ثقافة

السلام في دائرة الاُسرة والأهل والرحم وذوي القربى

وقد اهتم الإسلام اهتماماً بالغاً بتمتين هذه الشبكة المحيطة بالإنسان من العلاقات، ووضع هذه العلاقة القريبة إلى الإنسان في جوّ من السلام والحب والتعاون، فإنّ لسلامة هذه الشبكة دوراً كبيراً في سلامة الفرد والمجتمع وفي حماية الإنسان وسط مشاكل الحياة ومتاعبها.

فأُسرة الإنسان وأهله وأقرباؤه من أقرب الناس وألصقهم صلة به وأعرفهم به، فإذا كانت العلاقة قائمة على اُسس سليمة كان أهله وأقرباؤه أسرع الناس إلى نجدته وإمداده وعونه وحمايته كلّما دعت إلى ذلك الحاجة:

عن الإمام عليٍّ “ع” أنه قال: «أيها الناس; إنه لا يستغني الرجل وإن كان ذا مال عن عترته ودفاعهم عنه بأيديهم والسنتهم، وهم أعظم الناس حيطة من ورائه، وألمّهم بشعثه، وأعطفهم عليه عند نازلة أن نزلت به، ولسان الصدق يجعله الله للمرء في الناس خيراً من المال يرثه غيره.

ألا لا يعدلنَّ أحدكم عن القرابة يرى بها الخصاصة يسدّها بالذي لا يزيده إن أمسكه، ولا ينقصه إن أهلكه، ومن يقبض يده عن عشيرته فإنَّما يقبض عنهم يداً واحدة وتقبض منهم عنه أيد كثيرة، ومن تلن حاشيته يستدم من قومه المودّة»[1].

صلة الرحم

ولذلك فقد وردت في القرآن الكريم والحديث الشريف نصوص كثيرة تؤكد تأكيداً عجيباً على صلة الرحم ومواصلة الأهل والأقرباء والسعي في ذلك ولو كان على مسير سنة.

يقول تعالى: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ}[2].

وقد ورد في الحديث أنّ منه صلة الرحم[3].

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى}[4].

{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى}[5].

عن رسول الله “ص” أنه قال: «اُوصي الشاهد من اُمتي والغائب منهم في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة أن يصل (يصلوا) الرحم وإن كان منه (منهم) على مسير سنة، فإنّ ذلك من الدين»[6].

وعن رسول الله “ص” أنه قال: «أعجل الخير ثواباً صلة الرحم»[7].

ومما ورد التأكيد عليه في الأحاديث هو تأثير صلة الرحم العجيب في دفع البلاء عن الإنسان وطول العمر وسعة الرزق.

عن رسول الله “ص” أنه قال: «من سرّه أن يُبسط له رزقه وينسأ (يؤجّل ـ يؤخّر) له في أجله فليصل رحمه»[8].

وعن الإمام الصادق “ع” أنه قال: «إنّ صلة الرحم تزكّي الأعمال وتنمي الأموال وتيسّر الحساب وتدفع البلوى وتزيد في العمر»[9].

وروي أنّ أمير المؤمنين “ع” قال لنوف البكالي: «يا نوف صل رحمك يزيد (يزد) الله في عمرك»[10].

وعن الإمام الرضا “ع” عن آبائه^عن الإمام الحسين “ع” أنه قال: «من سرّه أن ينسأ في أجله ويزاد في رزقه فليصل رحمه»[11].

وعن رسول الله “ص” أنه قال: «من ضمن لي واحدة ضمنت لـه أربعة: يصل رحمه فيحبّه الله، ويوسّع عليه رزقه، ويزيد في عمره، ويدخله الجنّة التي وعده»[12].

وعن الإمام الرضا “ع” عن أبيه “ع” أنه قال: «قال أبو عبد الله “ع” صلة الأرحام وحسن الخلق زيادة في الأعمار»[13].

وعن أمير المؤمنين “ع” أنه قال: «أحسن يُحسَنْ إليك، إرحم تُرحم، قل خيراً تُذكَرْ بخير، صل رحمك يزد الله في عمرك»[14].

وعن أبي عبد الله الصادق “ع” أنه قال: «إن صلة الرحم تزكّي الأعمال، وتنمِّي الأموال، وتيسِّر الحساب، وتدفع البلوى، وتزيد في العمر»[15].

قطيعة الرحم

ونهى الإسلام نهياً شديداً مؤكَّداً عن قطيعة الرحم، وحذَّر عن قطع هذه الوشيجة التي أقامها الله بين الناس، وعن تبديد هذه الثروة من العاطفة والمحبّة التي ادَّخرها الله تعالى في نفوس الأقارب لصلاح حياة الناس وجمع شملهم.

فقد جعل الله تعالى في قلوب الأقارب من اُسرة واحدة محبّة واُلفة فطريّة، وهذه المحبّة والاُلفة والعلاقة لَمِنْ أهمِّ العوامل التي تعين الناس في حياتهم وتُمكِّنهم من اجتياز متاعب الحياة وعقباتها، وتساعدهم على التكاتف والتضامن والتعاون، وتبديد هذه العاطفة وتقطيع هذه الوشيجة من الحرمات كتبديد ايّة ثروة ادّخرها الله تعالى لمصلحة الإنسان وتقطيع أيّة علاقة أقامها الله تعالى لصلاح حال الإنسان على وجه الأرض.

وقد وردت في النصوص الإسلامية روايات ناهية عن قطع الرحم ومقاطعة الأهل والأقارب بصورة مؤكّدة ومشددة… نعرض هنا إضبارة من هذه النصوص:

عن رسول الله “ص” أنه قال: «إنّ قطيعة الرحم واليمين الكاذبة لتذران الديار بلاقع من أهلها»[16].

وعن أبي جعفر الباقر “ع” أنه قال: «قال رسول الله “ص”: أخبرني جبرئيل أنّ ريح الجنّة توجد من مسيرة ألف عام ما يجدها عاق ولا قاطع رحم»[17].

وكما ورد في الأحاديث أنّ صلة الرحم تزيد العمر وتنفي الفقر… فقد ورد بالعكس أيضاً أنّ قطيعة الرحم تورث الفقر وتقصر العمر.

عن الإمام جعفر بن محمد الصادق “ع” عن رسول الله “ص” أنه قال: «إنّ المرء ليصل رحمه وما بقي من عمره إلاّ ثلاث سنين فيمدّها الله إلى ثلاث وثلاثين سنة، وإنّ المرء ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاث وثلاثون سنة فيقصرها الله إلى ثلاث سنين أو أدنى…».

قال الحسين (راوي الحديث) وكان جعفر يتلو هذه الآية: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}[18].

وعن أمير المؤمنين “ع” أنه قال: «قطيعة الرحم تورث الفقر»[19].

الصلة تبعد القطيعة

ومن أهم الاُمور التي تؤكّدها الإسلام ويدفع الناس إليها هو إيصال الرحم عند القطيعة ومقابلة القطيعة بالصلة… وهو واحد من أفضل الوسائل التي يتخذها الإسلام لحماية العلاقة فيما بين المؤمنين عامّة، وفي داخل الأهل والأقارب منهم خاصة:

عن أبي ذر في وصيّة رسول الله “ص” أنه قال: «أوصاني رسول الله “ص” أن أصل رحمي وإن أدبرت»[20].

وعن الإمام عليّ بن الحسين أنه قال: «ما من خطوة أحب إلى الله عزّوجل من خطوتين: خطوة يسدّ بها المؤمن صفّاً في الله، وخطوة إلى ذي رحم قاطع»[21].

وعن الإمام الصادق “ع” عن آبائه “ع” عن الإمام علي “ع” عن رسول الله “ص” أنه قيل له:

يا نبيّ الله أفي المال حق سوى الزكاة؟ قال:

نعم; برُّ الرحم إذا أدبرت، وصلة الجار المسلم، فما آمن بي من بات شبعاناً وجاره المسلم جائع» ثم قال:

«ما زال جبرئيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورّثه»[22].

عن سالمة مولاة أبي عبد الله الصادق “ع” قالت كنت عند أبي عبد الله جعفر بن محمد “ع” حين حضرته الوفاة واُغمي عليه، فلمّا أفاق قال: «أعطوا الحسن بن علي بن الحسين وهو الأفطس سبعين ديناراً، وأعطوا فلاناً كذا وفلاناً كذا» فقلت: أتعطي رجلا حمل عليك بالشفرة يريد أن يقتلك؟ قال: تريدين أن لا أكون من الذين قال الله عزّوجل:

{وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ}.

نعم يا سالمة إنّ الله خلق الجنّة فطيَّبها وطيّب ريحها وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة ألفي عام فلا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم»[23].

وعن صفوان بن مهران الجمّال قال: وقع بين عبد الله بن الحسن وأبي عبد الله “ع” كلام حتى افترقا تلك العشيّة، فلمّا أصبحتُ عدوتُ في حاجة لي فإذا أبو عبد الله على باب عبد الله بن الحسن وهو يقول: «قولي يا جارية لأبي محمد: هذا أبو عبد الله بالباب» فخرج عبد الله بن الحسن وهو يقول: يا أبا عبد الله ما بكَّر بك؟ قال: (إنّي مررت البارحة بآية من كتاب الله فأقلقتني» قال: وما هي؟ قال: «قوله عزّوجل:

{وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ}.

فاعتنقا وبكيا جميعاً ثم قال عبد الله بن الحسن: صدقت والله يا أبا عبد الله كأني لم أقرأ هذه الآية قطُّ»[24].

وعن أبي عبد الله “ع” أنه قال: «إنّ رجلا أتى النبيَّ “ص” فقال: يا رسول الله إنّ لي أهلا قد كنت أصلهم وهم يؤذوني وقد أردت رفضهم؟ فقال له رسول الله “ص”: «إذن يرفضكم الله جميعاً»، قال: وكيف أصنع؟ قال: «تعطي من حرمك، وتصل من قطعك; وتعفوَ عمّن ظلمك، فإذا فعلت ذلك كان الله (عزّوجل) لك ظهيراً»[25].

وعن رسول الله “ص” أنه قال: «ألا أدلكم على خير أخلاق الدنيا والآخرة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من وصل من قطعه وأعطى من حرمه، وعفا عمّن ظلمه، ومن سرّه أن يُنسأ له في عمره ويوسَّع له في رزقه; فليتَّق الله وليصل رحمه»[26].

أقرأ ايضاً:


المصادر والمراجع

  • [1] ـ بحار الأنوار ج74 ص104، ونهج البلاغة ـ الخطبة رقم 23.
  • [2] ـ الرعد: 21.
  • [3] ـ بحار الأنوار ج74 ص98.
  • [4] ـ البقرة: 83.
  • [5] ـ النحل: 90.
  • [6] ـ بحار الأنوار ج74 ص105.
  • [7] ـ بحار الأنوار ج74 ص121، والكافي ج2 ص152 ـ 153.
  • [8] ـ بحار الأنوار ج74 ص89، وأمالي الصدوق ص253.
  • [9] ـ بحار الأنوار ج74 ص100.
  • [10] ـ بحار الأنوار ج74 ص89 ح4.
  • [11] ـ عيون أخبار الرضا ج2 ص43 الحديث رقم157.
  • [12] ـ عيون أخبار الرضا ج2 ص35 ـ 36، روضة الواعظين ج2 ص388.
  • [13] ـ بحار الأنوار ج74 ص97 ح31.
  • [14] ـ بحار الأنوار ج74 ص100 ح48; وقد رواه العلامة المجلسي عن روضة الواعظين للفتّال النيسابوري.
  • [15] ـ بحار الأنوار ج74 ص100 ح49.
  • [16] ـ معاني الأخبار للشيخ الصدوق ص250.
  • [17] ـ معاني الأخبار للشيخ الصدوق ص313.
  • [18] ـ كتاب التفسير للعيّاشي ج2 ص220.
  • [19] ـ الخصال للصدوق ص505 أبواب الستّة عشر ح2.
  • [20] ـ خصال الصدوق ص345. في أحاديث السبعة ح12، أوصى رسول الله2 أبا ذر بسبع.
  • [21] ـ خصال الصدوق ص50 باب الاثنين ـ حديث 60.
  • [22] ـ أمالي الصدوق ج2 ص134.
  • [23] ـ بحار الأنوار ج74 ص96 عن غيبة الطوسي ص58.
  • [24] ـ تفسير العيّاشي ج2 ص208.
  • [25] ـ بحار الأنوار ج74 ص100 ـ 101 ح50.
  • [26] ـ بحار الأنوار ج74 ص102 ح56.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى