ثقافة

الولاء الباطل

هذا هو الولاء الحق: الحب في الله والبغض في الله والسِّلم في الله، والحرب في الله. وفي مقابل ذلك، الولاء الباطل، الذي يلغيه الإسلام إلغاءً كاملاً، وهو فصل الحب والبغض والسلم والحرب عن الله ورسوله فصلاً كاملاً، وانتحال محاور أُخرى للحب والبغض والسلم والحرب مفصولة عن الولاء لله ورسوله، لها حبّها وبغضها وحربها وسلمها، تطابقت في الحرب والسلم والحب والبغض مع الولاء لله ولرسوله أم تقاطعت.

ومن ذلك الولاء للقوم والوطن.

وهو من الولاء الباطل الذي ألغاه الإسلام إذا كانت (القومية) و(الوطنية) تعدّ محوراً منفصلاً عن محور الولاء لله ولرسول الله.

فلا يجوز للإنسان أن يمتد مع حبِّه لقومه ووطنه في كل مستلزمات هذا الحب وتوابعه. ولا يسمح للإنسان أن يحبّ أعداء الله ورسوله من قومه ووطنه، كما لا يجوز أن يبغض المؤمنين من غير قومه ووطنه…

عن أمير المؤمنين× قال: (سمعت رسول الله2 يقول: شرار الناس من يبغض المؤمنين وتبغضهم قلوبهم)[1].

فيجب عليه أن يحبّ المؤمنين من غير قومه ووطنه، ويبغض ويحارب أعداء الله ورسوله من قومه ووطنه.

سُئِلَ علي بن الحسين زين العابدين× عن العصبية. فقال: العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شِرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس من العصبية أن يحبّ الرجل قومه، ولكن من العصبية أن يُعين قومه على الظلم[2].

وامّا حب الإسلام والأُمة الإسلامية، فهو من مصاديق الحب في الله، ويمتدّ إلى كل مستلزماته ومتطلباته، فيجب على المؤمن أن يحب كل المسلمين من قومه ووطنه ومن غير قومه ووطنه، ويحارب كل أعداء الله والمعتدين من قومه ووطنه ومن خارج قومه ووطنه.

الولاء للقوم والوطن

وسوف نتحدّث إن شاء الله عن ظاهرة الولاء للقوم والوطن (القومية والوطنية) ولكننا نستعجل الإشارة إليها في هذا الجزء من الحديث لنقول: إن ظاهرة القومية والوطنية التي عمّت العالم الإسلامي، والتي استوردها المسلمون من الغرب في الأغلب… ليس حبّاً ساذجاً فقط محكوماً لضوابط الولاء الإسلامي في الحبِّ والبغض لله وفي الله، وانّما يعتبر محوراً جديداً للحب والبغض في حياة الإنسان المعاصر في مقابل محور الحب لله.

وانّما نقول عنها انّها تعتبر محوراً جديداً في الحب والبغض، لأن القومية والوطنية في مفهومها المعاصر تشدُّ عواطف الإنسان وأحاسيسه لما حوله من خلال قناة القوم والوطن، فيحب من الرجال والأبطال، والشعراء، والأساطير، والأدب، والحوادث، والوقائع، والملوك ما يتصل بقومه ووطنه طابت أم خبثت، ويكره من الأقوام والأبطال والشعر والأساطير والحوادث والأيام ما كان في اتجاه مخالف لقومه ووطنه، طابت أم خبثت.

وعلى هذا الأساس تقوم الاتجاهات القومية الحديثة في العالم الإسلامي على إحياء الحضارات الفرعونية والآشورية والبابلية والمجوسية لربط حاضر المسلمين بماضيهم عبر الإسلام وتاريخه العظيم طاب هذا الماضي أم كان خبيثاً.

فالقومية والوطنية ـ إذن ـ في مفهومها المعاصر اتجاه لإقامة محاور جديدة للولاء في مقابل الولاء لله ولرسوله.

وانّما نقول في مقابل الولاء لله وللرسول، ولا نقول في عرض الولاء لله وللرسول أو مع الولاء لله وللرسول…

مـع إن المحـاور القومية والوطنية لا تنفي الولاء لله وللرسول غالبـاً…

ومع ذلك قلنا عنها انّها محاور جديدة للولاء في قِبال الولاء لله وللرسول لأن مسألة الولاء لا تتقبّل التعدّد والتوزّع على أكثر من محور.

ومتى يُطرح ولاء جديد في عرض الولاء لله وللرسول فإنّها تنفي الولاء لله وللرسول لا محالة. لأن مسألة الولاء مسألة التوحيد دائماً.

فإمّا أن يكون ولاء الإنسان لله، فلا يكون له لغير الله تعالى ولاء، وامّا أن لا يكون له ولاء لله وللرسول، فيختار لولائه وحبّه وبغضه ما يشاء من المواضع.

إن جوهر (الولاء) وقيمة (الولاء) في التوحيد، فإذا انتفى التوحيد ينتفي الولاء رأساً. ونحن إذا أدركنا هذه الحقيقة في معنى الولاء نستطيع أن نفهم معنى (الولاء). ومن دونه يبقى فهمنا لمسألة الولاء فهماً عاميّاً ساذجاً، ينسجم الولاء فيه مع الولاء لكل أحد ولكل شيء، حتى مع الولاء لأعداء الله، فيجتمع حب الله والولاء لـه ولأنبيائه “ع” مع حبّ فرعون والولاء له، ويجتمع حبّ الإسلام والولاء له مع حب الحضارات المجوسية والفرعونية والبابلية والولاء لها. وعندما يهبط الولاء إلى هذا المستوى يفقد الولاء كل محتواه وقيمته وأثره.

فالحب في الله ـ إذن ـ يعتبر في حياة الإنسان المسلم محورًا في السلب والإيجاب والحب والبغض والقرب والبعد، ويكون حاكماً على كل علاقات الإنسان وتعلّقاته وميوله وتوجّهاته.

وكل حبٍّ آخر لا ينافي الحب لله فهو مسموح به وجائز على أن يبقى محكوماً للحبِّ لله.

وحتى عندما يحبّ المسلم طائفتين مسلمتين في الله تتخاصمان في أمر ما، فلا يمكن أن يجمع بينهما الإنسان في الحب ويضطر لاتخاذ موقف منهما، فإن ضوابط الشريعة تتحكّم في اتخاذ مثل هذا الموقف، ولا يترك الأمر في مثل هذه المواقف لعواطف الإنسان تجاههما، ودرجة حبِّه وتعلّقه بكل واحد منهما، فيُؤثِر منهما من كان أقرب إلى نفسه…

ويقف من الآخر موقفاً يميل إلى السلب…

أقول: ليس للمسلم في مثل هذه المواقف، وهو يحبّ الطائفتين في الله، أن يرسل عواطفه حيث يشاء، وكما يرغب، وتميل إليه نفسه، وإنّما يجب عليه أن يُخْضِع عواطفه تجاههما لضوابط الشريعة، فيحاول أن يصلح بينهما ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فإن بغت إحداهما على الأُخرى وقف مع المعتدى عليها ضدّ الفئة الباغية، بحزم وقوّة، ومن دون أن يميل مع ميوله وتعلّقاته النفسية، ويحسب حساباً لقرب إحداهما منه أو بعدها. ولا يرقّ ولا يلين، وإذا لم ترتدع الفئة الظالمة عن بغيها وغيِّها أعلن عليها الحرب وقاتلها إلى جنب الفئة المعتدى عليها. {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[3]. فالحب في الله ـ إذن ـ محور حاكم في حياة الإنسان المسلم، يرسم لـه مقياساً واضحاً لعلاقاته في المجتمع والأُسرة ولقربه وبعده وحبّه وبغضه. ومن خصائص هذا المحور انّه يرفض دائماً أي محور إلى جنبه، مهما يكن ذلك المحور.

أقرأ ايضاً:


المصادر والمراجع

  • [1] ـ وسائل الشيعة 2: 204 الطبعة الحجرية.
  • [2] ـ اصول الكافي 2: 308 و بحار الأنوار 73: 288.
  • [3] ـ الحجرات: 9.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى