ثقافة

العلاقات الدولية في القرآن الكريم (القسم الأول)

المحاضرة الأولى أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.

 العلاقة: لغةً حالـة مـن الارتبـاط والاتـصال، ومن ذلك علاقة الزوجية والنسب والصداقة.

 وعَلَقَت بكفه شوكة: نشـبت فيه، وفي اسـتعمال هذا البـحث تعـم العـلاقـة مـن بـاب التوسّـع حالة الارتباط والانفكاك، والاتصال والانفصال، والتنافر والتعاون، وليس هنا في استعمال الكلمة مصطلح خاص بهذا البحث أو فيما ماثله من البحوث، الكلمة تستعمل في معناها اللغوي، وإنما هنا توسّع مجازي في شمول علاقتَي الانفصال والاتصال، بعد أن كانت الكلمة في اللغة موضوعة لحالة الاتصال.

هناك علاقات دولية متعددة كما هو المعروف، ومنها العلاقة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعقائدية والسياسية والأمنية والعسكرية، فكل هذه علاقات تقوم بين الدول.

وحينما نبحث عن العلاقات الدولية في الإسلام فنحن نحاول الوصول تحت هذا العنوان إلى علاقات التنافر -إذا كانت موجوده- وعلاقات الاتصال والتضاد والتعاون بين الإسلام وبين دولة أو أكثر من دولة، وقد تأتي علاقة بين الإسلام وبين حزب من أحزاب في الدولة الأخرى، وقد تكون العلاقة بين الإسلام وبين دولة من الدول قائمة على نوع من التنافر وفي الوقت نفسه قد نجد علاقة تواصلاً وتعاوناً على الخير بين الإسلام وبين قوة من القوى السياسية في ذلك البلد.

يجب أن نفرّق بين ما هو المذهب؟ وبين ما هو العلم؟ فهناك مذهب اقتصادي وعلم اقتصادي، علم الاجتماع والمذهب الاجتماعي، وهنا يوجد علم العلاقات الدولية ويوجد المذهب الذي يحكم العلاقات الدولية في نظر مبدأ معيَّن أو أطروحة أو سياسية معيَّنة، والكلام هنا حول المذهب وليس علم العلاقات الدولية.

كيف نبني علاقة دولية وكيف نصححها وكيف نمتها وكيف نتخلص من المشكلات العالقة بيننا وبين دولة أخرى؟ وكيف نتقدم بعلاقاتنا الدولية؟ وكيف نصحح من سمعة ومكانة الدولة ونقيم علاقات وديّة بيننا وبين دولة أخرى؟ هذا كله راجع إلى العلم بالعلاقات الدولية، وهذا علم وفن.

أما المذهب فيقوم على تحديد نوع العلاقات التي ينبغي أن تقام بين هذه الدولة والدولة أخرى؟ ما هي المنطلق لهذه العلاقات؟ وماذا ينسجم مع هذا المنطلق من العلاقات؟ وما الغاية من هذه العلاقات؟ ما هو مقتضى من هذه الغاية لهذا النوع أو غير من العلاقات؟ الكلام هنا عن منطلق قيم، وفكر مبدئي، وعن غاية معينة هي التي تصبغ العلاقات بين هذه الدولة وبين تلك الدولة، فهل ننطلق من المصلحة المادية في بناء العلاقة مع دولة أخرى أم من مصلحة الإسلام؟ وإذا تعارضت المصلحتان أيهما نقدّم؟ هل نحن نلغي النظر إلى المصلحة المادية نهائيا أم لا؟ أم أننا نأخذ بالمصلحة المادية ولكن المنطلق دائما هي المصلحة المبدئية وتقديمها على المصلحة المادية؟ الحاكم الأول لعلاقاتنا كمسلمين وكدولة إسلامية وككيان إسلامي إنما هو النظرة المبدئية ومصلحة الإسلام.

 العلاقات الدولية لها جذران: الجذر الأول: هو المبدئي.

 الجذر الثاني: هو النفعي الدنيوي.

 فالعلاقات إما أن تنطلق من منافع مادية دنيوية لا يقوم أمامها شيء من خُلُق ولا دين ولا قِيَم، فالحاكم والفيصل في هذه العلاقة أو تلك إنما هي المنفعة المادية لهذه الدولة سواء كانت هذه الدولة دولة قومية أم جغرافية أم عنصرية.

 الجذر المبدئي هو أطروحة تنال قناعة هذا الكيان قائمة على الدراسة والتأمل والموازنة والإيمان الكامل بفكرة معينة تقوم وراء قيام هذا الكيان، وراء كل أنشطته.

 الدولة الإسلامية مرتكزها الإسلام وتعتبر أن وظيفتها الأولى هي وظيفة الإسلام وخدمة الإسلام ومصلحة الإسلام والأخذ بالناس إلى طريق الله عزّ وجلّ على الخط الإسلامي الذي ارتضاه سبحانه، فلا يُتوقع من أن العلاقات الدولية التي يبنيها الإسلام مع أي طرف أخر(2) يمكن أن يقوم على الجذر المادي ما دامت الدولة تتصف فعلا وصدقا بكونها إسلامية.

الانقسام الثنائي العام بالعلاقات الدولية العلاقات الدولية متعددة وهذه العلاقات كلها مشمولة بانقسام عام شامل لها، وأكثرها يتأثر بهذا الانقسام، وحقيقة هذا الانقسام أنه صراع أو وفاق، فمرة هناك سلم ومرة هناك حرب، العلاقة الاجتماعية والاقتصادية وبقية العلاقات كلها علاقات تتأثر بالوضع الحربي والسلمي بين الدولتين.

وأما العلاقة العقائدية لا يمكن أن تتأثر بأي ظرف من الظروف وهذا واضح في سورة الكافرون.

 وأما العلاقة السياسية والثقافية(3)، التي تشمل الناحية العلمية وبالفن فهي تتأثر بوضع الحرب والسلم، فالانقسام الثنائي هو انقسام إلى علاقات حرب وعلاقات سلم وهذا الانقسام ينعكس على كثير من العلاقات التي تقوم بين الدولة الإسلامية والدول الأخرى.

على مستوى الخارج والواقع فلا سلم دائم ولا حرب دائم بين أي دولتين سواء كانت أحدى الدولتين إسلامية أم لا، والعلاقات قد تتذبذب بين الدول فأحيانا تأخذ وضع الحرب وأحيانا تأخذ وضع السلم، ولكن سلم بصورة دائمة ولطول الأبد لا يمكن، وكذلك بالنسبة إلى الحرب وخاصة الحرب الساخنة.

 ما هو الأصل الذي يتبناه الإسلام؟ ويأخذه في منطلق بناء علاقاته لتكوين علاقات تنافر وعلاقات تلاقي؟ الأصل الذي يخطط له الإسلام والذي ينسجم من طبيعة الإسلام، ومع الغاية الإسلامية(4).

 نظرة أساس للتعرف على أهمية هذا الأمر نقف على نظرة أساس في الإسلام؛ لتفرز لنا هذه النتيجة أو تلك وما يتناسب معها، القطعية والانفصال، أو الالتقاء والاتصال، الحرب أو السلم.

 الإسلام دين عقيدي وعالمي وهو يقدم الآخرةَ على الدنيا فهذه وصفات ثابتة في الإسلام، وليس مجرد أسلوب وسلوك عملي، فالإسلام يهتم بأن يكون قد أحتل من القلب كل قناعته، وأن يكون عقيدة داخل الإنسان يؤمن بها تمام الإيمان، فما يصنع الإسلام هو هذه العقيدة الراسخة في جذور نفسه.

فالإسلام عالمي لم يأتِ لقومية ولا لرقعة جغرافية معينة ولا لزمن خاص، بل جاء رحمة للعالمين وينتج أنه يتحمل مسؤولية عالمية ولا يقنع بالحد الزمني أو الجغرافي والقومي، كما لا يقتنع أن يكون ممارسة خارجية بلا قناعة قلب واطمئنان نفس وحالة وعي ورضا، لا يبني دنيا إلا من أجل الآخرة، يقدّم الآخرة على الدينا، تعمر به الدنيا ولكن الهدف هو أن تعمر به الآخرة.

 والإسلام دين يقرر كرامة الانسان، {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}(5)،يفضله على كثير من الخلق، يؤكد على الأصل الواحد المشترك لكل الناس {يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}(6)، وسبل السلام في التفسير الأدق فهي لا تعني السلام الظاهري بين الناس، وإنما سبل السلام التي تحقق السلام فعلا لهذا الإنسان فرده ومجتمعه وهي السبل إلى الله عزّ وجلّ.

 نقرأء قرآنا يقول لنا: إن الله رب للجميع، وعنايته للجميع، ورأفته للجميع، وإذا كتب على نفسه الهداية فهي للجميع، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(7)، فهو الرّب الذي لا ربّ غيره، والمعبود الذي لا معبود غيره وسواه، فهذه منطلقات أساسية لا نصح أن نغفل الخلفية الأساس لأي حكم شرعي فوقي، ولأي تصور ولأي نشاط ولأي علاقة انفصال أو اتصال يقيمها الإسلام، لا يمكن أن نتصور مجيء شيء يكون مفصولا عن القاعدة الأساس لأن هذا دين الله، ولا يضع قاعدة وينساها في البناء.

المتتبعون وأصحاب العقول الموفقة الذي يتتبعون القرآن يرون انسجاما تاما بين كل ما في القرآن وكل بناء الإسلام.

 قال تعالى: {ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}(8)، وهو إنسانية مشتركة.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}(9)، يُلفتُ النظر إلى أن الأرحام الخاصة النسبية لم تذكر في الآية، وهي داخلة قطعا وهي من أقوى العلاقات الدموية، والمذكور هو خلق الناس من نفس واحدة، فلا تنسوا أن أصلكم واحد وأن طبيعتكم واحدة، [لا تنسوا] أن كنتم نفوسا متعددة على حد تعدد أشخاصكم وخصائصكم فإنكم أصلا من نفس واحدة وترجعون إليها، بما هي عليه من طبيعة واحدة وحقيقة متميزة(10).

فالإنسانية حرمة وحق بالنظر إليها في حد ذاتها بلا فرق بين شخص وآخر، وإنزال الكتاب(11) كان لإنهاء الاختلاف والتنازع.

 قال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} خروجا على الكتاب وعلى مقتضى الكتاب، أما هو فلِيوحدهم وينهي اختلافاتهم ويحل مشكلاتهم {فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}(12)، من يشاء من ناحية القدرة، ولا يشاء إلا ما فيه العدل والحكمة، أما القدرة فمطلقة، القرآن يذكر أن هناك اختلافاً في الخلق ولكن بما لا يمس الجوهر ولا يؤثر على الحقيقة المشتركة وحمل الطباع المشترك للنفس الواحدة الأصل.

 قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ}(13) هذا ليس للاختلاف وإنما لتدبر ومعرفة القدرة المطلقة، واختلاف الألسن والألوان فهو اختلاف سطحي، أما العمق وإنسانية الإنسان فهي واحدة.

ما هي الغاية؟ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}(14)، هذه الغاية ينزل الله منهجا لأهل قومية خاصة ليأخذ بهم على طريقها؟ أليس هو رب العباد جميعا؟ وأليس الدين رحمة للعالمين؟ فإذا كانت الغاية هي عبادة الله عزّ وجلّ وهذه الغاية لا يوصل إليها إلا عن طريق المنهج الإلهي ودين الله عزّ وجلّ، وهذه الغاية أساس لتوقف كمال الإنسان عليها، ولا طريق لكمال إنسان من أول يوم وجد على الأرض حتى آخر يوم وبكل ألوانه ومستوياته، فلا يمكن له أن يصل إلى الكمال إلا عن طريق واحد وهو الارتباط بالكامل، وبالتوجيه الذي يأتيه من الكامل، ومن النصح الذي يأتيه من الكامل، ومن الانشداد الفكري والنفسي الروحي والسلوكي للكامل، وألا فالانشداد للناقص لا يعطي كمالا.

 فنعمة الدين الذي يوصل إلى غاية العبادة التي يتوقف عليها كمال الانسان، فهل يعطي الله سبحانه وتعالى هذه النعمة والمنحة جزء من عباده فقط؟ أو يفتح بابها للجميع؟ وهل يسمح لأحد أن يقف في وجه هذه الغاية ليقطع الطريق على الانسانية إلى كمالها؟ فلما نريد أن نحسب العلاقات فعلينا أن نحسب كل هذه الخطوط،  فهي ترسم قاعدة صلبة جدا لضبط العلاقات والحكم عليها.

لا تتوقع من الإسلام أن يقول شيئا ويخالفه في التطبيق، فالإسلام يفتح باب البر للمشركين، فمشركوا مكة كانوا من أشد المشركين عداوة للإسلام وبعدا وخصومة نفسية مع الإسلام، فتأتي الآية تقول {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ} هناك قسم من أهل مكة قاتلوا المسلمين وأخرجوهم من ديارهم، وهناك قسم لم يرتكب هذا، فالآية الكريمة تفرّق بين هاتين الجماعتين {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ} إن تفعلوا لهم الخير {وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} والآية كما يقرر السيد محمد حسين الطباطبائي(15)، ليست منسوخة، والذين آمنوا مأمورون بالبر وهو الخير ومنهيون عن العدوان، {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}(16).

من آيات في الحرب والسِّلم يأتي سؤال هل أن الإسلام يقيم حربا أم لا؟ نعم، يقيم حربا، ولكن هل القاعدة عنده الحرب أو غير ذلك؟ ما يُجر إليه وما يضطر إليه الإسلام قد يكون الحرب، وأما ما يخطط له الإسلام وما يقوم على قاعدة فكره، وما يمتلك تأصيلا حقيقيا له من خلال الإسلام هل هو التأسيس لحالة الحرب أم لحالة السِّلم؟ وهل أن حروبا تقع بين الإسلام وغيره؟ بلا شك تقع، وهنا لا نريد نفي حتى الحرب الابتدائية، والسؤال هو هل الإسلام من طبيعته التعطش للدم؟ واستباحة سفك الدم واسترخاص الدم لأي إنسان؟ أو لا يسفك قطرة دم إلا بحق وعن موجب عقلي.

 وهنا أشير إلى ما نمسية بحرب ابتدائية هو في حقيقته حرب دفاعية.

– {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ}(17)، فالكفر الهدنة من قبله وقتيه، والكفر لا ينتظر إلا القوة ليحطم الإسلام، ولا يهادن الإيمان مهادنة دائمة.

 فالكفر في روسيا لم يفعل شيئا، فلو امتدت الدولة الشيوعية لسحقت كل العالم.

 ولو قامت الآن دولة مسيحية متعصبة من المتعصبين الصادقين في دينيهم -حسب تصورهم- لكانت الشتائم على الإسلام وسيكون نفسا محاربا ليس مسلما، وهذا ما نسمعه من التعدي على الرسول (صلَّى الله عليه وآله) وعلى المقدسات ومن يحرق القرآن الكريم.

– {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ}(18) هنا أمر صريح بالقتال {حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} ليس لإنهاء حالة حرب وإنما حالة فتنة، وهذا أوسع من حرب يشنها الكفر {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ} فالمطلوب أن يكون الدين لله، فلا يوجد معبود ثانٍ، لا توجد أي مشكلة من وجود دين المسيحية، فلا تشن حرب على المسيحية أو اليهودية أو المجوسية من أجل أن يكون مسلمين، ولكن على الوثنية التي تذهب إلى الشرك الصريح.

المسيحية اليوم ليست خالية في واقعها اليوم من الشرك ففيها تثليث، ولكن يصوّر بصورة التوحيد، فلهذا الحد يسكت عنهم، ولا تقام حرب من أجل اجتثاث هذه الفكرة، ولكن فكرة أن يقيم نفسه معبودا من غير الله، أو يتخذ صنماً يعبده من دون الله عزّ وجلّ، ويجعله شريكا لله في تدبير الكون فهذا سقوط بالإنسانية ذريع جدا ولا يقبل به الإسلام، {فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ}.

– {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ}(19)، الحرب العدوانية تشن ابتداء لا توجد في الإسلام، وتخلل العدوان في حرب حقة يرتضيها الإسلام ولكن الخروج في أي تفصيل من تفاصيل الحرب عن الحد الشرعي وعن حد العدل إلى الظلم لا يكون.

– {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}(20).

 – {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}(21)، فلا مفر من الاعتراف بأن الإسلام من تعليماته وأحكامه تشريع القتال ولكن ضمن الضوابط والحدود الإسلامية كذلك.

– {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ}(22)، لا لعلاء الشأن القومي، ولا للمكاسب الدنيوية، ولا لتحقيق طاغوتية من الدولة الإسلامية، {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، فأي تطبيق خاطئ لكم فالله عزّ وجلّ يعلم به، فالله سميع عليم في حال أي انحراف في النية.

– {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}(23)، فالقتال هنا مع أهل الكتاب، لكن ليس لإجبارهم على الدخول في الإسلام وإنما {حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} من أجل كسر شوكتهم السياسية الطاغية، فرأي الإسلام هو حتى لا تكون شوكة أي دولة غير إسلامية  وتهدد الإسلام وتساعد على نشر الباطل.  

المحاضرة الثانية أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

 تنبيه: إن بحث (العلاقات الدولية في القرآن) ليس الحديث فيه حول العلاقات بين دولتين إسلاميتين، وإنما الحديث عن علاقة دولة إسلامية بدول غير إسلامية، ذلك لأن القرآن الكريم لم يأتِ ليخلق دولتين إسلاميتين أو أكثر، إنما هي دولة واحدة، ولا يفترض في طرح الإسلام وطرح القرآن الكريم وجود دولتين إسلاميتين فالمفترض هو وجود دولة إسلامية واحدة بإمام واحد.

 ولذلك القرآن الكريم لا يطرح مسألة تشير إلى هذا العنوان (العلاقة بين دولتين اسلاميتين).

وإذا كان هناك كلام عن العلاقة بين دولتين إسلاميتين فربما دخل ذلك تحت الطائفتين المؤمنتين، حينما تكون علاقة احتكاك قائم على العداوة أو قائم على الاختلاف، فهذا الاحتكاك وهذه المواجهة تدخل تحت العنوان السابق (اقتتال طائفتين مؤمنتين) وتعالج على ذلك الأساس.

 إنارتان تعطيهما طائفتان تقدمهما طائفتان من الآيات الكريمة السابقة.

 فتقدّم الطائفة الأولى من الآيات الكريمة إنارة من عدة نقاط لا تنسجم في شيء منها مع تبني الإسلام لمبدأ الحرب في الأرض اشتهاءً، أو كونه دينا للسيف والعنف وإرهاب وإن لم تدخل هذه الطائفة مباشرة في عنوان السِّلم وما شاكل.

وتقدّم الطائفة الثانية إنارة أخرى من عدة نقاط كذلك من مفادها، أن الإسلام رسالة عالمية ورحمة وهداية إلهيتان للجميع، وأن الأمّة الإسلامية تتحمل مسؤولية عالمية، وليس لها أن تنكفئ على ذاتها وأن يقتصر اهتمامها على نفسها وإصلاح شأنها، وإنما لا بد من أن يمتد هداها للعالم كله وتقيم القسط في الأرض، وتجعل الحياة فيها حياة معروف لا منكر، وأن لا بد من محق الكفر، وأن لا يفسح مجال لمعبود غير الله سبحانه وتعالى يأخذ موقعا في الناس.

وهذا مما يحمّل الأمّةَ المسلمة وقيادتها واجب الدعوة إلى الله والأخذ بكل السبل السلمية لتحقيق هذه الأهداف اللازمة من غير استهداف لنشر الحرب في الأرض واشعال حالة الاقتتال وزعزعة الأمن بين عباد الله والأخوة في الإنسانية وشَغل المجتمع البشري بالحروب الطاحنة عن الغاية الكبرى من الخلق وهي عبادة الله سبحانه وتعالى، ومن غير الأخذ بتعميق حالة الخلاف من دين يستهدف أن يكون الناس أمّة واحدة، بعيدة عن الانقسامات والتناقضات [إضرارا] بها، ولكن يبقى السؤال عن مكان الحرب والأخذ بها من باب الضرورة لحفظ الأهداف التي لا بد منها، والتي تعني التخلي عن بعضها التخلي عن التخلي عن إنسانية الإنسان وغاية وجوده، وحقه في الوصول إلى سعادته، وهذا ما يبقي السؤال مفتوحا أمام تقديم الإسلام لاحترامه الإنسان لدمه وحياة بدنه مطلقا، أو تقديم قيمة الحياة المعنوية له والحفاظ على الغاية التي خلق من أجلها؟ أيهما المقدّم في نظر الإسلام؟ المرتبطة بالله وعدم الشرك الصريح به، واتخاذ إله من دونه وذلك عند تزاحم المسألتين وتعارضهما العملي، وعلى طريق طلب الاستيضاح، للإجابة على هذا السؤال نستعرض طائفة من آيات السِّلم، وأخرى آيات في الاقتتال.

 طائفة من آيات السِّلم: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}(24).

الملائكة هنا لا يتكلمون عن جهل وإنما يتكلمون عن علم من عطاء الله عزّ وجلّ، وأن هذا المخلوق بطبيعة تكوينة، وبثائية المادية والروحية، بما له من شهوات، وبما له من انشداد بالحياة الدنيا، وبما عنده من دوافع حب الملك وحب السيطرة وغيرها، ستحدث منه أمور لا تنسجم مع الدور الخلافي له في الأرض، ومن جهة أخرى الله عزّ وجلّ لا يرتقب منه الملائكة أن يخلق مخلوقا في الأرض إلا لإصلاحها وإعمارها، وأن يقوم بالدور الخلافي الصحيح فيها، فلذلك وقعوا في حيرة من التوفيق بين هاتين الرؤيتين الثابتين.

 وواضح جدا هنا أن خلق الاقتتال والتوجه إلى الحرب وإثارة روح القتل في الأرض لا يمكن أن ينسجم مع إرادة الإسلام، ولا يمكن أن يلتقي مع إرادة الله سبحانه وتعالى، وأن يخلق خليفة وينزل إسلاما من أجل أن يثير الاقتتال في الأرض، وأن يحرك العداوات بين الناس، فهذه رؤية تؤسس للسِّلم لا للحرب، تقربنا من أن الأصل في الإسلام هو طلب السِّلم وليس الحرب.

 {من أَجْل ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً}.

 استبشاع وتنديد وإدانة واستكثار من قتل نفس واحدة، وجريمة ضخمة فيما يفهم من عطاء الآية الكريمة أن يقتل الناس بعضهم بعضا، فلا يمكن لهذا الدين وهو يطرح هذا الطرح أن ينادي من جهة أخرى بمن يعتنقه أن عيثوا في الأرض فسادا واقتلوا ومن غير حساب، لا يمكن لهذا الدين وهو يدين القتل هذه الإدانة الشديدة ويستبشعها هذا الاستبشاع العظيم أن يكون الأصل في الأرض هو الحرب.

{وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ}(25) هنا تجريم لحاكم أو متولٍّ يسعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل، فكيف لدين يقول هذا أن يقيم أمة من أجل أن تحارب الآخرين وتفتك بهم.

 {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}(26)، فهنا إدانة واضحة لفرعون وذم واضح له ويسقط قيمته، ويبين سوءه.

 {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ}(27).

لا تدخلك هواجس عن قبول السِّلم وعن الدخول فيه، حينما ترى جنوحا وميلا من الطرف الآخر للسِّلم، وحينما تجد الأجواء النفسية للطرف الأخر مهيئة لدخوله في السِّلم.

 {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}، وهنا آية أخرى ربما فهم منها غير ذلك، ولكن الآية الكريمة الثانية لا تنفي أن يقبل المسلمون السِّلم الذي يدعوا إليه صريحا الطرف الأخر، ولكن قد يفهم منها أنه لا يمكن أن تصدر دعوى السِّلم من الجبهة المسلمة، فهل لا يستطيع المسلمون أن يدعوا الطرف الآخر إلى السِّلم مطلقا؟ أو أن عليهم أن لا يبتدئوها من خليفة خاصة؟ فبعض الفقهاء يرى أنها لا بد أن تأتي من خلفية موضوعية خاصة، فمرة الدعوة تأتي من تقييم موضوعي لميزان القوى بين المسلمين وغير المسلمين.

 ومرة أخرى تأتي هذه الدعوى من باب إظهار إنسانية الإسلام، وحرص الإسلام على حفظ الدم وتقديم صورة غير متهمة للطرف الآخر وتبعد هذه الصورة بالإسلام عن أنه دين السيف، وأنه للإرهاب والعنف.

 وخلفية ثالثة وهي الشعور بالاهتزاز في النفس، هناك ضغط نفسي وليس معه ضعف عملي، وهذه النفسية غير واثقة في الله عزّ وجلّ ولا يوجد تعادل في القوة وهناك احتمال في النصر ولكن النفس وهنت وضعفت.

 فالآية الكريمة كأنها تتناول المنع -فيما يظهر- من خلفية أن الدعوة إلى السِّلم عن خلفية الوهن النفسي، وليس عن تقييم موضوعي قائم على الخبرة والتدقيق باختلال ميزان القوة، وأن ميزان القوة في صالح الطرف الآخر، بما لا يسمح في المنظور البشري، وبما لا يسمح بالتقييم الموضوعي بفرصة النصر، فالنهي هنا عن الدعوة إلى السِّلم من الطرف المسلم إلى الطرف الآخر في حالة أن يكون منطلق الدعوة الإسلامية للسِّلم هو وهن النفس وسقوط العزائم واهتزاز الثقة في الله سبحانه وتعالى.

 طائفة من الآيات تتحدث عن الحرب: – القتال مبدئيا: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}(28).

 القتال هنا فرض، والكتابة إما تكوينة أو تشريعية بمعنى الفرض والوجوب، وتلك تعني الخلق.

 {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ} والسؤال هل في الإسلام قتال؟ نعم، في الإسلام قتال، فكيف نتنكّر عن وجود القتال والحرب في الإسلام أمام هذا النص الصريح؟ هناك من يقول بأن هذه الآية الكريمة مورد نزولها هو الحرب الابتدائية من المسلمين ضد المشركين، ومن هنا لا مجال على ثبوت هذا الأمر من عدمه للتقصي من أن الحرب الابتدائية في الإسلام للملحدين والمشركين عامة مع اختلاف في البين بأن هذه الحرب الابتدائية مشرعة في الإسلام، ولو قلنا عن نزولها فقط نرى بأنه من هذه الآية أن مبدأ القتال قد قرر.

وآيات الحرب من بعد ذلك تنقسم إلى آيات دفاع وآيات جهاد، وجهاد بالمعنى الفقهي الاصطلاحي، وأما المعنى العام للجهاد يشمل حالتي الدفاع وما هو مصطلح عليه فقهيا بالجهاد.

وأما الجهاد بالمعنى الأخص، هو حرب تَقابل وحرب الدفاع، والدفاع مأخوذ من الدفع، فأمامي خطر وعليَّ أن أدفعه وأمنعه عن نفسي، وحالة الدفاع معروفة عند المسلمين وهو لدفع الضرر، فلا خلاف أن الحرب الدفاعية واجبة، وحتى تشترك فيه المرأة وغير المرأة، فمن استطاع أن يشارك فعليه المشاركة، والآيات صريحة في الحرب الدفاعية، والمسلمون جميعا مجمعون على وجوب الحرب الدفاعية، وهذا مبدأ إنساني وتحث عليه الفطرة.

{وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ}(29)، فهذه الآية من آيات الدفاع إذا أخذنا عنوان الذين يقاتلونكم خصوص من دخلوا في المواجة الفعلية للمسلمين.

وهناك فهم آخر {الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} بمعنى الذين من شأنهم أن يقاتلوكم وهم من الرجال غير شيوخ السن والصبيان، وغير المشغولين في صوامعهم.

فأخذنا بالفهم من {الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} الرجال، فالآية الكريمة ليس في خصوص الدفاع تكون وإنما كما تشمل الدفاع فإنّها تشمل الجهاد في معناه الاصطلاحي، فهذه الآية على الأقل تتحدث بالمقدار الذي لا شك فيه أنها تتكلم عن حالة الدفاع.

 وهنا أمر صريح {وَقَاتِلُواْ} فيجب أن يكون القتال في سبيل الله حتى لا يكون انتقاما للنفس، ولا يكون المنطلق في الدفاع عن الأرض بما هي أرض فقط، ليكن الدفاع شريفا ومثوبا جدا، فيجوز لي الدفاع عن أرضي وعن نفسي ولكن فليكن في سبيل الله تبارك وتعالى.

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ}(30) هناك حادثة تقول بأن حربا حدثت بين مؤمنين ومشركين حدثت في الشهر الحرام، فقتل المؤمنون الكفار وهذا القتل من المؤمنين للمشركين مدين وغير مرضي.

{قِتَالٍ فِيه} القتال حدث وهو ملوم.

{قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ} وهنا عيّر المؤمنون الكافرين بهذا القتل الذي حدث على أيدي المؤمنين في الشهر الحرام، ولكن الآية الكريمة نبهت أن هناك صد عن سبيل الله وكفر بذلك السبيل، {وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ}.

{وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ} إذا كان هناك قتل مدان من المؤمنين للمشركين في الشهر الحرام في نزاع بينهما وهذا مسجل على المؤمنين، فالمسجل على المشركين أكبر وهو {وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ} وهو إخراج أهل المسجد الحرام منه وهو ما فعله المشركين، وما هو الأكبر من الإخراج هو الفتنة التي يقوم بها المشركون للمؤمنين، مثل الدعوة إلى الكفر وإقامة كيان منطلقه الكفر هو نفسه يدعو إلى عدم توحيد الله عزّ وجلّ، ويضاد الغاية من الخلق وهي عبادة الله وتوحيده الله عزّ وجلّ.

هذا الفتنة وهي وجود كيان يهدد الإيمان، ويبري بالكفر وكل أوضاعه تدعو إلى الكفر، كل الحضارة أتى يقيمها ذات مظاهر كفر ومشجعة على الكفر، ومضادة للإيمان، فهذه الفتنة أشد من الإخراج من المسجد الحرام والذي هو أشد من القتل.

 {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ} وكأنّ المسألة مسألة امكانات فقط، ومسألة ظروف مناسبة أو غير مناسبة عند الكفر لقتال المسلمين لردهم عن دينهم، فهذا كله يستوجب مناهضة الكفر.

 آيات في الجهاد الاصطلاحي: وهو شن حربٍ، حربٌ ابتدائية في سبيل الله وليست للتوسع في الأرض، وليست للتوسع الاقتصادي، وليست لفرض الهيمنة السياسة القومية، ولا لفرض أي هدف من أهداف الدنيا، وإنما يجب أن تكون هي حرب في سبيل الله.

{فلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}(31)، أنتم مسلمون ويفترض فيكم أن تشروا الحياة الدينا -أي تبيعونها- من أجل الآخرة، فتشترون الحياة الآخرة بالحياة الدنيا، فمِن هذا المنطق عليكم أن تقاتلوا في سبيل الله، ويأتي الوعد الكريم الجميل {فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} وهنا إغراء إلهي لهذا القتل، فهنا أمر بالقتال وإغراء عن طريق الثواب العظيم به من الله.

فيبقى سبيل الله، فهل يشمل حالة الحرب الابتدائية إذا كان هدفها هو إقامة كيان توحيديّ في الأرض لا يزاحمه الكفر، وقطع دابر الكفر في الأرض.

 نحن كبشر كلنا نحترم الجسد ولكن قد تخفى علينا كثيرا قيمة الروح.

 يوجد الآن دفاع عن حقوق الإنسان تقرّه الحضارة الحديثة، وتفاخر به الدول الكبرى أنها تدافع عن حقوق الانسان، وتشن أمريكا والغرب حربا من باب دعواهم لا لطلب المصالح المادية وإنما هناك حكومة معينة وصلت من انتهاكها لحقوق الإنسان بما لا يطاق ويسكت عليه.

 فأمريكا والغرب يشنون حربا من أجل هذا الوجه، والضمير الإنساني مع هذا، ومبدأ التدخل في الشؤون الداخلية لدولةٍ ما لا يصمد أمام حالة انتهاك صارخ لحقوق الإنسان بحيث أن شعبا يعذّب العذاب الشديد، من مطاردة وتهجير بحيث يستقبح العالم هذا الأمر، فهنا الضمير الإنساني لا يتوقف عن شن حرب لإنقاذ هذا الشعب، وهنا حماية أجساد وأموال وحالة توطّن.

 لبّ الإنسان وروحه، وقيمته في معرفته لله عزّ وجلّ وارتباطه به، وربحه الأكبر في عبادته لله عزّ وجلّ، وخسارته الكبرى في انفصاله عن الله عزّ وجلّ، وكل دنياه لا تساوي شيئا أمام شأن آخرته، هذا منسي ولكن القرآن لا يمكن أن ينساه، والإسلام لا يمكن أن يهمله، وهنا حينما يذهب القرآن إلى حرب ابتدائية لا تبقي للكفر ظهوراً في الأرض، فالقضاء على الكفر في النفوس هذا ليس هو المطلب.

فالقول بأن الحرب الابتدائي لإزالة كيان الكفر فليس المعنى من ذلك أن لا يبقى كافر في نفسه وفي داخله، لكن بحيث لا يكون هناك تقوّل على الإسلام، وما هي الصورة التي يعرضها الإسلام؟ والجهاد الابتدائي عليه جميع المسلمين، وعليه الإجماع بقسميه كما يقول صاحب الجواهر، بل لا يبعدُ أن يكون من الضرورات الإسلامية.

 ولا يُدرى هل هناك من المسلمين جميعا من يرى عدم مشروعية الحرب الابتدائية أو لا؟ هنا الكلام حول مبدأ الحرب الابتدائية -بغض النظر عن تفاصيلها- ومتى يسمح به؟ ومتى يمنع؟ ومتى يجب؟ ومتى يكون مرخصا؟ فهل الإسلام أقرّ مبدأ الحرب الابتدائية بشكل إجمالي أم لا؟ فهذا محل اتفاق وإجماع ويكاد أن يكون من الضرورات.

هل لجعل الكل واحدا واحدا في داخل نفسه، ولا تقف الحرب حتى نتأكد من أنّ الإسلام قد دخل في كل نفس؟ فهذا لا نملكه، وإنما ما نملكه هو أن لا تُظهر كلمة الكفر، وعدم قيام كيان منطلق من الكفر وداعم له ومؤسس عليه، فهذا ما تملك الحرب الابتدائية وكل المحاولات أن تفرضه  لو استطاعت، فأما زرع الإسلام  في النفوس فله طريقته الأخرى.

 ومن سيبقى للنار؟ لو أراد الله عزّ وجلّ للإيمان أن يدخل كل نفس بشكل قهري لفعله، فبدل أن نكره الناس على الدين الله يكرههم على الدين، والحرب لا تكره على الدين.

 آيات في القتال في سبيل الله: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(32)، القتال درء لكلمة الكفر.

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ}(33)، ووجود الكفر فتنة تواجه حالة الإيمان، فإذا كانت أكبر من الإخراج من المسجد الحرام، ويجوز للمسلمين أن يقاتلوا من أخرجهم من المسجد الحرام، فيجب عليهم القتال لما هو أعظم وهو الفتنة التي [هي] أكبر من الإخراج لأهل المسجد الحرام منه.

{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِين}(34)، المطلوب اجتثاث الفتنة من الأرض، والمطلب النهائي أن يكون الدين لله، فالطاعة والعبادة الظاهرية لا تكون لصنم أو وثن، ولا يكون هناك إلحاد ظاهري {فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِين} والانتهاء هنا بإظهار الإسلام، هذا ما يفهمه المفسرون والفقهاء.

 قتال أهل الكتاب: ذاك قتال من أجل إعلان كلمة الإسلام، ومن أجل أن لا يكون هناك شرك صريح في الأرض، ويقاتل الإسلام من أجل اجتثاثه، ولكن هناك شرك ليس صريحا وهو ما عليه النصرانية والمجوسية واليهودية، وأما الصابئة كما يقول صاحب الميزان -أعلى الله مقامه- الصابئة فرقة من المجوسية مالت عنها إلى المسيحية، فهؤلاء المجوس ليسوا من أهل الكتاب وإنما عندهم شبهة كتاب، فهؤلاء لا يقاتَلون إلى هذه النهاية -نهاية أن يعدلوا عن شركهم-، المحاولة أن يدخلوا الإسلام ولكن إذا لم يريدوا فلا يقاتَلون من أجل أن يدخلوا الإسلام، ولكن ما يفهمه المفسرون والفقهاء يرون أن وجود كيان حاكم مسيطر في الأرض غير الكيان الذي ينطلق من الرؤية الإسلامية والرؤية التوحيدية الخالصة، فهذا مطلوبه عدمه، وهذا يتحقق بدفع الجزية، وهذا يخضع لحكم الإسلام، فيبقى على نصرانيته ويتمتع بحقوق خاصة كما هو المعروف بأهل الذمة، وكما هو معروف عند أهل الأرض أن هناك فئة تسمى أهل الذمة في مفهوم الإسلام.

قتال الكفار لكفرهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}(35) لا تذكر الآية أنهم قاتلوا أو شنوا حربا، وإنما لأنهم كفار وهذا وصف تعليلي {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} والكلام حول الدول الأقرب الكافرة، {وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} فأطراف البلاد الإسلامية قاتلوا الذي يلوونهم من الكفار وانتصروا، وصار البعيدون نوعا ما الآن يلوون المسلمين من الأرض الإسلامية الجديدة فوجب قتالهم، فهذا يدل على أن قتال {الَّذِينَ يَلُونَكُم} لا يتوقف، فكلما وصل الإسلام إلى حد كانت له بلاد مجاورة من بلاد الكفر، فإذا كان قتال {الَّذِينَ يَلُونَكُم} مطلوبا فإن قتال هؤلاء الجدد يكون مطلوبا، فالآية الكريمة تأمر بقتالهم حتى تطهر الأرض من الكفر الظاهري.

{وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً} معناها شراسة خلق؟ وفضاضة خلق؟ وسخف خلق؟ لا، وإنما قوة شكيمة وقوة إرادة وقوة عزيمة وشجاعة وليس سوء خلق.

النتيجة: أن الإسلام لا يؤسس للحرب، وإنما تأسيسه للسِّلم البدني والروحي أي السِّلم الشامل، ويبقى الإنسان على حريته التامة غير مؤثرة عليه في اختياره الداخلية لخط الايمان أو خط الكفر، فالسعي بالسِّلم، ورفع السيف لا يكون إلا عند الضرورة.

ويأتي أمر أن يتعارض سلم الأبدان مع سلم الأرواح، فإما على الإسلام الكف عن استعمال السيف ويقبل بتمدد الكفر في الأرض، وانتفاء الغاية الكبرى من الخلق {وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون}(36) وانهدام القسط والأمن في الأرض، لا أمن مع الكفر، فلا الرأسمالية تخلق أمنا صحيحا حتى على المستوى البدني والمالي والاجتماعي، ولا الشيوعية أسالت دماء، ولا كل القوانين في الغرب لا تضبط العملية، وخمس دقائق تطفئ في الكهرباء في نيويورك يخلق كارثة هناك، وهناك الدم يحرس بالسلاح، فطالب يقتل في المدرسة، ومدرس وطبيب يقتل وغيرهم، فحتى السِّلم البدني مفقود.

الإسلام يرى في احترام حقوق الانسان، وقد تصل على يد حكومة من الحكومات مع شعبها إلى حد أن تعطي ذريعة لكل العالم أن يتدخل وحتى العالم الطامع يتدخل من باب مطامع خاصة، ولكن معمر القذافي شاركوا في اسقاطه وجاءت طائراتهم للحرب عليه بحجة أن وجوده مهدِّد لحقوق الإنسان بشكل لا يطاق.

 فهل حقوق الإنسان في البدن فقط؟ فالإسلام يكفل حق الإنسان في الاحتفاظ بغاية الخلق، وحتى لا يخسر سعادته وراحته في الدنيا وتكون المجتمعات فوضى وخاضعة لأنواع أخرى من الاحتراب، وحتى لا يخسر الجنة التي هي أكبر ويخسر حياة الخلود، فيقوم بحماية الإنسان في هذا الجانب، فيقبل أن يشن حربا ابتدائية.

التعارض بين أن يكف الإسلام عن استعمال السيف ويترك الأرض لتتجه كيفما شاءت، وأن يأخذ الكفر مساحة متمددة في الأرض إلى أن يسطر، وهذا ما يُرى الآن، فكثير من المسلمين انهزموا وفقدوا ثقتهم في دينهم، ومالوا إلى الغرب حينما قامت حضارة مادية عملاقة في الغرب من منطلق الكفر!! هذا نوع من الدعوة الصامتة، ولكن في حقيقة الأمرِ الأمرّ الكفر دعوته ليست صامته فقط، يستخدم كل الأساليب، من الاستعمار الموجود وعنوان حقوق الإنسان والإرساليات ودعوات التبشير.

 فعند تعارض الأمرين هل يقدم الإسلام الحفاظ على كل قطرة دم في الأرض؟ وهي غالية ومقدرة في الإسلام، فهل يقدم هذا الدم مطلقا على توحيد الله وعبادته، وسعادة الإنسان في الدارين؟  أو أن يقدم انقاذ الإنسان من شقاء الأبد وخسارة إنسانية ويكون من انفصاله عن ربه سبحانه وتعالى ولو كلف ذلك في الدخول في حرب؟ فما يجمع عليه فقهاء المسلمون وما تدل عليه نصوص الكتاب والسنة هو التضحية بالقيمة العالية لدم الإنسان، فدم الإنسان بما هو إنسان عزيز على الإسلام ولكن يضحى بقيمة هذا الدم لما هو أغلى وهو من أجل أن لا يسود الكفر في الأرض وينسى الإنسان ربه، وحين ينسى ربه ينسى نفسه، وينسى دوره وينسى غايته.

المصادر والمراجع

  • (1) هذا القسم هو عبارة عن محاضرتين ألقاها سماحته في جمعية التوعية الإسلامية في البحرين بتاريخ 6/مايو/2013م و 2/يونيو/2013م.
  • (2) التي يرضاها والتي لا يرضاها.
  • (3) الثقافية ذات البعد العقائدي فهذه لا تتأثر.
  • (4) هل هو القطعية والانفصال، أو الالتقاء والاتصال في الحرب أو السِّلم؟
  • (5) سورة الإسراء، الآية 70.
  • (6) سورة المائدة، الآية 16.
  • (7) سورة البقرة، الآية 21.
  • (8) سورة الأنعام، الآية 107.
  • (9) سورة النساء، الآية 1.
  • (10) ما يفهم من الآية  أن لا بد أن ترحموا وأن تتقوا الله الذي تسألون به في هذا الأمر.
  • (11) الكتاب السماوي هنا نوعا وليس شخصا.
  • (12) سورة البقرة، الآية 213.
  • (13) سورة الروم، الآية 22.
  • (14) سورة الذاريات، الآية 56.
  • (15) أعلى الله مقامة.
  • (16) سورة المائدة، الآية 2.
  • (17) سورة البقرة، الآية 217.
  • (18) سورة البقرة، الآية 193.
  • (19) سورة البقرة، الآية 190.
  • (20) سورة النساء، الآية 74.
  • (21) سورة البقرة، الآية 216.
  • (22) سورة البقرة، الآية 244.
  • (23) سورة التوبة، الآية 29.
  • (24) سورة البقرة، الآية 30.
  • (25) سورة البقرة، الآية 205.
  • (26) سورة القصص، الآية 4.
  • (27) سورة الأنفال، الآية 62.
  • (28) سورة البقرة، الآية 216.
  • (29) سورة البقرة، الآية 190.
  • (30) سورة البقرة، الآية 217.
  • (31) سورة النساء، الآية 74.
  • (32) سورة البقرة، الآية 244.
  • (33) سورة البقرة، الآية 217.
  • (34) سورة البقرة، الآية 139.
  • (35) سورة التوبة، الآية 123.
  • (36) سورة الذاريات، الآية 56.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى