ثقافة

ثورة الحسين (ع) الخالدة – رد لمقولة الحسين خرج عن حده فيقتل بسيف جده

إن ثورة يكون قربانها قائدها، و وقودها دماء رجالها، وماهيتها إخلاص ثوارها، ورائدها تقوى أنصارها، لا يستغرب أن تخرج بهذه النضارة والنصاعة في كل أبعادها، فما أن تلقي ببصرك على جنبة من جنبات هذه الثورة المباركة إلا وترى الذروة في ما وصلت إليه، فإن نظرت إلى جانب الانتصار فإنها صارت مضرب مثل للثورات، وإن حلقت ببصرك إلى جانب التكتيك (كما يصطلح عليه في هذه الأيام) فإنها حيرت عقول الساسة المحنكين، وإن عطفت ببصرك إلى جانب الصيت الذي وصلت إليه فإنها وصلت إلى مسامع الخصماء فضلا عن الأصدقاء، وطرقت أسماع الملحدين فضلا عن الموحدين، فها هو غاندي يطلق كلمات الإعجاب والتقدير والخضوع: تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر.

 وإن أومأت ببصرك إلى جانب العطاء ومقداره فها هو قائد الثورة الإسلامية السيد الإمام الخميني (ره) يقول: كل ما لدينا من عاشوراء.

وإن نظرت… وإن نظرت.. لرأيت عجبا، لأن ما قدمته هذه الثورة يعجز الشخص عن وصفه، فمن الطبيعي أن تخرج النتائج محيرة لذوي الأفهام، وكيف لا وقد ارتبطت هذه الثورة بالكمال المطلق، ذلك لأنها كانت قياما لله عز وجل، فحري بها أن تتوفر على هذا المستوى من الكمال، وأقولها جازما قاطعا، ولا أشك حتى بمقدار شعرة: إن أمة يكون فيها الحسين حيا في القلوب متأججا في المشاعر يستحيل أن تخذل هذه الأمة أو أن تغيب عن موضع القرار، أو أن يتلاعب بمصيرها. وإن حاول البعض وانبرى لأجل تمييع الثورة وتفريغ محتواها و وأدها في مهدها، وذلك بالتعدي على قائدها الإمام الحسين(ع) ومحاولة رسم صورة مغلوطة عن القائد لكي تمرر على نفوس البسطاء الجهلاء من الناس، أعني بهذه المحاولة الشعار الذي أطلقه شريحاً القاضي: الحسين خرج عن حده فيقتل بسيف جده. محاكمة للشعار:

 1. يا ترى لماذا شعار (الحسين خرج عن حده فيقتل بسيف جده)؟

 2. وما ملابسات هذا الشعار وهل حقا خرج الحسين(ع) عن حده فيقتل بسيف جده؟ أم أنها السياسة التي صنعها ذوو النفوذ، من الذين يريدون أن يمرروا قراراتهم على البلهاء من هذه الأمة؟

 3. وهل حقا أن الإمام الحسين(ع) –والعياذ بالله- قد فسق ليتجرأ أمثال شريح ليقول هذه الكلمة؟ أم أنه تجرأ على الأمة كلها حتى أصبحت لا قيمة لها في ظل غياب الحقيقة، وفي ظل ضمور الوعي في أوساط الأمة؟

 4. وهل حقا هناك من هضم هذه الكلمة حتى فرضت وجودها في أرض الواقع؟

 5. وهل أن الأمة أعلنت عن فشلها في مقابل قرارات خطيرة من هذا النوع حتى بات تمرير أمثال هذه القرارات أمرا من السهولة بمكان؟

 6. وهل حقا وصل الحد إلى تطبيق هذا القرار واقعا، و وقفت الأمة منه وقفة المتفرج؟

 7. بل هل وصل الحد إلى أن الأمة لم تكتف بكتف اليد أمام تطبيق القرار حتى شمرت عن ساعدها لتشارك في تمرير هذا القرار عمليا وذلك بالمشاركة في قتل الإمام الحسين(ع)؟ كل هذه التساؤلات لا يمكن للأمة أن تتجاهلها بحال من الأحوال، وإذا خذلت الأمة الحسين(ع) بالأمس، فهل من ضمانات بأن لا تخذل الأمة تلاميذ الحسين(ع) على مدار العصور؟ إذن لا بد من وقفة للتحليل، ولا بد من محاكمة لهذا الشعار لنرى أين يكون محله من الواقع، وهنا محاولة في هذا المجال: أولا: يا ترى من هو الذي تفوه بهذا الشعار؟ وإلى ماذا كان يرمي بذلك؟ عندما نلاحظ هذا الشعار نرى أن المتفوه به كان لسانا من ألسنة الظلمة ألا وهو شريح القاضي، هذا الرجل الذي -كما يظهر- باع دينه بدنيا غيره، وهو أسوأ حالا ممن باع دينه بدنياه كما تشير إليه روايات أهل البيت(ع)، فشريح هنا باع دينه بدنيا يزيد.

وشريح ينطق كلمته وهو حبيس هواه، وحبيس خوفه، وحبيس جهله، وحبيس طمعه، وحبيس جرمه، جراء دخوله في أعوان يزيد، وهذه ضريبة كل من يضع يده في أيدي الظالمين، أن يأتيه يوم –والعياذ بالله- يكون فيه مسلوب الإرادة، إن لم يكن قد حكم على نفسه بأن يكون مسلوب الإرادة من أول يوم دخل فيه في سلك الظالمين، وليس معنى سلب الإرادة أنه يقدم على الأمر بلا شعور، بل يكون أداة طوع لهم من دون أن يستطيع قول كلمة (لا) في موضع الـ(لا)، و (نعم) في موضع الـ(نعم)، وهذا لا يعني أنه معذور أمام الله سبحانه وتعالى، لأنه أقدم على الدخول مع الظالم باختياره، فإذا اضطر إلى الظلم فإنه لا يكون معذورا حينئذ، (فالاضطرار بسوء الاختيار لا ينافي الاختيار)، والاضطرار في مسألة خدمة الظالم، وخصوصا إذا وصل إلى الدم أو العرض ليس فيه مسامحة من قبل الله سبحانه وتعالى، لأن الاضطرار الذي لا يعاقب الله الإنسان عليه امتنان من الله سبحانه وتعالى، ولا يشمل هذا المورد لأنه معارض بحق المظلوم.

وعلى كل حال فالشخص الذي يقع في شباك الظالم لا يأمن من أن يأتيه الخطر، ومن أين يطرق بابه الانحدار إلى الهاوية، ولعل لحظة يظلم فيها مسلما من المسلمين يكون فيها الطرد الإلهي، وهل من ظلم أشد من أن يجرأ شخص على كلمة تكون صريحة في الدعوة إلى قتل ابن بنت رسول الله(ص).

وبأي تبرير يصح ذلك والرسول يقول في حق الحسن والحسين(ع) كما هو المنقول عن علماء السنة فضلا عن ما جاء عن علماء الشيعة: (من أحبهما أحببته، ومن أحببته أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله جنات النعيم.

ومن أبغضهما، أو بغى عليهما أبغضته، ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله نار جنهم، وله عذاب مقيم)(1).

وهذه العبارة ليست مختصة بزمن دون آخر والرسول(ص) لا ينطق عن الهوى وليس لديه مجاملات على حساب الدين، فكيف يا ترى وفي أي زاوية يصح أن يوضع كلام شريح؟ وماذا يا ترى يريد أن يقول؟ هل يريد أن يقول أن الحسين(ع) –والعياذ بالله- صار كافرا، أو فسق فسقا يستحق به القتل؟ أو أنه أصبح منافقا؟ وهذا ما يدل عليه مفهوم عبارته، وإلا فما مصير من يقتل بسيف الرسول الأكرم(ص) إلا النار؟ فهل هذا ما أراد أن يتوصل إليه شريح من كلمته وهو أن الحسين خرج عن الدين فلا بد أن يقتل بسيف الإسلام؟ أم أن المقصود هو أن الحسين(ع) خرج عن الحد الذي لا يطيقه يزيد فلن يتحمل يزيد ذلك وهذا الحد كما هو ظاهر؟ إن يزيد رأى في الحسين(ع) عقبة أمام الوصول لمآربه الشيطانية ورأى في الحسين(ع) خندقا منيعا يبقى من خلاله الإسلام المحمدي الأصيل، خصوصا وأن الحسين(ع) تحدى يزيد لعنه الله بلا هوادة حينما رأى أبو عبد الله(ع) الناس ينسلخون عن الإسلام يوما بعد يوم، الأمر الذي جعل يزيد يرى في الحسين(ع) خروجا عن الحد، ولأن شريح القاضي كان في موقع يستطيع من خلاله استقطاب الرأي العام فصار أداة لتنفيذ القرار، وهذا الكلام له مداليله، وليس أمرا خطابيا، فالمتتبع لشخصية يزيد وما كتب حولها يرى ذلك جليا وعلى ألسنة الفريقين (سنة وشيعة)، فقد اشتهر يزيد بالفجور وشرب الخمور واللعب بالطنبور وغيرها من المنكرات والفواحش التي تكفي الواحدة منها لفسق الرجل، فأمر فسقه (لع) وعلى أقل تقدير واضح لدى العامة فضلا عن الخاصة وإن كان أمر كفره ليس ببعيد، فمما ذكره جلال الدين السيوطي عن تاريخ الخلفاء: (وكان سبب خلع أهل المدينة يزيد أسرف في المعاصي) وأخرج الواقدي من طرق أن عبد الله بن حنظلة الفسيل قال: والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء، إنه رجل ينكح أمهات الأولاد، والبنات والأخوات، ويشرب الخمر ويدع الصلاة.

 قال الذهبي: ولما فعل يزيد بأهل المدينة ما فعل، مع شرب الخمر وإيتائه المنكر، اشتد عليه الناس(2).

 بعد هذا كله -وهذا غيض من فيض- من مخازي يزيد (لع)، من الذي خرج عن حده فيقتل بسيف الرسول(ص) يزيد أم الحسين(ع)؟!! ولكنها وللأسف الشديد ضريبة الارتباط بالظالم والانقياد في سلكه، الأمر الذي أوقع شريحا في هذه الورطة التي أصبحت عارا عليه على مدى السنين والأعوام، وتبعة يتحملها معه لـ (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم).

 فلذلك نرى الأئمة(ع) يشيرون إلى خطورة الارتباط بالظالم وما يترتب عليه من ضياع الدين وحقوق أهل البيت(ع).

 فكما يروى عن مولانا الصادق(ع): (لولا أن بني أمية وجدوا من يكتب لهم ويجبي لهم الفيء، ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا).

(3) ومسألة الارتباط وأثرها في توهين الدين أمر لم ولن يقف عند حد زمن معين بل هو أمر سيال في كل زمان ومكان، وهناك مخطط واضح فاضح لأجل مسخ هوية طالب العلم والمتصدي لهداية الناس منذ ذلك الزمن وإلى يومنا هذا، بل إلى قيام قائمنا الحجة المنتظر#، وهذا أمر يتحمل تبعته طلاب العلوم الدينية قبل غيرهم من السلطات والحكومات التي تسعى إلى ذلك إذا أمر بالقبول والانقياد، وأمر الرفض راجع لطالب العلم أولا وأخيرا -بعد تسديد الله سبحانه وتعالى- و وعي الأمة ودرجة رشدها مؤمّنٌ قوي في الحد من وقوع مثل هذه النزلات التي توجع الأمة إن لم تجابه بوعي وبصيرة وإصرار.

 والحمد لله أولا وأخيرا السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين

المصادر والمراجع

  • (1) مختصر تاريخ دمشق: 7: 121، عن كتاب الحسين سماته وسيرته
  • (2) تاريخ الخلفاء للسيوطي: 209
  • (3) ميزان الحكمة: 612، ح11169
المصدر
مجلة رسالة القلم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى