يصوّت على إسلامها والمهم أن الدينيون وقفوا تلك الوقفة وفخر الجميع والرئيس في ذلك هو الشيخ عيسى قاسم  (حفظه الله) الذي كان له شخصيته في المجلس”(49).

 يقول الدكتور حسين البحارنة: “وأذكر أن اليساريين والليبراليين في المجلس التـأسيسي عارضوا إدخال كلمة: إسلامية في تعريف البحرين، لكن نجحت الكتلة الإسلامية في إدخالها بعد أن صوت 23 عضواً لصالح التعديل بعد نقاش مرير(50)… وهذا تعديل مهم لم يخطر على بال أعضاء المجلس الآخرين.

 وقد فاز التصويت على هذا التعديل وذلك بعد ولادة عسيرة للغاية، أي أنه كانت هناك مناقشات عارمة بشأن إضافة هذا التعديل على الفقرة (أ) من المادة الأولى من مشروع الدستور.

 وقد بقي دستور الكويت لسنة 1962، على سبيل المثال، يحتفظ في نص مادته الأولى بعبارة «الكويت دولة عربية»”(51).

 التعديل الثاني: المادة الثانية التي استطاع سماحة الشيخ تعديلها هي الفقرة (أ) من المادة التاسعة في مشروع الدستور التي تحدد نظام الدولة الاقتصادي، وقد جرى حول هذه المادة الكثير من النزاع والخلاف في المجلس التأسيسي فإن أقطاب اليسار حاولوا جر النظام إلى الإشتراكية والشيوعية بإدخال تعديل: «الملكية ورأس المال والعمل وفقاً لمبادئ العدالة الاجتماعية مقومات أساسية لكيان الدولة الاجتماعي وللثروة الوطنية…»(52)، وكان سماحة الشيخ متيقظاً إلى هذه المرامي الخطرة وكان لهم بالمرصاد وأدخل تعديلاً للمادة ينص على أن: «الملكية ورأس المال والعمل وفقاً لمبادئ العدالة الإسلامية مقومات أساسية لكيان الدولة الاجتماعي وللثروة الوطنية…»(53)، محدداً النظام الاقتصادي في البحرين بالنظام الإسلامي خلافاً للمجتمعات العلمانية التائهة مرة صوب غرب أوربا لتتلقى دروس الرأسمالية الظالمة، ومرة ثانية صوب شرق أوربا لتستدين التجربة الاشتراكية الخاسرة، يقول الشيخ: “يعوّل العضو رسول الجشي في إثبات ما ليس بإسلامي على الإسلام وأنا أريد أن أعول على الإسلام في إثبات ما هو إسلامي، وبذلك لا أكون وحدي حاملاً لعصا الهداية كما يعبرون، العدالة عنوان حلو، والنفس التي لا تحتضن العدالة هي فاقدة لعنصر أساسي في الفطرة الإنسانية وهو حب الخير، ولأن العدالة عنوان حلو ولكنه ذو إطار فيه كثير من القابلية للتقلص أو التمدد حسب اختلاف الأهواء والآراء، لذا فسنقيّد النص بالعدالة في إطار محدد وواضح ولا يمكن أن يمسه شيء من هوى الإنسان وذلك بأن نقول «الملكية ورأس المال والعمل وفقاً لمبادئ العدالة الإسلامية مقومات أساسية لكيان الدولة الاجتماعي وللثروة الوطنية…»”(54)، وبقي الصراع والنزاع والنقاش الطويل في الجلسة وفي الأخير طرح تعديل الشيخ للتصويت وفاز ب26 صوتاً(55)وأقر في الدستور(56) وبهذا تمكن الشيخ بحنكته وقوته وشراسته في الوقوف ضد الأنظمة الإشتراكية من انتزاع نصر آخر مرة أخرى، وقد فرح الإسلاميون بهذا التعديل واستشهدوا به مراراً وعلى سبيل المثال عندما أخذ بعض أعضاء المجلس الوطني، في مناقشة سياسة الدولة الاقتصادية بالتلميح والتلويح بحسنات ارتباط اقتصاد البحرين بالاقتصاد الشيوعي، وكيف أن الوزير يوسف الشيراوي احتج على علي ربيعة، بالمادة التاسعة من الدستور، التي لا تجيز اتباع النظام الاقتصادي والاشتراكي والشيوعي، قال الشيخ عبد الأمير الجمري: “بهذه المناسبة أوجه سؤالاً للزميل، وسؤالاً للوزير.

أما في سؤالي للزميل علي ربيعة، فهو: ما هو محل الدعوة إلى ابتداء رحلة المغادرة عن الرأسمالية إلى الاشتراكية وما هو محل هذه الدعوة من المادة التاسعة بند (أ) من الدستور، والتي تنصّ: الملكية ورأس المال والعمل، وفقا لمبادئ العدالة الإسلامية، مقومات أساسية لكيان الدولة الاجتماعي وللثروة الوطنية… الخ.

 ولماذا عدل الزميل عما تدعو إليه المادة التي أقسم على احترامها حينما أقسم على احترام الدستور!! أما سؤالي للوزير فهو: ما مظاهر تمسك الحكومة الموقرة بالمادة المذكورة التي تقضي بأن تأخذ الحكومة بالتشريع الإسلامي في المجال الاقتصادي؟”(57).

 يقول الشهيد الأستاذ عبد الله المدني “هنا، تذهب الذاكرة إلى قصة هذه المادة في المجلس التأسيسي، وكيف وجدت في الدستور. كانت المادة في أصلها المقدم من الحكومة، لم تحدد المبدأ الذي تسير عليه دعائم الاقتصاد في البلاد.

 وقدمت “الكتلة الوطنية الديمقراطية”.

 تعديلا يجعل توجيه الاقتصاد بحسب الأهواء والأمزجة، بحيث بنت دعائم الاقتصاد على عبارة مطاطة يستطيع أن يستغلها الرأسمالي والشيوعي والإسلامي على حد سواء، فقالت: الملكية ورأس المال والعمل، وفقاً لمبادئ العدالة الاجتماعية مقومات أساسية لكيان الدولة… الخ.

 هذه العبارة: العدالة الاجتماعية، التي وإن كان كل إنسان يقول بها، إلا أنها ليس لها تحديد ولا مفهوم متفق عليه عند البشر، وقد حذر الإسلاميون في المجلس التأسيسي الحكومة من خطورة هذه العبارة التي كثيراً ما تستعمل لدى اليسار لتوجيه الاقتصاد الوجهة الشيوعية، التي هي خطر على النظام والبلاد بصورة عامة.

 وتقدم الإسلاميون بالتعديل الذي فاز، بالتصويت عند صياغة الدستور، فأصبحت المادة: الملكية ورأس المال والعمل، وفقا لمبادئ العدالة الإسلامية مقومات أساسية لكيان الدولة الاجتماعي وللثروة الوطنية.

وعندما وافقت الحكومة على تعديل الإسلاميين، وصوتت إلى جانبه، انسحب السيد علي سيار، والسيد رسول الجشي احتجاجاً على موقف الحكومة.

وهذا الإطار الذي أطّر به الإسلاميون توجيه الاقتصاد، قد أغلق فعلا على اليسار الشيوعي، من أن يجرأ بمطالبته الصريحة بالاشتراكية الشيوعية. كما أنّه في نفس الوقت، منع من السير والتمادي في ركاب الاقتصاد الرأسمالي”(58).

 التعديل الثالث: تعديل الشيخ الثالث كان في المادة (20) من مشروع مسودة الدستور وهي “حرية الاعتقاد مطلقة وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان طبقاً للعادات المرعية على ألا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافي الآداب “(59).

 وكان تعديل الشيخ هو: “حرية الضمير مطلقة وتكفل الدولة حرمة دور العبادة وحريّة القيام بشعائر الأديان والمواكب الدينية والاجتماعات الدينية طبقاً للعادات المرعية في البلد”، وبالفعل فقد حصل تعديل الشيخ على 27 صوتا ً مقابل صوتان قد عارضاه(60)، وبهذا تم إقرار تعديل الشيخ في دستور البحرين لعام 1973م(61).

 وقد كان لهذا التعديل مبرراته لدى سماحة الشيخ حيث قال: “إيضاحات وددت أن أطرحها بالنسبة للتعديل الوارد «حرية الاعتقاد مطلقة».

 الاعتقاد من أفعال القلوب ولا شك ومن مضمرات النفس والصدر والدستور المعروف أن لا سلطان على أفعال القلوب وسرائر النفوس، وإنما سلطانه على الأفعال الخارجية، فذكر حرية الاعتقاد وإطلاقها بالنسبة للدستوري يكون شيئاً غير وارد لأن الدستور لا يستطيع أن يمنع الاعتقاد السري ولا يستطيع أن يضع أمامه الحواجز ليعلن حمايته له وإذا أريد لحرية الاعتقاد أن تكون تعبيراً وأن تكون فعلاً خارجياً فهذا ما ينذر بخطر كبير ويقوّض المادة الثانية التي نصت على أن دين الدولة الإسلام.

 نأتي إلى (وتحمي الدولة حرية القيام بالشعائر الدينية طبقاً للعادات المرعية على ألا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافي الآداب)، لا خروجاً عن المادة وإنما استشهاداً بسيطاً أقول أنه قبل قليل تنازعنا في أن الحرية الشخصية تقيّد بالنظام العام أو لا تقيد فما بالنا نأتي هنا فننص على أن الشعائر الدينية تقيّد بالنظام العام والآداب مع أنها هي الداخلة في صلب النظام العام والآداب وهي صاحبة الدور الفعّال في خلق هذا النظام وفي خلق تلك الآداب، وعندنا قيد العادات المرعية التي تشهد بأن كل الشعائر الدينية لم تخرج عن الآداب فما دمنا قد قيدنا الشعائر الدينية بالعادات المرعية فنحن في غنىً كبير عن ذكر قيد أن لا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافي الآداب لأن هذا يكون شيئاً متضمناً في القيد الأول الذي يقول «طبقاً للعادات المرعية» والقيود في أصلها هنا غير واردة لأنه كما ذكرت أن الشعائر الدينية هي طبعاً تحتضن الآداب وهي تحدد مفهوم الآداب”(62).

 يقول منصور الجمري معلّقاً على هذا النصر الدستوري المؤزر: “عندما ناقش أعضاء المجلس موضوع المواكب الدينية كانت العادة أن تنتهي المادة الدستورية بعبارات مثل «وفقا للقانون»، أو «إلا في حدود القانون».

إلا أن الخصوصية البحرينية كان لها ثقلها، وخصوصاً مع وجود أعضاء الكتلة الإسلامية مثل الشيخ عيسى أحمد قاسم.

ولذلك انتهى الأمر إلى استبدال العبارات المذكورة بعبارة أخرى لا توجد في الدستور الكويتي وهي السماح للمواكب والاجتماعات الدينية «طبقا للعادات المرعية في البلد».

 وقد اعتزت الكتلة الإسلامية كثيراً بتحقيق هذا النص الدستوري، واستطاعت رفع القيود التي قد تدخل بطريقة غير مباشرة على الممارسات الشعائرية الدينية.

 وحتى عندما تم تأسيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية لوضع قرارات (مرتبطة آنذاك بقوانين الطوارئ)، لم يتحقق النجاح المرجو لذلك لأن النص الدستوري كان واضحاً بهذا الشأن… ذلك الانتصار الدستوري للكتلة الإسلامية بقيادة الشيخ عيسى قاسم كان وما زال موضع افتخار لمجموعة الرموز الدينية، إذ شعرت بأن حقوقها الدينية المتوارثة أباً عن جد والتي ترعاها العادات المؤطرة دينياً وشرعياً قد حُفظت”(63).

محطات ومواقف من المجلسين المحطة الأولى:- أسباب الترشح والمشاركة في العملية السياسية: بعد الإعلان عن فتح باب الترشح لمقاعد المجلس التأسيسي بعث وجهاء قرية الدراز وممثلي مآتمها وشرائح المجتمع المختلفة لسماحة الشيخ وهو في النجف الأشرف -حيث كان الشيخ مشغولاً بالتحصيل العلمي آنذاك- رسائل متعددة يطلبون منه في طياتها العودة إلى البحرين من أجل المشاركة والترشّح للمجلس التأسيسي، لما وجدوا فيه من فطنة وذكاء وحكمة وحنكة وحسن تدبير(64)، وكذلك بعث إلى سماحة السيد عبد الغريفي (حفظه الله) إلا أنهما قابلا ذلك بالتحفظ إذ كانت لديهما همّة كبيرة لمواصلة أشواط الدراسة الحوزوية ولم يكن لديهما ذلك الهم الكبير للانشغال بالسياسة وترك الدراسة فاضطّرا لاستشارة فقيهين كبيرين وهما سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد أمين زين الدين (قدِّس سرُّه) وسماحة آية الله العظمى الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدِّس سرُّه)-وقد كانت البلاد الإسلامية في تلك الفترة تغزوها الأفكار الماركسية اليسارية- وكان رأيهما التأكيد على قطع الدراسة وضرورة العودة(65)، حتى أن السيد الشهيد الصدر لمّا وجد اللهفة والحسرة على الدراسة الحوزوية لديهما قال عبارته المشهورة: “فلتكونا فقيهين ولكن ستذهبان إلى ساحة محروقة”(66)، وقال لهما: “ستصبحون فقهاء إلا أن البلد بعد رجوعكم ستكون بيد اليساريين والشيوعيين والحزبيين ولن يمكنكم أن تنقذوا البلد، الآن هذه المرحلة هي التي ترسم معالم البلد، ترككم للعودة معناه سماحكم لغيركم بأن يستلم الساحة”(67) يقول السيد الغريفي: ” قلنا له يا سيد وما عسانا أن نغيّر؟ وكم سنحصل من أصوات؟ فقال السيد الصدر: يكفي أن يرتفع صوت الإسلام في المجلس”(68).

 وبالفعل فقد نقل تلامذة الشهيد الصدر أن عين الشهيد الصدر والشيخ محمد أمين زين قد قرّت بنزول الشيخ ودخوله في المجلس فكانا يسمعان عنه وعن نشاطه وكان يغمرهما السرور عندما يسمعان بأدائه في المجلس وقد كان الشيخ محمد أمين زين الدين يمدحه ويثني عليه(69).

كما كتب الشهيد الصدر رسالة تهنئة على فوز الإسلاميين في انتخابات المجلس الوطني 72م وجهها للشيخ عيسى قاسم استهلها بقوله مخاطباً الشيخ: “بنفسي أنت!”(70).

 يقول الشيخ عيسى قاسم في نفس الصدد: “وأقول لكم: ما كان الشهيد الصدر الأول أعلى الله مقامه ورفع درجته في الجنان، ولا زين الدين أعلى الله مقامه ورفع درجته في الجنان يوم أن نصحا ودفعا للمشاركة في المجلس التأسيسي، والمجلس الوطني التشريعي الأول ما كانا يقدّران لتلك المشاركة أن تأتي بنتائج ضخمة، وأن تقلب الموازين، وأن تخلق معادلة جديدة على الأرض، ما كان الرجلان الواعيان التقيّان يتوقّعان من دخول فئة قليلة من الإسلاميين، بعضهم كان أميّاً، وبعضهم كان على شيء من العلم ليس بكثير، ما كان الرجلان يقدّران مشاركة تلك الفئة في وضع الدستور وثم في التجربة الثانية النيابية أن تهدم واقعاً، وتقيم واقعاً جديداً مكانه، كان أكثر النظر عندهما يتّجه إلى تخفيف الضرر، وإلى دفع شيء من المفاسد، وإلى أن يكون حضور للكلمة الإيمانية الرسالية الواعية بحيث تُضايق الباطل -لو كان- في مواقعه”(71).

 يكمل الدكتور سعيد الشهابي المشهد قائلاً: “الاتصالات مستمرة مع الشيخ عيسى للعودة من النجف للمشاركة في الانتخابات، وكذلك مع بقية الرموز المطلوب ترشيحها من الداخل.

وبعد اتصالات متواصلة يستلمون برقية من الشيخ عيسى تقول: (تصل العائلة الثلاثاء) وهي جملة تعني الكثير، فهو موافق على خوض الانتخابات، وأنه سوف يصل البلاد في ذلك اليوم.

تلك البرقية ربما كلف إرسالها من النجف أكثر من تكلفة مكالمة هاتفية دولية لعشر دقائق، وابتهجنا لذلك لأن مرشحنا سوف يأتي”(72).

المحطّة الثانية:- خلف كواليس الانتخابات: الوعي السياسي عند الناخبين: يقول الشيخ: “مررت في التجربة السابقة شخصيات لا يؤمن بها ناخبوها، طبعاً هناك هبوط في الوعي السياسي كثير، وأمكن استغلال بعض المناطق، إلى جنب أن العلاقات المكانية والعلاقات النسبية كانت تستفيد منها حتى الدولة بصراحة، وكانت مثلاً إذا نزل مرشح قوي ومعروف بمواقفه الشعبية وما إلى ذلك، هنا فلتضعيفه موقعه، كانت الدولة في وقتها إذا كانت المنطقة لها مرشح واحد تنـزل أربعة مرشحين، استفادت من علاقات المكان، استفادت من علاقات النسب”(73).

 ويقول: “أتذكر أن هناك مرشحاً واحداً قام يصرخ في منطقته بأنه يعرف الانجليزي… مرشحاً واحداً من الإخوان العلمانيين قام يصرخ يقول يعرف انجليزي… خير إن شاء الله ما دخل الانجليزي في تحديد المصلحة”(74).

 دور رأس المال في العملية الانتخابية: يقول سماحته: “في المجلس الوطني السابق استعمل رأس المال كمحاولة لتنازل بعض ٍمن المرشحين لصالح مرشحين آخرين مطلوبين لجهة معيّنة هذه الجهة يهمها جداً أن ينجح المرشح المعين لأن ولاءه مضمون، هذه المنطقة التي ينـزل فيها هذا المرشح المطلوب بدرجة استراتيجية عند هذه الجهة ينـزل معه مرشح آخر، هذا المرشح الآخر له فرصة في النجاح أكبر بحسب ترتيب هوية المنطقة وبتركيبتها… يستفاد من العلاقات القبلية ومن كل شيء من أجل أن ينسحب هذا المرشح الذي يتمتع بفرص أكبر في النجاح من المرشح المطلوب لتلك الجهة المعيّنة… وأتذكر أنا وبعض الأخوة كنّا نراجع بعض الشخصيات من أجل أصوات منطقة، طبعا ًبلا رأس مال ولا شيء فقط كانت عندنا كلمة التوجيه، النصح، وما إلى ذلك، وكان في قبالنا مرشح من جهة أخرى علماني -في الحقيقة- يستعمل رأس مال، اشترى صاحب المأتم وصار صاحب المأتم الذي يعزي على الحسين (عليه السلام) مع ذاك البعثي وترك المرشح الآخر بكل بساطة… الدينيون في ذلك الوقت ما كان لديهم رأس مال وما كانوا محتاجين لاستخدام رأس مال، ولم يستخدموه”(75). 

 سماحة الشيخ بجانب رئيس المجلس الوطني حسن الجشي مع بعض اعضاء الكتلة الدينية الشيخ يدعم المرشحين السنّة في الانتخابات!! يقول سماحته: “في التجربة السابقة سبق لي فيها أن بذلت محاولة بأن ينجح الإسلامي السنّي في منطقته على حساب العلماني، العلماني سواء كان شيعياً أو سنيّاً فأنّي أرجح الإسلامي السنّي أن ينجح متقدماً عليه”(76).

 ويقول أيضاً: “وأريد أن أقف هنا للتذكير فقط كانت تجربة المجلس التأسيسي والمجلس الوطني وكانت البلد أصغر من يومها هذا ولم يكن الانتباه الاجتماعي ذلك الانتباه، هذا الصغير(77) ذهب إلى المحرق وذهب إلى الحد(78) يريد التلاقي ويريد التوافق واجتماع الكلمة، فإذا كان هذا هو السلوك أمس فليس المرتقب دونه اليوم…. وأقسم بالله عز وجل صادقاً إن شاء الله أن لو كان بيدي شيء ما أجزت لنفسي أن أظلم أخاً سنياً ما استطعت، ولو بمقدار ذرة ما استطعت.

طبيعي ما استطعت مع عصمة الله (عزَّ وجلَّ)…”(79). وهذا الأمر ليس بغريب على فقيه يرى وجوب الوحدة الإسلامية، يقول سماحته -بعد أن استدل على وجوب الوحدة الإسلامية على مستوى القرآن بالآية التاسعة من سورة الحجرات والآية 103 من سورة آل عمران والآية الثانية من سورة المائدة(80)، وعلى مستوى السنة بموّثقة سماعة وصحيحة حمران بن أعين(81)- ما نصه: “في ضوء النصوص السابقة يمكن لنا أن نقول بأن الوحدة الإسلامية واجبة شرعاً وبكل وضوح واطمئنان، ومن ناحية عقلية فإن حفظ مصلحة الإسلام، وحفظ كيان الأمّة، والرقيَّ بمستوى الأمّة، والتقدم بها، وصون الإسلام من العدوان الخارجي كل ذلك واجب شرعي، وهو متوقّف على وحدتها فتكون الوحدة واجباً في العقل.

 ثمّ توجد الضرورة العملية.

 هناك عدوان شرس على الأمّة بكل مذاهبها، هناك عملية سحق خارجي، هناك عملية تصفية، محو لوجود هذه الأمّة، استيلاء عليها، استعباد، سلب لحريتها، هذا العدوان الشرس وهذه الهجمة الظالمة لا يردعها شيء كما هي الوحدة، فالضرورة قاضية بالوحدة بين المسلمين.

 هذا كلام في ما هو الواجب، أمَّا في ما هو الواقع فتصوّراً يمكن للأمّة أن تكون متّحدة، ويمكن لها أن تكون مفترقة، ويمكن لها أن تكون محتربة، والاتحاد قوّة، والافتراق ضعف، أما الاحتراب فانتحار”(82).

المحطّة الثالثة:- ترشيح رئيس المجلس التأسيسي:   الشيخ عيسى قاسم يستعد للتصويت لاختيار رئيس المجلس رشّح الأستاذُ عبد الله المدني إبراهيمَ عبد الحسين العريض (من الأعضاء الثمانية المعينين) ليكون رئيساً للمجلس وثنّى عليه سماحة الشيخ عيسى قاسم، ورشّح خليفةُ البنعلي عبدَ العزيز الشملان لذلك المنصب وثنّى عليه محمد حسن كمال الدين، وبعد فرز الأصوات حصل إبراهيم العريض على 22 صوتاً مقابل 18 صوتاً لعبد العزيز الشملان، فأعلن رئيس الوزراء فوز العريض برئاسة المجلس، وهنأه ودعاه إلى المنصة، ثم وقف رئيس المجلس المنتخب إبراهيم العريض وألقى خطاباً قال فيه: “إنّي أشكركم على هذه الثقة الغالية التي وضعتموها فيّ للإشراف على رئاسة هذا المجلس، وأنا في حياتي كلها كنت دائماً أعتبر نفسي ابناً للبحرين”(83).

 يروي المصور عبد الله الخان: “في اليوم الثاني لانتخابات المجلس كنت أسمع إذاعة الكويت مع أبي، فجأة وفي الخبر الأول قال المذيع: البحرين تختار شاعراً لرئاسة المجلس التأسيسي”(84).

المحطة الرابعة:- الإمام السيد موسى الصدر زائراً ومؤتمّاً بسماحة الشيخ:   السيد موسى الصدر أثناء حضوره في المجلس التأسيسي في عام 1973م زار سماحة الإمام المغيَّب السيد موسى الصدر البحرين في زيارة رسمية وشعبية، حيث التقى فيها بمسئولي الدولة، وشارك في حضور الجلسة الخامسة عشرة من جلسات المجلس التأسيسي المؤرّخة بتاريخ 10 فبراير 1973م حيث كان يومها سماحة الشيخ أحد أعضائه؛ وقد أثبتت مضابط الجلسة ترحيب رئيس المجلس إبراهيم العريض بالسيد موسى الصدر حيث قال: “ويسرني أن أذكر إلى زملائي الكرام أن في مجلسنا اليوم زائرَين كريمَين أحدهما سماحة الإمام السيد موسى الصدر الذي يشرفني أن أرحب به، وكذلك صاحب السعادة سردار سواران سنج وزير خارجية الجمهورية الهندية الذي لي معه علاقة خاصة من الود والصداقة، أرحب بهما باسمكم”(85).

هذا، وقد تخللت زيارة سماحة الإمام الصدر لقاءات شعبية وعلمائية متعددة أجراها مع علماء من الطائفتين الكريمتين، وقد امتلأت شوارع البحرين كلّما ألقى محاضرة وكان من ضمن المحاضرات التي ألقاها محاضرة في نادي الخريجين بعنوان «المجتمع بين الإيمان والعلمنة»(86)، وتشدنا الذاكرة هنا إلى اللقاء الذي جمعه بسماحة الشيخ بمنزل الشيخ نفسه في حي «افيليد» في قرية الدراز، وقد وصف اللقاء بأنه كان لقاءً شيّقاً ومفيداً وممتعاً تبادل خلاله العلَمان هموم الأمّة وقضاياها، وقد تطرّق سماحة السيد في طيات حديثه مع سماحة الشيخ والحاضرين من تلامذة الشيخ وحضّار مجلسه عن لقاءاته مع الشيعة في مصر، وطَرَق كذلك موضوعات كثيرة تمثّل هموماً إسلامية مشتركة، هذا بعد أن صلّى سماحة السيد مُؤتمَّاً خلف سماحة الشيخ في مسجد القدم، والظريف في ذلك ما نقله بعض من حضر حيث اضطر السيد لأنّه كان طويل القامة إلى الانحناء كي يدخل من باب مجلس الشيخ(87).

 وكانت هذه الزيارة هي الأولى والأخيرة التي قام بها سماحة السيد إلى لبحرين وكان هدفها عرض مشروعه الفتيّ المتمثل بتأسيس حركة (أفواج المقاومة اللبنانية – أمل)(88).

 المحطة الخامسة:- البحرين دولة إسلامية ولو اخترق صدري الرصاص: لقد دار صراع عنيف في جلسات المجلس التأسيسي بين الكتلة الدينية من جهة واليساريين وكتلة الدولة من جهة أخرى حول تعريف هوية الدولة، كما اشتد الوطيس في مادة أخرى وهي المرتبطة بتحديد المصدر الرئيسي للتشريع في الدولة، وسنذكر الكلام الذي قاله الشيخ في المجلس حرفياً الذي يكشف كشفاً تاماً عن مدى غيرته ودفاعه عن الإسلام في تلك الفترة التي كان الإسلام يعد فيها غريباً طريداً، حيث تنص المادة الثانية من الدستور على أن: “دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، ولغتها الرسمية هي اللغة العربية”(89)، علّق الشيخ قائلاً: “لدي تعديل للمادة أود أن أطرحه وأبين مبرراته «دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ولغتها الرسمية هي اللغة العربية» فنحن كأناس نخضع لطبيعات متعينة طبعاً، فالحس الخلقي عندنا ثابت والحس الأخروي ثابت ولا نستطيع أن ننفصل عن فكرة الإله والدين، وحتى الإنسان القائم على إنكار الضروريات الدينية لهو خاضع لهذا التفكير في كثير من أحيان الضيق والحرج، فهذه طبيعة الإنسان لها جانب آخر هو الحسي الأرضي، جانب الشهوات والنـزوات والغرائز والدوافع الفطرية المتصلة بحياته المادية، هذه حقيقة للإنسان لا مفر منها والمطلوب هو ذلك النظام الذي يوفق بين حاجات الإنسان الفطرية من معنوية ومادية، ويلتفت إلى جانبي التركيب في الإنسان جانب نفحة السماء وقبضة الطين، ولسنا نعرف نظاماً أكمل وأكثر التفاتاً وأدق في النظرة إلى فطرة الإنسان من الإسلام، الأرض كلها، والبشرية لم تعرف.. نظاماً لا سماوياً ولا وضعياً يأخذ بجانبي الفطرة من الإنسان غير الإسلام، والإسلام إلى هذا أيضاً له ملائمة بالنسبة لهذه البيئة من البلاد، من أرض الله أي بلاد البحرين، له ملائمة خاصة لأنه هو النظام النابع من حضارة هذا البلد والمنسجم مع تاريخه وأعرافه وتقاليده وهو النظام الذي وجد نفسية ومناخاً داخلياً في كيان الإنسان يتلاءم وأصوله وفروعه وهذه نقاط في النظام ملحوظة لنجاحه، وهي ضرورية لكي يؤدي وظائفه في الحياة الاجتماعية البشرية، يضاف إلى هذا أن الإسلام حتى في جانبه المتصل بحياة الأفراد والمجتمع هو نظام عبادي، فالسياسة في الإسلام والاقتصاد في الإسلام والاجتماع في الإسلام وكل شيء يتصل بتحريك الحياة الاجتماعية وتوجيهها وجهة معينة كل ذلك أمر عبادي ومربوط بالله (سبحانه وتعالى)، ومن هنا يكتسب النظام الإسلامي قدسية في نفوس أفراده لا يمكن أن توجد هذه القدسية بالنسبة لأي نظام يبتدعه الإنسان، وهذه قوة في ضمير الإنسان تضاف إلى القوة العسكرية الظاهرية التي يمكن أن تحمي القانون في مجال التنفيذ والتطبيق، ونحن إما أن نأخذ بالإسلام وإما أن نأخذ بغير الإسلام وإما أن نجمع بين الإسلام وغيره، وفي نظري المتواضع أن الجمع بين الإسلام وبين غيره بعد الفراغ من رفض الإسلام بحسب ما جاء في المادة، أي بعد رفض الاعتماد على غير الإسلام اعتماداً كلياً يبقى أمامنا إما أن نأخذ بالإسلام وحد.

 (..مقاطعة من الرئيس..) الرئيس: اعتقد أن العضو المحترم في تعليقه، بأن المجلس قد جاوز الإسلام، هذه الملاحظة غير صحيحة.

الشيخ عيسى أحمد قاسم: كلا… لم أقل هذا وإن كنت قلته فذلك خطأ وسهو لسان… فلم أقل هذا طبعاً وما أريد قوله.

 الرئيس: معروف أن نوايانا في هذه المسألة لا اشتباه فيها ولذلك أرجو من زميلي أن يختصر في الموضوع وماذا يقترح؟ الشيخ عيسى أحمد قاسم: اسمح لي قليلاً، رجاءً أنا لا أريد أن أقول المجلس تجاوز الإسلام، وإنما المجلس رفض الاتكّال على غير الإسلام اتكالاً كلياً، هذا ما أبغي قوله، فلما رفض المجلس هذا بقي أمامنا إما أن نأخذ الإسلام وحده وإما أن نعتمد على الإسلام وغيره، والاعتماد على الإسلام وغيره طريقة تسمى طريقة الجمع التوفيقي، ولا يمكن أن نحصل هنا جمعاً توفيقياً بين الإسلام وغيره لأن الإسلام يصدر عن نظرة خاصة قلت فيها أنه يلتفت في هذه النظرة إلى جانبي التكوّن الإنساني والكينونة الإنسانية، بينما النظم الأرضية وكل المبادئ الوضعية تلتفت إلى جانب واحد وهو جانب الغرائز الفطرية المتصلة بالجانب المادي للإنسان، فعلى هذا يحدث عندنا صراع داخلي وفي نفس المواطن نفسه عندما يريد أن يوفق بين نظامين ينبعثان من نظرتين متناقضتين، ثم تبقى الحياة الاجتماعية في ظاهرها حياة متنافرة فمثلاً يقوم المسجد إلى جانب المرقص ويكونان في صف واحد كمظهرين لحياتين، تنبعثان من نظرتين متباينتين ومتناقضتين وننتج نتاجاً حضارياً ليست له الصلة الوثيقة بحضارتنا وأصولنا التاريخية وأعرافنا، ثم يبقى جمعاً مشوّهاً في داخل النفوس وفي المظهر الخارجي الاجتماعي وفي كل مجال من مجالات نتاجنا الاجتماعي، فعلى هذا أرجح أن يكون النص على النحو المذكور وهو «دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ولغتها الرسمية هي اللغة العربية» “(90).

 ونود في هذه المحطة أن نعكس شيئاً الجدل الذي دار خلف الكواليس وخارج المجلس، حيث ينقل المرحوم حسن المتوج -والذي كان عضواً في المجلس التأسيسي آنذاك- أن سماحة الشيخ كان يقول في خضم فوران النقاشات: “إنني لن أتنازل عن مطلب الإشارة الى إسلامية الدولة في الدستور ولن يسكتني عنه إلا الرصاص”(91).

وهذه القضّية كانت همه الشاغل وقد أكّد عليها مراراً في المجلس فمن مقولاته: “ليقل مَن يريد أننا نضايق حريات الناس، فإننا نضمن الحرية من حيث التضييق ونضمن الإنسانية من حيث التقييد، دين الدولة الإسلام والدولة إسلامية سواء نص دستورها أو لم ينص هي بواقعها إسلامية بحتة ذات تاريخ إسلامي أصيل وذات أعراف وتقاليد إسلامية وذات عواطف ومشاعر إسلامية ولا يمكن أن يتنكر لهذا الشيء إنسان مواطن أصيل.

 وكل حرية أرادت أن تمس قداسة الدين وأن تدنو من حظيرته المقدسة هي حرية لا بد من أن نقف دونها بكل قوانا حتى الدم.

الدين أغلى شيء في هذا البلد، الدين بل هو كل شيء ويجب أن تصان قداسته وأن تكون كلمته هي العليا”(92).

 يقول سماحة الشيخ واصفاً تلك الأجواء: “قضية الإسلام مصدر رئيسي للتشريع هذه الفقرة كانت محل معركة دستورية طويلة وأكثر من نقاش ونقاشات وراء الكواليس وحالات تشنج شديد وكانت الكتلة الإسلامية تواجه من كتلة الدولة وكل العلمانيين والقوميين واليساريين وما إلى ذلك وكانت حالات صراع شديد في الحقيقة وكان أكثرٌ من طرحٍ لإعطاء الشريعة الإسلامية الموقع المناسب إلاّ أنه لم يكن إلا هذا”(93).

 المحطّة السادسة:- انسحاب الشيخ انتصارا ًللمرأة: لقد كانت الأجواء في تلك الفترة مشبّعة بالأفكار التحررية اليسارية قبل الصحوة الإسلامية بانتصار الثورة الإسلامية على يد الإمام الخميني (قدِّس سرُّه) حيث أخذ نجم اليسار والاشتراكية والشيوعية بالأفول من الساحة السياسية في البحرين والمنطقة بعد ذلك، وتصاعدت الانبعاثة الاسلامية والمد الإسلامي الناشط في المنطقة وكل أنحاء العالم، يقول سماحة الشيخ: “كان المجلس الوطني السابق وكانت هناك كوادر مصنوعة صنعاً خاصاً يسارياً، وقبل انتشار الصحوة الإسلامية، كان هؤلاء هم عضد الكتلة اليسارية داخل المجلس وهم الخزين الذي يعين هذه الكتلة والقوة الخلفية التي تمثل دعما ًكبيرا ًعلى ضعاف النواب من الكتل الأخرى “(94)، وقد كانت هذه القوى الماركسية تتوق لاستغلال المرأة وجعلها كائناً استهلاكياً حاله كحال السلع المعروضة للبيع، من هنا كانت أمنية تلك التيارات أن تقذف بالمرأة إلى المجال السياسي وإشراكها في العملية الانتخابية، والذي يؤكد هذه الحقيقة إصرارهم على هذه المسألة قبل انعقاد جلسات المجلس، فقد سئل الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة في مؤتمر صحفي في 25 يونيو 1972م: هل ستعطى المرأة حق الانتخاب؟ فأجاب: “قانون الانتخاب سيحدد ذلك، ولكن هناك تحفظات بهذا الشأن(95).         

وفي الجلسة السادسة من جلسات المجلس التأسيسي قرأ أمين السر المادة (1) البند (هـ): “للمواطنين الحق في المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بدءاً بحق الانتخاب، وذلك وفقا ًلهذا الدستور وللشروط والأوضاع التي يبينها القانون”(96). الدكتور حسين البحارنة أوضح أن مرونة المادة تعطي المرأة الحق في الانتخاب.

 خليفة البنعلي اعتبر النص غير صريح في إعطاء المرأة حق الانتخاب ويمكن للبرلمان أن يقرر حرمانها من ذلك. الشيخ عيسى قاسم طلب تعديل البند بإضافة «للمواطنين من الذكور..« وأثنى عليه ملا حسن زين الدين وأيّده.

عبدالعزيز الشملان اقترح «للمواطنين من الجنسين..» وأثنى عليه علي سيار.

 الشيخ عيسى قاسم: “قضية المطالبة بالنص على الجنسين وأن ذلك دليل احترام للمرأة وحب لها نقول عنه أن احترامها وحبها وتكريمها شيء لا يختص به جماعة دون جماعة أخرى ولكن الاختلاف في كيفية احترامها وفي ما يضمن لها مكانتها، ووجهات النظر هنا فيها اختلاف، وإذا كان للحجة الإسلامية مقام في هذا المجلس وإذا كان للكلمة الإسلامية جرس تتقبله الآذان فالحجة الإسلامية ظاهرة قائمة وأن القيمومة أعطيت للرجال على النساء وأظهر مجالات القيمومة هو المجال السياسي والحقوق العامة أما إذا كانت كلمة الإسلام ضائعة في هذا المجلس فتنقطع كل حججنا ولا نملك إلا الانسحاب”. راشد الزياني بعد نقاش طويل: أقترح قفل باب المناقشة. الشيخ عيسى قاسم: كلمة قصيرة جداً.

الرئيس: إذا يسمح العضو المحترم… إن كل ما يمكن أن يقال في هذا الموضوع… أظن أننا قد استوفيناه.

الشيخ عيسى قاسم: “تذكرون بأنكم تريدون إعطاء المرأة حقها، أي بمنحها الدخول في ميدان السياسة، وأنا أقول إنكم بهذا تتجرأون على حرمة المرأة لأن حوالي سبعين في المئة من نساء البحرين يعتبرن أن النص على هذه المادة بهذا الشكل هو انتهاك لحرمتهن وذلك ليس عن عدم وعي، وإنما لهن وعي خاص من منطلق ديني إسلامي فلحساب أقليّة قليلة من النساء تؤكدون على هذا النص فتهملون بذلك النسبة الكبيرة والتعديل الذي أقترحه «للمواطنين الذكور حق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية بدءاً بحق الانتخاب وذلك وفقاً لهذا الدستور وللشروط والأوضاع التي يبينها القانون”.

 وثنّى عبد الله المدني على هذا الاقتراح. وفي الختام عرض اقتراح الشيخ عيسى قاسم «للمواطنين من الذكور..» للتصويت.

 كان المؤيدون (4) أصوات، والمعارضون (21) صوتاً، فقال الشيخ عيسى قاسم: “إتماماً لإرضاء ضميري، وانتصاراً للمرأة في البحرين فإنّي أنسحب من الجلسة”      

انسحب الشيخ عيسى قاسم ومعه ملا حسن زين الدين، ومحمد علي آل ضيف(97).

المحطّة السابعة:- قانون الأحوال الشخصية: تقدم الشيخ مع مجموعة من أعضاء المجلس التأسيسي(98) برسالة كان نصهّا: “سعادة رئيس المجلس التأسيسي المحترم تحية طيّبة وبعد: فنتقدم نحن الموقعون أدناه إلى المجلس الموقر عن طريق الرئاسة مقترحين إضافة المادة التالية لمواد الدستور تحت رقم(5) البند (د) راجين المداولة فيها والتصويت عليها.

 وهي كالتالي: «الأحوال الشخصيّة تحكمها الشريعة الإسلامية».

 ولكم الشكر”(99). ثم علّق الشيخ بقوله: “ليس يهم الإسلام بعد الأصول العقائدية الأولى أكثر من الأموال والأعراض والدماء، ثلاثة أمور تشدد في حراستها الإسلام وجنّبها كل تدخل إنساني أراد أن يمسها بالتغيير أو التحريف ومسألة الأحوال الشخصية هي مسألة مربوطة بمسألة الأعراض ومسألة لها جذورها في تلوين الحياة الاجتماعية وفي صيغة المجتمع بصيغة معيّنة والأحوال الشخصية الآن في هذا البلد إنما تحكمها الشريعة الإسلامية في حدود طلاقها وزواجها وميراثها، والذين اعترضوا على الأحوال الشخصية عندما يطالب بإثباتها في الدستور عليهم أن يزلزلوا المادة التي تنص على أن الميراث حق مكفول تحكمه الشريعة الإسلامية لأنه من الأحوال الشخصية كذلك وتطبيق النظام الإسلامي في الأحوال الشخصية اليوم لم يضيق على الجماعة غير المسلمة في هذا البلد وهو لم يضيق عليهم أيضاً بعد هذا اليوم، فاعتراض من هذا النوع اعتراض ساقط لا يلتفت إليه وكل الاعتراضات التي سترد من نوعه هي اعتراضات جزافية إنما تستهدف البعد بالبلد عن إسلامها.

 الأحوال الشخصية ليس لأحد حجة أن يقول بأن الشريعة هنا ستمد سلطانها عن طريقها لتحكم كل الأمور وتسقط كل السلطات ولهذا لا يكون هناك أي محظور في إقرار مثل هذه المادة بل المحظور كل المحظور في تجاوزها”(100).

إلا أنه مع الأسف لم ينل الاقتراح النصاب الكافي من الأصوات لإقراره في الدستور.

 المحّطّة الثامنة:- الشيخ يرفض الإغراءات الدنيوية: الشيخ وفي أثناء إشارته لشرطية الإيمان في النائب البرلماني في إحدى خطب الجمعة ذكر حادثة حصلت لأحد أعضاء الكتلة الدينية ولم يسمّه فقال: “شرط الإيمان ضروري، أتذكر في المجلس النيابي الأسبق وحين طُرحت قضية توزيع الأراضي كانت هذه الكلمة وقد سبق ذكرها في هذا الجامع الشريف، قال أحدنا عن توزيع الأراضي في ذلك الوقت أنه يزيد الغنيّ غنى، والفقير فقراً، وترتب على هذه الكلمة في المجلس أن طلبت مقابلة الشخص، وكان في المقابلة، سؤال صريح هل أن لك حاجة في بيت؟ هل لأحد من العيال حاجة في بيت؟ فكان الرفض، وكان الاستغناء.

 فنحن في حاجة بلا أدنى إشكال إلى شرط الإيمان لأن هناك بيتاً وألف بيت، وهناك أرضاً وأكثر من أرض لمن جار ومال وأعطى أهل المصالح الخاصة ما يريدون”(101).

فمن هذا الشخص الذي حاولوا شراء دينه وإيمانه بالدنيا ورفض؟ نستطيع معرفة هذا الذي لم يستطيعوا شراءه بالدرهم والدينار بمراجعة خطبة سابقة ألقاها سماحته قبل ثلاث سنوات من تلك الخطبة يقول فيها: “أرحب بهذين المطلبين وهما إيقاف تمليك الأراضي العامة للبيع، وإلغاء فوائد القروض للإسكان، وعلى مستوى المطلب الأول، كانت لي كلمة في المجلس الوطني السابق هي أن توزيع الأراضي في البحرين يزيد الغنيّ غنى والفقير فقراً، وواقع المسألة هو هذا.

هذه أرض عامة للجميع، تؤخذ من الجميع لتغني فرداً، ولتكون باباً له لاستراق أموال الناس واستنـزاف ثرواتهم.

 الفقير المحتاج إلى خمسين قدماً في خمسين قدماً ليقيم عليها بيتاً متواضعاً يكون محروماً، وعليه أن يدفع أقساطا طِوَالَ عمره لقطعة الأرض هذه، أما من يملك الملايين فأمامه أن يتملك مساحة ألفين في ألفين الأقدام، وليست هي أول مساحة من هذا النوع وبهذا القدر يتملكها من الأراضي العامة ليتبذخ أكثر على حساب الآخرين.

المطالبة بإيقاف تمليك الأراضي العامة للبيع مطالبة حقّة، وتكون الحكومة موفّقة حين تستجيب لهذه المطالبة”(102).

ولا أدري أيهما أعجب شدّة إيمانه وصلابته في قبال المغريات أم شدّة ورعه وتقواه ونكرانه لذاته التي دعته إلى عدم التصريح باسمه؟ المحّطّة التاسعة:- سماحة الشيخ موفداً إلى (السودان): في عام 1974م زار سماحة الشيخ مع وفدٍ برلماني رسمي من المجلس الوطني جمهورية السودان، وقد التقوا بالمسئولين في الحكومة هناك وحضروا جلسات البرلمان السوداني، وقد ألقى سماحة الشيخ في قاعة البرلمان وغيره من المحافل الرسمية عدّة محاضرات مما أثار استغراب الحاضرين الذين استمعوا إلى خطاباته من القدرة الخطابية التي يمتلكها ورصانة عباراته وإحكامها وفصاحة لسانه وكان محلّ إعجاب المسئولين وإكبارهم، حتى كثُر السؤال عنه وعن شخصيته ومستواه العلمي(103).

 المحطّة العاشرة:- الشيخ عيسى قاسم يرتدي خوذة العمّال:   الشيخ في زيارة لشركة بابكو في شهر مارس من عام 1974م   الشيخ يرتدي خوذة ونظارات السلامة خلال زيارته لمصهر شركة ألمنيوم البحرين (ألبا)  العالم الذي يخشى الله لا يقبع في منزله ويدعو ويوجه الناس بل تراه أمام الأمّة يتلمس أوجاعها وآلامها وهذا ما نراه جليّاً في شخصية الشيخ ومن هذا المنطلق فعندما كان الشيخ في المجلس الوطني كان ينزل إلى العمّال بالخوذة، يقول الشيخ حمزة الديري: “ما زالت خوذة وليست عمامة شيخ عيسى قاسم تحضرني، كان الشيخ يلبس خوذته وينـزل مصانع العمال، كي يتعرف واقعهم، فيحسن تمثيل قضاياهم في المجلس الوطني”(104).

المحطّة الحادية عشرة:- توليد النساء واستجواب وزير الصحة:   سماحة الشيخ مستجوباً وزير الصحة علي فخرو الذي يظهر في المصف الأمامي  قرأ أمين السر عبد الله المدني: شكوى رقم 74/46 من قرية السنابس يستنكرون وجود طبيب يباشر عملية توليد النساء ويطالبون بوجود طبيبات للتوليد.

 (ثم توالت الشكاوى بعد ذلك في الجلسات اللاحقة منها شكوى 74/98)(105)، فقامت قائمة الكتلة الدينية ولم تقعد لهذا الامتهان بأعراض وشرف النساء وقد تم استجواب وزير الصحة علي محمد فخرو في قضية عدم تجديد عقد طبيبة توليد هندية من قبل ثلاث نواب من الكتلة الدينية وهم: الشيخ عيسى قاسم، والشيخ عباس الريس، وحسن المتوّج، يقول علي فخرو: “بدأت المشكلة عندما وقعت مراسلات بيني وبين مولّدة النساء الطبيبة الهندية «جاتو باديا» التي كانت في بلدها حول عدم تجديد عقدها في يد الشيخ عيسى قاسم وجماعته، وظنوّا أن سياسة الصحة تتجه لاستبدال طبيبات التوليد برجال لكن الحقيقة غير ذلك، وأداء الطبيبة لم يكن مرضياً، ولديها مشاكل مع الإدارة.

 يومها كان الطبيب البحريني خليل رجب المتخصص في توليد النساء قد عاد إلى البلاد، ومن الطبيعي أن يتم توظيفه”(106).

وقد بدأ الشيخ عيسى قاسم الاستجواب منتقداً هذه السياسة الجديدة لوزارة الصحة التي تقرن إقالة الطبيبة بتعيين رجل(107)، يقول سماحته متذكرا ًالمشهد: “والاعتذار المالي لعدم وجود عنصر المرأة من طبيبات الولادة بصورة كافية عذر واهن وغير وارد، وكم هي الملايين التي يلعب بها اللاعبون من خزانة الدولة، والعذر الإداري واهن وغير وارد لأنه يعالج بالمال، وكل عذر آخر غير وارد والعملية مقصودة، وشرف المرأة هو المستهدف.

وهذا الإلجاء تاريخه قديم يذكرني بمحاولة استجواب لوزير الصِّحة في المجلس الوطني الأول، إذ كان يتعمَّد أن يجمع بين رجلين طبيبين للتوليد في مستشفى المحرق، وأن لا تكون إلا طبيبة واحدة بدل ما كان من وجود طبيبتين وطبيب واحد، وكان التعليل موجودا في رسالته إلى مسؤولة المستشفى وذلك لتقبل النساء بتوليد الرجل تحت ظرف الإحراج والالجاء… إنه التغريب، وإنّها المفارقة الفاضحة، والمهزلة السخيفة، والمنطق المعكوس، والموازين المختلّة، والنظرة المنحرفة، والكيد الخبيث بهذه الأمّة”(108).

 المحّطة الثانية عشرة:- انسحاب الشيخ من الجلسة بعد فشل قانون منع الاختلاط:   قام الشيخ عيسى قاسم والشيخ عبد الأمير الجمري والشيخ عبّاس الريس والشيخ عبد الله المدني وعلوي الشرخات بتقديم مشروع قانون منع الاختلاط بين الجنسين في الصحة والتربية والتعليم، وقال الشيخ فيما قال: “هل قدم مشروع القانون سبعة أعضاء في المجلس الوطني أو خمسة؟ أم قدم مشروع القانون شعب كامل صمم أن يخرج من الواقع السيء إلى الواقع النظيف؟”(109).

 وأخذت قضية الاختلاط منحىً حماسياً في الجلسة (31)، 14 إبريل،1974 وتم التراشق بين أعضاء المجلس بكلمات ونعوت حذفت من مضبطة الجلسة، وضجّ المجلس بأصوات: الرئيس، علي ربيعة، الشيخ عيسى قاسم، الشيخ عبد الأمير الجمري، عبد الله المدني(110).

وزيرة التربية: ليس لدينا مدارس يقال فيها اختلاط… أريد أن أؤكد للزميل عيسى قاسم أن الكثير من فتيات البحرين الآن يتلقين العلم في الجامعات المختلطة منذ 15 سنة أو أكثر قبل أن تكون هناك وزارات… الحكومة لا تجد مبرّراً مطلقاً لهذا القانون.

محسن مرهون: علينا أن نشجع الاختلاط لا أن نقف في وجهه… سرعان ما تشنج الوضع كلّه واتهم الشيخ عيسى قاسم البعض بتجريح الفكرة. وقال “إن الإسلام أكبر من الإجراءات القانونية التي يصوغها هذا المجلس”(11).

 الخبير الدستوري ضياء الدين صالح طالب بتهدئة النفوس لكن ذلك لم يحدث.

 وعرض القانون للتصويت من حيث المبدأ فوافق 12 عضواً فقط وكان عدد غير الموافقين 29 عضواً، وبذلك سقط المشروع، فقال الشيخ عيسى قاسم: “شرفنا أننا أضفنا صوتنا إلى صوت الشعب المؤمن الرافض للاختلاط “(112).

وبعدها انسحب سماحة الشيخ من الجلسة ومعه الشيخ عبد الأمير الجمري والشيخ عباس الريس وعلوي الشرخات ومصطفى القصاب وسليمان ناصر وحسن المتوج وعلي عبد العال وحسن الخياط.

 ولم يُكتفَ وقتئذٍ بإفشال هذا المشروع بل سعت الحكومة جاهدة في تقنين الاختلاط وشرعنته، حيث قامت وزارة التربية والتعليم بطرح فكرة الاختلاط المتدرج الذي يبدأ به في المعهد العالي ثم الثانوي، فما كان من الشيخ وزملائه من أعضاء الكتلة الدينية إلا الوقوف ضد هذه الفكرة وحشدوا لهذا الأمر واجتمعوا مع علماء السنة وقاموا بحشد جماهيري لهذه القضية، ومن موقفهما من ذلك المشروع ومعارضتهما له ألغيت الفكرة وتوقفت وقُبرت في مهدها(113). 

 المحطة الثالثة عشرة:- موقف الإسلام من عيد العمّال:   لقد طبّل اليساريون كثيراً حول مسألة عيد العمّال والضجّة التي افتعلت بشأنه، حيث نشب خلاف حاد بين النواب الإسلاميين واليساريين في المجلس الوطني حول اعتبار الأول من مايو عيداً للعمال على إثر عرائض عمالية رفعت للمجلس للمطالبة بهذا الأمر، وكانت كتلة الشعب متحمسة جداً لهذا الاقتراح بينما عارضت الكتلة الدينية ذلك، فأخذت هذه الواقعة ذريعة للتشهير بأعضاء الكتلة الدينية من قبل اليساريين وكأن دعم العمّال ومواساة الطبقة الكادحة قد انحصر بتسمية عيدٍ لهم، يقول حسن المتوج: “فعلاً… هذا ما حصل، كان موقف الكتلة الدينية رافضاً هذا الأمر، في حين أنني كنت الوحيد في الكتلة الذي تجاوبت مع هذا المقترح وصوّت لصالحه، التصور السائد في الكتلة أنه عيد للشيوعين ولا يجب الموافقة عليه في بلد يرفع شعاره الإسلام، إلا أنني كنت لا أجد أن تخصيص الفاتح من أبريل عيد العمال يتعارض مع الدين ويمسّ ثوابته، بل كنت أرى أنه أمر له علاقة بالوقوف مع الناس في تعظيم مكانة العامل وتقدير دوره في المجتمع، أنا الوحيد الذي خالف موقف الكتلة الدينية وخرق إجماعها، وصوّت لصالح عيد العمال وتلقيت شكرا من كتلة الشعب الذين قدروا موقفي وأثنوا عليه “(114).

 مع أن الكتلة الدينية كانت على بصيرة تامة من موقف الإسلام تجاه هذه الأعياد، وكان أعضاء الكتلة الدينية على وعي بمخططات اليساريين وأفكارهم التي يحاولون تمريرها بأي طريقة، حيث اعتبر المرحوم المجاهد الشيخ عبد الأمير الجمري أن عيد العمال يبث روح الصراع في المجتمع ويربط بين العمال في البحرين وروسيا، أما المرحوم السيد مصطفى القصاب فقال هذا العيد يساعد على بث روح التنافر والتباغض بين الطبقات وإننا لا نؤمن بالأعياد الطبقية.

وعلى الطرف الآخر اعتبر النائب اليساري علي ربيعة إن الصراع الطبقي موجود وعيد العمال اعترفت به العراق التي يوجد بها النجف ومصر التي فيها الأزهر ونصح الإسلاميين بترك التزمت الديني.

يقول سماحة الشيخ في إحدى الخطب: “الحديث عما يسمَّى بعيد العمَّال. هناك أعياد إلهية شرعية لها قدسيتها ومنهجها العبادي ومنطلقها ومناسباتها الكبرى التي استحقت بها في علم الله أن تكون أعيادا، وهناك مقترحات أرضية وضعية بتسمية بعض أيام السنة أعيادا يحتفل فيها بدافع تكريم فئة أو تلافي مشكلة من المشاكل.

هناك عيد الأم، عيد الشجرة، عيد الأب، وأعياد أخرى، ومنها عيد العمل والعمّال، وهو يوم اتخذ لتكريم العمل والعمال على خلفية الصراع الطبقي غير العادل.

وفارق كبير بين الأعياد الإلهية والأعياد الأرضية التي لا نتعبد بها ولا نعطيها قدسية أبداً.

 فالأعياد الإلهية الشرعية أساسها النجاح في تحقيق الإنسان لدوره الخلافي، ووقوف الأمّة بوجودها الاجتماعي الكبير موقف العبادة والطاعة لله (عزَّ وجلَّ) والاستجابة لتشريعه كما في عيد الأضحى وعيد الفطر، فإنهما يعقبان عبادتين مهمتين من حق الأمّة أن تحتفل بالنجاح فيهما؛ نجاحا على المستوى الاجتماعي والكيان العملاق الواحد لها في عبادة الله (عزَّ وجلَّ).

والأعياد الوضعية الأرضية أساس الكثير منها الفشل في القيام بالواجب، فعيد الأم لأنه لا برّ بالأم وهو لمعالجة هذا الخلل الكبير معالجة باردة، أما الإسلام الذي يربط أبناءه ببرّ الوالدين ليلا ونهارا، صباحا ومساءا، لا يحتاج لأن يثير القضية في يوم معيّن من أيام السنة ليذكّر بأهمية الأم، وليعطي تكريما في يوم واحد وربما بطريقة جاهلية لها.

الأم محل التكريم، ومحل العناية في المنهج الإسلامي، وفي المجتمع الإسلامي الذي ربَّاه على المنهج في كل لحظة وفي كل آن.

لفشل المنهج المادي في التعامل الصحيح مع الأم وهروبه بالإنسان عن القيم، وعن البر والإحسان ومعرفة الجميل لذلك يضطر حتى لا تسقط الحياة نهائيا أن يوجد عيدا باسم عيد الأم وهكذا في بقية الأعياد.

ولما تتعملق الرأسمالية ويكون الإله الدينار والدرهم والدولار هنا يحتاج العمال إلى وقفة على مسار الصراع في يوم من الأيام ليلفتوا الطغاة ويلفتوا الرأي العام العالمي إلى إنسانيتهم وإلى حاجتهم.

 أما العامل الذي ينصفه المنهج الإلهي الذي يلاحق الطغاة ويلاحق الرأسماليين في ظلمهم للعامل وغير العامل من المحرومين ليلا نهارا فإنّه لا يحتاج إلى يوم عالمي للعمل والعمال- ليزيد في حالة الصراع استغلالاً للعمال، أو ليخدِّر أعصابهم من خلال الشعارات والإعلام الكاذب.

 فملخّص الأمر هو أنه لو راجعتم لوجدتم أن الأعياد الإسلامية أرضيتها النجاح في القيام بالواجب، ونجاح المنهج وأبنائه. وأما الأعياد الأرضية فإنما تقوم في الغالب على فشل المنهج وأبنائه.

 وأنتم تعرفون أن عيد العمال إنما خلفيته الصراع الطبقي الاقتصادي، ونهب لقمة العامل، وأخيه الفلاح من قبل الطبقة المسماة بالأرستقراطية، أي الطبقة المستكبرة على المستوى الاقتصادي.

وتعرفون استغلال الشيوعية للطبقة العمالية، وركوب هذه الطبقة للتنفّذ والأغراض الدنيئة، ولرأسمالية الشيوعية المنحصرة في قادتها.. أمّا العمال المنادى باسمهم فيبقون مسحوقين، والعامل في ظل النظام الرأسمالي الظالم كان أحسن حالا منه في النظام الشيوعي الذي ينادي باسم الطبقة العمالية.           

ونؤكد أخيراً أن المنهج الإسلامي بعدله ودقته وأخلاقيته والترابط الإنساني القائم على ضوئه لا يحتاج إلى هذه الأعياد المخترعة لو ارتبطنا بالإسلام وطبقنا منهجه بأمانة”(115)

المصادر والهوامش

  • (1) سماحة السيد عبد الله الغريفي، أحد كبار علماء البحرين في الوقت الحالي، ويعتبر ركناً من أركان العمل الإسلامي في البحرين بل في العالم الإسلامي بشكل عام، يحظى بمكانة اجتماعية مرموقة وله نشاط واضح على المستوى القيادي والرسالي، وله مجموعة من المؤلفات كما أن له الكثير من المشاركات في المحافل والمناسبات والمواسم الثقافية والندوات العلمية في البحرين وفي دولة الإمارات العربية المتحدة وفي الجمهورية العربية السورية التي عاش فيها فترة منفاه لمدة عشرين عاماً وقد كان له وهو خارج البحرين دورٌ قياديٌ بارز في دولة الإمارات من خلال تأسيس الأوقاف وتربية جيل من المتدينين.
  • (2) سماحة السيد علوي الشهركاني من علماء البحرين وخطبائها المعروفين، درس في حوزة النجف الأشرف وحوزة قم المقدسة.
  • (3) اسم منطقة في عمان.
  • (4) سماحة السيد عبدالكريم الحسيني القزويني من كبار العلماء والمحققين، درس على يد المرحوم والده السيد محمد رضا القزويني ودخل سماحة السيد كلية الفقه وحضر دروس الأصول والفلسفة عند الشيخ محمد رضا المظفر (قدِّس سرُّه) مؤسس كلية الفقه وعميدها وحضر أيضاً عند السيد محمد تقي الحكيم (قدِّس سرُّه) ودرس الفقه على يد الشيخ محمد تقي الأيرواني حتى رسى به المطاف أخيراً على يد عباقرة العلم وأساتيذه في الفقه والأصول في البحث الخارج على يد المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدِّس سرُّه) وعلى أستاذه المرجع الاعلى اية الله العظمى السيد أبوالقاسم الخوئي (قدِّس سرُّه)، ولسماحة السيد مجموعة من المؤلفات وله الكثير من النشاطات الاجتماعية والتبليغية.
  • (5) هذه الجملة نقلاً عن الشيخ حسن المالكي.
  • (6) سماحة الشيخ حسن المالكي من علماء البحرين وخطبائها، درس في حوزة النجف الأشرف وحوزة قم المقدسة، وكان أحد أعضاء جمعية التوعية الإسلامية قبل إغلاقها، وله نشاطات تبليغية كثيرة.
  • (7) سماحة الشيخ باقر الحوّاج من علماء البحرين، درس في حوزة قم المقدسة، ثم رجع منها إلى أرض البحرين سنة 2001م ليشتغل بالتبليغ، وكان مديراً لمكتب البيان للمراجعات الدينية لسماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم في السابق ويرأس حالياً جمعية التوعية الإسلامية وله نشاطات تبليغية كثيرة.
  • (8) سماحة الشيخ عبد الله الدقاق، من المؤسسين لهذه المجلة الكريمة والمشرف العام لها ومديرها المسؤول السابق وعضو الهيئة الاستشارية لها حالياً، مدير حوزة الأطهار التخصصية في قم المقدسة، وأستاذ السطح العالي في الحوزة العلمية، كما ويحضر البحث الخارج لدى جملة من المراجع العظام.
  • (9) محمد صالح المازندراني، شرح أصول الكافي ج11 ص274.
  • (10) النور:19.
  • (11) الفيض الكاشاني، الوافي ج5 ص976.
  • (12) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي ج2 ص78.
  • (13) العلامة المجلسي، بحار الأنوار ج43 ص349.
  • (14) مريم:54.
  • (15) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي ج2 ص107.
  • (16) سماحة الشيخ محمود السيف أستاذ بحث الخارج بالحوزة العلمية بقم المقدسة، رئيس ومؤسس معهد الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) للخطابة سابقاً ومؤسسة الحجة (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) حالياً، إضافة إلى مهمّة المسؤول التربوي لحوزة الأطهار التخصصية، وهو أيضاً مدير سابق لمدرسة الإمام الهادي (عليه السلام).
  • (17) سماحة الشيخ عادل الشعلة من علماء البحرين، درس في حوزة قم المقدسة، ثم رجع منها إلى أرض البحرين سنة 1992م ليشتغل بالتبليغ، وكان عضواً في الهيئة المركزية في المجلس الإسلامي العلمائي في البحرين في دورته الأولى، وله حالياً نشاطات تبليغية كثيرة.
  • (18) سماحة الشيخ علي أصغر مسلمي كاشاني من فضلاء علماء إيران، درس في حوزة قم المقدسة وحوزة النجف الأشرف، من أساتذته السيد موسى الصدر والسيد علي الفاني الإصفهاني والشيخ حسين الحلّي، درس عند السيد الإمام الخميني خمسة َعشرَ سنة، وعند السيد أبو القاسم الخوئي خمسةَ عشرَ سنة، وعند الشهيد السيد محمد باقر الصدر تسع سنوات وله تقريرات غير مطبوعة لبحث الأصول للسيد الشهيد الصدر حافظ فيها على عين ألفاظ وعبائر السيد الشهيد، ثم درس في حوزة قم المقدسة عند السيد كاظم الحائري والسيد محمود الهاشمي الشاهرودي.
  • (19) ثورة انطلقت في البحرين في الرابع عشر من فبراير عام 2011م مطالبة بالحقوق المسلوبة عن شعب البحرين.
المصدر
مجلة رسالة القلم

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى