ثقافة

العلاقة بين الوالدين وأولادهم

هذه العلاقة هي الشطر الآخر من العلاقة داخل العائلة الواحدة، وهي مهمّة في بناء العائلة بناءً سليماً، وعندما يحسن الوالدان التعامل مع أولادهما ويحسن الأولاد التعامل مع والديهم; فإنَّ الحياة العائليّة تكون حياة سليمة تؤمّن للأطفال تربية سليمة ونموّاً روحيّاً وجسميّاً سليماً، وتوفّر للعائلة الاستقرار والسلام والمودّة والاحترام والتعاون بين الوالدين وأولادهم.

وقد أولى الإسلام اهتماماً كبيراً للعلاقة بين الوالدين والأطفال وبالعكس.

ونذكر هنا نموذج من توجيهات الإسلام لبناء علاقة سليمة بين الوالدين والأطفال في جو العائلة.

1 ـ علاقة الوالدين بأولادهم

إنّ حاجة الطفل إلى المودّة والرحمة من والديه لا تقلُّ عن حاجته إلى النوم والغذاء والحركة، وهذه المحبّة والمودّة والرحمة التي يمنحها الوالدان لأطفالهما لها تأثير كبير في نموّ الطفل نموّاً سليماً، وتكامل شخصيَّته، فالطفل الذي لا يغذّيه والداه بالمحبّة والرحمة والعاطفة لا ينشأ نشأة سليمة، ولا تنمو شخصيَّته نموّاً سليماً، ويخرج من البيت إلى الوسط الاجتماعي وهو مهيّأ نفسيّاً للانحراف والانجراف مع الانحرافات السلوكيّة والإجرام في المجتمع.

وقد روي عن رسول الله “ص” أنه قال: «نظر الوالد إلى ولده حبّاً له عبادة»[1].

وقبّل رسول الله “ص” الحسن والحسين، فقال الأقرع بن حابس: إنَّ لي عشرة من الأولاد ما قبّلت واحداً منهم، فقال “ص”: «ما عليَّ إن نزع الله الرحمة منك»[2].

وعن الإمام الصادق “ع” أنه قال: «إنّ الله عزّوجل ليرحم الرجل لشدّة حبّه لولده»[3].

وعن عليّ “ع” أنه قال: «من قبّل ولده كان له حسنة، ومن فرّحه فرّحه الله يوم القيامة»[4].

وكان رسول الله “ص” إذا أصبح مسح على رؤوس ولده وولد ولده[5].

وعن الإمام الصادق “ع” أنه قال: «عن رسول الله “ص”: أحبوا الصبيان وارحموهم، وإذا وعدتموهم شيئاً ففوا لهم، فإنهم لا يرون إلاّ أنكم ترزقونهم»[6].

وعن أبي عبد الله “ع” أنه قال: «قال رسول اللهص: من قبَّل ولده كتب الله له حسنة»[7].

تكريم الطفل وبرّه

والطفل إنسان سويٌّ كامل الخلقة، لولا أنه صغير، وقد أودع الله تعالى فيه مواهب كبيرة وكنوزاً من الضمير والأخلاق والعاطفة والعقل والذكاء والإبداع، وعلى الوالدين أن يتعاملا مع أطفالهما من هذا المنطلق، ولا يدعوهما صغر سنّ الطفل وضعفه إلى الاستهانة وتحقيره وإستصغاره وازدرائه.

واحترام شخصيّة الطفل وتكريمه يدعم ثقته بنفسه، ويساعده على بروز مواهبه التي أودعها الله تعالى فيه.

وقد ورد في الروايات الإسلامية الكثير من الاهتمام باحترام شخصيّة الطفل وبرّه وتكريمه وألاّ يثقل عليه والداه ويرهقاه من أمره عسراً.

عن أبي عبد الله الصادق “ع” عن رسول الله “ص” أنه قال: «رحم الله من أعان ولده على برِّه» قيل: فكيف يعينه على برّه؟ قال “ص”: يقبل ميسوره ويتجاوز عن معسوره، ولا يرهقه ولا يخرق به»[8].

يقبل ميسوره ولا يرفض ما يتيسَّر له من الخدمة والعمل الصالح، ولا يحتقر ما كان يسعه من الجهد والعمل، ويتجاوز عن معسوره، فلا يؤنِّبه ولا يوبّخه فيما لا يسعه الإتيان به.

ولا يرهقه ولا يكلِّفه ما لا يقبل له به، ولا يثقل عليه ولا يخرق به، فلا يأتي أمامه بعمل مشين ولا يكذب أمامه ولا يعد فلا يفي فيتعلّم منه الطفل ذلك.

وعن رسول الله “ص” أنه قال: «من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج وليبدأ بالإناث قبل الذكور»[9].

وعن رسول الله “ص” أنه قال: «أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم»[10].

ومكانة برِّ الأولاد كبرّ الوالدين عند الله تعالى:

عن الرضا “ع” أنه قال لرجل: «ألك ولدان؟ فقال: لا، فقال: ألك ولد؟ قال: نعم، قال: برَّ ولدك يحسب لك برُّ والديك»[11].

ومن برّ الأولاد وتكريمهم تسميتهم بأسماء حسنة، فإنَّ اسم الإنسان يتحوّل إلى جزء من شخصيّته، فإذا كان الاسم اسماً غير لائق ولا مناسب لزمه إلى آخر عمره ولا يستطيع أن يتخلّص منه.

عن أبي الحسن “ع” أنه قال: «أول ما يبرّ الرجل ولده أنه يُسمِّيه باسم حسن فليحسن أحدكم اسم ولده»[12].

وعن رسول الله “ص” في وصيّته الإمام علي “ع” أنه قال: «يا علي حق الولد على والده أن يحسن اسمه وأدبه ويضعه موضعاً صالحاً»[13].

ومن برّ الوالدين لأولادهم أن لا يدفعاهم إلى عقوق الوالدين دفعاً، فقد يجحف أحد الوالدين بحق ولده، ويثقل عليه، ويكلّفه ما لا طاقة له به ويسوء خلقه معه فيدفع ذلك ولده إلى مخالفته وعقوقه دفعاً.

وقد ورد في الروايات عن رسول الله “ص” أنه قال: «لعن الله والدين حملا ولدهما على عقوقهما… رحم الله والدين حملا ولدهما على برِّهما»[14].

وفي مجال تكريم الأولاد وبرّهم ورد التأكيد على البنات بشكل خاص وضرورة الاهتمام بهنَّ ورعايتهن وإدخال السرور عليهنَّ وتكريمهنَّ.

عن رسول الله “ص” أنه قال: «إنَّ الله تبارك وتعالى على الإناث أرقّ منه على الذكور، وما من رجل يدخل فرحة على امرأة بينه وبينها حرمة إلاّ فرّحه الله يوم القيامة»[15].

ومن احترام شخصيّة الأطفال أن يفي الوالدان بوعودهما لهم، فإنّ التخلّف عن الوفاء بالوعد بالإضافة إلى أثره السلبي في تربية الطفل يشعر الطفل بأنه ليس موضع احترام والديه.

عن أبي الحسن “ع” أنه قال: «إذا وعدتم الصبيان ففوا لهم فإنهم يرون أنكم ترزقونهم، إنّ الله عزّوجل ليس يغضب لشيء كغضبه للنساء والصبيان»[16].

التربية والتعليم

وعلى الوالدين أن يعطيا اهتماماً لتربية وتعليم أولادهما ويتيحا لهما فرصة كافية لبروز المواهب التي أودعها الله تعالى فيهم، ولينشأوا نشأة سويّة، وقلب الطفل ـ كما يشير الإمام أمير المؤمنين “ع” كتربة خصبة تستقبل كل شيء من حسن وقبيح وشين وزين، فإذا لم يبادر الوالدان إلى زرع القيم والأخلاق الكريمة وتقوى الله وذكر الله والاستقامة في الدين في هذه التربة الخصبة فإنّ قلب الطفل يبقى للانحرافات الفكريّة والسلوكيّة…

عن أمير المؤمنين “ع” في وصيّته للحسن “ع” يقول: «وإنّما قلب الحدث كالأرض الخالية ما اُلقي فيها من شيء قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبّك»[17].

وعن علي بن الحسين السجّاد في رسالته المعروفة برسالة الحقوق أنه قال: «وأمّا حق ولدك فتعلم أنه مضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه، وأنّك مسؤول عمّا ولّيته من حسن الأدب والدلالة على ربّه والمعونة على طاعته فيك وفي نفسه، فمثاب على ذلك ومعاقب»[18].

وعن أبي عبد الله الصادق “ع” أنه قال: «بادروا أحداثكم بالحديث قبل أن تسبقكم إليهم المرجئة»[19].

وعن أمير المؤمنين “ع” أنه قال: «علِّموا صبيانكم من علمنا ما ينفعهم الله به، لا تغلب عليهم المرجئة برأيها»[20].

والمرجئة طائفة منحرفة كانت تعمل على حرف أفكار المسلمين، والحديث يوجّه الآباء والأمّهات إلى تثقيف أبنائهم بالأحاديث والروايات لئلا تستغلّ المرجئة الفراغ الفكري والتربوي عند الأحداث فتعمل على حرف أفكارهم وتربيتهم، ومن هذا الباب الحديث التالي حيث يقول:

عن بشير الدهّان قال: قال أبو عبد الله الصادق “ع” : «لا خير فيمن لا يتفقَّه من أصحابنا، يا بشير إنّ الرجل منهم إذا لم يستغن بفقهه احتاج إليهم، فإذا احتاج إليهم أدخلوه في باب ضلالتهم وهو لا يعلم»[21].

وهذا الحديث يصحّ في الكبار والصغار، ويصحّ في الصغار والأحداث أكثر ممّا يصحّ في الكبار، فإنّ الفراغ الفكري والثقافي والتربوي يغري عوامل الانحراف بغزو مناطق الفراغ واستغلال فرصة الفراغ للغزو الفكري والسلوكي، والإمام “ع” هنا يتحدّث عن الفِرق المنحرفة كالمرجئة التي كانت ترصد حالات الفراغ الفكري في الجيل الناشئ لزرع الأفكار والمفاهيم المنحرفة في نفوسهم وأفكارهم.

تنظيم مراحل التربية

روي عن رسول الله “ص” أنه قال: «الولد سيّدٌ سبعَ سنين، وعبدٌ سبعَ سنين، ووزيرٌ سبعَ سنين»[22].

هذا الحديث الشريف ينظّم أدوار نمِّو الأبناء ضمن ثلاث مراحل، لكل مرحلة متطلّباتها الخاصة وأساليبها التربويّة الخاصة.

ففي المرحلة الأولى وهي السبع الاُول من عمر الطفل يتحكّم الطفل في البيت ـ في الحدود المعقولة من رغباته ـ والطفل في هذه المرحلة يستحق من والديه الرعاية والعناية والاهتمام بالاستجابة لرغباته، وفي نفس الوقت الذي يخضع الطفل فيه للتربية تكون الصفة التي تطغى على تعامل الوالدين مع أطفالهم هي الرفق والرعاية والعناية وفهم لغة الطفل وحاجاته والاستجابة لها… فهو في هذه المرحلة (سيّدٌ) في البيت، ولرغباته وحاجاته أولويّة على سائر الرغبات والحاجات… والأمر العجيب أن ضعفه الشديد في هذه المرحلة يمنحه هذه السيادة والأولويّة، فليس لوالديه التحكُّم في أوقات أكله وشربه ورضاعه ومنامه ولعبه، وإنّما حاجته وضعفه هو الذي يفرض على العائلة الاستجابة لطلباته في الحدود التي لا تؤذيه ولا تضرّه.

وفي المرحلة الثانية من عمره وهي السبعُ الثانية من عمره ينتقل الطفل إلى مرحلة الفهم والإدراك، فيجب أن يخضع بصورة دقيقة لمنهج تربوي دقيق، ويجب على الوالدين مراقبة الطفل في هذه المرحلة من عمره مراقبة دقيقة في خروجه من البيت والتعرّف على أصدقائه وملاحظة أوقات دراسته ولعبه، وفي مأكله ومشربه وملبسه، وفي صحّته ومرضه… وعلى الوالدين في هذه المرحلة تدريب الطفل على الطاعة والسير معه على منهاج تربوي دقيق، والطفل في هذه المرحلة عبد مطيع في البيت.

أمّا في المرحلة الثالثة وهي السبع الثالثة من عمر الطفل فإنّ الأمر يختلف اختلافاً كاملا عن السبعتين الأوليين، فهذه المرحلة هي مرحلة المراهقة ينتقل فيها الأبناء من مرحلة الطفولة إلى الشباب وهي مرحلة حسّاسة ودقيقة تبدأ فيها الطاقات والغرائز الكامنة في الإنسان بالتفتّح، ويتطلّع المراهقون في هذه الفترة إلى الاستقلال وتجاوز القيود التي كان يفرضها عليهم أولياؤهم في مرحلة الطفولة، وعلى الوالدين الاستجابة لطموحات أبنائهم المراهقين في هذه الفترة، وعدم كبح طموحهم للاستقلال، والحذر من التعامل مع المراهقين في هذه الفترة، كما لو كانوا أطفالا لا يميِّزون ضرّهم من نفعهم…

ولو أنّ الوالدين استمرّا في التعامل مع أبنائهم في هذه المرحلة على نفس التعامل معهم في المرحلة السابقة وطلبوا منهم الطاعة والانقياد كما لو كانوا أطفالا لا رأي ولا وزن لهم في إدارة شؤون البيت، فإنّ من شأن ذلك أن يدفع الأبناء إلى التمرّد على والديهم والخروج من دائرة الطاعة…

وهؤلاء الآباء والأُمّهات مصداق للآباء والأُمّهات الذين تشير إليهم الأحاديث الواردة في عقوق الأولاد، كما عن رسول الله “ص” أنه قال: «يلزم الوالدين من عقوق الولد ما يلزم الولد لهما من العقوق»[23].

فهم يلجئون أولادهم للمخالفة والتمرّد والخروج عن الطاعة، وهذه النقطة في حياة العوائل تسبب الكثير من المشاكل والخلافات بين الأبناء وآبائهم وأُمّهاتهم، ولكن بقدر ما ينبغي أن يتنبه الآباء والأُمّهات إلى طموحات أبنائهم للاستقلال في هذه المرحلة يجب أن يلاحظوا كذلك وبدقّة أنّ أبناءهم في هذه المرحلة رغم تفتح الطاقات والغرائز الكامنة في نفوسهم فإنّهم يفقدون في هذه المرحلة النضج والرشد الكافيين، ولا يملكون التجربة الكافية التي تؤهّلهم للاستقلال الكامل، ويعيشون فترة تدفّق الغريزة، ولذلك فإنّ من الخطأ أن يمنحهم أولياؤهم في هذه الفترة الاستقلال الكامل والحريّة الكاملة، ومن الخطأ رفع الرقابة عنهم وتسريحهم من جوّ رقابة وعناية العائلة تسريحاً كاملا… وعلى الوالدين أن يحتفظا لنفسهما بالولاية على أبنائهما، وبالكلمة الأخيرة الحاسمة في شؤونهم وحياتهم… في الوقت الذي يجب عليهما أن يأخذا بنظر الاعتبار طموحات أبنائهما في هذه المرحلة، وليستشيراهم ويأخذا بآرائهم ورغباتهم المعقولة، ويحترما مشاعرهم وتطلّعاتهم للاستقلال.

وهو منهج تربويّ دقيق، ينبغي أن يحسن الوالدان تنفيذه في هذه المرحلة… والحديث الشريف دقيق جدّاً في تشخيص طبيعة هذه المرحلة ومتطلّباتها التربويّة، فهو يعبِّر عن المراهق في هذا السنّ بأنه (وزير)، والوزير مستشار في شؤون الدولة ومنفّذ كذلك، وله دور في إعطاء الرأي، ودور في التنفيذ، ومكانة محترمة في المجالين معاً، ولكن الكلمة الحاسمة الأخيرة والولاية ليست له فهو وزير يتحمّل عبء الرأي والتنفيذ وليس أميراً يملك حق إعطاء الكلمة الأخيرة والحاسمة في شؤون الدولة، وهذا التعامل الوسط والدقيق في هذه المرحلة من العمر يدفع عن جوّ العائلة الكثير من المشاكل والخلافات التي تنجم عادة داخل العوائل بين الأبناء وأوليائهم نتيجة سوء تصرّف وتعامل الكبار مع المراهقين والشباب داخل الأُسرة.

2 ـ علاقة الأبناء بالوالدين

 أ ـ برّ الوالدين

وقد أولى الإسلام هذه المسألة من العناية والاهتمام الشيء العظيم، حتى أنّ الله تعالى قرن مسألة برِّ الوالدين والإحسان إليهما بمسألة التوحيد مباشرة فقال:

{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}[24].

ترى كيف يقرن سبحانه الإحسان إلى الوالدين بالتوحيد مباشرة ثم ينهى عن أن ينهر الإنسان والديه أو أحدهما بأيِّ مستوى يكون النهر والزجر حتى ولو كان ذلك بقول (أفٍّ)، وقد روى الطبرسي في مجمع البيان عن الإمام الرضا “ع” عن أبيه عن أبي عبد الله “ع” أنه قال: «لو علم الله لفظة أوجز في ترك عقوق الوالدين من (أف) لأتى به (بها)»[25].

ثم يأمرنا سبحانه بأن نقول لهما قولا كريماً، وأن نخفض لهما جناح الذلّ من الرحمة كما يخفض الطير جناحه لفراخه رحمة بهم… وهذه غاية في الرقّة والرحمة، والتواضع والتذلل بين يدي الوالدين، ولا نكاد نجد تعبيراً أدلّ وأقوى من هذا التعبير في برّ الوالدين والإحسان إليهما والتواضع والتذلل لهما.

وقد أخذ الله تعالى ميثاق بني إسرائيل على العبادة والإحسان إلى الوالدين فقال: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}[26].

ويكفي في اهتمام الإسلام بهذا الشأن أن يقرنه الله تعالى بعبادته وتوحيده وأن يأخذ به المواثيق.

عن أبي عبد الله “ع” أنه قال: «أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله إنّي راغب في الجهاد، نشيط، قال: فقال لـه النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: فجاهد في سبيل الله، فإنّك إن تقتل تكن حيّاً عند الله تُرزق، وإن تمت فقد وقع أجرك على الله، وان رجعت رجعت من الذنوب كما ولدت، قال: يا رسول الله إنَّ لي والدين كبيرين يزعمان أنَّهما يأنسان بي ويكرهان خروجي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فقرَّ مع والديك فوالذي نفسي بيده لاُنسهما بك يوماً وليلة خيرٌ من جهاد سنة»[27].

وعن إبراهيم بن شعيب قال: قلت لأبي عبد الله “ع” : إنّ أبي قد كبر جدّاً، وضعف فنحن نحمله إذا أراد الحاجة، فقال “ع” : «إن استطعت أن تلي ذلك منه فافعل ولقّمه بيدك فإنّه جُنّة لك غداً»[28].

وعن أبي الحسن الرضا “ع” أنه قال: «إنّ الله عزّوجل أمر بثلاثة مقروناً بها ثلاثة: أمر بالصلاة والزكاة فمن صلّى ولم يزكّ لم تقبل منه صلاته، وأمر بالشكر لـه وللوالدين فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله، وأمر باتقاء الله وصلة الرحم فمن لم يصل رحمه لم يتّقِ الله عزّوجل»[29].

وعن ابن مسعود قال: سألت رسول الله “ص”: أيّ الأعمال أحبّ إلى الله عزّوجل؟ قال: «الصلاة لوقتها»، قلت ثم أيُّ شيء؟ قال: «برُّ الوالدين»، قلت: ثِّم أيّ شيء؟ قال: «الجهاد في سبيل الله عزّوجل»[30].

وقد ورد في روايات كثيرة: برّ الوالدين وإن كانا فاجرين.

عن الإمام الباقر “ع” أنه قال: «ثلاث لم يجعل الله فيهنّ رخصة: أداء الأمانة إلى البرِّ والفاجر، والوفاء بالعهد للبرِّ والفاجر، وبرُّ الوالدين بَرَّين كانا أو فاجرين»[31].

ب ـ النهي والتحذير من عقوق الوالدين

وعظّم الإسلام أمر عقوق الوالدين وحذّر منه تحذيراً شديداً حتى أنّ الإنسان إذا تضجّر من والديه بكلمة (أفّ) اعتبر ذلك شعبة من العقوق.

فقد ورد عن رسول الله “ص” أنه قال: «كن بارّاً واقتصر على الجنّة، وإن كنت عاقّاً فاقتصر على النار»[32].

وعن أبي عبد الله الصادق “ع” أنه قال: «إذا كان يوم القيامة كشف غطاء من أغطية الجنّة فوجد ريحها من كانت لـه روح من مسيرة خمسمائة عام إلاّ صنفاً واحداً، (قلت: من هم؟)، قال: العاقُّ لوالديه»[33].

وعن أبي عبد الله الصادق “ع” أنه قال: «من نظر إلى والديه نظر ماقت وهما له ظالمان لم قبل الله له صلاة»[34].

وعن رسول الله “ص” أنه قال: «إنّ أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة الإشراك بالله، وقتل النفس المؤمنة بغير حق، والفرار في (من) سبيل الله يوم الزحف، وعقوق الوالدين»[35].

وعن رسول الله “ص” أنه قال: «اثنتان يعجِّلهما الله في الدنيا: البغي وعقوق الوالدين»[36].

أقرأ ايضاً:


المصادر والمراجع

  • [1] ـ مستدرك وسائل الشيعة ج2 ص624.
  • [2] ـ بحار الأنوار ج104 ص93 ح17.
  • [3] ـ بحار الأنوار ج104 ص9 ح7، ووسائل الشيعة ج15 ص98 ح2730، ووسائل الشيعة ج15 ص201 ـ ح27650.
  • [4] ـ بحار الأنوار ج104 ص99 ح71، عن عدّة الداعي لابن فهد ص61.
  • [5] ـ بحار الأنوار ج104 ص99 ح75، عن عدّة الداعي ص61.
  • [6] ـ وسائل الشيعة ج15 ص201 ح27649.
  • [7] ـ وسائل الشيعة ج15 ص202 ح27654.
  • [8] ـ وسائل الشيعة ج15 ص199 ـ 200 ح27644.
  • [9] ـ مستدرك وسائل الشيعة ج2 ص616.
  • [10] ـ مستدرك الوسائل ج2 ص625.
  • [11] ـ مستدرك الوسائل ج2 ص624.
  • [12] ـ وسائل الشيعة ج15 ص122 ح27374.
  • [13] ـ وسائل الشيعة ج15 ص123 ح27377.
  • [14] ـ وسائل الشيعة ج15 ص123 ح27377.
  • [15] ـ وسائل الشيعة ج15 ص104 ح27319.
  • [16] ـ وسائل الشيعة ج15 ص202 ح5.
  • [17] ـ نهج البلاغة ـ الكتاب رقم 31، ووسائل الشيعة ج15 ص197.
  • [18] ـ مستدرك وسائل الشيعة ج2 ص624.
  • [19] ـ وسائل الشيعة ج15 ص6 ـ 19 ح27629، عن فروع الكافي ج2 ص94، والتهذيب ج2 ص280.
  • [20] ـ وسائل الشيعة ج15 ص197.
  • [21] ـ وسائل الشيعة ج15 ص196 ح27630.
  • [22] ـ وسائل الشيعة ج15 ص195 ح27626، عن مكارم الأخلاق للطبرسي ص115، وبلفظ قريب منه في كنز العمّال ح45338.
  • [23] ـ فقيه من لايحضره الفقيه ج3 ص311.
  • [24] ـ الاسراء: 23 ـ 24.
  • [25] ـ مجمع البيان للطبرسي ج6 ص409.
  • [26] ـ البقرة: 83 .
  • [27] ـ بحار الأنوار ج74 ص52، والكافي ح2 ص16.
  • [28] ـ بحار الأنوار ج74 ص56، عن الكافي ج2 ص162.
  • [29] ـ عيون أخبار الرضا ج1 ص202 باب26.
  • [30] ـ خصال الصدوق ج1 ص163 باب الثلاثة ـ ح213.
  • [31] ـ بحار الأنوار ج74 ص56، ووسائل الشيعة ج15 ص207 ح27668.
  •       ونفس الحديث باختلاف الترتيب عن الامام الصادق× بحار الأنوار ج74 ص70 وص 47.
  • [32] ـ بحار الأنوار ج74 ص60 ح23.
  • [33] ـ المصدر السابق.
  • [34] ـ بحار الأنوار ج74 ص61 ح26.
  • [35] ـ الترغيب والترهيب ج3 ص327.
  • [36] ـ يعجلهما: أي يعجّل عقوبتهما، كنز العمّال ج16 ص464 ح45458.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى