ثقافة

البعد الثالث للسلام “البعد العمودي (العمقي)”

وهذا البعد من أبعاد السلام لا يقلّ قيمة عن البعدين الآخرين، وهذا البعد هو البعد العمودي الذي ينفذ في أعماق حضارتنا وتأريخنا، ويربط حاضرنا بماضينا، وجيلنا المعاصر بالأجيال التي سبقتنا إلى الإيمان.

ولهذا البعد أهميّة خاصّة في الإسلام، ونحن لا نكاد نجد في شيء من الحضارات البشريّة الجاهليّة مثل هذه القيمة وهذا الاهتمام للتأريخ والعمق الحضاري للإنسان.

والإسلام هو وحده الذي يولي الأعماق الحضاريّة للاُمّة مثل هذا الاهتمام، ويعطيها مثل هذه العناية، ويحاول أن يربط حاضر الاُمّة بماضيها، وأجيالها المتناثرة على عمود الزمان في سلسلة واحدة، ويربط الابن بأبيه في أخلاقه وثقافته وعقيدته، ويجعل من هذه الاُمّة أمّة واحدة في كل مراحلها التاريخية، لها رسالة واحدة، وخط فكري واحد، وحضارة واحدة.

ذلك أنّ أيّ مقطع من مقاطع حضارة الإنسان لا يمكن أن نفهمه ولا يمكن أن يتكون خلال نفس المقطع من الزمان، وانّما يتكوّن خلال أدوار ومراحل طويلة من التأريخ.

وكل حضارة تتكوّن من تراكمات من الأسباب والعلل التاريخية… ولا نستطيع أن نفهم أيّة حضارة من دون أن نفهم هذا العمق الحضاري بشكل دقيق.

فلكل حضارة سطح مرئي وأعماق غير مرئيّة، وهذا السطح المرئيُّ للحضارة يرتبط بشكل دقيق بالأعماق غير المرئيّة لها، ولا يمكن فهمه بصورة مجرّدة عن الجذور والعمق التاريخي له.

وليس المقطع الحاضر من أيّة حضارة حصيلة عمل وجهود الجيل المعاصر لتلك الحضارة، وإنّما هو حصيلة جهود وأعمال أجيال سابقة في عمق التأريخ، يتبلور بهذا الشكل أو بذلك من الصور والأنماط الحضاريّة.

فالحب والبغض والولاء والبراءة والعادات والأعراف والقيم والفضائل لا تتكوّن مرّة واحدة، وليست من عمل جيل واحد.

وهذا هو البعد الثالث من الأبعاد الثلاثة التي تتألّف منها شبكة الولاء.

فإنّ نسيج الولاء نسيج ذو ثلاثة أبعاد ـ كما ذكرنا ـ .

البعد الأول منه يربط الفرد المسلم بمسلسل القيادة والإمرة والحاكميّة والذي ينتهي إلى حاكميّة الله تعالى المطلقة في الكون.

والبعد الثاني منه يربط الفرد العرض العريض للاُمّة بعلاقة الاُخوّة الإسلامية.

والبعد الثالث يربط الفرد والاُمّة بالعمق التاريخي الحضاري للاُمّة وجذورها واُصولها، ومعرفة هذا البعد أمر أساسيّ في فهم نظرة الإسلام ورؤيته للأمّة.

فالاُمّة ليست فقط كتلة بشريّة مترابطة يحكمها نظام واحد واتجاه فكري وسياسي واحد وإنّما يدخل في تكوينها عمقها الحضاري والتاريخي… ولا معنى للاُمّة من دون أخذ هذا العمق بنظر الاعتبار، ولا يمكن فهم (الاُمّة) وتشخيصها بدون اعتبار هذا البعد التاريخي في تكوينها.

فالاُمّة في القرآن الكريم حلقات ممتدّة على عمود التأريخ لسلسلة واحدة ذات اتجاه فكري وسياسي واحد.

فلنقرأ هذه الآيات المباركات من سورة الأنعام ليتضح ما نقول:

{وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}[1].

وهذه الآيات الكريمة جديرة بالكثير من التأمّل:

1ـ فهي تذكر أولا مقاطع ومراحل من المسيرة الربّانية الكبرى على وجه الأرض « وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ ».

«وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ… وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا…»

هؤلاء الأنبياء رموز لمراحل متعددة من الحضارة الإلهيّة، ومعلّمون في مدرسة واحدة ذات مراحل تاريخية متعددة.

2ـ وتصفهم الآيات الكريمة بالإحسان والصلاح فتقول:

«وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ» و «كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ».

فهذه المسيرة تختلف عن مسيرات الحضارات البشريّة الجاهليّة التي تعود بالشرّ والفساد على الإنسانية، فهي المسيرة الوحيدة التي خصّها الله تعالى للإنسان والتي تعود بالخير والصلاح على حياة الإنسان.

3ـ وهي مسيرة ملتحمة مترابطة لا تؤثّر فيها الفواصل الزمنيّة، ويجري في كل مقطع زمنّي منها ما يجري في المقاطع الزمنيّة المتباعدة.

تأمّلوا في قوله تعالى: «وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ» ترسم ثلاثة أطوار من هذه المسيرة: الطور النازل «آبائهم»، والطور الصاعد «وذرّياتهم»، والمقطع الزمني الواحد «وإخوانهم».

4 ـ وهؤلاء الأنبياء المعلِّمون هم الذين هداهم الله واجتباهم واختارهم وفضّلهم على العالمين:

«وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ ـ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ».

وآتاهم الله الكتاب والحكم والنبوّة العناصر الأساسيّة في الحضارة الإلهيّة على وجه الأرض: «آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ».

5ـ وقوام هذه الاُمّة العقيدة، وما يتبع العقيدة من القيم والأعمال.

ولو أنّ هذه الصفوة التي آتاها الله تعالى الهداية والفضل، واجتباها واصطفاها على العالمين، ورزقها الكتاب والحكم والنبوّة… لو أنّ أحدهم أشرك ـ والعياذ بالله ـ لما نفعه انتماؤه إلى نوح وإبراهيم، ولأخرجه الله تعالى من الاُسرة الصالحة المحسنة كما أخرج ابن نوح من قبل، وقال لنوح: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ}[2]، «وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ».

6ـ وإذا كان هؤلاء الناس يكفرون ويتمرّدون على إرادة الله تعالى وأمره وحكمه فإنّ المسيرة لا تتوقّف حتماً، وهي جارية وماضية بإذن الله في عمق المستقبل كما هي موغلة في عمق التأريخ.

فإذا توقّف هؤلاء عن الارتباط بالمسيرة فإنّ الله تعالى أوكل بها قوماً أقوياء أشدّاء يمضون بهذه المسيرة، فهم الذين يتخلفون ـ إذن ـ وأمّا المسيرة فلن تقف لحظة واحدة: «فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ».

وما أروعه من مقطع تحذير وبشارة واستغناء.

7ـ ثم بعد هذا الاستعراض الرائع للمسيرة الربّانية وامتدادها وعمقها وقيمها واستمراريّتها وفضل الله تعالى ورحمته ومشيئته تعالى فيها… يأمر الله تعالى نبيّه “ص” بأن يقتدي بهداهم، ولا ينفصل عنهم، ويتأسّى بهم في حياته وحركته، ودعوته وسنّته، وعمله وكلامه وسكوته، وحربه وسلمه…

ولا يغيبنّ عنك أنّ المخاطب بهذه الفقرة من الآية الكريمة هو رسول الله “ص” وخاتم الأنبياء وسيّد المرسلين وأشرف عباد الله تعالى وأفضلهم إطلاقاً، ومع ذلك كلّه فإنّ الله تعالى يقول لـه: «فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ»، ويأمره بأن يستنّ بسنن من قبله من الأنبياء ويهتدي بهداهم:

«أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ».

ونقرأ في سورة البقرة هذه الآيات المباركات:

{وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ}[3].

وهذه الآية الكريمة تأتي في جواب اليهود والنصارى الذين كانوا يدعون المسلمين إلى أن يتهوّدوا أو يتنصّروا… فتخاطب الآية الكريمة النبيّ “ص” بأنّ اليهوديّة والنصرانيّة ليستا من دين الله في شيء ولا من رسالة موسى وعيسى

وإنّما الدين الحق هو ملّة إبراهيم حنيفاً، وليس في دين الله تعدد ولا كثرة، وإن كانت هناك مراحل من التشريع، وإنّما هو دين واحد ورسالة واحدة، وما أنزل الله تعالى على نبيّه “ص” في آخر الزمان هو ما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط من بني إسرائيل، وموسى وعيسى وسائر الأنبياء والمرسلين، فلا فرق بين أنبياء الله، وكلّهم يأخذون من معين واحد، ويسيرون على خطّ واحد، ويطلبون غاية واحدة.

وهذه الرسالات جميعاً في مراحل التأريخ المختلفة ذات صبغة واحدة هي صبغة الله، وما عدا ذلك من الألوان كاليهوديّة والنصرانيّة فليس من دين الله في شيء…

فهي اُمّة واحدة، ورسالة واحدة، وصبغة واحدة، وامتداد واحد، وأصل واحد.

وبنفس السياق في سورة آل عمران ينفي القرآن الكريم أن يكون إبراهيم “ع” يهوديّاً أو نصرانيّاً، وإنّما هو حنيف مسلم، وإنّ أولى الناس بإبراهيم ليسوا هم اليهود والنصارى وإنّما الذين اتّبعوه حق التبعيّة ولم يشذّوا عن طريقه ودعوته، والنبيّ الاُمّيُّ “ص” وكل الذين آمنوا بالله ورسوله… كل هؤلاء على طريق إبراهيم “ع” ودعوته، وكل هؤلاء من اُسرة إبراهيم وملّته:

{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}[4].

ثم لنستمع إلى هذه الآية العجيبة من كتاب الله تعالى، والله تعالى يدعونا فيها إلى الجهاد، وهي من سورة الحج:

{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}[5].

فنحن وإبراهيم “ع” من اُسرة واحدة بشكل دقيق، وهو أبو هذه الاُسرة ونحن له أبناء… وهو الذي سمّانا المسلمين من قبل.

إلى غير ذلك من آيات الله المباركات التي ترسم لنا صورة واضحة عن هذه الاُسرة الواحدة بمراحلها التاريخية المتعددة، وأعماقها الحضاريّة الضاربة في التأريخ.

التأكيد على تعميق هذه الصلة الحضاريّة

وبعد ما استعرضنا التصوّر القرآني للبنية الحضاريّة لهذه الاُمّة وأعماقها الحضاريّة وامتداداتها… من المفيد أن نتحدّث عن اهتمام القرآن بتعميق هذه الصلة في نفس الإنسان المسلم، وربط حاضره بماضيه، وشدّه إلى سلفه، وتذكيره بهم، وتوجيهه إلى الاقتداء والتأسّي بسلفه والدعاء لهم، فإنّ شواغل الحاضر كثيرة في حياة الإنسان، ولو تُرك الإنسان لنفسه لشغله حاضره عن ماضيه، وملابسات حياته الحاضرة عن التفكير في اُصوله وجذوره الاُولى… ولكيلا ينسلخ الإنسان عن اُصوله وجذوره وآبائه وأسلافه، ولكيلا يتحوّل الإنسان بالتدريج في مهبِّ الرياح الموسميّة إلى نبتة اجتُثّت من فوق الأرض ما لها من قرار… يحاول القرآن الكريم أن يشدّه دائماً إلى اُصوله التاريخية، ويربط حاضره بماضيه بكل الوسائل الفنيّة التي تستطيع أن تؤدّي هذه المهمّة التربويّة في حياة الإنسان.

ولنقرأ في كتاب الله نماذج من هذه الآيات.

1ـ نماذج من آيات التذكير

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا}[6].

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا}[7].

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ}[8].

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا}[9].

{اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ}[10].

{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ}[11].

{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ}[12].

{وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الأَخْيَارِ}[13].

{وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ}[14].

{وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}[15].

2ـ نماذج من الآيات الآمرة بالاقتداء

{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}[16].

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[17].

{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}[18].

{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}[19].

أسوةٌ بإبراهيم والذين معه واقتداء بهم في أشقّ الاُمور وأصعبها، وأهم الأمور وأعظمها، في أمر العقيدة والدين، وذلك هو الولاء لله والبراءة من أعدائه براءة كاملة وجدّية لا تسامح فيها ولا مهادنة، ولا حياد ولا أجل، حتى يؤمنوا بالله وحده:

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ}[20].

3ـ الدعاء للسلف

{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ}[21].

الامتداد الحضاري للإنسان المسلم

ومن طرائف الفكر الحضاري في الإسلام أنّ الإسلام لا يقصر عنايته فقط على العمق الحضاري للإنسان، وإنّما يولي عناية خاصّة أيضاً بالامتداد الحضاري للإنسان.

وكما أنّ العمق التاريخي للإنسان له دور كبير في بناء الإنسان وفكره وعواطفه وحبّه وبغضه، وجزء لا يتجزّأ من كيان الإنسان الحضاري، كذلك امتداد الإنسان وذريّته جزء لا يتجزّأ منه.

والاُمة الصالحة المحسنة تخلّف الأجيال الصالحة، والاُمّة الفاسدة تخلّف الأجيال الفاسدة، وهذا هو السنّة الطبيعيّة في الحياة:

{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا}[22].

كذلك التربة الطيّبة تعطي نباتاً طيّباً: {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاّ فَاجِرًا كَفَّارًا}[23].

وليس من شكّ في أنّ الإنسان يشذّ عن أهله واُسرته ويستطيع أن يخرج عن سنّتهم في الخير والشر، وهذا هو معنى الاختيار في حياة الإنسان ولأجله يكون الثواب والعقاب.

ولكنّ المتخلّف هنا يجري على خلاف التيّار ويعاكس الاتجاه العام، وليس مثل المنحرفين من الاُسرة الصالحة كالمنحرفين في الأسرة المنحرفة.

يقول تعالى فيمن خلف أنبياء بني إسرائيل ومن سبقهم من الأنبياء: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}[24].

ويقول تعالى لنوح “ع” في ابنه: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}[25].

فمن الممكن أن يشذّ أحد وينحرف عن أهله واُسرته وطريقتهم، ولكنّ ذلك كلّه لا يمنع من أن نقول إنّ السنّة الطبيعيّة العامّة لله تعالى في الذراري والأخلاف المسانخة والمجانسة دون أن يسلب ذلك إرادة الإنسان في الخير والشرّ.

وقد خرج ابن نوح “ع” من الاُسرة المؤمنة الصالحة وتمَّ ذلك باختياره وإرادته، ولكنّ ذلك يبقى على كل حال خروجاً على السنن الطبيعيّة التي أودعها الله تعالى في الأشياء.

فالبناء الحضاري بناء متماسك بتماسك أطرافه عمقاً وامتداداً واُصولا وفروعاً.

وكما أنّ العمق الحضاري للإنسان جزء لا يتجزّأ منه كذلك الامتداد الحضاري للإنسان جزء لا يتجزّأ منه.

وقد أولى الإسلام عناية خاصّة بامتداد الإنسان المسلم، كما أولى تأريخه واُصوله العناية والاهتمام، وينعكس هذا الاهتمام في أدعية القرآن الكريم.

ونستعرض هنا نماذج من هذه الأدعية:

{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}[26].

{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً}[27].

{فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ}[28].

{رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ}[29].

أقرأ ايضاً:


المصادر والمراجع

  • [1] ـ الأنعام: 84 ـ 90.
  • [2] ـ هود: 46.
  • [3] ـ البقرة: الآيات 135 ـ 138.
  • [4] ـ آل عمران: الآيتان 67 ـ 68.
  • [5] ـ الحج: 78.
  • [6] ـ مريم: 41.
  • [7] ـ مريم: 51.
  • [8] ـ مريم: 54.
  • [9] ـ مريم: 56.
  • [10] ـ ص: 17.
  • [11] ـ ص: 45.
  • [12] ـ ص: 45.
  • [13] ـ ص: 48.
  • [14] ـ الأحقاف: 21.
  • [15] ـ هود: 120.
  • [16] ـ الأحقاف: 35.
  • [17] ـ الأحزاب: 21.
  • [18] ـ الأنعام: 90.
  • [19] ـ الممتحنة: 4.
  • [20] ـ الممتحنة: 6.
  • [21] ـ الحشر: 10.
  • [22] ـ الأعراف: 58.
  • [23] ـ نوح: 26 ـ 27.
  • [24] ـ مريم: 59.
  • [25] ـ هود: 46.
  • [26] ـ الفرقان: 74.
  • [27] ـ آل عمران: 38.
  • [28] ـ مريم: 5 ـ 6.
  • [29] ـ الصافات: 100.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى