ثقافة

السلام في العلاقة مع الأشياء

علاقة الإنسان المسلم بالأشياء التي من حوله قائمة على اُسس تصوّريّة محددة في القرآن الكريم.

فهذه الأشياء التي من حولنا مخلوقة لنا، خلقها الله تعالى لخدمتنا وفائدتنا حيث يقول:

{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً}[1].

{وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ}[2].

{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاءً}[3].

{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا}[4].

{وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ * وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ}[5].

{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا}[6].

فالإحساس الأولُ الذي يراود شعور الإنسان المسلم; أنّ ما في هذه الأرض وما يتّصل بها مخلوق للإنسان، وقد جعل الله تعالى له ما يصلحه ويخدمه في هذه الأرض.

ويشعر ثانياً أنّ الله تعالى ذلَّل لـه هذه الأرض وما فيها وسخّرها لـه لينتفع منها، وليس عليه أكثر من أن يعرف كيف ينتفع من هذه الأرض، وما ادّخر الله تعالى له فيها من المنافع حيث يقول:

{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً}[7].

{وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ * وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا}[8].

{وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ}[9].

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ}[10].

فالأرض وما فيها وما عليها والشمس والقمر والنجوم ليست أشياء غريبة عن الإنسان أجنبيّة عنه، وإنّما هي مخلوقة لـه، خلقها الله تعالى لـه ثم سخّرها وذلَّلها لخدمته تعطي من نفسها للإنسان وتمكّن الإنسان من ذاتها، وتنقاد لخدمته وتسمه قيادها، فيشعر الإنسان تجاه الكون بالأُلفة والقرابة، وإنّ هذه الأشياء التي من حوله لا تطلب منه أكثر من أن يعرف كيف يستفيد منها حتى تمكّنه من نفسها.

وشتّان ما بين هذا التصوّر والتصوّر المادّي في صراع الإنسان على وجه الأرض مع عوامل الطبيعة المختلفة، واندحار الإنسان طوراً أمام قهر الطبيعة وإرغام الطبيعة طوراً آخر على الانقياد للإنسان.

إنّ الطبيعة في التصوّر المادّي قوّة غريبة على الإنسان أجنبيّة عنه، يصارعها الإنسان فيصرعها طوراً وتصرعه طوراً ولا يتمكّن منها إلاّ بعد صراع عنيف وحاد.

إنّ التصوّر الإسلامي للأرض والطبيعة يختلف اختلافاً جوهريّاً عن التصوّر المادي للطبيعة، وبذلك تختلف نظرة الإنسان المسلم للأرض وعلاقته بها عن نظرة الإنسان المادّي للأرض وعلاقته بها.

إنّ هذه الأرض وما فيها مخلوق للإنسان ـ في التصوّر الإسلامي ـ يسخّره لخدمته وفائدته وهو (الإنسان) خليفة الله تعالى على هذه الأرض، حيث يقول تعالى:

{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}[11] ولاّه تعالى أمرها ومكّنه منها.

وبهذه الصورة تتألّف العلاقة بالأرض والأشياء في التصوّر الإسلامي من مزيج من الخلافة والولاية والرعاية للأرض والأشياء من جانب، والخدمة والتمكين والانقياد والتسليم من جانب آخر.

وهذا التصوّر يشكّل أساساً لتعامل الإنسان المسلم مع الحيوان والنبات والجماد في الطبيعة، فإنّ العلاقة ضمن هذا التصوّر لا يمكن أن تقوم على أساس الصراع بين الأضداد وقهر الطبيعة وإرغامها على الاستسلام لإرادة الإنسان… وإنّما تقوم على أساس يختلف اختلافاً كبيراً عن ذلك ويعتمد على الاستفادة من الحيوان والنبات والجماد واستخدامها في صالح الإنسان ثم رعايتها والعناية بها، والشكر لله تعالى على ما أولانا من نعمه وسخّر لنا من خلقه في هذه الطبيعة.

وقد وردت في النصوص الإسلامية أحاديث كثيرة في رعاية الحيوان والنبات والجماد والعناية بها، نذكر شطراً منها:

عن أمير المؤمنين “ع” أنه قال: «إتّقوا الله في عباده وبلاده فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم»[12].

وهذه مسؤوليّة شاملة عن البقاع والبهائم جميعاً يلقيها الإسلام على عاتق الإنسان، والإنسان مسؤول عن البهائم والبقاع ومسؤول عن رعايتها، وأن لا يستغل السلطان الذي أعطاه الله تعالى إيّاه على البهائم والبقاع في إيذاء البهائم والإضرار بها وتحميلها ما لا تتحمّل، وفي تخريب البقاع، فإنّ هذه البهائم مسخّرة لخدمة الإنسان، سخّرها الله تعالى له، ومن الظلم أن يستغلّ الإنسان هذا السلطان استغلالا سيّئاً.

ومن هذه المسؤوليّة المحافظة على وجود البهائم على وجه الأرض، وقد اُبيد كثير من أنواع البهائم إبادة تامّة في البرّ والبحر والجوّ بفعل الإنسان بعد ملاحقة هذه الحيوانات وصيدها وإهلاكها… والإنسان مسؤول عن البقاع وعمارتها وحفظها وصيانتها فهي مسخّرة لإيوائه وخدمته من جانب الله تعالى، ومن الكفر بنعم الله تعالى أن يواجه الإنسان هذه الهديّة الإلهيّة بالتخريب والإضرار والإفساد.

ووردت في النصوص الإسلامية أحاديث كثيرة عن رعاية الحيوانات نذكر شطراً منها:

عن الإمام الباقر “ع” أنه قال: «إنّ الله تعالى يحبّ إبراد الكبد الحرّاء، ومن سقى كبدا حرّاء من بهيمة وغيرها أظلّه الله يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه»[13].

وعن الإمام الصادق “ع” أنه قال: «إنّ لكلّ شيء حرمة وحرمة البهائم في وجوهها»[14].

عن أبي عبد الله الصادق “ع” عن رسول الله “ص” أنه قال: «لا تضربوا الدوابَّ على وجوهها فإنها تسبِّح بحمد الله»[15].

عن أبي عبد الله الصادق “ع” في حديث عن رسول الله “ص”: «ونهى رسول الله “ص” عن ضرب وجوه البهائم ونهى عن قتل النحل، ونهى عن الوسم في وجوه البهائم»[16].

وقال الإمام علي “ع” في الدواب: «لا تضربوا الوجوه ولا تلعنوها»[17].

وعن رسول الله “ص” أنه قال: «لا تتوّركوا على الدواب ولا تتخذوا ظهورها مجالس»[18].

عن رسول الله “ص” أنه قال: «إنّ الله تبارك وتعالى يحبّ الرفق ويعين عليه، فإذا ركبتم الدواب العجاف فأنزلوها منازلها فإن كانت الأرض مجدبة فانجوا عليها، فان كانت مخصبة فأنزلوها منازلها»[19].

عن رسول الله “ص” أنه قال: «من قتل عصفوراً عبثاً جاء يوم القيامة وله صراخ حول العرش يقول: ربّ سل هذا فيم قتلني من غير منفعة»[20].

عن الإمام الصادق “ع” أنه قال: «إنّ امرأة عُذِّبت في هرّة ربطتها حتى ماتت عطشا»[21].

عن أمير المؤمنين “ع” أنه قال: «لا تذبح الشاة عند الشاة، ولا الجزور عند الجزور وهو ينظر إليه»[22].

عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا “ع” قال: قلت له: كان عندي كبش سنة لاُضحّي به فلمّا أخذته وأضجعته نظر إليّ فرحمته ورققت له، ثم إنّي ذبحته، قال: فقال: «ما كنت أحبّ لك أن تفعل، لا تربِّينَّ شيئاً من هذا ثم تذبحه»[23].

أقرأ ايضاً:


المصادر والمراجع

  • [1] ـ البقرة: 29.
  • [2] ـ الزخرف: 12.
  • [3] ـ البقرة: 22.
  • [4] ـ يونس: 67.
  • [5] ـ النحل: 80 ـ 81 .
  • [6] ـ نوح: 19.
  • [7] ـ الملك: 15.
  • [8] ـ إبراهيم: 32 ـ 34.
  • [9] ـ النحل: 12.
  • [10] ـ الحج: 65.
  • [11] ـ البقرة: 30.
  • [12] ـ نهج البلاغة ـ الخطبة رقم 167.
  • [13] ـ وسائل الشيعة ج6 ص331 ح5.
  • [14] ـ وسائل الشيعة ج8 ص353 ح4.
  • [15] ـ وسائل الشيعة ج8 ص353 ح15320.
  • [16] ـ وسائل الشيعة ج8 ص353 ح15323.
  • [17] ـ وسائل الشيعة ج8 ص353 ح15324.
  • [18] ـ فقيه من لايحضره الفقيه ص228 طبعة طهران الحجريّة.
  • [19] ـ فقيه من لايحضره الفقيه ص229.
  • [20] ـ مستدرك الوسائل ج3 ص58.
  • [21] ـ وسائل الشيعة ج8 ص397 ح1 وج19 ص6 ح13.
  • [22] ـ وسائل الشيعة ج16 ص258 ح1.
  • [23] ـ وسائل الشيعة ج10 ص175 ح1.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى