ثقافة

نماذج من السلام بين الخلف والسلف في القرآن الكريم

{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}[1].

{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ}[2].

{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ}[3].

{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ}[4].

{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[5].

السيرة الإسلامية في الزيارة والتسليم

ونصوص الزيارات الواردة عن طريق أهل البيت “ع” في زيارة الأنبياء والأئمة والأولياء والصالحين من السلف الصالح بصيغة التسليم وهي الصيغة الشائعة في الزيارات واردة بهذا الصدد فهي تعبير عن الانتماء إلى هذه الاُسرة العريقة; الاُسرة الإبراهيمية والارتباط بهذه الشجرة المباركة التي تمتدّ اُصولها في أعماق التأريخ وتتفرّع غصونها على وجه الأرض في حياة الإنسان.

إنّ نصوص الزيارات الواردة بصيغة التسليم تعبّر عن هذا الارتباط التاريخي والانتماء الاُسَرِي في تأريخ الإنسان المسلم، وتعبِّر عن هذا الارتباط السلسلة المباركة التي تمتدّ من آدم “ع” عبر إبراهيم “ع” إلى رسول الله “ص” وخلفائه الأئمّة الطاهرين “ع”.

والتعبير بـ(التسليم) عن هذا الارتباط والانتماء والولاء هو أفضل كلمة في التعبير عن هذا الارتباط والانتماء.

فهي تعبر عن الحب والانسجام والوفاء والولاء وعرفان الجميل والانشداد النفسي والقبول والاقتداء والاهتداء… وهذه المعاني جميعاً تتلخّص في كلمة (السلام).

ومخاطبة الصالحين من عباد الله من السلف الصالح بهذه الصيغة (التسليم) تعني هذه النقاط جميعاً، وتعني الولاء والارتباط، وتوحي للإنسان المسلم بأنه جزء من هذه الاُسرة العريقة وغصن من هذه الشجرة المباركة، وتشدّ الإنسان المسلم في خضمّ الصراع الفكري والسياسي في التأريخ وحياته المعاصرة بأصوله وجذوره التاريخية، وتحميه من الأعاصير والزوابع، وذلك من أجل الأهداف والغايات التربويّة في الزيارات.

ومن المؤسف أنّ المذهب الوهابي لم يدرك هذا المغزى التربوي الرفيع في زيارة مراقد السلف الصالح من الاُسرة الإبراهيمية والشجرة المحمديّة، ويعتبر ذلك خروجاً عن محور التوحيد، ونوعاً من الشرك في العبادة، وعبادة للقبور.

ومن هذه الزاوية يقوم أتباع هذا المذهب بمكافحة العرف الإسلامي العريق، ويتجاوزون هذا الحد إلى تخريب قبور الأولياء والأئمّة “ع” ليحولوا بين المسلمين وبين زيارة الأئمّة والأولياء.

إنّ زيارة الأنبياء والأئمّة والأولياء من عباد الله الصالحين ليست من العبادة للقبور، ولا من الشرك بالله، ولا من الاستعانة بغير الله، وإنّما هي عمليّة إيحائيّة ذات قيمة تربويّة كبيرة تربط الإنسان المسلم في خضمّ الصراع التاريخي الفكري ـ السياسي باُصوله وجذوره العريقة في التأريخ.

والحضور في هذه المراقد والتسليم على أصحابها، ومخاطبة أصحاب المراقد بمواقفهم وجهادهم وأعمالهم وحركتهم إلى الله تعالى ودعوتهم إلى الله تعالى، وما لاقوا في سبيل الله من عناء وعذاب واضطهاد… ثم مخاطبتهم بالتزام مواقفهم وتبنّي دعوتهم، والسير على طريقهم والاهتداء بهديهم، وعدم مفارقتهم عن طريق ذات الشوكة…

أقول إنّ هذا الحضور في المراقد، وهذه المخاطبة وهذا التسليم في الزيارات; تعبير عن الانتماء والولاء والارتباط والانشداد بالاُسرة وصلة الرحم بين أجيال الاُسرة الواحدة.

وإنّ السيرة الإسلامية الشائعة بين المسلمين في زيارات مراقد وقبور الأنبياء والأئمة والصالحين من عباد الله من العوامل المهمّة التي تحول دون تفتيت هذه الاُسرة عبر الأجيال والتأريخ، وتحفظ وحدة الاُسرة وارتباط أجيالها ببعض، والعلاقة الولائيّة التي تربط هذه الأجيال من الاُسرة الواحدة بعضها ببعض.

والمحاولات التي تصبّ في اتجاه القضاء على هذه السيرة الإسلامية المباركة أو تضييقها تؤدّي بالنتيجة إلى التفريط بهذه القيم الحضاريّة الكبيرة، وإلى تضعيف هذه الآصرة الولائيّة التي تربط أجيال هذه الاُسرة المسلمة بعضها ببعض.

وقد وردت أحاديث كثيرة في التأكيد على هذه السيرة الإسلاميّة (الزيارة) والاهتمام بها وتكريسها، ذكرها العلاّمة الأميني في الجزء الخامس من موسوعته القيّمة (الغدير)، نذكر منها ما رواه عبد الله بن عمر مرفوعاً:

(من زار قبري وجبت له شفاعتي..).

وعن عبد الله بن عمر أيضاً: (من جاءني زائراً لا تحمله إلاّ زيارتي كان حقّاً عليّ أن أكون لـه شفيعاً يوم القيامة).

وعنه أيضاً مرفوعاً: (من حجّ فزار قبري بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي).

وعنه أيضاً مرفوعاً: (من حجّ البيت ولم يزرني فقد جفاني).

وعن أبي هريرة مرفوعاً: (من زارني بعد موتي فكأنّما زارني وأنا حيّ، ومن زارني كنت شهيداً له وشفيعا يوم القيامة)1.

إلى غير ذلك من الروايات التي تحثّ على إحياء هذه السيرة والاهتمام والعناية بها لدى المسلمين.

أقرأ ايضاً:


المصادر والمراجع

  • [1] ـ النمل: 59.
  • [2] ـ الصّافّات: 108 ـ 109.
  • [3] ـ الصّافّات: 119 ـ 120.
  • [4] ـ الصّافّات: الآيتان 129 ـ 130.
  • [5] ـ الصافّات: الآيتان 181 ـ 182.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى