ثقافة

أربعون الإمام الحسين

الملخّص: منطلقاً من زيارة الإمام الحسين (ع) في الأربعين تحدّث سماحة ‌الشیخ ضرورة فهم الإسلام والرسالة وارتباط ذلك بأهل البيت، ثم ركّز على الهدف الرئيس من هذه الإحياءات المتمثّل برضا الله تعالى، مستعرضاً في سبيل تحقيق ذلك ستّاً من المسؤوليات في سبيل تحقيق هذا الهدف العظيم وهي: (ازدياد الوعي العام ولا سيّما الشيعي ، الوعي بمقام أهل البيت والإمامة ،كون الزعامة للعالِم بالإسلام، إبراز روح الوحدة، انعكاس الإسلام على الفرد والأمّة، تعزيز الأخوّة الإيمانيّة)، فختم بجملة من التوصيات التي تهمّ المحيين لهذه الذكرى، وشَمِلَ الخطباء والرواديد والشعراء. أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغويّ الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين. السلام على الحسين، وعلى الشهداء بين يديه في سبيل الله تبارك وتعالى ورحمة الله وبركاته. زيارة الأربعين زيارة مشهودة مليونية، والمفروض أن تعطي حضوراً للإسلام، وأن تكون سبباً من الأسباب الموضوعية القائمة على جهد المؤمنين، وأن تعطي للإسلام انتشاراً في الأرض، وأن تكون طريقاً لإعطاء صورة مشعة عن كربلاء وإن كانت ستبقى كربلاء بثورة الإمام الحسينأكثر إشعاعاً وأكثر قدرة على العطاء. الأربعون تشهد تجمعاً ملايینياً في كربلاء، قليل أن تتوفر عليه مناسبة أخرى من المناسبات في العالم دينيةً كانت أو غير دينية، قلَّما تتوفّر على مثل هذا العدد. الحسين شخصية إنسانية قرآنية تامّة، ومن خلال الأربعين نحن نقدم صورة عن الإمام الحسين ونقدّم صورة عن القرآن؛ لأنّ الحسين قرآن ناطق، ونقدّم صورة عن الإسلام، وإذا قدّمنا صورة للعالَم عن الإسلام فنحن ندَّعي أنّ هذه الصورة من رسول الله، وندَّعي أنّ هذه الصورة صورة وضعها قلم القدرة الإلهية، فكم هي المسؤولية في إحياء هذه الذكرى؟! الممارسات في كربلاء أو غير كربلاء باسم الحسين تدّعي أنّ هذه الممارسات هي ممارسات حسينيّة، ويرضاها الحسين، ويقررها الحسين، وهي تمثّل فكرة وجدانه، وعقيدته، وفكره، وهي تمثل الإنسان، فماذا يتوجّب هنا؟ فهم الإسلام وأهل البيت (ع) يتوجب هنا أنّ نفهم الحسين قبل أن نأخذ أيّ ممارسة باسم ذكراه، نحن نسيئ للحسين، ونسيئ للقرآن، ونسيء للإسلام، ونسيء لله عندما يأتي إحياؤنا أو أشياء منه أو شيء واحد منه بعيداً عن فهم الحسين وعن روحيّة الحسين، وعن تقوى الحسين، وعن إيمان الحسين، وعن شرعيّة الحسين  (ع). وكلّما اقتربنا من شخصيّة الإمام الحسين‌ وهي الشخصية البعيدة عنّا أفقاً هي في السماء ونحن في الأرض ولكن كلّما اقتربنا من هذه الشخصية فهماً، وجاء إحياؤنا بما يرضاه الإمام الحسين، كلّما توفّرنا على شرف كبير، وتوفرنا على خدمة كبيرة للإسلام، وللإمام الحسين (ع). علينا أن نكون أمناء جداً وحريصين جداً على أن نبلغ في إحيائنا مستوى يعطي صورةً طيّبة عمَّا عليه الحسين، وعمَّا عليه شخصيته العملاقة التي يحتاج العالم كلّ العالم أن يتعرّف عليها، ليضع كلّ إمكاناته وكلّ إرادته وكلّ وعيه على طريق الحسين، الناس ستعشق الحسين، والعالم كلّه سيعشق الحسين عندما نجيد تقديم صورة عن الحسين فيها مقاربة لشخصيته. ونحن نسيء للحسين كثيراً حينما نقدّم صورة مزوّرة، وصورة مشوهة، وصورة قاصرة جداً عن واقع شخصية الإمام الحسين باسم شخصية الإمام الحسين (ع). نحن في الأربعين كشيعة ومحبّين لأهل البيت (ع) نكون عظماء جداً وأصحاب دور عظيم جداً فيه عطاء للإنسانية كلّها عندما نستطيع أن نقدّم صورة عن الإمام الحسين فيها مقاربة لشخصيّته الحقيقة، وعلى العكس سنكون محاسبين، وسنكون مسييئن للإمام الحسين وللإسلام لو أحيينا الإمام الحسين بأخلاقية غير كريمة، وبمستوى اجتماعي غير لائق، وبمستوى ثقافي غير لائق، وبممارسات غير صحيحة من ناحية شرعية، أو فيها تشويه من الناحية الشرعية. في القرآن الكريم آيات وهي حسب مفادها وأسباب نزولها لا تسمح للمسلم أن يتجاوز في فهم الإسلام -إذا أراد أن يفهم الإسلام بصورته الكاملة- إلا بأن يقف عند أهل البيت في القرآن، ورأي القرآن في أهل البيت، وموقع أهل البيت الذي يراه القرآن لهم في الدين، وإمامة أهل البيت في القرآن، ستأتي صورة الإسلام ناقصة جداً ومختلة جداً وغير كفؤة بالدرجة التي عليها الإسلام حينما يدرس الإسلام بعيداً عن مطالعة القرآن، وبعيداً عن مطالعة السنَّة للتّعرف على الموقع الإلهي لأهل البيت ومنهم الإمام الحسين. وإذا أردنا أن نعرف الإسلام لا بدّ من الرجوع إلى المصدرين العظيمين الكريمين؛ وهما: القرآن والسنَّة المطهّرة. ومن هنا نعرف هذا الضلع المهم جداً في تركيبة الإسلام، فالمسلمون كلّ المسلمين يكونون قد حرموا أنفسهم أمراً عظيماً جداً -وهو فهم الإسلام الفهم الحقيقي، وبما هو عليه واقع الإسلام وبصورة شاملة-حينما يهملون الوقفة الطويلة المتأملة في القرآن والسنَّة الكريمة وسيرة أهل البيت للتوصل إلى مقام هذا البيت الكريم الذي لا قيام للإسلام إلا به. لو أنقصت من الإسلام النبوّة ما وجدت الإسلام. ولو فهم المسلمون الإسلام النبوّة في وظائفها دون ما هي عليه لم يفهموا الإسلام، ولو لم يفهم المسلمون مقام رسول الله ما فهموا الإسلام. ولو لم يتزودوا بعطاء رسول الله وبعطاء السنَّة من قوله وفعله وتقريره لما فهموا الإسلام، فتكون الصورة ناقصة مجزوءة، بعيدة عن فهم الإسلام الكبير، وبعيدة عن الحقيقة الإسلامية التي هي أعلى حقيقة، ويكون هذا الحاصل حينما نلغي دراسة أهل البيت وفهمه، ولا نقف عند القرآن، ولا نقف عند السنَّة، ولا نقف عند عطاء أهل البيت (ع)، ولا نقف عند التفحص عن مصداقيتهم الحقيقة لما يصفه القرآن الكريم من أوصاف الإيمان وإمامة المسلمين. فمن مسؤولية كلّ مسلم أن يعطي من وقته الكثير؛ من الجامعات الإسلامية، وكلّ المراكز العلمية، وكلّ الكتَّابِ والعلماء، واجبٌ من واجبات الإسلام الأصيلة والأصلية أن يتوقفوا كثيراً وأن يعطوا كثيراً من أجل فهم أهل بيت الرسالة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. ونحن إذا أردنا أن نحييَ الأربعين وعاشوراء في كربلاء، وإذا أردنا أن نتحدّث باسم الحسين (ع) فوا ظلماه حينما نتحدّث عنه عن جهلٍ به، وعن تقييم غير صحيح به، وما أظلمنا للحسين حينما ننسب إليه فعالية، وأيّ كلِمة، وأيّ شعارٍ، وأيّ ممارسة بعيدة عن ساحة جمال الحسين (ع). الهدف الرئيس: رضوان الله لا هدف لمسلم في أيّ لحظةٍ من لحظات حياته، وفي كلّ ممارسة من ممارسات حياته، وفي أيّ حركة وأيّ سكون وأيّ علاقة إلا رضا الله تبارك وتعالى. الإسلام من أجل معرفة الله والرسول، من أجل معرفة الله والأئمة الأطهار، ومعرفة أنّ دماءهم استبیحت کانت من أجل معرفة الله، وشهادتُهم كانت من أجل معرفة الله. ومتاعبهم ونَصَبهم كان كلّه في ذات الله تبارك وتعالى، ومن أجل أن نعرف الإسلام، ومن أجل أن نرتبط بالإسلام، ومن أجل أن نصل إلى رضوان الله تبارك وتعالى.

 هدف الحسين يجب أن يكون هدفي، وهدفي يجب أن يكون هو من هدف الحسين، وليس للإمام الحسين هدفٌ إلا أن يعرِف اللهَ أكثر فأكثر، وأن يعبده بصورةٍ أشدّ وأشدّ، وأن يقرُبَ من الله وينال شرف رضوانه سبحانه وتعالى، فهل أصطنع لي هدفاً غير هذا الهدف! وهل أتبنّى هدفاً غير هذا الهدف! وهل أقف بهدفي عند الحسين (ع)، أو أن يكون الحسين معبَري إلى الهدف الأعظم الذي عاش من أجله الإمام الحسين، وأحببته من أجله، وأضحّي من أجل تبنّي هذا الهدف، وأضحّي بنفسي له، والهدف هو الوصول إلى رضوان الله تبارك وتعالى.

 وهناك أهداف مقدَّمية لهذا الهدف، وأهداف توصّلية، نطلب أهدافاً في هذه الحياة جزئية، وهذه الأهداف هي مقدمية لرضا الله تبارك وتعالى، وأنت تستهدف أن تبني بيتاً، وأن تستهدف أن تتزوّج، وهذا هدف قصير، والبيت هدف قصير، والراتب والوظيفة أهداف قصيرة، يجب أن تكون هذه الأهداف موظَّفةً على طريق الهدف الرئيس وهو الوصول إلى رضوان الله تبارك وتعالى.

وكلّ حياتنا حين تصح العقول وترشد النفوس وتفيق القلوب كلّ حياتنا يجب أن تكون وصلة إلى رضوان الله تبارك وتعالى، بكلّ أنشطتها، وبكلّ حركاتها، وبكلّ ممارستها، وتكون هذه الممارسة مطلوبة لرضا الله تبارك وتعالى.

الأهداف التوصّلية للإحياء بخصوصه -وشيعة أهل البيت على درجة من الانشداد والارتباط بأهل البيت-، هذا المستوى غير كافٍ، فلا مستوى وعينا بأهل البيت، ولا مستوى تبع إرادتنا لإرادة أهل البيت، واقتدائنا بأهل البيت عندنا نصيب، ولنقل عندنا شيء كمجموعة من كمال أهل البيت، لكن لا زلنا بعيدين عن ساحتهم بعداً كبيراً، والإحياء من أجل إعطاء انشداد عمليّ فكريّ ونفسيّ وإراديّ وعمليّ أكبر بمسيرة أهل البيت (ع).

نطلب أن تكون قيادة أهل البيت في حياتنا بدرجة أكبر وأقوى، وهناك قيادة لأهل البيت لحياتنا اليومية، ولحياتنا العامة، ولكن بدرجة قليلة وصغيرة جداً، فالمطلوب أن نرفع مستوى حضور قيادة أهل البيت، وفعالية القيادة والرسالة لحياتنا.

الأربعين ومسؤوليّات مهمّة 1- مسؤولية ازدياد الوعي العام ولا سيّما الشيعي الإحياء -موسماً أو هو يوم وأكثر من يوم- هذا يجب أن يكون دفعة قوية جداً للتوجّه بالوعي الشيعي، وللإرداة الشيعية، والممارسة الشيعية، والمعاملة اليومية، للإنسان الشيعي، يجب أن يكون فيه دفعة لكلّ هذا بأن يلتحم بقيادة أهل البيت (ع) بدرجةٍ أكبر وأشدّ وأمتن.

كانت زيارة الإمام الحسين عند الكثيرين استجابة لما ثبت استحبابه، وبتصوّر ثواب الفرد الذي يكتسبه من هذه الزيارة، بينما اليوم أخذت الزيارة بعداً أكبر من هذا، وأنت اليوم إذا ذهبت إلی الزيارة لا ترجع بثواب الزيارة فقط، والشيعة اليوم لا يرجعون بثواب الزيارة فقط، وإنّما يحملون الإسلام ورايته ويقدّمونه، و[يرجعون] دعاةً للإسلام، ويعطون ممارسة حيّة عن التّوجيه الإسلامي، وعن التربية الإسلامية، وعن الفكر الإسلامي، وهذا إما أن يُفَعِّلوه فيرجعوا بثواب عظيم وثواب لجهاد في طاعات متعددة، أو يرجع البعض -والمستجار بالله- مسييئن إالی الإمام الحسين (ع) بتشويه صورة الإسلام، وصورة الإمام الحسين (ع)، وبما نفرضه من عنديّاتنا وأهوائنا واجتهاداتنا على الأربعين، وعلى الإسلام، وعلى الحسين (ع)، وعلى الله تبارك وتعالى.

يجب أن نحذر فنحن عبيد، ويجب أن نتقيّد بما يتقيّد به العبد من أمر سيده، والسيدُ هو الله تبارك وتعالى الذي لا سيد مثله.

 2- مسؤولية الوعي بمقام أهل البيت والإمامة الانشداد الفكري والوجداني لشيعة أهل البيت بالإمام الحسين (ع)، وثورته ودروسها وتعاليمها، وخط أهل البيت والإسلام، وهذا مطلب وهدف من أهداف الزيارة.

يجب أن نجعله في وعينا، وخاصة للمشرفين على الإحياء؛ أنّ من مهمة الإحياء هو إحداث إنشداد فكري وجداني لشيعة أهل البيت بأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فيجب أن يكون التحضير لهذا الهدف في هذه الزيارة.

 تثبيت الرفض الفكري والعملي لأيّ خطّ مناوئ لأهل البيت (ع)، فالناصبي نناوئه، ونناوئ الكفر بصورة واضحة جليّة، فنحن نناوئ الظلم، وهذه المناوئة يجب أن تتركّز، ويجب أن تكون مناوءة واعية، مخلصة للمناوئ، تستهدف إنقاذه من ضلالته وجهله، ونريد تثبيت هذه المناوءة، فأنا رافضيّ ولكن أرفض بغض أهل البيت، وأرفض الكفر والجهالة، وأرفض كلّ خطأ يراد أن يُدخلَ في الإسلام، وفي الفكر الإسلامي، وأقبلُ كلّ شيء في الإسلام، وأرفض كلّ شيء يخالف الإسلام، وهذا الرفض بهذا المعنى، وليس بمعنى أنّي أسبّ فلاناً، وأشتمه، وأرفض المستوى الإنساني والمستوى الديني لفلان وأنكره، ففلان لديه مستوى إنساني لا بدّ أن اعترف به، وآخر لديه مستوى ديني سواء اتفق معي أو اختلف، ولديه التزام ديني، فيجب أن اعترف له به، فلا أنكر على أحد حقّانيته، ولا أجحد حقّ أحدٍ، ولكنّي أرفض الباطل.

هذا الرفض للباطل يجب أن يتركز نفسياً وفكرياً على المستوى العملي، فالمفروض من أحياء الأربعين أن يتحمّل هذا الأمر، وأن تأتي عملية الإحياء بأن يرتفع هذا الرفض بمستوى الإنسان الشيعي.

عندنا وعي الأمّة كلّ الأمّة المسلمة -أوسع من الشيعة-، فواضح جداً أننا نحرص على سلامة الإسلام وكلّ المسلمين، فيراد لوعي الأمّة جمعاء أن ينفتح على المنزلة الخاصة بأهل البيت، وهل أنّ لهم منزلة خاصة في الإسلام أم ليس لهم منزلة خاصة؟ المنزلة الخاصة التي يراها المسلمون -كلّ المسلمين- لأهل البيت -إلا من نصب- هي منزلة وجوب مودّتهم، ولكن هل هذه المنزلة التي يراها المسلمون هي المنزلة الواقعية في أعلى درجاتها التي قررها القرآن الكريم لأهل البيت؟! وهذه صورة منزلة أهل البيت في القرآن؛ وهي منزلة الإمامة، إمامة الدين والدنيا، وهذا ما لا يفهمه كثير من المسلمين ولا يؤمن به، صحيح يرون أنّ أهل البیتصالحين للإمامة، أنا مع ذلك، لا أرى أخاً مسلماً غير الناصبي لا يری لأهل البيت صلاحية الإمامة، لكن الخلاف هل أنّ إمامتهم واجبة أو أنّ إمامتهم جائزة صالحة فقط، المختلَفُ عليه هو وجوب الإمامة للأئمة أهل البيت، لا أنّ علي بن أبي طالب صار خليفة المسلمين، فإنه لا ينكر خلافته أحدٌ أبداً.

هناك من يقول: إنّ الإمام علي بن الحسين إمام، وأنّه أهل للإمامة، ولكن لا يعترف أنّه إمام واجب، والكلام كلّ الكلام في وجوب إمامة أهل البيت، وأنّها في المرتبة الثانية من وجوب النبوة لرسول الله| أو لا؟ القرآن الكريم حسب ما يقرأُ بالقراءة الصحيحة والسنَّة وسيرة أهل البيت (ع) تقرّر أن إمامتهم واجبة، وليس أنّهم أئمة صالحون فقط، وأنّهم يصلحون للإمامة، وأنّ إمامتهم ليست مفترضة من أحد، وهذا الأمر في إحياء الأربعين وإحياء عاشوراء وكلّ الممارسات المذهبية يجب أن تتّخذ من هذا هدفاً، وإلفات المسلمين الكرام إلى أنّ إمامة أهل البيت ليست الإمامة الصالحة فقط، وليس أهل البيت الذين تصلح إمامتهم للمسلمين فقط، وإنّما إمامتهم واجبة، وأنّه لا بدّ منها، وهذا هدفٌ آخر، ونرى هذا الهدف هدف مقدميٌّ لرضوان الله تبارك وتعالى.

 3- مسؤولية كون الزعامة للعالِم بالإسلام هدف آخر لزيارة الأربعين، وهو أنّ المسلمين يتساهلون الآن في أمر الزّعامة للأمّة، والتساهل قائم اليوم، وربما قام غداً، وهو التساهل في موقع الزّعامة للأمّة الإسلامية، والفصل بين زعامة الدين والدنيا، وإذا جمعت الزعامتين لشخص ما، كان يلزم أن يكون عالماً بالإسلام كلّ العلم، ولا معصوماً بالعصمة العمليّة ولا الفكرية حتى تكون له الأهلية لإمامة الإسلام والمسلمين، وهذا الوعي ليس موجوداً، وهذا الشرط لا تُدرَكُ أهميته، ويقبل كثير من المسلمين حكومات وضعية قائمة الآن، وهي حكومات تنتمي للإسلام والبلاد الإسلامية وتحكم المسلمين، وهل مقبول يا مسلمون أم لا من ناحية إسلامية؟ هناك كثير من المسلمين شيعة وسنة يرون أنّ هذه الحكومات الوضعية غير مقبولة من ناحية إسلامية، وهي وضع شاذّ ومنحرف عن الإسلام، لكن هذا الفهم والوعي ما مدى تغلغله وجدّيته وفاعليته ومحرّكيّته في نفوس المسلمين؟ ولأيّ درجة؟ وهذا بالنسبة لشريحة من المسلمين واعية، وماذا عن الشريحة الأكبر من المسلمين؟ هل يعون ضرورة أنّ الزّعامة للأمّة الإسلامية يجب أن تكون إسلامية؟ فالكثير لا يعي، ويرى الأمر عادياً جداً، وأن تقوم حكومات هنا وهناك من حكومات وضعية، وأن يسلم لها، فمن ناحية إسلامية خالصة هذا غير صحيح.

مسؤولية مسيرات الأربعين ومواكب الأربعين وكلّ الفعاليات الأخرى في الأربعين هي إعطاء هذا الوعي؛ أنّ الحكومات الوضعية المخالفة للإسلام تحكم بقانون وضعي، وتبتعد عن الإسلام، وتحلّ محلّ القانون الإسلامي قانوناً آخر، وتتصرّف في الإسلام ومؤسساته التصرف الذي يتوافق مع القانون الذي تضعه، وهو القانون الوضعي ومصدر هذا القانون أمريكي وفرنسي وأوربي وغير ذلك، وهذا وضع لحد الآن يمتلك استمراراً ويمتلك قبولاً مستقراً في نفوس غالبية الأمّة وهذا خطأ جداً.

مسؤوليّة الأربعين أن تصحِّح هذا الفهم، وأن تستبدل عن هذا الفهم فهماً إسلامياً صحيحاً من حيث قيام الحكومات الوضعية المنافية للإسلام، ويجب السعي والعمل الدؤوب من أجل الوصول بالأمّة إلى وعي جديد يعد بها إلى فهم الإسلام، والأخذ به، ورفض هذا الوضع الشاذّ المضرّ بالأمّة والقاضي عليها. 4

– مسؤولية إبراز روح الوحدة من مسؤولية إحياء ذكرى أربعينيّة الإمام الحسين إبراز روح الوحدة الإسلامية، لا نكون شيعة تقابل السنة، وسنة تقابل الشيعة، أو أنّ السنة يبنوا وجودهم ويسحقوا الشيعة، أو أنّ الشيعة يبنوا وجودهم ويسحقوا وجود السنة، ولا يُسحق هذا لذاك أو يُسحق ذاك من هذا، ولا أبني نفسي وأهمل الآخر، ويبني الآخر نفسه ويهمل شأني، فهذه ليست أمّةً واحدةً، ولا يستطيع أحدٌ أن يقول بأنّ القرآن يعترف ويفرض علينا أن نكون أمّتين، وأنّ كلّ أمّة يجب أن تواجه الأمّة الأخرى، أو لا تكترث في مصيرها! نحن أمّة واحدة، ويجب أن يعطي إحياء الأربعين هذا الطابع في نفس كلّ مسلم ومسلمة، وأنّ ما يشتتنا ليس همّ الإسلام، وإنّما الجاهلية، والعصبيات الجاهلية، وأطماع الطماعين، ودسائس الفكر الكافر ومؤامراته.

يجب أن نفهم أنّ وحدتنا التي يحرص عليها الإسلام مستهدفة من القوى الطاغوتية العالمية، وعلينا أن نواجهها، ومواجهتهم بالإصرار على وحدتنا الإسلامية، ومن يتبع أهل البيت أولى إلى أن يلتفت إلى هذا، وأن يعمل عليه، وهو وجوب توحيد الأمّة ورصّ صفوفها لمصلحة الإسلام كلّ الإسلام، ومصلحة المسلمين كلّ المسلمين.

يجب أن يكون في الإحياء وقفةٌ ضدّ مؤامرات التّجهيل والإفساد والتّحلل والتمزيق، وإنّما يكون الإحياء مدرسة عملية تقدّم للعالَم في الأبعاد المختلفة دروساً كريمة عالية من الإسلام، تفتح واعيتهم، وتثير عنده شهيّة وجدانه الكريم، وأخلاقه الكريمة، ووجدانه العقائدي في النّفس البشرية، وهي تحمل فطرة توحيديّة، وتحمل شوقاً إلى الله، ولو صحّت هذه الفطرة ولو لم يغتالها المغتالون ولو لم يغتالها الإنحراف والفسوق لبقت تضغط على صاحبها بأن يتوجّه إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا الوجدان الكريم لو حصل من يعطيه الإفاقة ومن يفتح له على نور الله سبحانه وتعالى لطلب الله تبارك وتعالى وسعى إلى الله،وضحّى في سبيل الله، وأعطى كلّ حياته لله تبارك وتعالى.

5- مسؤولية انعكاس الإسلام على الفرد والأمّة مسؤولية الإحياء أن يكون مدرسة عمليّة تقدّم للعالَم في الأبعاد المختلفة دروساً عالية مختلفة من الإسلام، وأكون في ممارساتي صورة عن الإسلام، والصورة الإسلامية تجتذب أم لا؟! وهذه الممارسات والإحياء يبرز صورة عن اجتماع الإسلام المتقدّم، وعن المستوى الثقافي المتقدّم، وعن الصّدق، وعن التعاون في الخير، وعن التّعاون على الباطل، صور من هذه الصور والحقائق الإسلامية والأشياء التي أراد لنا الإسلام أن نتخلّق بها، فلمّا نبرز بثقافة إسلامية واعية، وبنظافة شارع، ونظافة قلوب، وحياة اجتماعية حميدة جداً، ونظام وتنظيم باهر، تتقدّم بصورة حضارية إسلامية للعالم، فهذا يُحدث عشقاً للإسلام، ويُحدِث حسنَ ظنّ أوّلي بالإسلام، ويدفع للبحث عنه.

مطلوب أن نعطي صورة حيّةً ما استطعنا عن جنبات عديدة وكثيرة مما تعطيه التربية الإسلامية والوعي الإسلامي والفكر التوحيدي، ونقول: هذا هو إسلامنا، وها نحن الذين جئنا صناعةٌ إسلاميّة ومن صناعة الإسلام وإذا أردتم أن تنظروا إلی الإسلام فانظروا إلى ممارستنا، والعالَم فعلاً ينظر إلى الإسلام من خلال ممارستنا، فإن جئنا بممارسات خسيسة نقول: إنّ الإسلام خسيس، وإن جئنا بممارسات متقدّمة، ووعي كبير، ونظافة، وطهر، وتعاون، وانفتاح على العالم، نقول: هذا الإسلام.

ندَّعي أنّ الإسلام يتحدّث من خلالنا فكيف سيأتي الحديث الإسلامي فكما يزعمه سلوكنا؟! وكما تزعمه ممارساتنا؟! فعلينا أن نتق الله تبارك وتعالى، وإذا أردنا أن نخلص للإسلام أن نبرز صورةً مشعةً عن الإسلام تجتذب عقول العالم وقلوب العالم.

إذا أجدنا تقديم صورةٍ حيّة مشعّة صادقة عن الإسلام من خلال ممارساتنا الإحيائية لشعائر الدين، ومنها شعيرة ذكر أهل البيت سيعرف العالم أنّ الإنسانية والحرّية والكرامة والخلق الكريم والعدالة والصّدق والإيثار هذا كلّه وأكثر منه مما هو من جنسه ومن مستواه لا يجتمع في الأرض ولا ينال منه واقعاً إلا في ظل الإسلام.

ستقولون للعالم كلّه بأنّكم إذا أردتم هذه الصفات مجسّدة في الإنسان فعليكم بالإسلام، سيقولون هذا الإسلام، والإسلام صنع هذا الإنسان بكلّ هذه الصفات.

هذا الذي قلناه حتى يعرف العالَم أنّ هؤلاء المحيين تدفعهم عقيدتهم وتربيتهم الدينيّة لإنقاذ الإنسانية بكلّ تنوّعاتها من مأسي الطاغوتية التي أبتليت بها فحين يرى العالَم وجماهيرَ ومستضعفي العالم أنّنا حريصون على إنقاذ العالَم من الطاغوتية ومن الحكم الظالِم ومن فرعونيّة الفراعنة، سيقدروننا ويقدروا الإسلام وستتعاطف شعوب كثيرة من العالَم مع المسلمين والإسلام.

– مسؤوليّة تعزيز الأخوّة الإيمانيّة ومما ينبغي تحصيله من عملية الإحياء الضخمة في مثل عاشوراء والأربعين رفع المستوى العملي للأخوّة الإيمانية داخل المذهب الشيعي نفسه.

الموسم -سواء الأربعون أم عاشوراء وكلّ المناسبات- يجب أن يكون موسما ًلبناء علاقات قويّة وإيجابيّة وتلاحمٍ أشدّ من أجل الحقّ، وليس تآمرنا على أحد بباطل، وإخلاصاً للشيعة أنفسهم، وإخلاصاً للمسلمين كلّهم، وإخلاصاً للعالَم، حينما أقول تلاحم وتناصر وتعاضد من أجل الخيرفهو لرفعة المسلمين ورفعة العالّم كلِّه.

هناك طلب للقوّة من أجل الهدم، وبناءٌ لنفسي وهدمٌ للآخر، ومرّة تطلب القوّة من أجل أن تقوى ويقوى بك الآخر، طلب القوّة التي يرضى بها الإسلام ويرضى بها أهل البيت (ع) هي قوّة ترفع بها من قوّتك وترفع من مستوى غيرك.

صحيح أنّي أحاول أن أنقذ الآخر من خطئه وهذا نفع وليس إضراراً.

أمريكا تفتح بلداناً وأقطاراً وتستولي على أمم، ولكن ليس لتقوى هذه الأمم، بل من أجل أن تستبدّ بخيراتها، ومن أجل أن تستبعدها، وتستثمر أرضها، وتستفيد من كنوزها، ولكن الإسلام ليس كذلك، الإسلام حتى في جهاده الابتدائي يريد القضاء على الطاغوتية وليس على الشعوب، ويريد أن يرتفع بالشعوب ولا يريد أن يستغلّها، ويريد أن يرفع من مستوى الإنسان من أدنى الأرض إلى أقصاها، وأن يصحّح مساره، وأن يسعده دنياً وآخرة، إلا أنّه لا يريد أن يستغلّه ويستغلّ ثروات أفريقيا وهي غنية بالثروات، فالإسلام لا يسعى للسيطرة على ثروتها وإنّما من أجل رفعة إنسانها.

حين نقول إنّه موسم للمزيد من التلاحم، والمزيد من تراص الصفوف، ومزيد من محاولة رفع الوعي، ورفع الهمّة، والتوجيه الواعي، وكسب المعرفة الموضوعية، فكلّ ذلك ليس من أجل الشيعة وحدهم وإنّما من أجل الإنسانية بكاملها.

هناك تدفّق كثير من المؤمنين في يوم الأربعين، فهذه الحالة تارة: تقتصر على العزاء ولطم الصدور فقط ونرجع، وتارة أخرى: تكون لنا فعاليتنا الأخرى التي تبني علاقات من مؤتمرات، وملتقيات ثقافية، وندوات، ومشاورات، والتفكير في شؤون المسلمين، وكيفيّة تصحيح الأوضاع، وكيف يُرتَفعُ بمستوى الأمّة.

وهذا الموسم يجب أن ينال من مثل هذه الممارسات والفعاليات، وتكون لقاءات فكرية عالية من مختصين مختلفين، ويجب أن توضع خطّة سنوية لرفع المستوى، وكلّ ما تقدم يتّسع له إحياء الأربعين في هذه الأيام.

توصيات هذه أهداف [ومسؤوليات] تفصيلية جزئيّة، وكلّها تصبّ في صالح الهدف الكبير وهو الوصول إلى رضوان الله تبارك وتعالى.

وتحقّق هذه الأهداف: – هذه الأهداف يحتاج كلّ منها إلى فريق مختص يعمل على إعداد خطة لهذه الجنبة أو تلك، ولهذا الهدف أو غيره من الأهداف التي ذكرت ومن الأهداف التي لم تذكر.

 – يحتاج إلى فريق يعد الخطة وفريق ينفذها.

 – يحتاج إلى أن يظهر المحييون للذكرى بالمظهر الإيماني الذي يفرضه الوعي والتقوى والحكمة ورعاية حقّ الدين وحقّ المؤمن على المؤمن وحتى نصل إلى هذه الأهداف، والمؤمن والمحيي الذي يحضر فمرّة يأخذون على أنفسهم أن يعيشوا حالة الإيمان قلباً وعملاً، وأن يُبرزوا وجه الإيمان وعطاء الإيمان والآثار والبركات التي تكون في ظلّ الإيمان، وهذا عن طريق الممارسات المدروسة، وكلّ ذلك عن طريق التقيّد بأمر الله سبحانه وتعالى ونهيه في ممارساتنا بلا تكلّف.

الإسلام ليس فقط صلاة وصيام، وإنّما هو نظام وتعاون، والإسلام رفْع مستوىً اقتصاديّ، ورفْع مستوىً اجتماعيّ ووعي شامل، فحينما نأتي بهذه الصورة فإنّا على طريق تحقيق الأهداف التي مرّ ذكرها.

 مطلوب للطهر الإيماني أن يبرز في سلوكنا وعلاقاتنا وعشرتنا، وفي وجودنا كوجود مجموعي.

وهناك حقّ المؤمن على المؤمن لا بدّ أن يظهر، وليس إهمال المؤمن للمؤمن وسبّه وشتمه في الإحياء! المطلوب إظهار رعاية المؤمن لحقّ المؤمن، والمسلم على المسلم، والإنسان على الإنسان، فقد يكون هناك نصرانياً أو يهودياً أو بوذياً فنتعامل معه تعاملاً إنسانيّاً.

مرة نعطي انعكاساً عن الإسلام بأن نتعامل مع الإنسان تعاملاً غير إنساني، ومرة نعطي انعكاساً بأنّ المسلم يتعامل مع الإنسان المسلم ومع غير المسلم تعاملاً إنسانياً فيعترف له بحقوقه الإنسانية، ويعترف بكرامته الإنسانية، فيجب أن نكون في صورة تتكلّم عن الإسلام بأنّه لا يعادي الإنسانية، وأنّ الإسلام أحرص ما يكون على حرمة الإنسان من حيث إنسانيته وبمستوى إنسانيته.

أهل البيت لهم حق ثابت على الأمّة كلّ الأمّة، وعلينا نحن الذين ندَّعي التعبّد بما جاء عنهم من حكم فنحرص أن لا ننقص من وزنهم، وزن الإمامة في الدين والدنيا، فنعرف لهم هذا الحق فكراً، ونعرف لهم عملاً، وأن تكون حياتنا كلّها منقادة لهذا الفهم وهذا الاعتراف الفكري بأنّ لهم إمامة الدين والدينا وهذه منزلة.

وأئمة أهل البيت (ع) لا يرضون بإنقاصهم حقّهم، أيْ: حقُّ الإمامة؛ لأنّه حقّ الله تبارك وتعالى، ولا يرضون بالتزيد في حقّهم والمغالاة، ولقد كانوا أشدّ على من غالى فيهم منهم على من عاداهم، فلقد كانوا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين شديدین على أعدائهم، ومن ينكرون حقهم، وشديدین في الحقّ، وشدّتهم على الباطل فلا يرضون ممن أنكر عليهم حقّهم وجحد عليهم حقّهم وقدّم عليهم غيرهم، ولكنّ إعلانهم بالعداوة لمن غالى فيهم كان أوضح وأشدّ.

فنحن الشيعة -أخص الشيعة- من واجبنا أن نعيش حالة الاعتراف الفكري والعملي في أقصى درجة نستطيعها بأنّ أهل البيت (ع) هم أئمة حقّ هادون مهديون، لا تجوز مخالفتهم في أمرٍ كبيرٍ أو صغيرٍ، وينضاف على هذا أن لا نحاول أن نتزحزح بهم إلى شيء خاص بالله تبارك وتعالى، فهذا حرام كلّ الحرمة، فأهل البيت يعادوننا، ويتبرؤون منّا، ويلعنونا حينما نصفهم بصفةٍ من صفات الله تبارك وتعالى، فالحذر الحذر.

ومما يخدم تلك الأهداف تكثيف الزيارة، والمشاركة في المواكب، وكلّ الخدمات التي تتطلّبها عملية إنجاح الإحياء وتغطي احتياجاته.

أن يكون كلّ المؤمنين حرّاساً أمنيين في كلّ حسينية، وموكب، وشارع، ونقطة من ساحات الإحياء في كلّ مكان من كربلاء، وكلّ بلدان المؤمنين، ويكون ذلك بقاعدة -كلٌ وما يمكنه-.

 مسألةٌ ملحقة: ينقل أنّه يحدَث في البحرين شيء من الاختلاف بين الرواديد المحترمين أنفسهم وفي داخلهم بعض الاختلاف، أو بين البعض منهم وآخرين من أصحاب الفضيلة المشايخ من حيث طريقة الأداء عندهم في الردّات، فهذا يقول: أنّ هذه الردّة تلحينها خارج عن المباح وعما هو حلال، وآخر يقول: إنّه داخل في الحلال.

هذه مسألة تُطرح بين حين وآخر، أنّ هناك تعدٍّ عن الحدّ الحلال والمباح أو غير تعدٍّ.

المسألة على مستوى الحكم الشرعي الكلّي الذي يتكفّل بالتمييز الوصفي بين ما هو مباح وحرام، ووضَع حدّاً لما هو حلال وما هو حرام من التلحين، فهذه الوظيفة اجتهادية، أو من لم يجتهد يأخذ بالتقليد في هذا الأمر، ومن لم يكن مجتهداً رجع فيها إلى مقلده، ومع رجوعه إلى رأي [مقلّده] في المسألة لا لوم عليه.

من أقلده يقول: إنّ هذه التلحينة ليست من الألحان الحرام وليست من ألحان أهل الفسق والطرب، وليست مما يتناسب مع مجالس أهل الفسق، وهو يأخذ بهذا، فهذا في نفسه لا لوم عليه.

 قلت هذا، ويُلتفت مع ذلك أنّ الرادود لا يرددّ ردّاته ببينه وبين نفسه، فليس جالساً في حجرته ويردّد الردات باللحن الذي يراه حلالاً ومباحاً، وهذا في خط مختلف، وأحياناً جالس مع من يشترك معه في التقليد أو يقلد فقيهاً آخر ويرى رأياً مثل رأي مقلَّده، فهنا لا مشكلة، كذلك فيمن يتواجدون في الحسينية مثلا وهم يرجعون لمثل يرى مثل رأي مقلَدي.

إذا جاء باللحن بينهم وبهذه الشكل فلا لوم عليه؛ لأنّنا نؤمن كلّنا بأنّ هذا اللحن حلال، ولكن ليس هذا هو وضع العزاء والمواكب، وإنّما وضعها أنّ هذا الرادود يقلّد فقيهاً واحداً وهناك عشرة مقلَدين أو أكثر من ذلك يرجع إليهم المعزون، فهل أستطيع أنا الرادود الذي أقلّد من يبيح لي هذا التلحين وهذا النّغم هل أستطيع أن أفرض نفسي على عشرة آلاف أو عشرين ألف في الموكب يقلّدون مقلَّدين مختلفين؟ هل هذا صحيح؟ أنا لا أراه صحيحاً أن أفرض على الآخرين، فأنا لست لوحدي، فالأحسن الأخذ بالمشترك من الألحان، وهناك ألحان كثيرة مجازة ومتفق عليها، فلأستغني عن هذا اللحن وأذهب البيت وأنشد لوحدي.

ولكي نقضي على الفتنة وعلى الاختلاف فليتنازل الأخ الرادود الكريم عن مثل هذا التلحين المختَلفُ عليه، ويأخذ بالمجمع عليه، وهذا اقتراح منّي للأخوة الكرام أخوتي الرواديد.

واضح جداً، أنّ فرض النّفس سيخلق تصدّعات في العزاء، وسوء ظنّ، واتهامات، ولغط، وتفرّق، وتمزّق، وربما أكثر من ذلك، فما أغنانا عن هذا كلّه؛ حيث يستغني الأخ الرادود الكريم عن الأخذ بالتلحين المختَلفُ عليه والمسبب للفتنة، وجزاه الله خير الجزاء، وفي هذا احتياط للرادود.

ففي أيّ مسألة كالنكس في الوضوء مثلا أن مقلَدي يجيز ولكن يوجد ثلاث أو أربعة مقلَدين لا يرون به ولا يجوزنه فلا يجب أن أمسح بالنكس وأعاند بأنّي يجب أن أطبّق ما يراه مقلَدي؟ مقلَدك يرى بأنّ المقلَد الآخر صحيح فخذ به، وفي كلّ الأحكام من صلاة ووضوء كلّما أخذت بالأحوط من الأحكام كان أفضل لك وإن لم يكن احتياطاً وجوبياً.

خطاب للخطباء والرواديد و شعراء المنبر الحُسيني اسمحوا لي بأن أخاطب الأخوة الأعزاء من خطباء المنبر الحسيني، ورواديد، وشعراء المنبر الحسيني.

مع الأسف أنّ شعراء المنبر الحسيني لحدّ الآن لم يوجدوا بشكل ملحوظ، فنحن محتاجون لشعراء للمنبر الحسيني؛ فالمنبر الحسيني لا زال يعيش في كثير من الأبيات النّبطية على عطاء الفكر السابق، والثقافة السابقة، والمستوى السابق، والتصور الموضوعي السابق، والنّفسية السابقة، والتربية السابقة، والإرداة السابقة، وجوانب كثيرة ارتفعت من المستوى الثقافي، وإرادة الإنسان المؤمن ارتفعت بدرجةٍ ما والتفاته ووعيه الموضوعي، وكلّ هذا ونحن ما زلنا نعيش على أبيات القدماء، جزاهم الله خير الجزاء، أعطوا ما كانوا يملكون وفيه الصحيح الكثير، ولكن في سبق من الطرح الشعري بعض الهنات، وبعض الضعف، وبعض التجبين والتهويل، والبعد عن الواقع، وكلّ هذا فيه.

 انظر إلى ردّت[2] الأمس وردّت اليوم في ردّات المواكب، وقايس بينها، فلا زلنا نحتاج إلى تصحيح، ورفع مستوى، فلقد دخلت إيجابيات جديدة، وربما دخلت معها بعض سلبيات، وبعض الرواديد أداؤهم يبعث على النوم، والمطلوب منكم أن تحيوا النّفوس.

 بارك الله فيكم جميعاً فلكم الجميل، ولكم المنُّ والكثير من الكلمات عندكم تحيي، وأسلوبكم قد لا يروق للسابقين، ولكنّكم جيلٌ جديد ولكم أسلوبكم.

نحتاج إلى شعراء للمنبر الحسيني تغطّي حاجة الأبيات النبطية، لكن بفكر جديد، وحتى لو كانت أشعار عربية تأخذ طور الشعر النبطي فهذا أمر حسن، ويرتفع بمستوى الطرح، ومخاطبة القلب، ومخاطبة الفكر، والمعالجات الموضوعية الخارجية.

 والكلام هنا ليست إزاحة للقديم وإحلالاً للجديد مكان القديم، وإنّما الأخذ من القديم ما حسُنَ منه ومن الجديد ما حسُنَ منه، وستكون هناك فرصة أكبر للانتقاء، ولا شك أنّ الموجودين يملكون شيئاً جديداً مفيداً بلا أدنى إشكال.

ونفس اللغة يجب أن يرتفع مستواها بأن نقترب من العربية أفضل، على أنّكم تعترفون بأنّ مستوى الإرادة عند كلّ شعوبنا ارتفع بمستوى معيّن، والفهم الموضوعي الخارجيّ ارتفع، ومعرفة الإنسان اتسعت وعولجت قضايا معينة، وتلك اختفت واستجدّت قضايا، ويوجد موضوعات كثيرة تعجّ بها الساحة الثقافية والخلقية والاجتماعية والسياسية، وكلّ هذه الساحات لها موضوعاتها الجديدة، ومشاكلها الجديدة، ومتطلّباتها الجديدة، وكلّ هذه مهملة، فلمّا يأتي شعر جديد ويعمل على هذا الجانب سيغطّي بعض النّقص.

 الأخوة الخطباء والروايد الأعزاء وشعراء المنبر الحسيني صاروا يشاركون بقوّة، واختاروا لأنفسهم هذا الموقع الشريف الكريم، وهو موقع المشاركة والإسهام في صناعة وعي الأمّة وإرادتها وسلوكها، وهم اليوم لا يشاركون بقصد إدرار الدمعة فقط، وحتى إدرار الدمعة هي من أجل البناء، ومن أجل ربط وشدّ النّفس إلى جبهة الحقّ، وهذه الدمعة تحمل معنيين؛ فيجب أن تعطى هذين البعدين، وهذا من مسؤولية الذاكِر المصيبة، وصورة المشهد المؤلم.

الدمعة تحمل بعدين؛ ارتباطاً وانشداداً وحبّاً والتحاماً بالحق وبرموز الحق،ّ وسخطاً ونأياً وحنقاً ومواجهة لجبهة الباطل وأهل الباطل.

هذه هي الدمعة، وأرادها أهل البيت لهذين البعدين، فأيّ دمعة خالية من هذين البعدين فلا قيمة لها، فأنا أبكي كثيراً على ولدي، وعلى زوجتي، وعلى أمّي مجرّد عاطفة، قد يضربون طفلاً أمامك وترید أن تنقذه، فقد تبكي لأجله، وقد يكون لك ثواب عاطفة كريمة بدرجة ما.

لكن أهل البيت ليسوا محتاجين أن نذرف دموعاً عليهم، وإنّما الدموع من أجل أن تصنع ديناً والتحاماً بالدين، وارتباطاً بجبهة الحسين، وانفكاكاً عن جبهة يزيد، تبكي لأنّ الأمة تترك الحق إلى هذا الحد فهذا هو سبب البكاء.

دور الأخوة الكرام دور يرفع من شأن صاحبه بين المؤمنين ما صدق، وإذا صدق هذا الدور سواء كنت رادوداً أو خطيباً أو شاعراً، فإذا صدق مع هذا الدور كان من شأنه أن يرفعني بين المؤمنين لارتباط المؤمنين بهذا الدور، ولتقديرهم لهذا الدور، وليس للذات نفسها فينعكس على صاحبه.

والحمد لله ربّ العالمين

المصادر والمراجع

  • [1] محاضرة ألقيت في حسينيّة الإمام الرّضا البحرانيّة في قم المقدّسة، بتاريخ 11 صفر 1441هـ، الموافق ١٠ أكتوبر ٢٠١٩.
المصدر
مجلة رسالة القلم

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى